تقدم الكلمة في هذا العدد ديوانا لشاعر مصري يسكنه وجع العالم الى حد الاستحالة، وكقدر الشاعر الطافح بالهم الإنساني تصطف ثيمات القصائد عند وشائج الذات المسكونة بقلق الوجود وهي هنا تعيد لمقولة الكينونة عمقها الفلسفي والشعري أيضا، خصوصا عندما يصر الشاعر على إعلان حالات التشظي اتجاه العالم.

الحياةُ الصغيرةُ (ديوان العدد)

سالم أبو شبانة

لحياةِ صّغيرةِ؛

ربَّما تجدُ فرجةً

في جدارِ العالمِ.

 

 

        "تعيشُ وتموتُ وفقًا لمَا يجري داخلكَ، ذلك الذي لا يستطيعً أحدٌ سواكَ أن يعرفَهُ "

وليام سارويان

 

فوقَ الحافَّةِ

لا نهرَ يمرُّ هنا
ولا أثرَ للخلودِ 
الغبارُ يصنعُ عرائسَهُ

والصخبُ اللامرئيُّ 
يقودُ خُطَي الحائرين 

رصاصٌ يمطرُ بلا رغبةٍ

في خَلقِ أفكارٍ جديدةٍ
عن أُخُوَّةِ الإنسانِ 
تتكدّسُ الأصداءُ غبارًا

على البيوتِ, المقاعدِ,

الثيابِ، والعيونِ...
فعمَّا قليلٍ يأتي المطرُ
لكنَّ النَّهر لن يمرَّ من هنا

لأنه لا دمَ نقيٌّ
ولا تحملُ الشجرةُ

غيرَ الشجرةِ
والطريقُ الذي يشقُّ

كبدَ الأرضِ
ليس دليلاً على السلامةِ
ثمَّةَ يقينٌ باردٌ وقاتلٌ
وأنا أمضي بأنواتٌ كثيرةٌ

تتساقطُ منّي كالحصي 
بلا جريرةٍ سوي

شكِّي في الطريقِ

لأنِّي بلا يدٍ و لا حولٍ
أمرُّ بالنهرِ 

ولا أغرفُ غُرفَةً
أهتفُ في الناسِ ولا صَدى 

ما علىّ لو كنتُ

بلا ماضٍ؟
لو رميتُ الضجيجَ

واللغةَ
ومائي الصارخَ في اليبابِ
ماذا لو كنتُ بلا مستقبلٍ

 يحاصرُني؟
لو كنتُ حرًا بلا أثقالٍ
ولا هواجسَ.....

لأنَّه لا نهرَ يمرُّ هنا

ولا أثرَ للخلودِ 
يصنعُ الغبارُ عرائسَهُ

تحتَ غيمةِ الجرادِ

 

 

مَنظَرٌ جَانِبِيٌّ

تحتَ قمرِ النُّعاسِ.

أفزعُ من ظلّي،

وأنا أُشَذِّبُ

ما يعتملُ بأحشائِي؛

كي لا يلقطَ الهواءُ

كيمياءَ جسدي.

يمرقُ طائرُ الليلِ

يجرحُني الغبارُ،

أنتعلُ المساءَ خزَّافًا

ينقشُ ِبوَلَهٍ

على لوحِ الطّينِ،

عشقَ أميرةٍ تتريّةٍ

وخطّاطٍ  دِمَشقيٍّ،

مأخوذًا باللّوحِ.

لا نايَ

على حَافّةِ الليلِ،

وشرفتي

فَمُ الصّحراءِ؛

النايُ وبكاءُ الأميرةِ

الخافتُ،

أسيلُ نَبعَ كلامٍ،

حزينًا،

وفارغًا

من الأصداءِ.

الشّبحُ يَمُرُّ خافتًا،

فهل غَفَا البحرُ

عجوزًا

على الكرسيِّ

الحَجَريِّ؟ 

لا ليلَ خارجَ الليلِ،

وأنا بلا أقنعتِي،

أشهقُ التّبغَ؛

ولنْ يفسرَ شَبَقَ شَفتيّ

لحرائقَ قديمةٍ.

