تربط الباحثة السودانية خيوط التاريخ المتناثرة، لتشكيل بنية متماسكة تكشف عن تعالق الكثير من العناصر التي تبدو وكأنها متنافرة، أو حتى متصارعة، وكيف أنها تصب في نهاية الأمر فيما تسميه بالاقتصاد السياسي لضغينة شمشون التوراتي على دليلة التاريخية وعشيرتها التي يعمل كثير من أفرادها الآن في خدمة أعدائهم.

غزة وشمشون الجبار

الاقتصاد السياسي لضغينة شمسون على عشيرة دليلة

خديجة صفوت

مقدمة:
لم تمنع يهودة المشروع الاسرائيلي واستدعاء الاصحاح القديم والتوراة والميشناة والاصحاح الجديد والاساطير وانصاف الحقائق والاكاذيب المقدسة من ان تقصف غزة في المرة الاولى،[1] في 23 ديسمبر 2008 وكان السبت، وهو اليوم الذى يحرم فيه العمل على اليهود الا من اجل الرب. ولم يكن ضرب غزة يومها يعني عدوانا ولا حتى احتلالا. فغزة محتلة ومن حق اسرائيل -حسب القانون الدولي غير المكتوب أو الخروج على القانون Lawlessness-.ان تجتاح غزة وتحرق الارض وتدمر البنى التحتية وتقتل 50 طفلا في اليوم الاول، وتروّع السكان، وتمارس عليهم التعذيب النفسي والبدني - في تنويع على تحريم (بمعنى احراق وابادة) مدينة الامير حمور. فالتعليمات العسكرية للجنود ان يقتل كل جندي اسرائيلي عددا من الاطفال، ويروع السكان، ويقطع عليهم الماء والكهرباء، ولا يترك لهم طريقا آمنا حتى ولو رفعوا الراية البيضاء.

ولقد اتضح للعالم أجمع ان اسرائيل تفتل الاطباء والممرضين والصحفيين، وتضرب عربات الاسعاف ومستشفيات الاطفال حسب ما ذكرت انباء الساعة الخامسة والنصف صباحا والثامنة صباح السبت 23 ديسمبر 2008 على بى بى سي راديو 4 . فان اصابت اسرائيل مستشفيات اطفال غزة بالصدع لم يتوقف عند ذلك الحدث احد. فإسرائيل لا تعتدى على غزة وانما تدافع عن نفسها.

وقياسا تمنع اسرائيل السفينة ديجنتيى Dignity-الكرامة- فتعترض السفينة في المياه الدولية وكانت في طريقها الى غزة تحمل المعونة وتكاد تغرقها يوم السبت اول يناير 2008 بحجة ان السلطات المعنية لا تعمل يوم السبت. الا ان السلطات اذ تعمل يوم السبت فإنها تعمل فقط من اجل الرب فيغدو منع سفينة المعونة من اجل الرب ايضا. ذلك ان الفلسطينيين عصوا امر الرب فتجاسروا وصوتوا-على غير ما يفرضه المجتمع الدولي-الرأسمالية المالية واسرائيل بالنتيجة فالصهيونية العالمية بالضرورة. وعلى صعيد اخر فقد قضت تداعيات محرقة غزة والتطورات التي حلت بالقضية الفلسطينية ليس وحسب اجتياح غزة وانما احالتها الى مجتمع العصر الحجري مما لعله كان حريا بان يعفى الادارة الامريكية 44 قبل الحكومة الاسرائيلية من التفكير في حل المشكلة الفلسطينية لم يلبث الاول ان لاذ بالصمت. سوى ان الفلسطينيين الذين بربر الحصار حاجاتهم وخلفهم وكأنهم سكان كهوف لم يلبثوا ان فاجأوا اسرائيل وامريكا والعالم باعادة انتاج انفسهم فكرا وتنظيما وتسلحا ولمقاومة كما في كل مرة. وتتكرس مجددا وكما في كل مرة اسباب ضغينة يهوا والاحبار والاقماط والقضاة والامراء والملوك والحكام على الشعوب وتتجدد كراهية الاول للأخيرين كما في كل مرة . .

وعليه فان فكر اوباما في القضية الفلسطينية فانه قد يفكر متكرما مترفقا مترحما بالفلسطينيين بوصفه حالة انسانة مجازا. ذلك ان اغاثة الفلسطينيين لا تعود الى ادمية الفلسطيني وانما الى رحمة فؤاد وانسانية على غزة اصحاب الغوث الانساني. ففيما لا يبقى للفلسطينيين حاضر ناهيك عن مستقبل تتحول القضية الفلسطينية قياسا الى قضية عون انسانى مشبوه. وما ادراك ما العون الإنساني. ويتعين الاخير-كما فعل مع العراق-الى تحويل اى مجتمع الى تنويعة عالم ثالثية أو حتى اقل في سيناريوهات "الأمريكي القبيح" The Ugly American. فالعون الإنساني تنويع على الاستعمار منذ حروب الهند الصينية[2].

فقد كان صمت الادارة الامريكية الجديدة-حريا بان يفضى الى افراغ هذه المحنة الماثلة من محتواها بوصفها قابلة للجدل-كما يتضح من رفض البى بى سي اذاعة او-و نشر اعلان يناشد الناس بالتبرع لإغاثة غزة. ولم يكن غريبا ان تندلع الحرب على غزة في الزمن الضائع من ادارة بوش وعشية تنصيب اوباما للمرة الاولى. ويستحيل تصور ان اجتياح غزة جاء بدون استشارة أو حتى علم اي من أو كلا الادارتين القديمة أو الجديدة.

فرغم ان اوباما لاذ بالصمت عشية حلوله في البيت الابيض فقال عندما سئل عن رأيه فيما يحدث في غزة "ان ليس ثمة سوى ادارة واحدة" بمعنى انه يتملص من التصريح في حين لم يتخلف عن الجأر بما يدين روسيا في الحوادث التي وقعت جراء الحرب بين جورجيا وروسيا رغم ان الاولى كانت البادئة. فقد كانت تلك الحرب المفتعلة مقدمة لخلق شرط تدخل المجتمع الدولي. وان اوباما الذى بقي يردد القول بان "لو ان ابنتي تعرضتا لقصف الصواريخ الفلسطينية اثناء نومهما لفعلت كل شيء ... كل شيء من اجل منع حدوث ذلك" الا أنه يصمت في خطاب ولايته الثلاثاء 20 يناير 2009 صمتا يصم الاذان عن ذكر الشرق الاوسط بكامله حتى لا يذكر اطفال غزة. فقد كان اجتياح غزة حريا بان يفرز بالنتيجة ما من شأنه ان يخلق شرط استحالة اى حلول معقولة أو مستحيلة مما ييسر لأوباما الاستمرار في الصمت المخاتل حول غزة أو يقول ما لا طائل تحته.

على انه من المفيد تذكر انه ورغم ان اوباما قد يبدو انه ليس من خندق المحافظين الجدد تماما الا انه يبقى بالضرورة من خندق نظائرهم من اعراب الشتات ممن يتعينون على اجندة موازية. ذلك ان الخندقين ينفردان بالساحة اذ يبقيان كما في كل مرة وعلى مر الزمان يعبران عن الحزبين الكبيرين الازليين حزب الشمال وحزب الجنوب الميثلولوجيان، أي حزب الملك وحزب الفاتيكان وكلاهما في جيب اعراب الشتات أو يكادان.

خندقي الباطل بامتياز والعصف بأطفال الغريم:
تلتقى تنويعات خندقي الحزبين الكبيرين على مر الاف السنين في التطير من ذكر ما يفعلان بأطفال خصومهم بمغبة كراهية البشر وتعنى الاخيرة كراهية شعوب غرماء اعراب الشتات كافة حتى شعوبهم هم كما قد يلاحظ الناس على مر التاريخ المسكوت عنه. فالمالتوسية الجديدة واسلافها من نظريات كراهية البشرية تعبر تباعا عن نفسها في كل من اجندة المحافظين الجدد اللذين يحرضون على اشعال حروب متزايدة بأبناء غيرهم وفى حرمان كل من عدى اعراب الشتات من الارض والماء والسلع الاستراتيجية والنفيسة والهواء والحياة نفسها. فالعالم اليوتوبي المراد تكريسه لم يكن يوما مجعولا لان يسعنا جميعا.

