تمهيد :
إن الدراسة الفعالة في التواصل، هي التي ترتبط بالتحليل الناجح لأي نوع من الخطاب(*) الذي يشكل وحدة تواصلية تامة، سواء كان ملفوظا أو مكتوبا، وسواء كان كلمة، أو جملة صغرى أو كبرى ـ في مختلف العلوم النظرية والعملية مثل المنطق، والفلسفة، والأدب، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وهلم جرا. ولعل متصفح اللسانيات وخاصة التداوليات يجدها أضحت تهتم بمجموعة من الخطابات في ذاتها وفي علاقتها بحقول معرفية أخرى، ومن بين تلك الخطابات، نجد البلاغة التي أبانت بجدارة المكانة المهمة التي تحتلها، ودورها الفعال في كل نشاط إنساني، حيث اعتقدت فئة عريضة من الناس بأنها معرفة مهمشة متجاوزة وزائدة، ولكن على العك من ذلك، فه وليدة اللغة اليومية، توجد داخل المدرسة وخارجها، لتحضر في التلفزة، والإشهار، والسياسة، والمواعظ الدينية … ولا تقتصر على الإنسان العادي، بل تتعداه إلى النخبة الثقافة التي تزخر كتاباتهم بالوجوه البلاغية، إذ لا يكاد خلو منها أي خطاب إلى درجة تجعلنا نعرف الإنسان كما يقول "رولان بارت" بأنه حيوان بلاغي(1)، وقد أشار الأستاذ الدكتور "عشير" بقوله: "إن الإنسان لا يفكر أو يتفلسف أو يكتب أدبا أو غيره، بمعزل عن العالم، إنه في تواصل فعال مع محيطه الخارجي، وما يحتويه من مؤثرات، ومحفزات، وإكراهات، ومن هنا يدخل الجانب البلاغي كآلية رئيسية في تشكيل الخطاب لتحقيق تواصل مميز ومثمر بين الناس، واليوم نعيش عودة قوية للبلاغة، إنها تعرف حضورا متميزا في مشهد علوم التواصل"(2).
وسنحاول بذلك تجاوز النظرة الكلاسيكية لعلم البلاغة التي ظلت مرتبطة بمفهوم الصواب كهدف يضعه البلاغي نصب عينيه، وهذا ما يسميه تمام حسان بالمعيارية(3). فقد حان الأوان لتجاوز هذا الإطار الأخلاقي ذي الأبعاد المعيارية، وهو إطار يحاصر فيه رجل البلاغة التقليدي نفسه بإعداد وصفات جاهزة لتحسين الكلام، وتنسيقه، ليعانق مفهوما أكثر شمولية وانفتاحا من جهة، وتشعبا وعمقا نظريا من جهة أخرى. ولهذا يجب توسيع التعابير البلاغية وتقنياتها، حتى تصبح أكثر شمولية، وذلك عن طريق احتوائها لكثير من العلوم اللغوية، والمقاربات المعرفية، ويمكن تصورها كذلك مجالا جديدا، لا يقتصر على اعتبار البلاغة مجرد نظرية لإنتاج الأفكار أو الممكن منها بل تقنية للإقناع، تتكون من "مجموع القواعد والوصفات التي يتيح استخدامها إقناع سامع الخطاب(وفيما بعد قارئ العمل)، حتى لو كان ما ينبغي إقناعه به كاذبا"(4).
(1) الإيجاز، أو المساواة، أو الإطناب :
قصد التعبير عما تفكر به ذات المتكلم، هناك عدة تعابير تتجلى في تأدية المعنى المراد بلفظ، أو ألفاظ مساوية لهذه المعاني، أو ناقصة عنها وافية، أو زائدة عليها لفائدة. فالبليغ حسب مقتضيات الأحوال والمقامات، قد يسلك طريقا وسطا بين بين، هو طريق المساواة، وقبل أن ننتقل إلى رصد الأبعاد المعرفية والتداولية لهذه التعابير لا بأس أن نقف على تعاريف اللغويين العرب، لما لهم من فضل في هذا المجال من الآراء والمفاهيم، التي تكثر الحاجة إليها وتضر الغفلة عنها. يمكن القول، إن مفهوم الإيجاز عند معظم الأدباء والبلغاء من أمثال "السكاكي"(5) و"القزويني"(6) وغيرهما ـ رغم اختلاف صيغ التعبيرـ قد اتخذ مفهوما موحدا بين هؤلاء وهو: "جمع المعاني الكثيرة تحت الألفاظ القليلة مع الإبانة والإفصاح".(7) ويقصد بالمساواة : "أن يكون اللفظ بمقدار أصل المراد لا ناقصا عنه بحذف أو غيره، ولا زائدا عليه بنحو تكرير أو تتميم أو اعتراض(8).أما الإطناب، فهو: "زيادة اللفظ على المعنى لفائدة"(9).
ما يجب الإشارة إليه، هو أن قضية الإيجاز، أو الإطناب، أو المساواة أثناء إنشاء الكلام لإفادة معنى معين، مرتبط أشد الارتباط بفكرتين، تعتبران اليوم أنبل ما وصل إليه علم اللغة الحديث في بحثه عن المعنى الاجتماعي الدلالي التداولي؛ إنهما فكرتا المقام والمقال، والجدير بالذكر أن علماء اللغة ربطوا بين هاتين الفكرتين بعبارتين شهيرتين وأصبحتا شعارا يهتف به كل ناظر في المعنى، وهما لكل مقام مقال، ولكل كلمة مع صاحبتها مقام(10)، وهذا في حقيقة الأمر اهتمام بما يسمى بالمعنى الوظيفي. ومن هنا، نخطئ حين نعتبر البلاغة جمالية للغة، وإنما هي أيضا فلسفة التفكير، وثقافة المجتمع، وأسلوبية الحوار، وقد أشار إلى هذا "بارت" بقوله: "فلفظ البلاغة يمتلك دلالة مزدوجة: فهي أداة محاججة ووسيلة تفكير وتقنية للإقناع، إضافة إلى كونها فن القول، وجودت الحديث"(11)، وكما ذهب إلى ذلك الأستاذ "عشير" بقوله: "لقد عادت البلاغة اليوم، وتباينت وجهات نظر المشتغلين بقضاياها، كما حفل تاريخها الطويل بالصراع المحتد باعتبارها فنا للتعبير، أو فنا للإقناع، تجاذباها بشكل مستمر وحاد، فحين يتسع مجال النقاش الديمقراطي تهيمن كفن الإقناع (أرسطو محاكم أثينا، ومجالس الشعب)، وحين يتقلص مجال الحريات ترتكن في الأديرة والمعابد كفن للتعبير والإعجاز(البلاغة العربية والبلاغة الكلاسيكية في عهد سلطة الدين (كاثوليكية)"(12). ومعنى هذا أن البلاغة مبحث، يهتم بفن الإقناع في مكوناته وبتقنياته في استنباط الحجج ومعالجتها وبثها، ومن هذه الزاوية نجد البلاغة اليوم في ارتباط وثيق بالتداولية، ويمكن أن نطرح سؤالا:
ألا يمكننا دراسة هاته التعابير ضمن إحدى النظريات اللسانية الحديثة؟
من الممكن أن ندمج مباحث علم البلاغة، لتشكل ما يمكن تسميته علاقة اللفظ بالمعنى، على اعتبار أنه لا يمكننا دراسة أحدهما بمعزل عن الآخر، وربما كان هذا السبب الذي جعل تمام حسان (1994) يعنون كتابه بـ "اللغة العربية معناها ومبناها"، للإشارة إلى تلازم المعنى والمبنى، محاولين قدر الإمكان ربط المعنى بالمشكلات الفلسفية الكبرى التي يثيرها موضوع المعنى من حيث علاقة المعنى بالشخص، وكيفية تكونه في الذهن، ودور الإحساس في خلق المعنى وغيره من المباحث التي تلتقي بمجالات الفلسفة، والمنطق، وعلم النفس، واللسانيات. وفي كتاب "الاستعارات التي نحيا بها" إشارة إلى الآليات التي تجعل الخطاب بين المتحاورين ممكنا، حيث ورد: "عندما لا يشترك الناس الذين يتحاورون نفس الثقافة، ونفس المعرفة، ونفس المسلمات، فإن الفهم المتبادل يكون صعبا. إن هذا الفهم يكون ممكنا من خلال التفاوض بشأن المعنى، ولكي تتفاوض مع أحدهم بشأن المعنى عليك أن تعي الاختلافات في الخلفيات وتحترمها."(13)