 

 

النّشيدُ

هَبْنِي اسمًا ناصعًا

وذراعًا قويةً؛

أقولَ: مَنْ أنا؟

سنواتٌ تتراكمُ كتبًا

مهمَلةً على الرّفِّ..

في المضمارِ أعدو،

ولم تقلْ لي يومًا

لِمَ علىّ أنْ أفعلَ

كلَّ هذا الهُراءِ:

أُخفِي  نجمةً في جيبي؛

عَلّيَ أفهمُ مُعضِلةَ الغيبِ

والرّحيلَ المُباغِتَ،

أتنفسُ جوادًا فوقَ

قمةِ الجبلِ،

بلا صهيلٍ يورثُ قلبي

مَرارةَ السّعي،

أشهقُ ما تبقّى من هواءِ

الآخرين الشَّحيحِ.

وحيدًا

وعَكِرًا أدفَعُ بقاياي

لكُوبِ القَهوةِ؛

لعلَّ الرائحةَ تحملُني

لمَدَارجَ الرّوحِ الغائمةِ.

في الليلِ

لا أُدركُ لِمَ علىّ

أنْ أمضى شَاغِرًا

وجَافًا كعودِ حطبٍ؛

بلا خطايا

في شوارعَ بلا أسماءَ

أو على رملِ الطّرقاتِ

الباردِ؛

أركلُ الحصى

في وجهِ الأوقاتِ.

أمشي بصورتِكَ

المُوحِشَةِ في قلبي؛

وعينيكَ الفارغتين

من الحُبِّ؛

لكني لا أجدُ قلبي

صَادقًا؛

وأنا أضعُك صُورةً

 على صدرِ قميصي؛

لا أشعرُ بكَ.. 

 

 

كتابُ الصّحراءِ

أقرأُ الصحراءَ كخطوطِ

يديّ المعروقةِ،

أحْدو النّوقَ إلى الطريقِ السريعِ

عبرَ القاراتِ.

فلا تَقلْ لي:

" حَتمُ التاريخِ،

وزاويةُ ضيقةُ تنفرجُ عمّا قليلٍ".

أمدُّ ذراعيّ لا يسعنُي الرملُ،

ويلسعُ قدميَّ ملحٌ قديمٌ،

عوسجُ الطرقِ الضّيقةِ،

ضجيجُ القوافلِ،

وما ينفرطُ من جِرابِ الآلهةِ.

 

الحجرُ مطويٌّ،

أكلتْ الريحُ حوافَهُ؛

ويستعصي على التأويلِ. 

أنفضْ عنه ما يسّاقطُ

من أطباقِ السّتالايِت،

ودبيبَ الهوّامِ، 

وقلْ: عِرقُ الترابِ أنا،

أتيَمّمُ بدَمِي وأصلّي.

وللجغرافيا أنْ تسيحَ

على جسدي.

الزمانِ يشربُ أغنيتي

الطويلةَ؛

ربَّما يدُومُ الصباحُ،

ولا أسقطَ من حِجْرِ أمّي؛

التي ترعى الغَنمَ في الوهَادِ

وحيدةً،

تلفُّ جثّةَ أخي بشَالِها الأسودِ،

وتبكي في صَمتٍ،

يعبرُها الجنودُ،

القوافلُ، القبائلُ، الجياعُ،

والمرتدون إليها يطمَعون

في المَنِّ والسلوى،

تنتَفضُ من الصراخِ المكتومِ

بحلقِها،

وتشيرُ عليَّ بطرفِ شالِها.

كُنْ يا ولدي كتفًا قويةً،

احملْ عنّي جثةَ أخيكَ،

لا تَتبَعْ العابرين بناظريكَ،

ولا تحفلْ بالقرابينَ؛

دمُها حَرامٌ...

 

الضَّجِيجُ والغُبارُ أعمَاني

يا أمي.

وحيدًا صِرتُ،

لكنّي صُلبًا وجَلَدًا؛

أنْحتُ قوسي وحَجَري

بأصَابعَ خَشِنةٍ؛

لا تَلْحَدِي أخي في التُّرابِ،

وسَجِّي جسَدَه على الرّملِ؛

فأنا أمضي؛

لا يطولُ الطّريقُ بقدمِي 

ولا يقصرُ

من جَنوبٍ لشَمَالٍ؛

ومن شَرقٍ لغَربٍ أتبعُ حَواسَي.

