يشكل الشاعر الفلسطيني المغترب جزءا من لحظة اغترابه بحثا عن كوة ضوء هاربة، لكنه لا يجد إلا صورة استبداد وبحث يتجلى عن وطن قادم كي تسقط أقنعة الطغاة الى الأبد وكي تستطيع هذا الذات اليقظة أن تختار مصيرها الذي تراه مناسبا.

قصيدتان

حسن العاصي

موجة بكماء
بسطت العتمة ثوبها وأغلقت الأفق
والريح صافحت عواء الأسلاك
وحدهم الصغار يفترشون الأنقاض
أشباح صامتة تنوح
فوق جثث بلا عيون
الوقت خيل يضاجع البرق
وجند السلطان كالدم الفاسد ينتشرون
يطرقون الأرض بعيونهم
خشية انهيار السماء
 
في قصور الوالي سكر ولهو ومجون
في الحواري النساء بطعم الحسرة
في الميادين سواعد قد أثملها المقراع
وهي ترقص للسواد
واوراق الموت تشهق
في اللٌيل تترنح الرؤوس
والسكينة واحة إنكسار
وحين تستيقظ الغيلان تغمد السيوف
والنهار يموت لامولى له
يا أحمد
هذه الأمٌة اغتالت ضميرها
فباعت الأنبياء
 
تجمٌع حشد المهلٌلون وسجدوا
في حضرة الوالي كنسج العنكبوت
إلٌا الدراويش تاه بهم الزهو
تآبوا وتعالَوا وماسجدوا
يغسلهم الموت مرتين
كأنهم ينهضون من الرماد دون ملامح
يستلٌون أنينهم
ويفرشون الساقية حطباً
يشبهون إطلالة الأضواء الأخيرة
تتكسٌر كل مساء
 
يزهر القهر الكامن على العفن الفطري
ويستبيح الوجع ظمأ العابرون
فيمطر المدى هامات الرجال
وعشٌاق الطريق بسطوا أكفٌ الدروب
لقامة الصدور وتلاشوا
يختمر الغضب بناصية الصمت
ويُدبر الصباح في ابتهالات الغيوم
فلاتجد منهم سوى موجة بكماء
وكثير من الخيبات في الأحشاء
 
في خلايا العَسف نفتش عن حزن يشبهنا
قد تطاول الفجور وانتشر
من يرجئ الموت لحظة ؟
فمازال لي حلم جاف
وطفولة باردة كالرخام
في الظل الممتد على رماد الفجيعة
يركع العوسج للريح
يختال الجند في الممالك
أعود فلا أجد أحداً
بل برق أحمر يعدو بي
فلا أرى الوطن
لكنٌي أراهم يلملمون حوائجهم
لربيع آت او لشتاء

 

 

الصراخ المشنوق
أيٌها المتدثٌر باللٌيالي النديٌة
باق أنت كنخل متمرد
فأنت الموشوم في طهر العيون
أيٌها النور الرٌاقد في جوف الحرقة
إمسك يدي كي نتوحٌد
في الإحتضار

أيٌها المولود من الرؤيا
هذا الماء يبكي
يسترق شهقة الولادة

والمواسم لاتعبر إلٌا بماء المقل
أنت وحدك أرحب من مسافة الموت
كما الأساطير أنت تهطل ماء
حين تغرق البحار

أيٌها الآتي من سماء النذر
قادماً من إنشطار الصرخة
بعد تسعون طعنة
تستجير بالتجهٌد
ففيه مأوى القانطين
وملاذ المظلومين
للغرباء والدراويش
وعشٌاق المشوار

أيٌها المبعوث موجاً
من رحم السوسنة
نبت من ألم
تنسدل سعف الغيث
تتدلٌى
والجذر ظلال شائخ
لكنٌك تنتصر على الحمم
يغسٌلك اللٌيل مرتين
وتغادرك الأنهار

أيٌها الرٌاسخ كالرمل
الثابت كالنخل
تعرٌي الريح عظامك
وبحرك على الأرصفة
يتيم لامولى له
تتصفٌح خرابك دمعة فدمعة
وصراخك مشنوق كالهمس
المبتل بالألم
وحدك تلتحف اللحد
وتصلٌي قبل التراب
ثم تغفو على خدٌ الأزهار

تحنٌط وجه الصمت
أسدل الرصاص ستائر الأشلاء
الأرض مازالت ظمأى للحمم
ليس سواك
تتلوٌى في حمٌى الألواح المقفلة
ليس إلٌا أنت
والفجر أمامك جلال مسجٌى
لو أن الوقت ينكفئ
لو أن الفجر نبتاً يتناسل
أو يموت
لو أن العشب العاري يرتدي العتمة الأخيرة
وينكئ زلال الأثمار

يعربد الجند سكارى
فوق رؤوس الأطفال
والمشانق تتلوى ساحات إنكسار
والوجع ليف كبريتيٌ
يمتد حول أعناق النساء
مابين الشهقة والطلقة ألف موت
ربٌاه
هذا الدمس
والجراد يتربٌص الدروب الضيٌقة
هناك دمي يتلو فاتحة الأسفار

 

كاتب فلسطيني مقيم في الدنمرك