وقصد الإجابة عن السؤال السابق، نرى أن التعابير المرتبطة بـ "الإيجاز، أو المساواة، أو الإطناب"، يمكن معالجتها معالجة تداولية ضمن (أو داخل) ما سمي بـ "نظرية الأفعال اللغوية" التي وضع أسسها "أوستين"، وأقام بناءها "سورل"، ووسع مجالها "غرايس" وآخرون. وأشار "طه عبد الرحمن" إلى أن الفكرة الأساس لهذه النظرية إجمالا، هي أن الجمل اللغوية لا تنقل مضامين مجردة، وإنما تؤدي وظائف تختلف باختلاف السياقات والمقامات المتنوعة(14)، وقد وضع "غرايس" مجموعة من القواعد التي اعتبرها مرتبطة بكل حوار لغوي، وهذه القواعد الأربع يحكمها مبدأ عام، هو مبدأ التعاون principe de coopération، الذي ينص على أن المبادلات الكلامية لا تتكون عادة من سلسلة من التصريحات المتنافرة، بل تتميز بكونها جهدا تعاونيا، يرمي فيه كل مشارك تحقيق هدف أو مجموعة من الأهداف المشتركة، وهذا الهدف أو الاتجاه يمكن أن يحدد منذ البداية ويمكن أن يظهر أثناء التبادل، وقد يكون محددا واضحا، أو مبهما يترك تباعدا كبيرا بين المتشاركين(15)، ويهدف من خلاله "غرايس": "إعطاء نظرة عن التواصل والطريقة المثلى المؤدية إلى نجاحه، وبالتالي التنبيه إلى مظاهر المعنى، التي لا تحكمها قواعد لغوية (الدلالية منها على الخصوص)، بل يحكمها إنجاز الملفوظ في سياق معين مبني على أساس احترام بعض المبادئ العامة للتواصل(16). ومقتضى هذا المبدأ، أن يتعاون المتخاطبان في الوصول إلى الغرض المطلوب من دخولهما في العملية التواصلية، ويمكن أن نميز فيه بين أربع قواعد، تندرج تحت كل قاعدة قواعد جزئية أكثر دقة، ويسميها "غرايس" تبعا لـ "كانط": الكم، والكيف، والورود، والكيفية.
قاعدة الكم (quantité):ترتبط بالقدر الإخباري، وتندرج تحتها القاعدتان الآتيتان.
1 ـ لتكن مساهمتك إخبارية بالقدر المطلوب.
2 ـ لا تجعل مساهمتك الإخبارية تتجاوز المطلوب.
ـ قاعدة الكيف (qualité): وتضم قاعدة كبرى تتجلى في: "حاول أن تكون مساهمتك صادقة". ولها قاعدتان أكثر دقة.
1 ـ لا تقل ما تعتقد أنه خاطئ.
2 ـ لا تقل إلا ما تقدر على إثباته.
ـ قاعدة الورود (relation): ويسميها الأستاذ "طه عبد الرحمن" ب "قاعدة العلاقة"؛ بمعنى مراعاة المناسبة في الكلام، أي "ليكن كلامك واردا".
ـ قاعدة الكيفية (modalité): ويسميها "طه عبد الرحمن" ب "قاعدة الجبهة" وتضم القاعدة الكبرى، "كن واضحا"، وقواعد أخرى:
1 ـ دع الغموض
2 ـ دع اللبس
3 ـ كن موجزا (تجنب الحشو)
4 ـ كن منتظما(17).
ومن البديهي، أن يكون احترام بعض هذه القواعد أكثر وجوبا من احترام غيرها، فالشخص الذي يتكلم كثيرا يكون أقل عرضة للنقد من ذلك، الذي يثبت ما يعتقد أنه خاطئ(18). وقد أشار "غرايس" في المقال نفسه ـ المنطق والحوار ـ إلى أن تلك القواعد ذات قيمة أخلاقية، حيث ترتبط بالبعد التعاملي للتواصل اللساني، لكي تعطيه القيمة العملية، وتنفي عنه ما يتعارض مع المصالح المشتركة والنبيلة بين المتخاطبين، وهو ما عبر عنه "عبد المجيد جحفة "بـ "وقد استخرج"غرايس" بعض "مبدأ الحوار"(principe de conversation) ، وهي عبارة عن مبادئ تعاون نجعل بها، ونتنبأ أن نجعل بها التواصل سهلا. ويعطي خرقا هذه المبادئ استلزاماimplicature عند المتكلم بصدد ما يقصده؛ وهذا الاستلزام نحتاجه لفهم السبب في تلفظ المتكلم بهذا القول أو ذاك، أو لفهم الكيفية التي أنتج بها المتكلم قوله(19)، وما يجب أن ننبه إليه أن ظاهرة الاستلزام الحواري ـ في نظر "غرايس" ـ تحصل حين يتم خرق إحدى القواعد الأربع مع احترام "مبدأ التعاون" الذي فتح بابا واسعا في تطوير التداوليات اللغوية، وتنويع الدراسات المتعلقة بموضوع التواصل الإنساني(20).
نستنتج من هذه القواعد المقترحة، أن العملية التواصلية تقتضي من المتكلم، أن يعقد رسالته في متناول المخاطب وحسب مقامه، حتى لا تكون عملية التأويل معقدة، وتتطلب مجهودا كبيرا، ينتهي بنتائج احتمالية، لأن المخاطب يجد نفسه أمام عدد محتمل من الافتراضات، تجعله يقف حائرا في اختيار الافتراض المناسب، لذا يفترض ألا يكون كلام المتكلم ملتبسا، إذ يجب عليه أن يجعل المخاطب، يخفف من الجهد الذي يبذله في تأويل الملفوظ، بغية الوصول إلى المعنى المقصود، ومتى بدأ من أحدهما ظاهر الإخلال بهذه القاعدة أو تلك، وجب على الآخر أن يصرف كلام محاوره عن ظاهره إلى معنى خفي يقتضيه المقام.(21) علاوة على ما قلناه، فقد صرح "طه عبد الرحمن" في موضع آخر أثناء حديثه عن قانوني "التعرف على الاقتضاء"بضرورة وجود أو توفر قانونين تخاطبيين اثنين في أي خطاب وهما:
قانون الاختصار: يقضي هذا القانون بأن يضمر الملقي في كلامه ما دلت عليه القرائن، مقالية كانت أو مقامية، بحيث قد يفضي التصريح به للمتلقي إلى أن يطلب فيه هذا الأخير معنى غير المعنى الذي سيق له هذا الكلام(22).
قانون حفظ المقتضى: يوجب هذا القانون أن يبقى المقتضى محفوظا في القول، متى تقلبت عليه أساليب الكلام، إن خبرا أو إنشاء، إيجابا أو سلبا، بحيث يبقى في مقدور المتلقي أن يجد لكل صيغة أسلوبية يرد فيها القول المقتضِي تأويلا يلزم منه وجود المقتضَى (23). وفي حديثه عن دلالة الدلالة وقواعد التخاطب ضمن ما سماه بـ :"الخاصية الاستلزامية لدلالة الدلالة" أكد "أن دلالة الدلالة هي استلزام القول لمعنى تابع للمعنى العباري مع توسط دليل مشترك تكفي في إدراكه معرفة قواعد التخاطب ومن غير توقف فائدة القول على هذا المعنى(24).