لا تنتظريني،

هُشّي على غَنَمِكِ بعَصَاكِ،

وارعَي حِقدَكِ،

لمِّعِي حَدَّه كلَّ صَباحٍ؛

لعلّنا عمَّا قريبٍ

أيَّتُها المَرأةُ النَّحِيلةُ

شَجرةً بين الصُّخورِ نلتقَي؛

فلا تنعتيني بالولدِ الشقيِّ،

عِشتُ أطاردُ لغةً عصيّةً

وتُطارِدُني عيناكِ الوحشيّتان

في الحُزنِ.

 

الطّريقُ لا يفضي لشيءٍ سِواي؛

وسِواي لا شَيءَ،

هاويةٌ تترصدُني

أنا العَابِرُ؛

المقيمُ في تَرحَالِي وتوجّسي.

 

كنتُ أنفُضُ عن وَجهي النُّعاسَ،

أُصحِّحُ وَضعَ جسدي أمامَ الخَلاءِ،

أطوي الكِتابَ

وأمضي سَريعًا

لا أقِفُ قِبَالةَ مِرآتي المُضَبَّبةِ

 

 

صَفحَةٌ مِنْ كِتابِ الرِّيح

استيقظَ  كَدِرًا في الليلِ.

وَجدَ نهرَ مِلحٍ تحتَ فِراشِهِ،

وغاباتِ عوسَجٍ،

حدّقَ فيها طويلاً؛

لم يفلحْ في شَحذِ الهواءِ

الراكدِ.

العَالمُ عَماءٌ لا تتهجَاهُ أصابِعُه،

ومَنْ يزعمُ أنّه حياةٌ،

لا يظنُّ الهواءَ الذي تتنفّسُه

الأحجارُ حَيواتٍ مُعَلبةً،

وأنّ المطرَ هواءٌ مغسولٌ بالماءِ.

لن يقولَ قَامرتُ بنفسي

واحتِمالِ الضُحي.

همستْ امرأةٌ:

لا تتركني في الهباءِ متعبةً.

نفضَ الهواءَ العالي

من رئتِهِ،

وبكي حين لم تقرأْ

امرأةٌ جسدَه.

كانتْ آثارُ الفراغِ  دوائرَ

حَولَ عينيه كرياحٍ راكدةٍ.

يتكيءُ على ضلعِ روحه

وهو يمشي بكفين فارغتين.

ماذا عليه أن يفعلَ

في الفراغِ المُسمّي يومًا؟

يزرعُ الحبقَ أمامَ البابَ،

يحرثُ الكُثبانَ بجَفْنِهِ؛

ليألفَ نجمةً في الليلِ،

ربّما يسقي الغيومَ بعضَ دمِهِ؛

تخضرُّ الأوديةُ شيئًا،

فشيئا،

سمّاه لاحقاً ربيعًا غافلاً.

لعلّ ولعَ الجدرانِ لتستطيلَ

مديحٌ للنفسِ.

حسبَ صورتَه في مرآئي الحجارةِ:

احتدامَ لُغاتٍ

وصَخبَ جيوشٍ

يَجُدُّ في أثرِهِا الرسولُ.

لا سطوةَ للبئرِعليه

إلا رقصةً رقصَها بليلٍ،

وما كان جِذْعًا؛

ليحكَّ على حافةِ الحَجرِ جلدَه.

ما كانَ عاطفيًّا

بما يكفي غسيلَ البحرِ

بكفِهِ الخشنةِ،

ولا أدّعى أن جنوداً تحتَ أظافرِهِ

ترعي سَأمَ القادةِ،

حين لا مفرَّ منْ الترّهاتِ

والضجيجِ الغامضِ.

مهملٌ هو كشمسٍ.

ومُبعَدٌ بما يكفي ريحٌ

لتمشطَ جدائلَ الصحراءِ

دونَ إلتفاتٍ إليه.