ان العالم اليوتوبي عرقي بالضرورة وفاشي بالنتيجة. ذلك ان كراهية البشر تتمثل كما يلاحظ الناس في كل مكان في كيف تعصف ثقافة الرأسمالية السامة Toxic Capitalism هذه بالأطفال وتنتهك الاطفال جنسيا Sexualize children وتجند الاطفال في الحروب، وتجهض الاجنة وتتقصد قتل الاطفال. فكل طفل يولد في فلسطين (وفي غيرها من مجتمعات غرماء اعراب الشتات -يعنى- كما قالت جولدا مائير) عائلة محتملة يدمى مولده فؤاد اعراب الشتات. ومن المفيد تذكر ان الفكر أو السيناريوهات اليوتوبية كانت دائما تصدر عن التعامل الانتقائي مع البشرية في افضل الشروط ان لم تسوغ العنصرية. وكانت عقيدة "الاطفال الشهداء" قد انتشرت باكرا- وقد أسقط الانجليز تلك المسميات على القديس الطفل ويليام من نوريتشSaint William of Norwich والقديس الطفل هو من مدينة لنكلن Saint Huge of Lincoln. وكانت مذبحة يورك التي راح ضيحتها 150 رجلا وامرأة وطفلا عام 1190 واحدة من سلسلة اعتداءات دموية على أعراب الشتات كما في كل مرة صبيحة تلك الازمات الدورية، أو المحارق المنوالية التي يفتعلها على مر التاريخ انبياء امراء واسباط واقماط واحبار وقضاة وتجار أعراب الشتات فيمنى بها المجتمع المضيف لأعراب الشتات كما في كل مرة.

وكان الانجليز في القرن الثاني عشر حتى التاسع عشر يعتقدون في أسطورة قتل اليهود للأطفال المسيحيين فيما سمى ب"تبعة الدم" Blood Libel. وكانت تلك واحداث مساوقة حرية بان تنتج واحدة من مناويل "الخروج" ُExodus أو احداثا مشابهة تزوق في مفهوم يوقف على رأسه هو مفهوم "المحارق". فالأخيرة محارق المجتمع المضيف وليست محارق اعراب الشتات مثلما يلاحظ الناس في الازمة الاقتصادية المالية الماثلة منذ انهيار مصرف نورثارن Northern Rock روك في صيف 2007 وتباعا.

ذلك ان محارق المجتمعات المضيفة لأعراب التشات تعمر التاريخ الذى يبقى مسكوت عنه. هذا وتقول رواية ان سيمون دى مونتفورت طرد كافة الجالية اليهودية من انجلترا في 1290 وكان اول امبراطور أوربي يقدم على ذلك. سوى انه فيما تقول رواية اخرى ان ويليام الثاني هو الذى فعل ذلك الا ان الحقيقة هي ان الامبراطور قسطنطين الاول- الذى زعم انه اول من تنصر- دون ان ينصر روما-هو اول من حرم زواج اليهود من الرومان وأجبرهم باكرا وقبل هتلر بمئات السنين على وضع شارات تميزهم ثم لم ينفك ان طرد اليهود من الامبراطورية الرومانية الشرقية. ولعل ذلك كان سفر تكوين ضغينة اعراب لشتات على الغرب وان بقيت متستر عليها . وقياسا لم يشعل اعراب الشتات حروبا ملنة على الغرب متسترين على كراهية الغربيين براجماتيا حتى يوزعوا المعارك.

غزة في الذهنية الإسرائيلية:
بقيت سردية اعراب الشتات صامتة ازاء ما فعلته أوروبا بهم بغاية تقسيم المعارك الى حين. ذلك ان معارك اعراب الستات مع العرب لم تكن قد بدأت بعد بصورة معلنة حيث لم يلبث اعراب الشتات ان راحوا يثابون يثابرون على اعلان خصوماتهم العرب. وقياسا راحت بعض طوائف بني اسرائيل تنسج اساطير الضغينة ومنها تلك التي ابلست غزة باكرا. ويتهم بنو اسرائيل الغزاويين ويشيرون اليهم بالسراسانيين Saracens . والاخيرون كفرة وتلعنهم بعض اناجيل اليهود القديمة. وحيث تعود الى تلك الاناجيل ضغينة بعض طوائف بنى اسرائيل على الفلسطينيين يسقط بنو اسرائيل على العرب والمسلمين والجنتايل Gentile والامميين والمشركين أي كل من لا يؤمن بيهوا لعنات مبطنة ومعلنة حسب الطلب. وتصدر تلك الاساطير عن حقد دفين على غزة مفاده ان الاخيرة كانت-فى زمان حروب المدن الدول القديمة-تحتكر صناعة استراتيجية هامة هي الحديد. وكان الغزاويون قد عرفوا بصناعة السيوف رغم ادعاء داوود بانه هو الذى كان يلين الحديد ويصنع منه ما يصنع. المهم كانت صناعة الحديد وراء تفوق غزة على غيرها من المدن لوقت طويل حتى ارسل شمشون، وكان من كبار قضاة أعراب الشتات الى غزة ليغوي شعبها على العصيان، في تنويع على غواية بيرنارد هنري ليفي الشعوب العربية بالثورات المضادة. إلا ان شمشون ما ينفك يقع في هوى داليدا الغزاوية. وتقول اسطورة اعراب الشتات ان الاخيرة راحت تغوى شمشون وتلح عليه ان يخبرها بسر قوته، حتى عرفت سر شمشون ولم تلبث ان غافلته فقصت شعره. الا انه ما ان نبت شعر شمشون مجددا حتى هدم المعبد على نفسه وعلى اعدائه الغزاويين. وتقول الاسطورة ان شمشون - وكان من قبيلة دان ويزعم انه كان اخر زعماء –قضاة - بنى اسرائيل- هدم معبد قدامى الفلسطينيين بغزة فوق رأسه، ورأس اعدائه حوالى عام 11 قبل الميلاد. ولعل شمشون "الجبار" كان اول انتحاري في التاريخ "المكتوب".

وازعم انه حيث كانت غزة الدولة المدينة تحتكر كل من صهر الحديد وصناعة السلاح مما كانت القبائل المجاورة المتحاربة تتنافس عليه فلعل اعراب الشتات اسطنعوا اسطورة قوة شمشون الفائقة على سلاح غزة بغاية ترويع الغزاويين ومن عداهم على غرار خلق اسطورة الجيش الإسرائيلي الذى لا يقهر لترويع العرب حتى هزمتهم قوات حزب الله في حرب اسرائيل على لبنان في 2006. ولعل الاسرائيليون نزعوا لان يتعادلوا نفسيا وربما تاريخيا مع السراسانيين. وقياسا كان الى ذلك لزاما ان يؤبلسوا داليدا التي عشقها شمشون- احد كبار احبارهم وقضاتهم وتجارهم بالنتيجة.

ومن المفيد ملاحظة انه وان بقى اعراب الشتات يوظفون نسائهم منذ دينا ابنة يعقوب من زوجته ريا (مع ابن الملك حمور) واستير وراحيل (او راشيل) ومونيكا لوينكسى في غواية خصومهم الا انه عندما يحدث العكس تصب اللعنة على امرأة الغريم وعشيرتها الى الابد، فتتنزل وكأن امرأة الغريم هي التي ارتكبت الخطيئة المميتة. وقياسا تخلق ضغينة أعراب الشتات على غزة شرط دمار شمشون الجبار والمعبد. وعليه تتنزل غزة جراء تلك الاسطورة-كغيرها من اساطير اعراب الشتات- في خاطر اعراب الشتات بوصفها تمثلا للشر والجحيم فيحق محوها من فوق الارض.

الصمت المريب ومغبة حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها:
صمت اوباما -شمسون الحليق- مرة اخرى عما يحدث لأطفال الفلسطينيين ليس جراء الغارات الجوية الليلية وحسب وانما جرا ء التجويع والعطش والحرمان من العلاج والتعليم بصورة متصلة والاخطر جراء سياسة تدمير المجتمع الفلسطيني بصورة منظمة وعلى المشروع المنظم لتحويله الى مجتمع الجمع والالتفاظ بغاية اهانة واذلال الفلسطينيين، وصولا الى ما دون الادمية. وكانت اسرائيل قد بقيت تمنع منذ الاحد 24 ديسمبر 2008 دخول الدواء الى غزة لليوم الرابع على التوالي. وتقول هيلاري كلينتون التي عينها اوباما وزيرة لخارجيته امام لجنة اقرار تعيينها لدى الكونجرس انها واوباما يؤكدان على حرصهما على حق اسرائيل في الدفاع عن امنها. ولا تقول هيلاري إن من حق الغزاويين ان يتنفسوا وان يخرجوا للعمل كل صباح ويرزقوا ما يعولون به اسرهم وان يذهبوا الى المدارس والجامعات والاسواق وان يملكوا الحق في تقرير مصيرهم وفى العودة.