ومثّل لذلك بقوله تعالى: فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما.(25) وما يمكن استخلاصه من الآية الكريمة، هو النهي عن التأفف والنهر، فمعرفتنا بقواعد التخاطب تجعلنا ندرك أن الدليل الذي أفضى إلى هذا النهي يفضي إلى النهي عن ما هو أشد من التأفف، مثل الشتم، والضرب، والقتل، والحبس؛ ليكون المعنى المراد من الآية، هو منع الإيذاء بجميع مراتبه، حيث " إن نفي الأقل يلزم عنه نفي الأكثر ما لم يوجد ما يمنع من ذلك"(26). هكذا نصل إلى نتيجة، مفادها أن قواعد الخطاب، التي حددها "غرايس" تساعدنا في دراسة التعابير بتقنية حديثة، يكون فيها معيار الحكم على الكلام، بأن فيه إيجازا، أو إطنابا، أو مساواة، هو أداء الحاجة من المعنى.
(2) التقديم والتأخير :
إن مراعاة الجانب التركيبي لا يمكن أن نتجاوزه، أو نغفله في وصف الألسنة الطبيعية، حيث يفرضه المقام التداولي نظرا لدوره الحاسم في توجيه المعنى، مثل مجموعة من الظواهر التركيبية كالتقديم أو التأخير، والفصل أو الوصل. ولعل متصفح كتاب "عبد القاهر الجرجاني"(27) بإمعان النظر يلمس اهتمامه البالغ بنظرية النظم أو التأليف، جعلته يضع فصولا في كتابه "دلائل الإعجاز" يذكر فيها العلاقة بين أنواع الكلم في التركيب؛ فكل جملة تأخذ معناها من سياق الكلام وتستند على مقام تداولي، اعتمادا على مجموعة من قواعد النحو التي تخزن في القالب النحوي، وتختلف باختلاف اللغات، وذلك أن كل لغة تقوم على عدة آليات ومكونات لسانية.
يعتبر التقديم والتأخير من جملة الخصائص التعبيرية، وقد أشار "الجرجاني" في كتابه "دلائل الإعجاز" إلى أن هذا الباب له فوائد كثيرة، وتصرف واسع، وغاية بعيدة(28)، لأنه قد يعرض لبعض الألفاظ في بعض التعابير مزايا تدعو إلى تقديمها أو تأخيرها، فالمقام التداولي يوجب تغييرا داخل النظام ليكون المقدم مشيرا إلى الغرض، الذي يوحيه ذلك المقام، ومترجما عما يقصده المتكلم، فالتقديم والتأخير قضيتان شكليتان لسانيتان، يأتيان من تغيير في الرتبة التي يكون لها أثر في الدلالة، ويعتبران مكونان شكليان يدخلان ضمن العناصر الشكلية اللسانية، ويأتي تقديم الشيء كما أشار "الجرجاني"على وجهين :
1- تقديم يقال إنه على نية التأخير، نحو خبر المبتدأ، إذا قدمته على المبتدأ، والمفعول إذا قدمته على الفاعل، كقولك على التوالي:" منطلق زيد"، و"ضرب عمرا زيد".
2 - تقديم لا على نية التأخير، ولكن على أن تنقل الشيء عن حكم إلى حكم، وتجعل له بابا غير بابه، وإعرابا غير إعرابه، وذلك أن تأتي باسمين يحتمل كل واحد منهما أن يكون مبتدأ أو خبرا، مثل: زيد المنطلق"، و" المنطلق زيد"، وكذلك مثل "ضربت زيدا"، و" زيد ضربته"، حيث إن " زيدا " ليس مفعولا منصوبا بالفعل كما كان، وإنما هو مبتدأ(29).
لقد ارتبط مفهوم التقديم عند النحاة بالعناية والاهتمام، إلا أن "العناية قد تفقده بذلك قيمته التداولية، ذلك لأن التقديم لا يأتي لإبراز الفائدة من الكلام، أو عدم الفائدة، وإنما يأتي لتمييز المعاني المختلفة، التي تدور في ذهن السامع والتي يريد إيصالها إلى المستمع"(30)، فهو يرتبط، إذن بعناصر العملية التواصلية، وكل ما يحيط بها من متكلم، ومخاطب، ومقام ... ويمكن أن نذكر بعض النماذج في التقديم والتأخير على سبيل التمثيل فقط لا الحصر.
أ – التقديم والتأخير في الاستفهام بالهمزة في الفعل والاسم :
يبدو أن القولين:" أفعلت"، و" أأنت فعلت"، يختلفان من حيث المعنى، ومن حيث الوظيفة التداولية؛ فإذا قلت:" أأنت فعلت ذاك"؟ كان غرضك أن تقرره بأنه الفاعل، وفي قولك" أفعلت" فالاستفهام على الفعل، وله معنى الشك في الفاعل من هو، دون أن يعرف هل تحقق الفعل أم لا، أما"أأنت فعلت"، فهناك تقرير بالفعل من غير توهم بأن الحدث غير موجود، كما في القول الأول بدلالة أن الفعل واقع(31)، وهو بذلك قول إنجازي يريد من خلاله المتكلم الإجابة التي تقطع الشك، حيث يقول "جون سرفوني"في هذا الصدد:" فعندما أطرح سؤالا فإني أفعل شيئا، ما عدا إخبار المتلقي برغبتي في المعرفة، إنني أجبره على الإجابة، أقدم له دورا في الوقت الذي أختار فيه دورا آخر لنفسي"(32).
ويأخذ الاستفهام في تقديم الاسم وتقديم الفعل معاني أخرى، ذات أبعاد تداولية منها :
الإنكــار: نحو" أأنت قلت الشعر؟ " تنكر على المخاطب قول الشعر، ويفيد هذا الإنكار، " تنبيه السامع حتى يرجع إلى نفسه فيخجل ويرتدع"(33).
النفــي: مثل: "هو قال ذلك على الحقيقة، أم أنت تغلط ؟"، فهنا نفي القول عن الفعل، ونحو كذلك:"ما أمرتك بهذا ؟ حيث تسلطت "ما" على أمرتك، إذن فغرضها نفي الأمر، ويمكن أن نستدركه بقولنا:"بل نهيتك عنه"عكس جملة"ما بهذا أمرتك" التي تفيد تثبيت الأمر، لأن " ما" تسلطت على حرف الإشارة "هذا"(34)؛ حيث إن تغير الرتبة جاء بفعل تغير المقام التداولي، الذي يوجه العلاقات التركيبية؛ إذ إن الجملتين لهما نفس المكونات، ولكن تتغير رتبتهما لتعطي معنى آخر ينسجم مع المقام ، الذي تقوم فيه العملية التواصلية.
- التسليم بالخبر ومطالبة المستمتع بالدليل على خبره: مثل قوله للمخاطب:"متى كان هذا في ليل أم نهار؟ "
ب- التقديم والتأخير في النفي :
يقول "الجرجاني":" يأتي النفي في بعض المسائل وهي: إذا قلت:"ما فعلتُ" كنت نفيت عنك فعلا لم يثبت أنه مفعول، وإذا قلت:"ما أنا فعلت".كنت نفيت عنك فعلا ثبت أنه مفعول"(35)؛ ومثال ذلك أنه إذا قلت: "ما أنا أكلت التفاح" لم تقله إلا والتفاح مأكول، بمعنى نفي الأكل عن الفاعل، أما في "ما أكلت التفاح"، كنت قد نفيت عنك أكله، ولم يجب أن يكون قد أكل أصلا. أما في : "ما التفاحَ أكلتُ"، فيختلف المعنى هنا عن المعنى في القول السابق، بأن الكل قد وقع من قبل الفاعل، لكن على مأكول آخر غير التفاح. من خلال ما تقدم نصل إلى نتيجة مؤداها، أن ما يعطي للجملة تركيبا دون آخر، هو استحضار السياق المقامي (le contexte situationnel)، وكل القرائـن المحيطة بعملية التلفظ، سواء منها تلك الحاضرة المعاينة أو غيرها، أو مجموع الأعراف والاقتضاءات (Les présupposés) المقبولة داخل المجتمع الذي يعيش فيه المتحاوران، وكل ما يمكن أن يساهم في فهم الملفوظ، دون أن ننسى الثقافة الاجتماعية للمتحاورين، التي تنغرس في الطاقة الاجتماعية، إذ لا تخلو منها أي قدرة تواصلية لأي إنسان يمتلك لغة طبيعية(langage naturelle)، فهي – أي الطاقة الاجتماعية- تلعب دورا حاسما في مساعدة الطاقة اللغوية في بناء وتأويل الملفوظات، وكل هذا يتأتى بفضل كفاءة المتكلم اللغوية؛ أي " معرفته الكامنة بقواعد لغته وقائمة وحداتها المعجمية، وقد وضع " تشومسكي "هذا المصطلح مقابل للأداء(performance)، الذي هو الاستخدام الفعلي للغة في مواقف ملموسة"(36). وإلى جانب الكفاءة اللغوية نجد الكفاءة التخاطبية، التي تدل على استعمال اللغة في سياقاتها الفعلية، ونستأنس بقول "محمد يونس علي"، حيث يقول: "ينظر إلى الكفاءة اللغوية على أنها المعرفة التخاطبية، وقد ينظر إليها على أنها المعرفة المتطلبة لتحديد ما تعنيه الجمل عندما يتكلم بها بطريقة ما في سياق معين"(37). وهكذا تتطلب ظاهرة التقديم والتأخير عدة اقتضاءات: بعضها يتعلق بالمتكلم، الذي يمتلك قدرة تسنين اللغة بطريقة تناسب الوضع التخاطبي والفضاء العام الذي يجري فيه الحديث وما يحتويه من إكراهات ومحفزات ومؤثرات، وبعضها الآخر يتعلق بالمرسل إليه باعتباره مفككا للرسالة حسب حاجاته السيكولوجية والمعرفية، لذلك فإن أي تقديم إلا وله دلالة، وترتيب المكونات داخل الجملة محكوما إخباريا(38).