هذا الذي قرأتْ الأعرابُ جبينَه؛

ضلّوا لم  يستطيعوا وصولا،

نقّبوا القُرى بالحُداءِ

والمولَيَّا؛

ودخلوا الفصولَ

بمواقيتِ الحصادِ

ورائحةِ التَّبغِ،

سَرسَبُوا أسَاطِيرَهمِ على

حَافةِ الماءِ

ومَضَوا بعيدًا.

هو لا يحملُ يقينَهُ على كفِّه؛

ولا يهتدي لمَّا حُمِّلَ

من أَوزَارِ النَّفسِ والآخرينَ.

ويلٌ لمَنْ عَلِمَ وعَلّمَ

وظلَّ جَذوةً

بفَمِ الريحِ المُرسَلةِ.

 

 

ظلَّين غريبين ...

صُبِّي لنا بعضَ القهوةِ؛ يطولُ الليلُ قليلا، ونتخيّلُ شكلَ النهايةِ المُلِحّةِ هذا العامِ من خَاتِمَةِ القَرنِ الطويلِ. أرسمُ مِزهريةً صغيرةً على قبرِ أمّي الذي لا أعرفُهُ، لمّا احتَرَفَتِ الغيابَ؛ طَللْتِ من فُرجةِ الصّباحِ؛ لترتِّبي اليومَ الطويلَ الفقيرَ بألغازٍ وعواطفَ ملتهبةٍ شيئًا ما.  تثرثرين دومًا عن أشغالِ يومِكِ وأمِّكِ المريضةِ بالماضي واليبابِ، لا أحتاجُ إلا صمتَكِ في الليلِ الذي يشبِهُ ليلاً أعرجَا. ما زالَ القلبُ مكتنزًا بالقَصصِ ووجوهِ الراحلين في البياضِ، لم يتركوا شيئًا يُعتدُّ به غيرَ أرواحِهم على الورقِ.

لن تكون النهايةُ مفجعةً، أظنُّ ذلك؛ نحن نملكُ قلبين مُتّزنين، ونمضي واثقين في سِياقِ العصرِ، الماءِ الشّحيحِ على أصابعِنا يوترُنا قليلا؛ إذ نَردُّ الليلَ عن شرفتِنا الخاويةِ. الأنوارُ الخافتةُ التي تعثرين بها أرواحٍ لا مرئيةٌ، أحْدِبِي عليها وأنتِ ترقُصِين في الظّلامِ؛ لا تجرحُ قدمَكِ الصغيرةَ؛ فتهمي الذكرياتُ مطرًا ناعمًا، لا مكانَ له في بقعةِ الظّلامِ هذه؛ ربَّما تكلفُنا الكثيرَ من عاداتِنا السّيئةِ التي نُحبُّها كأبناءٍ لُقطَاء.

للحبِّ فُصولٌ، وللشهوةِ فصولٌ، أيُّها نَدخلُ أولا؟!  سؤالٌ ماكرٌ، أليسَ كذلك؟ تدفعُنا الشّهوةُ للإمتلاءِ بنوايا صادقةٍ وساطعةٍ كشفرة، والحبُّ؛ ما الحبُّ؟ عِراكُ ديوكٍ لا ينتهي، ويبقى الحُطامُ دليلَ كبرياءٍ زَائفٍ. رُبّما ينزاحُ بِضعةَ بوصاتٍ؛ يزهوَ (الشّيطانُ الّذي يكمنُ في التفاصيلِ)، ضاحكةً تدُسْينَ وجهَكِ في صَدري وتهمسين" ما اختلى رجلٌ وامرأةٌ...". فصولُ الحبِّ صيفٌ ملتهبٌ، وللشهوةِ طعمُ أماسي الشتاءِ، لا أملكُ شتاءً طويلاً؛ لتَشِمِينِي بخرافاتِكِ وأكاذيبِكِ المشتهاةِ، هذا آخرُ شتاءٍ في جُعبتي؛ فتَعَالى لي.