ولا تقول هيلاري كلينتون وزيرة خارجية اوباما ان اسرائيل هي الدولة الترسانة التي تسمسر في موالح الرأسمالية الامريكية في الشرق الاوسط، وهى التي تقسم غزة والضفة مجددا لتحيلهما الى بوندوستانات في افضل الشروط أو معسكرات اعتقال بالأحرى. ويتوعد ايمانويل بوروزو رئيس المفوضية الاوربية روسيا واوكرانيا بان يدعو المجموعة الاوربية لان تدفع بمحاميها لمقاضاتهما ويجأر اوباما مستنكرا حادثة مومباي، ويندد بدور روسيا حول احداث جورجيا ويصمت كلاهما أمام غزة فيما تحصل اسرائيل على ضمان موقع في اتقاقية حماية امن اسرائيل مع امريكا على الا يتوفر لحماس شرط الحصول على سلاح. وكأن امريكا لم تكن توفر لإسرائيل كل التسهيلات العملياتية واليات التجسس ونتائج تجسس امريكا على الشرق الاوسط ناهيك عن السلاح. ويوفر كل ذلك وخلافه على اوباما ما يجعل اى محاولة-لو ان اوباما كان سيحاول اصلا-لحل ما يسمى بمشكلة الشرق الاوسط- بان يختم على اى حل كان.

وتظهر مقدمات التواطؤ وقد لاحظه الناس ولم يكتف المعلقون بالتعليق وانما انبروا يحللون كيف ان وراثة اوباما للبيت الابيض من ايسر واكثر الوراثات تراض بل وتحابب. وبقى بوش الابن حتى اخر لحظة في ادارته يقرظ اوباما ويدعو له بالتوفيق. وقد بلغ الوله بأوباما مبلغ يبدوانه دفع الاخير لان يصوره له في المرة الاخيرة اما غفلة أو على طريقة ان كله عند العرب صابون. واذ وقف اوباما بين بوش الابن وبوش الاب في صورة فريدة جمعت بين 5 رؤساء امريكان دعة واحدة فلم يكن ثمة تفسير لهذه التوليفة لا تاريخيا ولا تراتبيا سوى انها رمبا كانت من تأليف واخراج هوليوودي لإدارة باراك اوباما الذى غدى لأول مرة حقا وعمليا اول من افتتح فاتحة ان اي كان حري بان يغدو جديرا بمركز الرئاسة الامريكية بغض النظر عن العرق واللون والعقيدة. وقياسا ازعم ان تلك الفاتحة حرية لان تيسر لاحقا رئاسة معلنة ليهودي. ولعل اوباما مجهول الام هو ذلك اليهودي.

فان كانت الام ملحدة فان شيئا لا يذكر عن تلك العقيدة التي الحدت عنها أو خارجها. وتقى اسطورة اوباما بهذا الوصف وخلافه مما كتبت فيه باكرا في الكلمة تحت عنوان اسرة سوداء في البيت الابيض تبقى قابلة لتستر عليها أو-و اعلان بعض مكوناتها حسب الطلب. كل ذلك من وراء ستار دخان محرقة غزة.

تكافؤ سلاح الة الاعلام والسلاح الحي
حيث يحيط الصمت بأسطورة أوباما بشأن حقيقة اصله واصل والدته، وبشأن غزة وبشأن امور اخرى فان هيلاى كلينتون وزيرة خارجية الادارة الجديدة تلوذ بالصمت بدورها فلا تنطق ببنت شفه بان اسرائيل تضرب غزة بأسلحة جديدة تجربها على المدنيين الفلسطينيين مثلما فعلت امريكا منذ القنبلة الذربة على هيرشيما وناجازاكى والعنصر البرتقالي على الفيتنام والقنابل العنقودية وزرع الالغام على العراق ولبنان وافغانستان. واليورانيوم المنضّب الذي تستخدمه اسرائيل على الفلسطينيين مادة تصنع منها القنبلة الهيدروجينية. والقنبلة الهيدروجينية قنبلة رأسمالية تفتك بالإنسان والحيوان وتترك العقار قائما لتقصفه مدافع الهون والصواريخ أرض-أرض وبحر-أرض وسماء-أرض. وتقصف اسرائيل المدنيين بذريعة ان حماس تجعل من الاخيرين حزاما بشريا لتطمئن الى ان جنودها لن يكونوا في خطر النيران المذكورة عندما تدخل القوات الارضية غزة في اليوم التاسع.

وفي نفس اليوم الذى صعدت فيه اسرائيل عمليات قصف غزة الى اكثر من 100 عمليه-حسب تقرير إسرائيلي عسكري -ينشر روبرت ميردوخ في جريدته الشعبية-الصنThe Sun قصة مثيرة بشأن عنصرية الامير هاري-الثالث في صف ولاية العرش البريطاني- ثم يردفها بأخرى حول الامير تشارلز الذى ينادى صديقه بما كان الانجليز يطلقونه على هنود شبة القارة الهندية على عهد الراج Raj. ويطغى الخبران على ما عداهما مما يدفع بأخبار غزة الى صفحات الجرائد الكبرى الداخلية. وتغدو اخبار غزة ثانوية في نشرات الاخبار المرئية والمسموعة. وتأتى اخبار من كل نوع فتغطى اخبار الكلاب بل تحتل الاخيرة حيزا ملحوظا في شتاء بريطانيا القياسي وقتها فان تمنح التقارير الاخبارية اهمية خاصة للكلاب فان تقرير من غزة لا تحظى بأكثر من بضعة دقائق. وكانت اسرائيل قد نشطت باكرا كما نشط حلفاؤها من المسيحيين الصهاينة والعرب الصهاينة وتنويعاتهم من المحافظين والليبراليين الجدد في خلق منظومة من المفهومات والسناريوهات الاعلامية تمهد لاجتياح غزة قوامها ماكينة دعاية مضادة فقد كان العدوان على غزة حريا بان يكون حربا اعلامية بقدر ما كان عسكريا مثلما باتت الحروب على العرب والمسلمين-افغانستان-العراق-ليبيا-بخاصة سوريا وغيرها حروبا اعلامية بامتياز تباعا.

فقد كانت تنويعات المسيحيين الصهاينة الباكرة ونظائرهم من العرب الصهاينة الخ قد برعوا وما يبرحون يبرعون في نسج الاساطير والاساطير المضادة مما كان حريا بان يخلق تنويعا باكرا على الاعلام العالمي وعلى ادواته الماضية من رويترز Routers واسوشيتد بريس Associated Press ومؤسسة نيوز كورب News Corp. وكانت الاخيرة تنويعا على الاصحاح القديم الذى ما يبرح يعاد كتابته في كل مرة حسب الطلب. وكان الاصحاح القديم-الذى تعاد كتابته في كل مرة حسب الطلب-بمثابة امبراطورية الافكار المسبقة. والعكس صحيح. فقد كانت امبراطورية الافكار المسبقة تصدر عن وتتمأسس فوق الاصحاح القديم. وقياسا يكرر المسئولون الاسرائيليون السياسيون والعسكريون والصحفيون وحلفاء اسرائيل مثل بوش وغيره من الصهاينة وفلول المحافظين الجدد والصهاينة العرب وقد انتشرت فيالقهم بصورة واسعة-يكرر جميعهم نفس السردية المزوقة Euphemized Narrative كأسطوانة مشروخة. وتصدر تلك التصريحات فورا عن لغة المحرقة فتختزل كل حقيقة في مفردات المحرقة وتروع كل ناقد لدولة اسرائيل بتهمة العداء للسامية.

وتقلب تلك الاسطوانة المشروخة الحقيقة على راسها فيقول الصهيوني الانجليزي مايكل ريفكيند Michael Rifkind وزير خارجية بريطانيا السابق والذى كان قد جأر حين تعالت الاصوات تطالب بتسليح البوسنيين امام سلاح الصرب بان ذلك سوف يجعل المعركة حقلا متكافئا للقتل a Level killing field يجأر ريفكيند "إن حماس تحب فلسطين اكثر مما تحب الفلسطينيين". وليس ثمة معنى لمثل هذا التخرص سوى انه يضير الصهاينة أن يضحي الفلسطينيون من اجل فلسطين مما يعنى ان فلسطين باقية وان المحرقة لن تدفع الفلسطينين الى الهجرة هذه المرة أو قبول التسفير الى الاردن ومصر وغيرهما. والتسفير هو الوجه الاخر للاستيطان.