نستنتج أن اللغة تساهم في عملية التواصل بتزويد المتخاطبين بالمادة اللغوية الخام أما الكفاءة التخاطبية فتقوم باستخدام المقولات اللغوية استخداما مناسبا للسياقات المختلفة، وتتكفل الكفاءة اللغوية للمخاطب بتركيب الرسالة تركيبا سليما، قد يكون فيه في بعض الأحيان تقديم، أو تأخير، أو حذف، أو شيء من هذا القبيل، من أجل تحقيق تواصل فعال بتركيب موجه بواسطة المقام التداولي.
(3) الفصـــل والوصــــــل :
لقد أشار النحاة ـ "سيبويه" و"الفراء" و"المبرد".. ـ والبلاغيون النقاد القدماء – "ابن جني" و"أبو هلال العسكري"ـ إلى ظاهرة الفصل والوصل، إلا أن آرائهم كانت مشتتة، ومن ثمة حاول "الجرجاني" أن يجمع شتاتها ويضم أوصالها، حيث"جعل المصطلح النحوي قاعدة له، وانطلق منها إلى رحاب البلاغة مطبقا منهجه في "النظم"، فحافظ على قواعد النسق (عطف النسق)، واستمد منها ما يخدم "الفصل والوصل"(39)، وقد عرف الفصل والوصل فيما معناه: "الوصل في الجمل عطف بعضها على بعض، والفصل ترك العطف فيها، والمجيء بها منثورة، تستأنف واحدة منها بعد الأخرى"(40). يتبين من هذا التعريف أن التعابير الموصولة، هي التي تكون بواسطة حروف العطف أو أدوات الربط، والتعابير المنفصلة نقيضتها، وغالبا ما ينفصل الكلام بواسطة علامات الترقيم، إلا أنه في بعض الأحيان يتصل رغم وجودها، مثل ما نجده في الفاصلة، ويؤكد هذا قول "أحمد زكي باشا": " ويكون الوصل بين أجزاء الكلام، فلا يصح الوقف على جزء جملة لا يكمل به المعنى، ولذلك يجوز الوصل في بعض الأحوال التي توضع فيها الشولة(الفاصلة) دون ماعداها من العلامات"(41).
فيتضح من كلام "أحمد زكي باشا"أن الفاصلة هي الوحيدة التي تنفرد بوصل أجزاء الكلام بعضها ببعض بالنسبة لعلامات الترقيم، أما إذا التفتنا إلى جهة الحروف التي يتم الوصل بها فنجد:الواو، والفاء، وثم، وحيث..، إذ لا تنحصر مهمتها في الربط بين الجمل فقط، بل تؤدي وظائف ودلالات أخرى داخل الملفوظ، نحو "ثم" التي تفيد الترتيب والعطف، و "أو" التي تفيد تردد الفعل بين شيين، وتجعله لأحدهما لا بعينه، و "لكن" التي تفيد الاستدراك، والواو التي تفيد الاشتراك في الحكم والعطف في المفرد والجملة، " ومعلوم أن فائدة العطف في المفرد أن يشرك الثاني في إعراب الأول، نحو أن المعطوف على المرفوع بأنه فاعل مثله، والمعطوف على المنصوب بأنه مفعول به، أو فيه، أوله"(42) أما الصفات، فالأكثر ألا يعطف بعضها على بعض، ومثل ذلك: "جاء محمد العاقل الفاضل الكريم، وسر هذا أن الصفة جارية مجرى موصوفها.ويأتي العطف في الجملة كما حدد "الجرجاني" على ضربين:
أحدهـما: أن يكون للمعطوف عليها موضع من الإعراب، فيكون حكمها حكم المفرد، إذ لا يكون للجملة موضع من الإعراب حتى تكون واقعة موقع المفرد، فإذا قلت:
ـ مررت برجل خُلقه حسن وخَلْقُه قبيح.
فإن الجملة الثانية في حكم الأولى، وذلك الحكم كونها في موضع جر بأنها صفة للنكرة.
والثــاني: أن تعطف على الجملة العارية الموضع من الإعراب جملة أخرى كقولك:
1 ـ زيد قائم وعمرو قاعد.
2 ـ العلم حسن والجهل قبيح.
ففي الجملتين ليس هناك أي حكم يفيد أن الواو جاءت للجمع بين الجملتين، ما عدا إذا كانا أخوين أو نظيرين مثل الجملة الأولى. أما الجملة الثانية، فالعلم الحسن مضموم في العقول بكون نقيضه الجهل قبيحا(43). في حين أن الفصل، هو الاستغناء عن ما يصل أو يربط معنى الاسم بقبله، نحو كل جملة تكون مؤكدة للتي قبلها، ومبينة لها مثل جمل التي تتصل من ذات نفسها بالتي قبلها، وتستغني بربط معناها لها عن حرف عطف يربط، كقوله تعالى: ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه (44)حيث إن قوله لا ريب فيه بيان وتوكيد وتحقيق لقوله ذلك الكتاب (45).
من خلال ما ذكرنا يمكن أن نستنتج أن الفصل والوصل ومجموعة من الظواهر التركيبية التي اعتنى بها النحاة والبلاغيون القدامى أصبحت اليوم تشكل أساسا للنظرية التواصلية، إلا أنهم لم يقدموها بمنهجية منظمة وممنهجة، ولم يعيروا الاهتمام إلى بعض الجوانب المحيطة بها، أو القرائن التي تساعد المرسل في عقد رسالته، والمرسل إليه في تفكيكها، وتأويل الملفوظات من معناها الحرفي إلى معنى ثاني غير مباشر أو ضمني، يبين قصد المتكلم حين تخرج عن مقتضى ظاهرها تلك الملفوظات، كالمقام، والسياق الداخلي والخارجي، حيث إن الدراسات الكلاسيكية انصبت جهودها غالبا على حدود الجملة، ومقولاتها النحوية، وبنيتها التركيبية. ولعل إغفال مجموعة من الظروف المولدة للمعنى، نتج عنه إبراز المعنى في بعده الدلالي الأول، ولكن الدراسة الفعالة لم تقف عند حدود الدلالة الأولى، بل انتبهت إلى بنية الجملة التي تعد قرينة من القرائن المولدة للمعنى خصوصا ما نجده في الجملة الفعلية التي ترتبك بمفهوم الزمن وتدل على حدث، وكذا مساهمتها في بناء المعنى الإجمالي، أو الجملة الاسمية ذات الحدث اللازمني، التي تدل على الثبات.