شجرتان نَحنُ. ناحلٌ أنا، ووارفةُ الأغصانِ تمشِين، والفراشاتِ. تصبِّحُكِ الطيورُ بالخيرِ والغناءِ الشّاسعِ؛ تلُمِّينَ الأوراقَ الذابلةَ، وتبكين في الخفاءِ،

تطلعين على الناسِ بالضحكِ، وجسدٍ يفيضُ برائحةِ الذُّكورةِ؛ تُشْرِقُ أمُّكِ بشبابِها الذابلِ، ثُمَّ تلطَعُ أصابِعَها المُدمّاةِ على البابِ. الأشجارُ تموتُ واقفةً، تعرفين هذا؟ على حالنا نبقي دهورًا من الأوراقِ تتساقطُ عبرَ الهوّةِ القريبةِ. يا عيني علينا! إذ يعترينا الخريفُ الطويلُ.

كقامةِ النهرِ؛ قطراتٌ لا تملكُ مصيرَها ويفاخرُ النهرُ بذلك. دموعُكِ وقامتُكِ الرشيقةُ، أعلمُ أنّي  أُضحّي؛ كأنِّي مَلكُ الزمانِ أقومُ من سُباتِي جافًا كعتبةِ بيتٍ مهجورٍ. وأنتِ تأخذين أكثرَ ممَّا تعطين لأنَّ العارفين بكِ قلّةٌ. يهيّأُ لي أنّ ما يحدثُ الآن؛ لأنّي ما خبِرتُكِ حقّاً، أمْ دموعٌ اصابَتْ العينَ بالاحتقانِ؛ لأنّ خيولاً تعدو خَبَبَا؟ ما أجملَ الخببَ في جَبينِ الليلِ الأخرسِ! لا أملكُ يقينًا؛ ما تظنّين أنّي فاعلٌ بكِ؟ وجهي على لوحةِ الليلِ وجهُ أسلافي في الكهفِ والغابةِ. أنا آدمُ الحديدِ واللغةِ.

نحُلمُ أنّا جِذران ضاربان في العائلةِ والناسِ، قصةُ عشقٍ تُلمِّعُ  حضورَنا الباهتَ. لمّا قالتْ صديقةٌ : عيونُه فاتنةٌ وأصابعُه نحيلةٌ. بكيتِ طويلاً أمامَ الجِدارِ وحقدٌ يأكلُ قلبَكِ كنباتٍ طُفيليَّ. هَمسْتِ قبِّلنِي بسرعةٍ قبلَ أنْ يبرُدَ الغيمُ الخريفيُّ. برعونةٍ صدّقتُ كذبَكِ الفاتنَ؛ ليصيبَني في مَقتَلٍ هذا التصحرُ. أنا ولدٌ صغيرٌ عليكِ وكبيرٌ في عينيِكِ، كيف تستقيمُ المعادلةُ؟ واحدٌ طويلٌ كنهرٍ، وواحدةٌ ناضجةٌ كرُمَانَةٍ. إذن لا اللغةُ ولا الإشارةُ تحمِلُنا، صمتُنا الوحشيُّ سِيرَتُنا الحقيقيّةُ.

هل كنَّا كاذبين، مستخفّين بالقلبِ وَوَجِيبِهِ المَفضُوحِ؟ يا قسوتَنا! نتلاقي كغريبين بأوّلِ الدّربِ، كأنّنا ظلان تبدهُهُما الشمسُ.  

 

 

العالم يتربّص بي!

العالمُ لا يقَفُ على

عتبةِ البدويِّ.

يبتعدُ حتى الكافورةِ

على المفرقِ،

ويتوارى لصًّا يتحيَّنُ الفرصةَ؛

ليسطوَ على الحُلمِ البسيطِ

في عُجالةٍ.

أيُّها العالمُ كن بعيدًا؛

يقفُ النهارُ الكسُولُ

على قدميهِ،

واقتربْ أكثرَ؛

أقرأَ نفسيَ الأمارةَ بالفوضى

والشعرِ.

بدويُّ لا يؤمنُ

بخرافةِ الصحراءِ

في الصُحفِ اليوميَّةِ،

ولا العسكرِ.

يخافُ المرضَ المباغتَ،

الهرموناتِ المهرَبَةِ،

وقصصَ الغرباءِ.