فكلما تم تسفير الفلسطينيين او- دفعوا الى الهجرة العنيفة اتسعت فضاءات الاستيطان والعكس صحيح، وكلما اتسعت فضاءات الاستيطان تقلصت فرص الفلسطينيين، فخلق شرط العوامل الطاردة للآخرين وقد اثارت القنبلة الديمقرغرافية demographic bomb ذعر اسرائيل وضغينتها على الفلسطينيين كون 50% منهم اقل من سن 18 عاما ويتكاثرون بجنون. ويخلق الاحتلال شرطا طاردا للسكان الاصليين بحيث يدفعون لهجرة أوطانهم. وتعمل الرأسمالية الامريكية بنفس الصورة حين تترك الاحياء الوسطى للمدن الامريكية تتداعى وتخترب حتى يهجرها سكانها ثم ما تنفك تبتاع الاراضى بتراب الفلوس لتعمرها وتبلغ بها ارباحا خيالية.

وبالمقابل فان معظم المستوطنين-و قد باتوا يحتكرون كل من الجيش والشرطة والمراكز الحكومية المحلية الخ-مهاجر اقتصادى Economic Migrant انتهازي ولا علافه له بإسرائيل التوراتية المزعومة يتملك الأراضي والمساكن واشجار الزيتون الفلسطينية تحت ذرائع لا متناهية. ويخترق المستوطنون اجهزة الدولة. وكان معظمهم قد ادعي اعتناق العقيدة الأرثوذوكسية فتحور 180 درجة. فبعد ان كان الأخيرون يدعون التفرغ للعبادة ليعولهم اهلهم وغالبا زوجاتهم ينخرط المهاجر الاقتصادي ذاك في مليشيات تخرج لاصطياد الفلسطينيين، كما كان الحجاج والمهاجرون الى العالم الجديد يصطادون السكان الاصليين. ذلك ان الغرب كان قد جرب ذلك باكرا وبقى يفعل في التوسعات الخارجية وبين المستعمرين -بفتح الميم الثانية- داخليا كما في ايرلندا.

ذلك ان الانجليز دفعوا بمرتزقة من البروتستانت لم يزيدوا على مهاجرين اقتصاديين الى ايرلندا ومنحوا اراض ورساميل خصما على الايرلنديين الكاثوليك-تماما كما تفعل اسرائيل. وقد خلق ذلك شرط هجرة الايرلندينن وقد فاقم شرط الاخير ما يسمى بمجاعة البطاطا في 1850. كما يفاقم عوامل طرد الفلسطيني ضبط شرط حلول المجاعات وغياب العلاج والسكن والعمال للفسلطيني تباعا.

عقلانية الاعلام الغربى ومشكلة الشرق الاوسط :
ليس ثمة اكثر تعبيرا عن العقلانية الغربية من التعامل مع كل ما يخص اسرائيل وما يشير الى اسرائيل وما يفسر ما تفعله أو تتركه اسرائيل. والعقلانية التي اشير اليها هي عكس ما تعنية الكلمة تماما وكنت قد عرفتها مرارا في دراسات اخرى باكرا. وتعنى اختصارا تزويق الاكاذيب وانصاف الحقائق وتصادر عقلانية بهذا الوصف كل محاولة لتعريف مفردات خطابها وتؤبلسه وتصمه بالنظرية التآمرية. فكل ما لا يوافق خطاب الصهيونية العالمية متهم بالخطل مدان بالكذب والتقول. وازعم ان تكريس العقلانية بهذا الوصف هو وظيفة أو نتيجة كل من سيطرة الصهاينة على ادوات الاتصال والاعلام مرة وجراء خشية كل من عداهم من الاتهام بالعداء للسامية فيقطع رزقه ان لم يكن رقبته[3].

 فتهمة العداء للسامية لا اساس لها من عقل أو منطق أو دليل سوى انها تشيع الارهاب بين وتروع كل من ينتقد اسرائيل. وتعبر خشية كل من يجرؤ على النطق بالحقيقة عن نفسها فى:
- المحرقة وقد بات لزاما مراجعة مبالغاتها وارقامها وقد اوشك السحر ان ينقلب على الساحر[4]
- اسطورة خروج اليهود من المانيا. ذلك انه من المفيد تذكر ان عامة اليهود الالمان كانوا راغبين عن ترك المانيا مثلما كان يهود وادى النيل الشمالي -ان كانوا يوما هناك اصلا - راغبين عن مغادرته وراء موسي وقد مناهم بارص العسل واللبن مثلما منى زعماء الصهاينة عامة الصهاينة بارض الميعاد في فلسطين- الا ان الاعلام الغربى يخلق سردية بديلة مثلما بقى الاصحاح القديم ينسج باستمرار اساطير انبياء بعض ابناء يعقوب ويزوق الاكاذيب وانصاف الحقائق حسب الطلب. فلم يكن كل يهود المانيا في معسكرات الاعتقال. وانما تواطأ زعماؤهم مع النازى لضبط شرط ارغامهم على الهجرة الى فلسطين. وكان كثيرون قد رفضوا الهجرة وكانت حياتهم في المانيا افضل بكثير مما قيل عنها. والا فكيف قيض ليهود المانيا الابداع في والعلوم والاداب والمؤلفات الموسيقية التي يبذ بها يهود المانيا يهود اوربا كاملة؟

وطريقة تناول المشكلة الفلسطينية أو مشكلة الشرق الاوسط. وحيث قد لا يفهم معظم البريطانيين مشكلة الشرق الاوسط مثلا فذلك لانهم يشاهدون الاخبار المتلفزة ويقرأون الصحف الشعبية. وتصور الاخيرة الوضع مقلوبا فوق رأسه، وكأن الفلسطينيين هم المعتدين. ولا يذيع التلفزيون معلومات انتقائية وناقصة احيانا وحسب، وانما يرفض التلفزيون غالبا ودائما تفسير الاحداث. ذلك ان التلفزيون يشدد على من يكتبون له أو يظهرون على شاشته ان" يتركوا التفسير جانبا". فيطلب من الكتاب والصحفيين الا يفسروا ما أدى بالفلسطينيين الى مواجهة الاحتلال الإسرائيلي العسكري بما يوجهونه به. واذ يبقى احباط الفلسطينيين غير مفسر لا يفهم لماذا يفعل الفلسطينيون ما يفعلون. ويبقى ما يذكر ويعرض مما يفعله الفلسطينيون بلا تفسير. فالأخبار تحمل داخلها (تحاملا) تفسيرها الخاص.

وحيث تتردد أوهام حول حق الاسرائيليين في وطن آمن وحول بداية اسرائيل في فلسطين لا يذكر حق الفلسطينيين في وطن بدورهم ويخصم عليهم نزوعهم الى تكريس قوميتهم وهويتهم التاريخية الخاصة. وحيث يذكر أن الاباء الإسرائيليين الاوائل كانوا قد انشأوا مجتمعا اشتراكيا، فلا يذكر التليفزيون والصحف الشعبية تفسيرا لوجود الاسرائيليين في فلسطين، ولا أن الصهاينة كانوا قوميين- رغم ان بعضهم كان اشتراكيا. وليس ثمة تفسير لانتزاع الصهاينة للأرض من الفلسطينيين واقامة مستوطنات عبارة عن معسكرات عسكرية ولا بان الإسرائيلي يحصل على عشرات المرات حصة الفلسطيني من الماء أو ان الفلسطينيين يشترون ماءهم من شركات اسرائيلية بخاصة بعد قيام حائط الفصل العنصري.

ولا يذكر الاعلام كيف ضرب جدار الفصل العنصري الاقتصاد الزراعي الفلسطيني وكيف ينتج المستعمرون محاصيل أراضي الفلسطينيين ويصدرونها بوصفها منتجات إسرائيلية مما فاقم احباط الفلسطينيين. وهكذا وهكذا. وتكرر الصحافة مفردات عقلانية بالمعنى المجازي المشبوه وتستخدم لغة تبريرية ذرائعية مثل "اعتقل اسرائيليون واختطف الفلسطينيون إسرائيليين والضحايا المدنيين الاسرائيليين والخسائر الموازية الاسرائيلية" التي هي مسئولية الارهابيين الفلسطينيين وكيف ان اى ضحية فلسطينية هي في تحليلهم المتكاذب بمغبة أولئك الذين "يجعلون من المدنيين حزاما بشريا" وان قتل الفلسطينيين ليس سوى امر "يصعب تفاديه" وقد "يؤسف له" في افضل الاحوال.