ولا ننسى دور السياق اللساني الذي يهتم بالملفوظات، التي تسبق الملفوظ أو تتلوه، فضلا عن السياقات الموازية لسانيا(paralinguistique)، الحاوية مجموعة من الظواهر الفوق – قطعية، مثل النبر L'accent، وهو تركيز الصوت على مقطع من مقاطع الكلمة ـ أو قرينة التنغيم التي تقوم بتحديد القوة الانجازيةla force illocutoire في حالة الملفوظ الشفهي – حيث يمكن من خلاله أن نميز بين ثلاث قيم إنجازية (valeurs illocusitionnel)، كما في :
أ ـ الجو جميل (قيمة إنجازية تقريرية Valeur assertive)
ب ـ الجو جميل؟ (قيمة إنجازية استفهامية Valeur interrogative)
ج ـ الجو جميل! (قيمة إنجازية تعجبية Valeur exclamative)
أما إذا كان للقوة الإنجازية مؤشر دال عليها في بنية الملفوظ، فإن قرينة التنغيم الملائم تندمج مع ذلك المؤشر(46).
لقد أشار بعض الدارسين القدماء كـ"الجرجاني" و"السكاكي" إلى دور المقام في توجيه التركيب، ووسع الباحثون التداوليون هذه النظرية، بدراسة مستفيضة تهتم بمجموعة من التقنيات التي تخص مجموعة من التعابير اللغوية، إذ أدخلوا درجة تعارف المتخاطبين، التي تتضمن الثقافة والانتماء إلى مجتمع معين أو أسرة معينة… فالتواصل الذي يقوم في أي لحظة يتأسس في فهم ملفوظه لدى المتلقي على رصيد خلفي من المعارف، وكذا المبادئ العامة المنظمة للحوار، على عكس "الاشارات التي قدمتها الدراسات القديمة حول السامع والسياق، كانت تسير في اتجاه تقوية المعنى المراد من القول، وفي الوقت نفسه إظهار إعجازه النظمي، لكون هذه الدراسات كانت تنطلق من المعاني" الحقائق" بدلا من الانطلاق من المعاني الفرضيات، حيث طوقت هذه الحقائق مناهج بحثهم بمفاهيم التفسير والتأويل، التي تخدم المعطيات الموجودة قبليا، بدل البحث عن الفرضيات الممكنة وتطويرها إلى فرضيات أخرى".(47) ومما لا مراء فيه، أن الدراسات الحديثة قد سدت مجموعة من الثغرات الموجودة في النظم البلاغية، بمجموعة من النظرات اللسانية، والمقاربات التداولية، والمناهج الفلسفية، وأعطت للبلاغة الحديثة منهجية جديدة تعتمد على مجموعة من الحجاج، وأعطتها فرصة سانحة في افتراض معاني مرتبطة بسياق مفترض، وبمخاطب يجيد الفهم والتأويل الصحيح.
(4) الخبر والإنشاء:
لقد قام "جون لانشون أوستينJ. L. Austin في كتابه "كيف نصنع الأشياء بالكلمات(**)"How to Do Things with Words بهدف تشكيل وعي بضرورة تجاوز البنية الشكلية (structure formule)، كقطب أساس في اللسانيات إلى القول الملفوظ، (l’énoncé) ليفتح آفاقا جديدة أمام الباحثين اللسانيين بتحفيزهم إلى الاهتمام بالأبحاث السياقية والمقامية، وأمام الفلاسفة بمنحهم إمكانية التخلص من سيطرة الدلالة المنطقية وشروط الصدق (les conditions de vérité) عن طريق تبني نظرية "القوى التكلمية Force illocutionnaire (48) وأشار في مستهل كتابه إلى أن نظرية الأفعال اللغوية la théorie des actes de langage إحدى أهم النظريات الفلسفية اللغوية، التي ظهرت في الخمسينيات من القرن العشرين في إنجلترا داخل "جامعة أوكسفورد" (Oxford) قبل ذيوعها في أقطار أوربا وأمريكا وغيرها من الدول(49)، حيث انطلقت هذه النظرية على يد "أوستين" في خضم النقاش، الذي دار حول مدى صلاحية اللغة العادية (Le langage ordinaire)، كأداة للتعبير عن القضايا الفلسفية والمنطقية، ثم الرد على متزعمي الدعوة إلى أطروحة اللغة المثالية (Le langage idéal) وهي الأطروحة، التي نادى بها فلاسفة أمثال: "فريج"، و"فيجنشتاين"، و"كارناب" وآخرون في بداية القرن العشرين، نظرا لما تعرف اللغة الطبيعية من لبس وقصور دلالي ناتجين عما تعرفه هذه اللغة من ظواهر مثل: الترادف والاشتراك اللفظي. وإمكان تغير معاني المفردات والتراكيب بتغير مقامات استعمالها.
أما فلاسفة الوضعية المنطقية في الغرب، فكانوا يرون في اللغة أنها مجرد أداة لتمثيل الفكر والواقع، تختزل وظائفها في الوظيفة الإخبارية أو الإعلامية (la fonction informative)، وأغفلوا سائر وظائفها الأخرى وفي مقدمتها لوظيفتين التعبيرية والتفاعلية، وكان هذا سبب ظهور حركة نقد الوهم الوصفي (L'illusion descriptive)، كما سماه "أوستين" على اعتبار أن هذه المجموعة من الفلاسفة أهملوا البعدين التداولي والاجتماعي للغة، حيث انصب جهدهم منذ "أرسطو" في البحث في القضايا (les propositions) الحاملة للأحكام(50)، التي تقبل أن يحكم عليها بأنها صادقة إن طابقت الواقع، وبأنها كاذبة إن خالفت الواقع، وأبعدوا الجمل الإنشائية في ميدان بحثهم، واعتبروها مجرد أشباه إثباتات (pseudo affirmation)، ومجرد تعابير انفعالية، قد تصلح في مجال الشعر أو التعبير عموما ولا تصلح لصياغة القضايا المنطقية. وعلى إثر هذه النقاشات المستفيضة، والمقصرة في حق الجمل الإنشائية أو التحققية (les perfomatifs)، ونظرا للتصور التقليدي الذي يعالج الجمل الخبرية (les constatifs) بمعزل عن بعدها التداولي، قام "أوستين" بإنشاء كتابه "Quand dire c'est faire"، لينصف الجمل الإنشائية، التي أهملها التصور القديم، ولم يولها مما تستحق من الدراسة في جانبها التداولي، إذ بواسطة الاستعمال يسهل التواصل، وكلما غاب مقام الجملة وسياقها في العملية التواصلية أدى ذلك إلى فشلها.
إن سبب عدم نجاح مجموعة من الأبحاث يرجع بالأساس إلى عدم الموافقة بين الجانب التنظيري والجانب التطبيقي، وقد لمسنا هذا في الأبحاث الفلسفية والدلالية الكلاسيكية أثناء الاقتصار في الجمل على سياقها أكثر مما تدل عليه في مقامها. ولهذه الأسباب قام "أوستين" في المحاضرة الأولى من كتابه السالف الذكر على دحض تلك الفرضيات المزعومة، فجاء بمجموعة من الأمثلة الخبرية من حيث أسلوبها اللغوي، ولكن وظيفتها وظيفة إنشائية، بفعل اعتبار المقام التخاطبي الذي استعملت فيه، وفصل في هذا ليوضح أن خاصية الإنشائية (La performativité)، لا تنحصر في الملفوظات التي اعتبرها النحو التقليدي في خانة الإنشائيات، بل تصدق على الكثير من الملفوظات التي تصورها القدماء أخبارا محضة، فهذه الملفوظات تحمل دلالة أو معنى رغم عدم قبول الحكم عليها من خلال ثنائية الصدق أو الكذب (vrais ou fausses)، ولعل غرض "أوستين" من تقديم الأمثلة الآتية هو توضيح أن الخبر والإنشاء في حقيقتهما يقومان على مسألة دلالية أو تداولية أكثر مما هي مسألة لغوية أسلوبية أو نحوية، فهناك عدد كبير من الأغراض اللغوية تخرج عن الوظيفة المنطقية، والأمثلة التي أورد كالآتي:
1 ـ نعم أريدها (أي اتخذ هذه المرأة زوجة لي)، إذا تم التلفظ بهذا الملفوظ في حفل زواج مثلا.