خدعَ نفسَهُ عمرًا طويلاً

بصحراءَ في الحُلمِ

تَهُبُّ جملاً هائجًا،

وبدوٍ بالكلاشنكوف

يصطادون الوعولَ

والصقورَ بالأماثيلِ حولَ الركوةِ.

الأميرُ الأندلسيُّ يسقطُ  واقفًا.

قبالةَ جموعِ المهووسين بالنصرِ،

أم صرخةٌ لا تفارقُ الحلقَ،

مُديَةٌ لم تُنْضِها يدٌ،

غضبٌ يورثُ السوداءَ،

وحِقدٌ يأكلُ الأسوارَ

التي تعلو ببطءٍ. 

البدويُّ المارقُ في الغيِّ

تحسبُهُ الكلابُ لحمًا طريًّا،

ويظنُّهُ العابرون على " المُثلثِ"

أميرًا يمانيًّا؛

يلتهمُ شطيرةَ خبزٍ 

بالشاي الباردِ،

وهو يهذي عن زيتونةٍ

تنامُ في العراءِ وحساباتِ السَّماسرةِ. 

لا ينامُ على سريرِ الرملِ.

ولا يلطمُ قدميه حصى الخلاءِ،

لا..ولا يبتعدُ كثيرًا؛

كما ظنَّ القريبون

منه كعرقِ الخصيِّ.

هو الآن الصحراءُ على ذراعِهِ

تنامُ.

 

 

فضاءُ حقلِ الأسئلةِ

أبي ينهرني؛ أخبّئ رملاً تحت جلدي وأنثرُه بسريري، أراقصُ الغزالةَ التي أصطادَها بالأمسِ وتنكّر لها، أمسحُ دمعَها؛ تلحسُ كفيَّ ووجهي ونضحكُ حتى البكاءِ.

نهدُها الأبيضُ طارَ من كفي واستوطنَ غابةَ الأسماءِ، سالَ الحليبُ على شفتي الغضّةِ وبلّلِ ثوبي. أحبّتْ أصابعي النحيلةَ وعصيرَ الفاكهةِ، وكرهَتْ عيونَ الآخرين. ضبطَنِي أبي أحتسي الألوانَ بقاعةِ الدرسِ؛ قال: تغذى جيدًا يا عودَ الحطبِ. بكَتْ؛ أدركْتُ الجحيمَ الآخرون.

تنكّرَ لأربعين عامًا من الحفاءِ والوحشةِ، أقامَ حاجزًا حجريًّا وما أدركَ نَخرَ الجيناتِ الوراثيةِ؛ صارَ عصبيًّا يكرَهُ النوافذَ ويسْعُلُ إذا شاهدَ الجِمالَ تعبرُ أفاقَ المحطاتِ الفضائيّةِ.

الغزالةُ تُحاكي لهجتي وحنكتي في توجيهِ العواصفِ وإشعالِ الحرائقِ تقولُ: عيناك جميلتان يا صغيري، وجسدُكَ وعولٌ نافرةٌ، لماذا تخيفني؟

سرقَتُ سكينًا؛ أطعنُ به الأبَ الجالسَ فوقَ عرشِهِ الموحِشِ؛ ثمَّ قررتُ احترافَ الكتابةِ والبحثِ عن قبرِ أمِّي، التي صمَّمَتْ في غيابي إنهاءَ متاعبَ الربو وخصوماتِ الأقاربِ وصخبَ الأحفادِ في شتاءٍ بعيد.

أيمكنُ تسلّقَ حبالَ الضوءِ بحثًا عن ملائكةٍ تجوبُ الفضاءَ المتخمَ بأثامٍ وأحلامٍ ومحابر؟! أقرأُ الفاتحةَ، لأفتحَ قصرَ الغزالةِ النائمةِ بسريري؛ التي تشْقَى بعيونِ الآخرين. وعيوني جدلُ الشهوةِ والرّجاءِ اصطنعتُهما لي وللآخرين شرودي، وللغزالةِ ما اصطنعتُ لنفسي المعلقةِ كبِنْدُولٍ بين فكيِّ آلةٍ جهنَّميّةِ، أصرخُ: أنا ريحٌ، أبحثُ عن نارٍ تشعلُني.