وحيث يبدو الاسرائيليون اكثر تحضرا اذ "يتأسفون" على قتل بعض الابرياء يذهب الفلسطيني الانتحاري بتقصد ف"يقتل المدنيين الابرياء عمدا". ومع ذلك يحتج الإسرائيليون بان الطريقة التي تقدم بها الصحافة تقارير الاحداث "تحض على انتشار العداء للسامية". ولا يزيد الصهاينة على خلق قاموس كامل للمفاهيم ويأخذ عنهم الغرب وكورس العرب الصهاينة، ولا استخدم المفردة اشارة لليهودي، فثمة صهاينة من كل ملة حتى من المسلمين، وما اكثرهم ممن تربى على يدى المحافظين الجدد. فهناك المسلمون المرقدون بين احضان الاخيرين وانغالهم الليبراليين الجدد. وما ينفك أوباما يفعل المثل بعنصرية مجيدة مثلما يفعل مستشاروه ونصحائه من عتاة الصهاينة.

تربص اعراب الشتات بالقومية الفلسطينية:
اجادل ان اعراب الشتات وازلامهم الصهاينة من كل نوع على تكريس انتفاء شرط القومية العربية في كل مكان الا انهم لم فشلوا فشلا ذريعا في اقتلاع الحس القومي بين الفلسطينيين. ذلك ان اعراب الشتات وقد تعينوا على تكريس قوميتهم بوصفها التبرير الوحيد لمشروع الخلافة العبرية الصهيوني بامتياز وللهوية العبرية كانوا حريون بان يفقدوا كل مبرر للقضاء على القومية الفلسطينية والعربية بالتماس على الاقل. فرغم شيطنة الفلسطينيين داخل فلسطين نفسها وفى المخيمات في لبنان وسوريا والاردن وغيرها أو ربما بسبب ذلك فقد نجح الفلسطينيون في تنظيم انفسهم في حركة-او حركات- قومية قوية وصاعدة. وكان بعض زعماء تلك الحركات من اللذين ولدوا في أو بعد 1948 وبعضهم من شب في ستينات القرن العشرين. وكانت الاخيرة سنين حركات التحرر الوطني والاستقلال وحركات الكفاح المسلح في امريكا اللاتينية وفى افريقيا وفي اسيا.

وكان زعماء ثوريون مثل جمال عبد الناصر وأرنيستو تش جيفارا واميلكار كابرال ومارتين لوثر كينج وغيرهم يملؤون الدنيا تفاؤلا بالثورة. وكانت الثورة والنضال ينشدان العدل. وكان الفلسطينيون قد ادركوا باكرا في فلسطين وفى الشتات خاصة أن الصهيونية حركة استعمارية توسعية-رغم بداياتها العلمانية التحررية-تخاتلا- مما ايقن الفلسطينيون معه أن لا سبيل الى تحقيق حل عادل لقضيتهم تحت هيمنة الاحتلال. فقد ترعرعت الصهيونية بين احضان الاستعمار العالمى ان لم تكن قد الهمته وحضت اجندتها عليه وكرس مفكروها خطابها. فقد وفر وعد بلفور الدرع الحامي للصهيونية الذى بدونه ما كانت اسرائيل. فيما قيضت للرساميل الهاربة من كل مكان الى كل مكان نشوء الرأسمالية المالية مرة واحدة والى الابد، فراحت تؤلف العمود الفقري للاقتصاد العالمي أو اللا اقتصاد بالأحرى. وكان المشروع الصهيوني الذى ازعم انه نشأ باكرا على انقاض وبأموال الخلافات الاسلامية المشرقية والمغربية والمسيحية الغربية منذ ما قبل القرن التاسع عشر قد بات مشروعا ماليا يصدر عما اسميه عقيدة المال بامتياز، خصما على الرأسمالية بتنويعاتها التجارية والميركنتالية والبرجوازية الصناعية جميعا. وحتى اذا كان للصهيونية-كما ينتشر الادعاء- قلب يخصها وقوة دفعها الذاتى الا انها ما كانت تستقيم كمشروع ناجح وقصة نجاح غير مسبوق في زمن قياسى من 1948 الى 1967 بدون الدعم الخارجي، كما يلاحظ الناس في كل مكان. فان تحولت اسرائيل من دولة قومية صغيرة الى مشروع استعماري يتمأسس على التوسع والغزو منذ 1967.

وكانت الحركة الصهيونية قد الحقت نفسها بالقوى العظمى منذ الخلافات الاسلامية حتى الخلافة العثمانية وصولا الى الامبراطورية البريطانية. فان ساعدت الحركة الصهيونية على تقوية الاخيرة خصما على فرنسا الا ان الحركة الصهيونية لم تلبث ان تماهت مع وربما كانت الدافع لنشوء وازدهار وتكريس الامركة التي خلقت بدورها شرط تقويض الامبراطورية البريطانية تباعا. واجادل ان هجرات ثروات الصهاينة ورساميلهم الى الولايات المتحدة كانت قد عبرت عن نفسها منذ الاكتشافات الجغرافية الكبرى تباعا وشركات الهند الشرقية وصولا الى ما يسمى الأرثوذوكسية الاقتصادية وتكريس حرية حركة الرساميل، ومنها رفع سقف تصدير الاموال والارباح على عهد مارجريت ثاتشر، جددت في الصهيونية العالمية النزوع الى تكريس عقيدة المال تلك مجددا

محاربة القومية بجيوش قومية
فقد أنشأت اول مستعمرة اسرائيلية في فلسطين منذ 100 عام أي في بداية القرن العشرين فان بداية اسرائيل تتفق قياسا وبداية نهاية الإمبراطوريات الاوربية الغربية لحساب الامبراطورية الشمال امريكية أي لحساب الرأسمالية المالية والصهيونية العالمية معا. وقد ساعدت تاكتيكيات اخرى لم تكن تقل عن خلق شرط تحقيق استراتيجية معلاة لحساب توسيع الدولة العبرية وصولا الى ارض ميعاد تمتد الى كل شبر وطأته بطون اقدام الصهاينة من تنويعات اعراب الشتات وبخاصة المستوطنين الاقتصاديين ومعظم اهم واكثر يهود اسرائيل قوة وثروة وهيمنة منهم. فقد كان ابناء يعقوب فيما خلا يوسف وشقيقه الاصغر مهاجرون اقتصاديون يتعينون على اختراق المجتمعات التي تستضيفهم وصولا الى السيطرة عليها كما في كل مرة على مر تاريخهم غير المكتوب بعد مما اناقش بعض ملامحه تباعا[4].

فان كانت الامبراطورية البريطانية حاضنة المشروع القومي لحساب الدولة العبرية تعينت الامبراطورية الامريكية الوجيزة بالضرورة على وأد القومية في كل مكان باسم القومية –قومية اسرائيل وامريكا بجيوش قومية تشعل حروبا ضد القومية بذريعة ان القومية تؤجج الحروب. وتشعل الاثنان حروبا ضد ما يسمى "اندلاع الحس القومي"-لان القومية حرية بان تفجر النعرات والمنازعات الاقليمية-بجيوش قومية تتنافس فيما بينها على الفخار والتباهي القومي. الا ان الواقع يقول بان قوام تلك الجيوش القومية لم تلبث ان باتت على عهد الادارة الامريكية 43 تنويع على المستوطنين الاقتصاديين بوصف قوات جيوس التوسع الصهيوني لم تزد يدورها عن مرتزقة ومغامرين ونهابين وشذاذ افاق بصورة غير مسبوقة وقد خصخصت الجيوش مثلما كانت الجيوش التوسيعة منذ بدئ التاريخ المكتوب والمسكوت عنه.

وقياسا ما تنفك الادارة 44 -ادارة باراك اوباما تفاقم خصخصة الحرب في افغانستان او-و تجند جيوش من الأهالي كما في العراق وافغانستان مثلما كان المهاجرون الاوائل واسلافهم من بعد قد أغوى الهنود الحمر على الانخراط في صفوف قوات المواجهة مع المهاجرين الاخرين. وتعيد قوات الاحتلال في العراق انتاج التنويعة ذاتها بتجنيد الهسبان والأفروأمريكان والافريقيين المسلمين وغير المسلمين وحتى بعض العرب والمسلمين. وتدين معظم تلك القوات من شذاذ الافاق على مر التاريخ بالولاء لقوات الاحتلال تحت حذاء ورقابة المارينز واعين حاكم عسكري عام كما في البوسنة أو معتمد أمريكي أو مسئول حلف الأطلنطي كما في العراق وافغانستان وقد احاطت بكل ذلك جميعا قواعد عسكرية غير مسبوقة بدورها.