2 ـ أسمي هذه الباخرة "الملكة إليزابيت "Elezabeth
3 ـ أوصي بساعتي لأخي.
4 ـ أراهن بستة دراهم على أن المطر سينزل غدا(51).
ويرى "أوستين" أن مثل هذه الملفوظات تختلف عن الملفوظات الخبرية كما في المثال:
5 ـ الجو صحو اليوم.
وذلك من ناحيتين:ـ إنها لا تصف أي واقع معين للأشياء خارجها، لذا لا يمكن أن يقال عنها إنها صادقة أو كاذبة بالمقارنة مع ذلك الواقع.ـ إن مجرد التلفظ بها يعتبر إنجازا لحدث (acte) معين.
ويشير إلى أن الأمثلة (1) و(2) و(3) و(4) أمثلة خبرية من حيث أسلوبها اللغوي، ووظيفتها وظيفة إنشائية، متى أخذنا بعين الاعتبار المقامات التخاطبية، لأننا إذا اختبرناها عن قرب نجدها لا تصف شيئا، ومن ثم فهي لا تحتمل التصديق أو التكذيب، وخاصيتها الأساس أن التلفظ بكل منها يعد إنجازا أي تحقيقا مباشرا للفعل أو الحدث التي تدل عليه، ونورد قول "أوستين" عن الأمثلة السابقة كالآتي: "يبدو جليا أن نطقي بأحد هذه الملفوظات ـ في الظروف المناسبة ووفق الشروط المطلوبة ـ لا يعتبر وصفا لما أنا منهمك في فعله لحظة التلفظ، ولا مجرد إخبار عما أعتزم فعله في المستقبل، بل هو فعل له وتحقيق، إنني عندما أقول أمام القاضي"نعم أريدها"، فأنا لا أخبر عن زواج سابق، ولا أتنبأ بزواج لاحق، وإنما أنا أتزوج بالفعل"(52).
من هذا المنطلق، يجب على المتخاطبين لتحقيق التواصل الفعال، أن يأخذوا ـ في التمييز بين الخبر والإنشاء ـ المقام التداولي، وليس المسائل اللغوية أو الأسلوبية، مثل أسلوب الأمر، أو النهي، أو النداء، أو الاستفهام… كما كانت الأنحاء التقليدية، حيث اعتمدت في تضييق الجمل على شكل تجريدي بعيد عن الاستعمال الواقعي، فأخذت بعض المعايير الشكلية ـ أدوات أو مورفيمات ـ كأدوات الاستفهام والتمني والترجي. لكن هذا التصنيف، ظل مع ذلك تصنيفا تجريديا محضا سرعان ما يظهر عجزه وعدم كفايته بمجرد أن ننتقل من النظر إلى اللغة كنسق تجريدي (Système abstrait) ونظام ثابت ـ كما هو مدون في كتب اللغة والنحو ـ إلى النظر إلى اللغة كاستعمال بين المتخاطبين داخل مقامات تخاطبية محسوسة لذلك نجد أن ما اعتبره النحو التقليدي جملا خبرية، هي في الواقع جمل إنشائية مجردة عن كل قيمة خبرية، " فالملفوظ لا يقول شيئا، أو على الأصح لا تنحصر مهمته في قول شيء معين، بل هو يفصل شيئا إنه ليس تقريرا صادقا أو كاذبا عن ظاهرة معينة"(53)، وبواسطتها ننجز الأشياء، أي نخرجها من حيز العدم إلى حيز الوجود حسب أوضاع ومواقف معينة. وجدير بالذكر، أن لكل ملفوظ خبريا كان أو إنشائيا مرسلا ومخاطبا واحدا على الأقل، وكذا سياقات زمنية ومكانية تحيط بعملية إنتاجه، إضافة إلى محيط تداولي معين.
وإذا عدنا إلى الملفوظات الخبرية، فلم تعد في نظرية الأفعال اللغوية مجرد أداة لنقل المعلومات إلى المتلقي، بل أصبحت وسيلة للتأثير في مواقف المخاطب واعتقاداته، من أجل دفعه إلى اتخاذ نمط سلوكي معين، وفي الوقت نفسه وسيلة كذلك ينكشف من خلالها اعتقاد المتكلم في صحة مضمونه الخبري وصدقه، وإن كان لا يقرر هذا الجانب من الدلالة بشكل صريح، فهو يشير إليه بالتضمن والاستلزام على الأقل، وبعبارة أكثر وضوحا لم يعد الملفوظ الخبري في نظر"أوستين"، ومجموعة البحث التي تعمل معه مجرد قول لشيء ما، بل أصبح تحقيقا لفعل أو حدث (acte)، كالملفوظ الإنشائي، يقول "أوستين"في هذا السياق: ليس الإثبات affirmation في الواقع إلا فعلا خطابيا من بين تلك الأفعال الكثيرة التي تنتمي إلى طبقة الأفعال الإنجازية".(54) ويمكن أن نشير إلى أن الملفوظات الإنشائية تشترك مع الملفوظات الخبرية في مسألتي النجاح والإخفاق، وذلك بحسب توفر شروط التلفظ، أو عدم توفرها، كما تتعرض الخبرية، للتصديق أو التكذيب، يقول "أوستين":" إن أردنا أن يحصل النجاح والتوفيق في تأدية الفعل على أحسن وجه، يجب أن تتوفر الشروط التالية:
1- أ – يجب أن يحصل تواضع واتفاق على إجراء مطرد متعارف عليه يكون له بعض الآثار المتواضع عليها، بحيث يفهم التلفظ ببعض الكلمات من لدن بعض الأشخاص في بعض الظروف والملابسات علاوة على ذلك.
1- ب- يجب في كل حالة أن يكون الأشخاص المعنيون، والملابسات المخصوصة على توافق مع المناسبة، حتى تستطيع أن تتمسك بذلك الإجراء المتحكم إليه.
2-أ- يجب أن ينفذ المشاركون على وجه صحيح مضبوط.
2-ب- وكامل
3-أ- يجب أن يكون الشخص المشارك في هذا الإجراء، هو من له في الواقع السلطة في إصدار الأوامر مثلا، وأن يكون للمشاركين القصد والنية في أن يتبعوا ذلك السلوك، وأكثر من ذلك.
3-ب- يجب أن يلتزم المشاركون واقعيا بما ينتج عن السلوك من نتائج.(55)
وإذا تغيب شرط أو أكثر فإن عملية التلفظ بالعبارة تكون فاسدة إلى حد ما أو مخفقة، وفي هذا الصدد يقول "أوستين": " فإذا أخللنا بواحدة من القواعد أو الشروط المحصورة بين (1و2)، كأن ننطق مثلا بالصياغة على وجه غير صحيح، أو إذا لم تكن في وضع يبيح لنا أن ننجز الفعل ، لأننا مثلا سبق أن تزوجنا – بالنسبة للعرف المسيحي – أو لأن الموظف، هو الذي يدير مراسم الحفل عن رئيسه المسؤول، حينئذ لا نعتبر أن فعل الزواج أو غيره منجزا على لإطلاق، وكأنه لم يقع شيء منه بينما في الحالتين (3-أ) و (3-ب)، فإن الفعل قد حصل إنجازه في حالة حصول الفعل عن سوء قصد ونية، يعتبر خاطئ، أو فاسد، أوغير صحيح في استعمال الإجراء المقرر إتباعه، وعليه فعندما" أعد بشيء ما" ولا أنوي الوفاء بوعدي، فإني أكون قد تعهدت ولكن."(56) ونجد في بعض الأحيان توفر المقام والظروف المناسبة، ولكننا لم نتلفظ الملفوظ الإنشائي على نحو جاد ولم نحمله على محمل جدي، مثل ما نجد في التعبير الكلاسيكي في "بيت هيبولت"(Hippolyte) الذي قال:
6- أقسم لساني، لكن لم يصدق قلبي(57).
