حزامة حبايب تترجم «من التائه؟» لجلعاد عتسمون

دراسة في سياسة الهوية اليهودية

صدر مؤخرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، صدر كتاب "من التائه؟ دراسة في سياسة الهوية اليهودية" لجلعاد عتسمون. ترجمت الكتاب من الإنجليزية إلى العربية الروائية والكاتبة الفلسطينية حزامة حبايب.

يقدِّم جلعاد عتسمون في "من التائه؟"نقداً قاسياً للهوية والسياسة اليهوديَّتين، متوقفاً عند السمة "القَبَلية" للهوية اليهودية التي أسهمت في تعزيز الصفة العنصرية الاستعلائية، وإثنية التمحور، لليهودية. يطرح الكتاب جملة قضايا للنقاش؛ فيعاين سياسة الهوية اليهودية والأيديولوجيا المعاصرة اليهودية متكئاً على كلٍّ من الثقافة الشعبية والنصوص العلمية، كما يستعين بالنص اللاهوتي والإحالات التوراتية في تفكيك الأسطورة وتفنيد إسقاطاتها، علاوة على تجريد العديد من المفاهيم من قداستها المزعومة؛ وهي قداسة جعلت مجرد مقاربة بعض تلك المفاهيم يدخل في باب التجديف، الأمر الكفيل في الغالب بوسم المشكِّكين والمتسائلين والباحثين المدقّقين و"النابشين" في عظام التاريخ بتهمة "معاداة السامية" الجاهزة.

وبما أنّ إسرائيل تعرِّف نفسها علناً باعتبارها "دولة يهودية"، فإن تساؤلاً أساسياً يستتبع هذا التعريف الحصري والإقصائي، هو: ما الذي تمثّله مفاهيم مثل الديانة اليهودية والأيديولوجيا اليهودية والثقافة اليهودية؟ وفي محاولة عتسمون الإجابة عن هذا التساؤل، يحلِّل الخطاب السياسي والثقافي اليهودي العلماني، الصهيوني والمناهض للصهيونية، وما يتخلّله من جوانب قبلية، كاشفاً التناقضات التي تكتنف ما يوصف بالخطاب اليهودي التقدمي. كما يعاين الموقفَ السياسي اليهودي إزاء التاريخ والزمان، ودور الهولوكوست وما يصفها بـ"ديانة الهولوكوست"، والأيديولوجيات المعادية لغير اليهود المتضمَّنة في أشكال مختلفة من الخطاب السياسي اليهودي العلماني بل حتى في اليسار اليهودي، وجماعات الضغط اليهودية والتحشيد الصهيوني، وغيرها من القضايا الجوهرية. ويتساءل عتسمون صراحةً: ما الذي يجعل اليهود في الشتات يتماهون مع إسرائيل، مؤيدين سياساتها؟ إن إسرائيل والصهيونية، من وجهة نظر عتسمون، ليستا سوى جزأين من المشكلة اليهودية الأكبر، بعدما باتتا المعرِّفيْن الرمزيّيْن لليهودي المعاصر.

إلى جانب الهوامش الأصلية، حرصت حزامة حبايب على تضمين الكتاب، في نسخته العربية، بهوامش إضافية، موضَّحة ومعزِّزة، مسلِّطة الضوء من خلالها على عدد من المفاهيم والإحالات اللاهوتية، والنظريات الفكرية والفلسفية، وغيرها.

يعدّ جلعاد عتسمون واحداً من أبرز فناني الجاز في العالم، وهو ناقد مثير للجدل للكيان الإسرائيلي، حيث تشكل آراؤه وكتاباته موضع استقطاب بين مؤيد ومعارض، من منظِّري اليمين واليسار على حد سواء. ولد عتسمون في إسرائيل وخدم في الجيش الإسرائيلي لبعض الوقت قبل أن تشهد حياته تحولاً فكريّاً دراماتيكيّاً، فهاجر من دولة الاحتلال واستقر في بريطانيا، ليصبح منذ العام 2002 مواطناً بريطانياً، مكرِّساً وقته للفن والكتابة، فاضحاً في كتاباته ممارسات الدولة العبرية، ومحللاً سياسة الهوية اليهودية. بالنسبة لعتسمون، فإنّ خدمته الوجيزة في الجيش الإسرائيلي، إبّان الاجتياح الإسرائيلي للبنان، شكّلت المنعطف الجذري في حياته؛ فهناك اكتشف، كما يقول، بأنه كان جزءاً من دولة كولونيالية، تأسست على النهب والسلب والتطهير العرقي للسكان الأصليين، أي الفلسطينيين. ولقد قارن عتسمون، الذي يعرِّف نفسه بأنه "فلسطيني يتكلّم العبرية"، الأيديولوجيا اليهودية بالنازية، كما وصف سياسة إسرائيل إزاء الفلسطينيين بالإبادة الجماعية.

يقع الكتاب في 276 صفحة من القطع الكبير، وصمم الغلاف زهير أبو شايب.