وتجند اسرائيل المستوطنين من شذاذ الافاق-اللذين كانوا سيبقون في عداد المشردين بلا مأوى لولا الاغراءات الاقتصادية في الجيش الإسرائيلي واغراءات كبار الصهاينة بخلق مجتمع منهم في كل مكان[5]. ذلك ان معظم جماعات المستوطنين المتطرفة تتألف من المهاجرين الاقتصاديين. وقياسا فقد بات جيش اسرائيل منذ 1967 جيش مستوطنين متهوسين يجأرون بان مشروعهم-من ارتكاب الفظائع بحق الفلسطيين-ليس سوى ثواب في الرب وباسم الرب. ولما كانت اسرائيل في حالة حرب مستمرة لأنها في حالة دفاع مستمر عن نفسها، فان المستوطنين المتشددين المتهوسين دينيا يكادون يحتكرون السلطة في كل من الجيش والمراكز العليا في الخدمة المدنية. والعكس صحيح فان كان المستوطنون يهيمنون على الجيش ويتشاركون السلطة مع الاحزاب القديمة والجديدة مثل اسرائيل بيتنا فان حالة الحرب من اجل حماية حقوق اولئك المستوطنين تغدو قضية مقطوع بها. هذا وحيث يصدر المستوطنون الاسرائيليون عن الاصحاح القديم الذى تعاد كتابته في كل مرة فان الرب يقود حروبهم بنفسه حتى يضمن انهم لم يتركوا عنزة ورائهم منذ امرهم بتحريم مدن الخصوم[6].

ويتحدث الرب الى جورج ووكر بوش كما تحدث الى الاباء الاوائل والى بعض رؤساء الجمهورية الامريكية من قبله. وقياسا لا يزيد المستوطنون حتى وان لم يكونوا يهودا-اذ يستدعون مخيلة بعض تنويعات الصهيونية- سوى ان يعيدوا انتاج ما يقول به صاجال Sagal من حيث ان الصهيونى يدعى الدفاع عن وضعه الاجتماعى السياسي دفاعا عن امتيازاته الاقتصادية والعكس صحيح[7]. ويذكر غلواء المستوطنين بغلواء تنويعات خزر القوقاز ووادي نهر الفولجا في تطلب امتيازات فائقة يتفاقم تطلبها فيفوق احيانا امتيازاتهم عشية سقوط الامبراطورية الرومانية وأي دولة بعدها تباعا في مناويل- جمع منوال- يلاحظها الناس عبر التاريخ في كل مكان. فقد باتت عناصر متطرفة ومشبوهة منهم تزاود على غيرها وصولا الى السيطرة على الدولة واستقطابها ما بين مجاميع غير متطرفة وعامة الشعب. وكانت جماعات قد ظهرت عبر التاريخ المسكوت عنه وغير المكتوب غالبا وراحت تدعى لنفسها احتكار بعض طوائف اليهودية منذ ابناء يعقوب الى عبد الله ابن سبأ الى ساباتاي شبي زعيم طائفة الدونمة الى بن جوريون وصولا الى المسيحيين الصهاينة بتحريض تنويعات المحافظين الجدد كا هو الحال على مر التاريخ المسكوت عنه.

إحلال القومية العبرية مكان الرب:
تصدر تلك الجماعات غالبا عن مفاهيم تستدعى معايير يسوعية Messianic وتتمأسس فوق البدو واعراب الشتات وعلى غلاة Zealots الاخيرين على الخصوص. وقد نجحت تلك الجماعات في احلال تخريجات على عقيدة صهيون مكان المسيح. فقد اختطفت بعض تلك الجماعات البعد الروحي لمفهوم صهيون- فأسقطته على سياسات السلطة القومية National power politics بغاية احلال الدولة القومية مكان سلطة الرب[8]. فهم-وبعد انقضاء مرحلة التطهرية المتخيلة تلك - من ثم في حالة استنفار دائم يتطلبون الغنائم ويطالبون بها ويخقلون شرط توفرها على الدوام. الا ان الاحتلال وذيوع الفكر الاستيطاني وتنظيماته بين جوانب الدولة الاسرائيلية بحد ذاتها وكون اسرائيل تقف بوصفها الدولة القومية بل الاثنية بامتياز وجدارة- اجج الحس القومي الفلسطيني. وقد عاد ارتفاع الحسن القومي فأثار ذعر اسرائيل فراحت تفعل كل ما من شأنه القضاء عليه. وقد تعينت المؤسسة الاكاديمية المعولمة بهمّة أهم عناصر الصهاينة كصامويل هنتينجتون وبيرنارد لويس وفرانسيس فوكوياما وبيرنارد هنري ليفي وغيرهم ومراكز البحوث المتخصصة واللوبيات الصهيونية واصحاب المال والاعمال اصحاب المصلحة في تكريس ذلك المشروع يذرون بالقومية بل ينفونها ويؤبلسونها. ويقع اصحاب هذا المشروع في شر اعمالهم حيث يواجهون تناقضات لا قبل لهم بها كما ى ليبيا وسوريا وغيرهما.

الا ان ما يسمى بالليبراليين العرب والمسلمين الجدد-او-و السلفيين- وبعضهم نبت شيطاني-وكلهم تنويع على الصهاينة سواء بوعي أو بلا وعي وانما بالقروش-المصاري في كل مرة- لم تلبث تلك التنويعات ان راحت تستشري بليل رافعة راية عداوة لا متهاودة للقومية العربية والقوميين العرب وكافة الشرفاء دفاعا عن مصالحهم المادية تحت راية الدفاع عن مصالحهم الأيديولوجية تختتلا. وقد يلاحظ الناس في كل مكان كيف ان تلك الجماعات تكاد تنجح في شيطنة القومية العربية من فوق شاشات القنوات الفضائية والصحف الشعبية تحت بيارق اعادة انتاج الخلافة تجاوزا للحدود القومية وكل ما هو قومي.

وقياسا بقيت الرأسمالية ما بعد الصناعية-الامركة-العولمة-مشروع القرن الأمريكي أو الصهيوني العالمية – تثابر على خلق شرط تصفية حسابات الحرب العالمية الثانية تباعا منذ سقوط حائط برلين بإشاعة ما اعرفه بالفوضى الفكرية والتنظيمية المهيكلة. ذلك ان الرأسمالية المالية كانت قد تعينت باكرا ومنذ القرن التاسع عشر على تفتيت الكيانات الكبرى السابقة على البرجوازية الصناعية وازعم ان الاخيرة لم تكن سوى محض جملة اعتراضية في المشروع الصهيوني العالمي.

ذلك ان الحرب العالمية الثانية لم تنفك ان اكملت المخطط بشظينة الامبراطوريات الرأسمالية الصناعية. ويتعين مشروع الشرق الاوسط الكبير والاخدود الافريقي العظيم ونظائرهما تحت الوية القرن الامريكي الجديد على أبلسة المشروع القومي تحت راية وبجيوش قومية تحارب القومية وتدوس على الحدود القومية وتقضى على كل ما هو قومي الا ما خلا الحدود –غير المعرفة تقصدا-و الدولة القومية العبرية لحساب الرأسمالية المالية وسادة الكون الجدد أو المجددون. ويقضى الاخير بمزيد من التفتيت للأوطان القومية العربية والمسلمة وغير الاخيريتين في المقياس المدرج تيسيرا لابتلاعها مثلما يحدث للسودان وغيره تباعا. وأجادل ان مستقبل المجتمعات التي قد تمر (تحت سيطرة الاسلام السياسي ناهيك عن السلفيين) بما مر ويمر به السودان قبل غيره بوصفه بالونة اختبار بات واصحا للعيان الا ان الوعي الشعبي والحركات الشعبية ما تنفك تحبط شرط تحقق مشروع السرق الاوسط الجديد. وقياسا ففيما يرتهن مشروع بعض الحركات الاسلامية السياسية بمشروع الخلافة الفائقة على الحدود والمشروع القومي العربى يرتهن بعض النخب العرب والمسلمين بمشروع القرن الامريكى الصهيونى العالمي.