يتبين من الجملة أنها جملة إنشائية، جاءت بغرض الوعد، إلا أن أداة الاستدراك " لكن"، تدل على أن المتكلم مازح لأنه لم يصدق قلبه، وبصفة عامة: "إن النطق بمجموعة من الكلمات، هو الحدث الرئيس والأساس في إنجاز الغرض، لكنه ليس العنصر الوحيد، فالملفوظات لا بد أن تصاحبها الجدية حتى يكون لها مفعولها المرغوب، ولا بد كذلك من توافر القدرة على الوفاء بالوعد والنية، وألا يكون الشيء الموعود به لا وجود له، يجب أن تأخذ الأغراض مأخذ جد من لدن المتلقي"(58). فالإنجاز في الجمل سواء كان وعدا، أو وعيدا، أو أمرا، أو نهيا ... يجب ألا يقتصر في فعل التلفظ بالكلمات فحسب، بل إنما هو فعل باطني روحي لأن الكلام هو التزام.
وهكذا، وكما أشار الأستاذ "سرحان" يصل "أوستين" إلى حقيقة مؤداها، "أن الواقع اللغوي كما يمارسه المتكلمون باللغة العادية، لا يعرف ولا يقرر هذا الانفصال الحاسم النهائي بين الملفوظات الخبرية والأخرى الإنشائية، ولا يعترف به، لأنه مجرد أمثلة(Idéalisation) ابتكرها الفلاسفة والمناطقة أولا، ثم سايرهم اللغويون فيها، أما ما يعرفه الواقع اللغوي كما يمارسه المتكلمون، فهو أن لكل ملفوظ مقامه التداولي، وإدخال هذا المقام كعنصر فعال في عملية إنتاج الملفوظ، وتأويله كفيل بتجاوز وإلغاء هذا التمييز التجريدي بين الملفوظات الخبرية والإنشائية"(59).
لقد أدرك "أوستين"، أنه لا فائدة من التمسك بالثنائية التقليدية المنطقية الأصل، التي في ثنائية خبر/ إنشاء(constatif /performatif)، فحاول تجاوزها في نظرية جديدة ، تسمى بالأفعال الإنجازية(les actes illocutoires)، حيث إن المرسل عندما ينشئ أي فعل إنشائي، فإنه يقوم بتحديد ذلك الفعل - أو الحدث أو النشاط – الذي يعطي معنى تلك الجملة، ويتحقق الفعل الإنجازي بثلاثة أفعال، وهي:
1- الفعـل الكلامـي (un acte locutoire) :وهو التلفظ بجملة دالة على فعل لغوي، أو بعبارة أخرى، هو"عملية قول شيء ما"(60)، ويبدو لي أنه عملية التسنين التي قوم بها المرسل في العملية التواصلية.
2- الفعـل الإنجـازي: (un acte illocutoire) وهو كما عرفه "أوستين" الفعل الخاص والمحدد (L’acte spécifique) الذي يقصد المتكلم إلى تحقيقيه أو إنجازه من وراء إنتاجه ملفوظا معينا داخل مقام تخاطبي محدد(61)، ويمكن أن نصطلح عليه في موضوع التواصل بـ "الرسالة".
3- الفعـل التأثيـري: (un acte perlocutoire) وهو الأثر أو الواقع الذي يتركه الفعل على نفسية المخاطب أو سلوكه، كإقناع شخص بشيء، أو إزعاجه، أو تغيير سلوكه، لأن العملية التواصلية تترك دائما أثرا في المشاركين، "فلكل فعل تواصلي (acte de communication) نتائج معينة، كأن نتعلم كيفية التحليل أو التأويل، أو التركيب هذا من جهة، ومن جهة ثانية فمن الممكن اكتساب عادات أو معتقدات جديدة، أو تغير تلك التي كنا نمتلكها من قبل، ومن جهة ثالثة، يمكن اكتساب حركات جديدة"(62)، ويكون الفعل التأثيري نتيجة مقصودة ومتوقعة من قبل المتكلم، وفي هذا الصدد يقول "أوستين" :" إننا يمكن أن نتكلم بهدف إثارة ردود الفعل.... وسأسمي مثل هذا الفعل بالفعل التأثيري".(63)
ويمكن أن يمثل لهذه التعاريف كالتالي:
1- الكــلام: كأن يقول المتكلم "اضرب زيدا"، بمعنى أنه تلفظ بالجملة التي تعنى إيقاع الضرب.
2- الإنجــاز: وهو أن المتكلم أنجز أمرا، وهو أمر المخاطب بضرب زيد، حين التلفظ.
3- التأثيـر: هو إقناع المتكلم المخاطب بضرب زيد (عن طريق قوله "إذا ضربته فإنه كذا وكذا").(64)
هكذا نصل إلى نتيجة ختامية حول الملفوظات الخبرية والملفوظات الإنشائية، نستشف من خلالها أن التصور القديم أهمل الجانب المقامي، واهتم بالسياق اللفظي، إلا أن هذه النظرية ظلت غامضة وعقيمة لم تصل إلى المستوى المرغوب فيه، وجاء دور أو ستين ليسلط الضوء على النظرية السابقة، ويعيد تحليلها وفحصها من جديد ليكشف عن خباياها وضعفها، ويخرجها في نظرية حديثة، تنسجم مع المقام التداولي لأي ملفوظ سواء أكان خبريا أم إنشائيا، وذلك من خلال تصوره الجديد المعروف بالأغراض اللغوية.
خاتمة
من خلال ما تقدم ذكره، يتبين أن هناك مجموعة من العناصر اللسانية وغير اللسانية، وبدونها لا يمكن أن تقوم التعابير أو يختلف تركيبها من سياق إلى آخر، فالمقام التداولي. هو الذي يوجه البنية ويعطيها تركيبا دون آخر، حيث يعتبر بؤرة مهمة في دراسة مجموعة من التقنيات والآليات المختلفة الخاصة ببعض التعابير دون أخرى، ويعطي المنهجية الأساس في تحليل عناصر العملية التواصلية، التي لقيت اهتماما كبيرا من لدن مجموعة من الدارسين في حقول معرفية مختلفة.
المصادر والمراجع المعتمدة :
1- باشا أحمد زكي، 1987، الترقيم وعلاماته في اللغة العربية، مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، ط2.
2- تمام حسان، 1994، اللغة العربية، معناها ومبناها، دار الثقافة، الدار البيضاء.
3- الجرجاني عبد القاهر ( 1987)، دلائل الإعجاز ، تحقيق وتقديم محمد رضوان الداية ، وفايز الداية ، مكتبة سعد الدين ، الطبعة الثانية، ص : 135.
4- جحفة عبد المجيد (2000)، مدخل إلى الدلالة الحديثة، دار توبقال، الطبعة الأولى، ص :31.
5- جورج لايكوف ومارك جونسن، الاستعارات التي نحيا بها، ترجمة عبد المجيد جحفة (1996)، دار توبقال، ص:216.
6- عبد الرحيم الحلوي (1989)، الجمل الخبرية والجمل الإنشائية دراسة تداولية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، تخصص لسانيات عربية.
7- رولان بارت، البلاغة القديمة، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي(1984)، نشر الفنك.
8- رولان بارت قراءة جديدة للبلاغة القديمة ، ترجمة عمر أوكان(1994)، إفريقيا الشرق.
9- إدريس سرحان (2000)، طرق التضمين الدلالي والتداولي في اللغة العربية وآليات الاستدلال، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة، ج1.
10- السكاكي(1983)، مفتاح العلوم، طبعه وشرحه الأستاذ نعيم زرزور، دار الكتاب العلمية، الطبعة الأولى.
11- سلطان منير ( 1997) ، الفصل والوصل في القرآن الكريم، منشأة المعارف، الطبعة الثانية.
12- طالب سيد هاشم الطبطبائي (1994)، نظرية الأفعال الكلامية بين فلاسفة اللغة المعاصرين والبلاغيين العرب، مطبوعات جامعة الكويت.
13- طه عبد الرحمان، 1994، التواصل والحجاج، جامعة ابن زهر، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أكادير.
14- طه عبد الرحمن (1998)، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، المركز الثقافي العربي.
15- طه عبد الرحمن (2000 )، في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، الناشر المركز الثقافي العربي، الطبعة2.