أنا، والغزالةُ

وأبي،

يحاولُ كلٌّ منّا الوصولَ للآخرِ، أبي لا يريدُني، والغزالةُ لا تريدُه، وأيَّانَا في هُلامٍ نُقِيمُ أصابعَنا أشرعةً للضفافِ البعيدةِ.

أنا، والغزالةُ

وأبي...

هذا الفضاءُ حقلُ الأسئلةِ.

 

 

قصيدتان

1

أربعون عامًا

أقفُ على أعتابِها

كأنّي أخطو في

ضبابٍ كثيفٍ

مثلُ جلجامشُ

في رحلةِ

البحثِ عن الخلودِ

الخلودُ..

لا يعنيني من العالمِ

الهادرِ

غيرُ ركنٍ صغيرٍ

في مكانٍ ما

وحالةٌ صحراويّةٌ

أتوهَّم فيها فردوسًا

مفقودًا

واجترُّ الفرصَ الضائعةَ

هباءً

كمْ بَعُدَتْ بي خُطاى

بَعُدَتْ...

2

فاشلٌ في الحُبِّ

وفي إقامةِ جسورٍ

لتعبرَ الفتياتُ إليّ

والكلامُ

يندفعُ من شفتيَّ

طبلاً بدائيًّا

أصابني بالأنطواءِ

والكسلِ

رسمتُ العالمَ يشبِهُني

لتأخذَ الفتياتُ عنّي

ومعشوقاتٌ

من نساءِ الكتبِ

هكذا سقطتُ في هوّةِ

الجنون والنسيانِ

اشفقَ أبي علىَّ

وأشعلَ النّارَ

في مدائِني وسفني

فالتجأتُ

إلى القصيدةِ

 

 

أدفعُ السّماءَ.. وأصعدُ

الأيامُ تسقطُ بِشَرَاهَةٍ.

بيدٍ أسنِدُ

السحابةَ في جبينِ الليلِ.

في الهُراءِ المُسمَّي حياةً؛

لا معني للأسماءِ

التي تشبِهُ حجرًا ثقيلاً،

ولا الشبقُ الجديرُ

بامرأةٍ بيضاءَ،

جديرٌ أنا بالكلماتِ أنْحِتُها

كصُنَّاع الآلهةِ. 

لي لغةٌ ولكمْ ما لكم،

دعوا يدي للغتِها.

أُجُرُّ الحياةَ إلى الطينِ،

أُشَكِّلُ شَهقاتٍ؛

أنا الكاذبُ كالحرباءِ؛

أسوقُ خرافاتي

عَبرَ شوارعِ المدينةِ؛

فلا تلتفُ امرأةٌ لي.

غنّيتُ

وعرجتُ معراجَ الحبِّ

وعدتُ خائبًا.

بشعيراتٍ بيضٍ

وقلبِ أخضرَ أَرِدُ البئرَ

ولا ماءَ،

أرفعُ قطعةَ السماءِ

فوق رأسي وأصعدُ الجبلَ،

طائرًا مكسورَ الجناحِ. 

يا كمْ بُلِيتُ بقلبي

وشهوتي

وما صدقَتْ خُرافةُ الأيامِ،

كانتْ الأحلامُ زادَ غريبٍ

والغريبُ غريبٌ؛

ومَنْ للغريبِ؟

لا امرأةً، لا بيتًا، لا وطنًا؛

وطنُ الغريبِ لغتُهُ

وقناعُهُ الجارحُ.

عرجْتُ على اسمي.

وما دريْتُ أنّي أصيرُ حجرًا،

شجرةً، أو دمعةً،

كنتُ جافًا كعودِ حطَبٍ؛

أَسْنِدُ جبهةَ الليلِ من الطّنينِ

وأنا أرتجفُ من الحُمَّي؛

يمرقُ طائرُ الغيبِ

يكابدُ الريحَ؛

لا ألومُ نفسي

وأنزِعُ الخسارةَ كضرسٍ متعفنٍ

وأبقي فارغًا من الأصداءِ،

أُشِيرُ، تصيرُ الأشياءُ

رَهنَ أصبعي: امرأة،ً

وردةً،

سماءً،

بحرًا، لغةً صافيةً.