القضية الفلسطينية وارتهان النخب العربية والمسلمة :

ازعم ان معظم النخب العربية والاسلامية ترتهن بدورها ب:
- بالتاريخ الرسمي والفكر والثقافة الاوربية الغربية دون تأمل الاخير ناهيك عن مجادلته أو مغالطته فيما تذري بتجليات التاريخ الشعبي.
-بالرأسمالية المالية واصحاب المصارف
--بمعظم الانظمة العربية الحاكمة ويجعل من انسحاق النخب امامها أو-و مشاكستها في تنويع على نظرية الثعلب اذ استعصى عليه الدجاج وقد اغلق دونه قفص الدجاج-يروح يدخل ذيله في القفص ليزعج الدجاج دون الوصول اليه. أى كما نقول عندنا في السودان "سهر الدجاج ولا نومه" او-و ينافس النخب الحكام على السلطة والثروة
-بالسمسرة نيابة عن استبداد مشيخات اصحاب رأسمال -ايجار أو ريع النفط القبلية البدوية كالسعودية وقطر وامثالهما ممن راح يتزعم دمقرطة مجتمعات المستقرين
-بالنظريات ومناهج البحث الغربية
-بالنظرية التآمرية وتعريفها الاجرائي
Operational definition الذاتي، والنظرية التآمرية هي الجرؤ بقول اي شيء يدحض خطاب الرأسمالية المالية أو-و لا يتفق وأجندة الصهيونية العالمية. وقياسا يتعلق فؤاد النخبوي العربي والمسلم بالمقرطة وهى تنويع معلن على الديمقراطية الأثنية- من اثينا. فرغم ان اثنيا كانت مجتمع الاقتصاد العبودي سوى ادراك ان الديمقراطية الاثنية ليست سوى ديمقراطية الرجال الاحرار الانداد خصما على عبيد والنساء يغيب غالبا على معظم النخب وبعض المثقفين العرب والمسلمين رغم ان افلاطون صاحب الجمهورية يعلن "لنا نساء يخدمننا-الاماء ولنا نساء يلدن لنا الزوجات اليونانيات غالبا ولنا نساء يرفهن عنا الخليلات أو الغانيات المثقفات ولنا اصدقاء رجال انداد.

-ينتظر النخبوي العربي الضوء الاخضر من الغرب حول تفسير وتحليل قضاياه- فان وصم الغرب الانتفاضات الشعبية والعمليات الانتحارية جلس النخبوي يفلصف- من الفالصو- وليس من الفلسفة- تعاليه على الانتفاضات الشعبية وثورات الخبر والشارع فمناهضته لها ويبتدع ويبدع وربما يزايد على الغرب في استنكاره للعمليات الانتحارية فلا يهون عليه رؤيها بوصفها علميات استشهادية من ناحية. ومن ناحية اخرى قد يدور النخبوي ويلف ويروح يدور ويلف-اذا سئل- حتى لا يجيب برأى حول موقفه منها في افضل الشروط . ومرة ثالثة وفى اقصاها قد يلوذ بالصمت حيالها.

وكانت الانتفاضة الثانية قد تحظى بدرجة من مشروعية التقبل بوصف انها مقاومة للاحتلال الصهيونى حتى عشية الثلاثاء المشؤوم 11 سبتمبر 2001. الا ان المقاومة الفلسطينية الباسلة سيدة المقاومات واطولها عمرا واشدها منعه واكثرها ادهاشا-ما انفكت ان صنفت جراء ذلك يقينا في عداد الارهاب فيما حرم تعريف الارهاب بقرار ناجز من الامم المتحدة تحت حذاء الادارة الامريكية 43 كما حرمت محاكمة أي أمريكي من جنود الجيش النظامي أو قوات مرتزقة الجيوش المخصخصة مثل بلاك ووتر Black Waters وساند لاين ٍSandline وعشرات غيرها لارتكابهم جرائم حرب في أي مكان من العراق وافغانستان وغيرها تجاوزا لمحكمة الجرائم الدولية.

وقد اصاب سيف تهمة التهاون في محاربة الارهاب المسلط معظم النخب وبعص المثقفين والمفكرين العرب والمسلمين بالزعر فلاذوا بالفرار واكتفى بعضهم من الغنيمة بالارتماء في احضان الليبرالية الجديدة أو ما بعد الليبرالية أي نهاية الاخيرة بالأحرى وما بعد الحداثة بمعنى نهاية الحداثة البرجوازية الصناعية بدورها لحساب الرأسمالية ما بعد الصناعية الرأسمالية المالية فالصهيونية العالمية.

وأزعم ان الثورة الفلسطينية فاجأت بل فضحت الكل والقت بالنخب العرب الصهاينة في محنة مجددة غب الثلاثاء المشؤوم11 سبتمبر 2008 وبخاصة بعد المجزرة الصهيونية لسكان غزة العزل ما بين نهاية ديسمبر 2008 الى يناير 2009. فحيث يضع الغرب الاجندة والمفردات ولا يبدع فيقدم معظم العرب والمسلمين بدائل للاجندة ولا للمفردات فقد قيضت مبررات الحرب على الارهاب وباتت ناجزة ويستحيل الرد عليها ناهيك عن مقاومة قاموسها. وقياسا قيض اجهاض المسألة العربية الفلسطينية تباعا وبالمقابل ووصمت حركات المقاومة بليل وكرست مفردات قاموس الارهاب في وصف تلك الحركات. وما ان احلت مفردات الارهاب مكان قاموس المقاومة في غياب وتغييب الجماهير الشعبية ووأد المفكرين العرب والمسلمين الشرفاء لحساب نظائر ما بعد حداثية ليبرالية جديدة حتى اسقط في يد البعض. وقد راح بعض الاخيرين يتلفت بحثا عن مسوغات من خارج الواقع العربي الموضوعي أي من وراء وما بعد حقيقة وسياق ما يسمى بالإرهاب في الفكر الغربي للعمليات الانتحارية. وفى تلفت اؤلئك البعض فانه يخشى ان يتهم بما يشارف اقتراف الزنا.

فقد كان معظمهم قد عجز في غياب مشروع فكرى تنظيمي بديل عن ان يحتمى باي مشروع كان سوى المشروع ما بعد الليبرالي أو ما بعد الحداثي- لا يهم المهم انه ما بعدوى. ولا يقول المشروع المابعدوى بطبعه شيئا. مثلما يكون مشروع اوباما ما بعد بوشوي. وان فعل الليبراليون الجدد انغال المحافظين الجدد فلا يفعلون سوى تجريم كل من يتعين على البديل. وقد استبق المحافظون الجدد وما بعد الحداثيين والليبراليين الجدد والاصوليين الغربيين أو الاصوليين العلمانيين أو اليسوعوقراط وما بعد البنائيين Post Structuralist والنسووقراط والصهاينة العرب وغيرهم من الاصوليين المتستر على اصوليتهم تعريف اى مفردة من مفردات المشروع الصهيوني العالمي. وبالمقابل اسلم امعان النظر المثقفين الشرفاء الى تساؤل فيما لو كان ممكنا تعريف مفردة أو نحت أى مفردة بديلة؟ وقياسا بات أي شك في أو اثارة جدل حول ناهيك عن تعريف مفردات الاصولية أو حوار مع الأصوليين مستحيل. ذلك ان البحث والتقصي العقلاني-بحق وليس بالمفهوم التنويري المتكاذب-غدى من شأنه ان يفتح فكى الجحيم على سعتهما.

ذلك ان مفردات السردية الغربية تبدو وكأنها متاريس لا متناهية امام البدائل. فالسردية الرسمية الوحيدة لفضيحة "اسلحة الدمار الشامل" مثلا ما تبرح الذريعة الرسمية لاجتياح العراق بوصفه "تحريرا" للعراق فيما تبقى تلك السردية الملفقة تلفيقا قائمة ورغم ان حقيقة تلفيقها باتت بلا ريب ماثلة للعيان دون التباس. ويقول اوباما في خطاب الامة الاسبوع الاخير من يناير 2010 ان امريكا خرجت من العراق وان لم يبق امريكي مقاتل في العراق فيما يبقى مئات الالاف من القوات الامريكية الا انهم يوصفون بالمستشارين والمدربين الى عشرات القواعد العسكرية واكبر سفارة امريكية في العالم في العراق.