16- عبد السلام عشير (2000)، إشكالات التواصل والحجاج مقاربة تداولية معرفية، بحث لنيل دكتوراه الدولة في اللسانيات التداولية.
17- القزويني (د.ت)، التلخيص في علوم البلاغة، الضبط عبد الرحمن البرقوقي، دار الكتاب العربي.
18- أحمد المتوكل (1986 )، دراسات في نحو اللغة العربية الوظيفي ، دار الثقافة ، الطبعة الأولى.
19- المراغي مصطفى (1993)، علوم البلاغة، البيان والمعاني والبديع"، دار الكتب العلمية، الطبعة الثالثة.
20- يونس علي ( 1993)، وصف اللغة العربية دلاليا في ضوء مفهوم الدلالة المركزية حول المعنى وظلال المعنى، منشورات جامعة الفاتح.
21- www.aljadhiya.asso.dz/revues/tebyin 19/allisaniyate.htm .( جون سرفوني، اللسانيات والتداولية، ترجمة حمو الحاج ذهبية).
22- J.L. Austin, quand dire c’est faire, traduction et introduction de Gilles lane, (1970) Edition du seuil, Paris.
23- Devito Joseph.A,1938, les fondaments de communication humaine, traduction de Johanne L. Massé et Luise Rousselle, Institut des canadiens..
24- Paul Grice (1979), Logique et conversation, communication 30 (1979)
هوامش:
** - المعيار الأساس في تحديده، معيار وظيفي وليس معيارا بنيويا.
1 - رولان بارت قراءة جديدة للبلاغة القديمة ، ترجمة عمر أوكان(1994)، إفريقيا الشرق ، ص:5.
2 - عبد السلام عشير (2000)، إشكالات التواصل والحجاج مقاربة تداولية معرفية، بحث لنيل دكتوراه الدولة في اللسانيات التداولية، ص:12 بتصرف.
3 - تمام حسان (1994)، اللغة العربية معناها ومبناها، دار الثقافة الدار البيضاء، ص: 336.
4 - رولان بارت، البلاغة القديمة، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي(1984)، نشر الفنك، ص: 32.
5 -السكاكي(1983)، مفتاح العلوم، طبعه وشرحه الأستاذ نعيم زرزور، دار الكتاب العلمية، الطبعة الأولى، ص:277
6 - القزويني (د.ت)، التلخيص في علوم البلاغة، الضبط عبد الرحمن البرقوقي، دار الكتاب العربي، ص:209.
7 - عبد العزيز عتيق (1985)، علم المعاني، ص:173، العلوي اليمني ج 1، ص:88. مصطفى المراغي(1993)، علوم البلاغة، البيان والمعاني والبديع"، ص:182.
8 - أحمد خليل (1968)، المدخل إلى دراسة البلاغة العربية، ص: 217. وانظر المراجع السابقة.
9 - السكاكي(1983) ، ص:277، عبد العزيز عتيق(1985)، ص: 186، والمراجع السابقة.
10 - تمام حسان (1994)، ص: 336.
11 - رولان بارت، قراءة جديدة للبلاغة القديمة، ص: 6.
12 - عشير عبد السلام(2000)، ص:14.
13 - جورج لايكوف ومارك جونسن، الاستعارات التي نحيا بها، ترجمة عبد المجيد جحفة (1996)، دار توبقال، ص:216.
14 - طه عبد الرحمن (1994)، ص:11.
15 - Paul Grice (1979), Logique et conversation, communication 30 (1979)p :60
16 - عبد الرحيم الحلوي (1989)، الجمل الخبرية والجمل الإنشائية دراسة تداولية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، تخصص لسانيات عربية، ص: 150.
17 - Paul Grice (1979), Logique et conversation, p p : 61-62.
18 - Ibid, p : 62.
19 - عبد المجيد جحفة (2000)، مدخل إلى الدلالة الحديثة، دار توبقال، الطبعة الأولى، ص :31.
20 - طه عبد الرحمن ( 1998)، ص : 239.
21 - طه عبد الرحمن (2000 )، في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، الناشر المركز الثقافي العربي، الطبعة2، ص:104.
22 -طه عبد الرحمن (1998)، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، المركز الثقافي العربي، ص 112.
23 - طه عبد الرحمن (1998)، ص: 113.
24 -طه عبد الرحمن (1998)، ص: 117.
25 - الإسراء الآية: 23 (رواية ورش)
26 - طه عبد الرحمن (1998)، ص: 117.
27 - عبد القاهر الجرجاني (1987)، دلائل الإعجاز.
28 - عبد القاهر الجرجاني ( 1987)، دلائل الإعجاز ، تحقيق وتقديم محمد رضوان الداية ، وفايز الداية ، مكتبة سعد الدين ، الطبعة الثانية، ص : 135.
29 - عبد القاهر الجرجاني ( 1987)، ص .ص : 135-136 بتصرف .
30 - عشير عبد السلام( 2000)، ص : 93
31 - عبد القاهر الجرجاني ( 1987) ، ص .ص: 140-141.
- www.aljadhiya.asso.dz/revues/tebyin 19/allisaniyate.htm 32 جون سرفوني، اللسانيات والتداولية، ترجمة حمو الحاج ذهبية).
33 - الجرجاني (1987)، ص : 145.
34 - سرحان (2003/2004)، محاضرات في مادة التداوليات.
35 - الجرجاني (1987)، ص : 147.
36 - محمد يونس علي ( 1993)، وصف اللغة العربية دلاليا في ضوء مفهوم الدلالة المركزية حول المعنى وظلال المعنى، منشورات جامعة الفاتح ، ص : 127.
37 - نفسه.
38 - أحمد المتوكل (1986 )، دراسات في نحو اللغة العربية الوظيفي ، دار الثقافة ، الطبعة الأولى، ص: 72.
39 -منير سلطان ( 1997) ، الفصل والوصل في القرآن الكريم، منشأة المعارف، الطبعة الثانية ، ص : 25.
40 - الجرجاني ( 1987)، ص:223.
41 - أحمد زكي باشا (1987)، الترقيم وعلاماته في اللغة العربية ، الناشر مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، الطبعة الثانية ، ص: 22.
42 ـ الجرجاني (1987)، ص.ص: 223-224.
43 ـ الجرجاني (1987)، ص: 224 وما بعدها.
44 ـ البقرة، الآية: 1 (رواية ورش).
45 ـ الجرجاني (1987)، ص: 227.
46 - إدريس سرحان (2000)، طرق التضمين الدلالي والتداولي في اللغة العربية وآليات الاستدلال، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة، ج1، ص: 117.
47 ـ عشير (2000)، ص: 102.
)* * ( - سنعتمد الترجمة الفرنسية " Quand dire c’est faire " لـ Gilles Lane.
48- J.L. Austin, quand dire c’est faire, traduction et introduction de Gilles lane, (1970) Edition du seuil, Paris, p :33.
49 ـ عبد الرحيم الحلوي (1989)، ص: 96.
50 ـ طالب سيد هاشم الطبطبائي (1994)، نظرية الأفعال الكلامية بين فلاسفة اللغة المعاصرين والبلاغيين العرب، مطبوعات جامعة الكويت، ص :3 .
51 J . Austin, quand dire c'est faire, p : 41.
52 - J. Austin, quand dire c'est faire. P : 41.
53- - J. Austin, quand dire c'est faire P : 57.
54- J. (Austin) , Quand dire c'est faire, P : 149.
55 - Ibid.
56- J. (Austin) ,Quand dire c'est faire, P : 50.
57 - Ibid P:44.
58 - عبد الرحيم الحلوي (1989)، ص : 96
59 - محاضرات الأستاذ : إدريس سرحان ( 2002/2003)، مادة التداولية ، السنة الأولى السلك الثالث.
60 - J. Austin Quand dire c'est faire ,P: 109 .
61- J. Austin Quand dire c'est faire.P: 113.
62 - Devito Joseph.A,1938, les fondaments de communication humaine,P : 11.
63- J. Austin , Quand dire c’est faire, P :114.
64 - عبد المجيد جحفة ( 2000)، مدخل إلى الدلالة الحديثة، ص : 30.