هذا وتبقى في المقابل فصول واجزاء وقائع واحداث أي سردية بديلة لهذا التسارر والتخاتل والتكاذب تبقى اى سردية بديلة غير قابلة للنشوء والاستمرار جراء المصادرة وسيف النظرية التآمرية. وربما كان التساؤل واردا في كيف يقيض لسرديات قديمة-لا شهود عليها سوى انبياء وقضاة وامراء خرافيين اسطوريين-فى غياب التاريخ الشعبي والشهود العدل كيف يقيض لتلك السرديات ان تطرد كل سردية بديلة؟[9]

الا انه ومع ذلك وربما بسببه فان الذين يراهنون على مشروع القرن الامريكى الجديد وسيناريوهات الرأسمالية المالية ومخططات الصهيونية العالمية بشأن ما يسمى مشروع الشرق الاوسط الكبير انما ما يبرحون يرتهنون بواقع ينتفي شرط وجوده وبقائه تباعا لحساب واقع وعالم جديد شجاع A Brave New World على حد قول الدوس هكسلي Aldus Huxley. فعالمنا الجديد الشجاع يتخلق تباعا وبصورة متعاظمة شرط نشوءه وتكرسه بنضال الشعوب ولحسابها وبارادة الشرفاء في كل مكان خصما على الصهاينة من كل نوع وعلى سادة الكون والغرب وخصما عليهم جميعا. وبغض النظر عما يحيق بالثوار مرحليا من الاحساس بالإحباط والخيبة احيانا الا ان الجني وقد خرج من القمقم لن يعود الى قمقم الاستلاب والقهر والترويع مرة اخرى. وهذا ما يفزع اعداء الشعوب منذ التيه في سيناء وتباعا.

شرح على المتون:
هل خدم اجتياح غزة في المرة الاولى حلول رجل أسود في البيت الابيض فقدر نتياهو ان اجتياح غزة في المرة الثانية قد ييسر لليمين المتطرف بدوره الفوز ايضا؟ كان اللوبي الصهيوني قد اهدى باراك اوباما معضلة غزة منحوسة في الزمن الضائع من ادارة بوش. وكان الاخير قد وعد بان يحقق مشروع الدولتين حلا حتى اذا كان ذلك اخر شئ يقوم به خلال ادارته. وفاز اوباما بالدورة الثانية ببيع القدس عاصمة للصهاينة. وكان قد فاز بالدورة الاولي عندما لاذ بالصمت المطبق وغزة تحترق تحت وابل من الرصاص المصبوب الخ فكيف كان ذلك؟

تعالق حلول اوباما في البيت الابيض ومحرقة غزة وفوزه في المرة ثانية ببيع القدس؟
قضت تداعيات محرقة غزة والتطورات التي حلت بالقضية الفلسطينية بموجب اجتياح غزة واحالتها الى مجتمع العصر الحجري بان يعفى اوباما من التفكير في حل المشكلة فيصمت صمتا. وعليه فان اوباما ان فكر في القضية الفلسطينية فانه قد يفكر في اغاثة الفلسطينيين فيما لا يبقى للفلسطينيين حاضر ناهيك عن مستقبل. وقياسا تتحول القضية الى قضية عون انسانى مشبوه. وما ادراك ما العون الإنساني. ويتعين الاخير-كما فعل مع العراق-الى تحويل اى مجتمع الى تنويعة عالم ثالثية أو حتى اقل في سيناريوهات "الأمريكي القبيح" The Ugly American. فالعون الانسانى تنويع على الاستعمار منذ حروب الهند الصينية[2]. وربما قبلها بكثير اى منذ ان قايض يوسف المصريين على الخبز بالحرية.

ويفضى صمت الادارة الامريكية الجديدة-الى افراغ هذه المحنة الماثلة من محتواها بوصفها قابلة للجدل-كما يتضح من رفض البى بى سي اذاعة او-و نشر اعلان يناشد الناس بالتبرع لإغاثة غزة. وليس غريبا ان تندلع الحرب على غزة في الزمن الضائع من ادارة بوش وعشية تنصيب اوباما. ويستحيل تصور ان اجتياح غزة جاء بدون استشارة أو حتى علم اي من أو كلا الادارتين القديمة أو الجديدة. فرغم ان اوباما لاذ بالصمت عشية حلوله في البيت الابيض فقال عندما سئل عن رأيه فيما يحدث في غزة "ان ليس ثمة سوى ادارة واحدة" بمعنى انه يتملص من التصريح في حين لم يتخلف عن الجأر بما يدين روسيا في الحوادث التي وقعت جراء الحرب بين جورجيا وروسيا رغم ان الاولى كانت البادئة. فقد كانت تلك الحرب المفتعلة مقدمة لخلق شرط تدخل المجتمع الدولى.

وان اوباما الذى بقي يردد القول بان "لو ان ابنتي تعرضتا لقصف الصواريخ اثناء نومهما لفعلت كل شئ ... كل شئ من اجل منع حدوث ذلك" الا أنه يصمت في خطاب ولايته الثلاثاء 20 يناير 2009 صمتا يصم الاذان عن ذكر الشرق الاوسط بكامله حتى لا يذكر اطفال غزة. فقد كان اجتياح غزة حريا بان يفرز بالنتيجة ما من شأنه ان يخلق شرط استحالة اى حلول معقولة أو مستحيلة مما ييسر لاوباما الاستمرار في الصمت المتخاتل حول غزة أو يقول ما لا طائل تحته. على انه من المفيد تذكر انه ورغم ان اوباما قد يبدو انه ليس من خندق المحافظين الجدد تماما الا انه يبقى بالضرورة من خندق نظائرهم من اعراب الشتات ممن يتعينون على اجندة موازية. ذلك ان الخندقين ينفردان بالساحة اذ يبقيان كما في كل مرة وعلى مر الزمان يعبران عن الحزبين الكبيرين الازليين حزب الشمال وحزب الجنوب الميثلولوجيان اى حزب الملك وحزب الفاتيكان وكلاهما في جيب اعراب الشتات أو يكادان.

المراجع والقراءات:
 [1] في ذكرى المجزرة الصهيونية على المدنيين الفلسطينيين العزل ما بين نهاية ديسمبر 2008 الى نهاية يناير 2009.

[2] The Ugly American رواية ل "وليام ليدرر" William J Ledrer صدرت في الستنيات حول ابتذال شعوب جنوب شرقى اسيا- كوريا- فيتنام وكامبوديا بالعون الغذائى الامريكى مرمز في صلافة السفير الامريكى.

[3] طالبت اسرائيل برفت روبت فيسك الصحفى البريطانى المعروف ومحرر جريدة الانديبيندت في شئون الشرق الاوسط لانه يكتب ما لا يروق لاسرائيل. وقد قام الناس بحملة كبيرة واسعة للدفاع عنه حتى انتهت المشكلة مؤقتا. الا انه عندما قدمت الانديبيندت تقريرا باعداد الاطفال اللبيانيين اللذين تقصدتهم القذائف والالغام والقنابل العنقودية الاسرائيلية اشارة الى نزوع الاسرائيليين التاريخي الى قتل اطفال خصومهم فقد عادت اسرائيل وشددت من نقدها له والمطالبة بالثار منه مهنيا. وكانت جولدا مائير قد قالت باكرا "ان كل طفل فلسطينى يولد بمثابة الجمرة في كبدى" أو شئ من هذا القبيل.

[4] انظر(ي) The Holocaust Shuffle, By Eric Peters:We've got a new dance here in the Homeland. It's called The Holocaust Shuffle. The steps are easy to learn. Just stand here, legs apart - and arms up. Say nothing - and do exactly as you are told. http://www.informationclearinghouse.info/article32881.htm

[5] وعد رئيس المؤتمر اليهودى العالمى الرأسمالى الشهير دونالد لودر صاحب مستحضرات التجميل والعطور استي لودر Estee Louder العالمية ببناء المجتمعات اليهودية في وسط وشرق اوربا وكان قد انشأ منظمة خيربة في 1987 لذلك الغرض.

[6] انظر (ي) سفر القضاة The Book of Judges الفصل الاول-4 و9 و15و 19و 27 الى 35. الفصل الثانى 1 و7 .

[7] صاجال Sagal, Sabby: 1998: From the Chosen people to the Holocaust: in Gaza Community Mental Health Programme: Third International Conference: Health and Human Rights-13-15 Oct.1997: P: 423.

[8] أنظر (ى) Rose, John: 2004: The myth of Zionism: Pluto Press: PP: 10-12

[9] If the single story of the Weapons of Mass Destruction (WMD) which has been rendered openly fabricated cannot yet be put to rest, what of the old fabricated myths about similar and other incidents in written and unwritten history