 

 

العَابِرُ بلا أثَرٍ..

تعبْتُ من أسمائي

وبقايا الكلامِ!

أُطيّرُ الكلامَ غبارًا؛

عَلِّي أُفلِتُ من محنتي،

وأنا أسيرُ حذاءَ نفسي المتعبةِ

من التحديقِ في الفَراغِ،

وأصابعِها الملوَّثةِ

بِدمِ التَّرحالِ.

يا خوفي من الأَصداءِ

ومن إبحاري في اللّيلِ الطّويلِ

على صحراءَ من الماءِ.

لماذا كان علَيَّ أن أبتعدَ

كلَّ هذا النَّهارِ؟

لا ماضٍ، لا أجدادَ، ولا تاريخَ.

أخرجُ من الكهفِ بلا أثرٍ

ولا خرافةٍ،

لا نسائي يبكين،

ولا مائي يكتنزُ الماضي

في أجسادهنَّ.

أُعَلِّمُ كفَيَّ سطوةَ الحنانِ،

وأنا أَنْشِلُ ذكرياتي من الوقتِ

متعبًا،

أرْكُلُ اللّيلَ بقَدمي الخشنةِ،

لا اللّيلُ مَلَّ منّي،

ولا أنَا غَرَفْتُ ما شئْتُ

من ماءِ البحرِ.

وحيدًا، وعَكِرًا بعضَ الشَّيءِ

من قَسوَةِ الحياةِ.

أغنِّي، وتدمعُ عيناي

من الضَّحكِ الصَّاخبِ،

فما الذي كنتُ أُداريهِ يا حياةُ؟

وكيفَ عبرتُ السَّنينَ الطِّوالَ

بِلا ملَلٍ من رملِ الطُّرقاتِ

وصخورِها؟

وأنا أُتسلَّقُ ما يكفي من الجبالِ،

الصَّحاري، والبِحارِ؛

لأُعَبِّرَ ماضيَّ بقَدحِ قَهوةٍ.   

أُبصرُ نفسي بعد هذه السَّنواتِ،

نَحيلاً وممتلئً بأجسادِ الآخرين:

مِلحها، عرقها وشبقها.

أعَلَيَّ أن أهتفَ لكلِّ طائرٍ

مرَّ بي؟!

وأنا أردُّ الهواءَ العالي

عن أسمائي ومصائدَ الوقَتِ؛

لأَقولَ: أنا. مَن أنا!

ربَّما كنتُ بحارًا ثارَ عليه بحارتُهُ،

حجرًا طافَ حوله الحَجَلُ،

أو قَوافلَ تسوقُ أحلامَها

صوب المجهولِ.

أنَا المجهولُ من لَدُنُ ذاته.

بي من نفسي ما بِي،

وبِي من الأضَّدادِ ما يجعلنُي:

رِيحًا على جدارٍ،

ذئبًا مأخوذًا بدمِ الطَّرائدَ.

فلم أَبْرَأْ من نفسي بعدُ،

ولا برئتْ نفسي منِّي،

وكلَّما أوغلنا في الدَّربِ

اَصابنا في مقتلٍ هذا الدَّربُ.

وبكيتُ، لا من شيءٍ،

بكيتُ. من جهلي 

ووضوحِ الصُّورةِ في نهايةِ

النَّفَقِ المظلمِ، بكيتُ،

أَعَلَىَّ أن أُكابِدَ كلَّ هذا؛

لأَعرفَ أن النَّفقَ قَريبٌ؟

وأنَّ مَن تركتُهم خلفي

لن يدُلُّوا عَلَىَّ،

إلا كما يَدُلُّ الغيمُ على العابِرِ،

ما زادتني الرِّحلةُ إلا خسارا،

واسمًا مشرقاً بالقصَصِ.

ما عدتُ؛ لأعودَ لنفسي،

وزَّعتُ نفسيَ بكلِّ حجرٍ وماءٍ

لمستَهُ،

وأنا أصوغُ سيرتي

من شهوةِ التَّرحالِ.

 

 

أنفاقٌ معتمةٌ

المجنونُ
معي تتأهّبُ السّاعاتُ،

تنهضُ متثاقلةً.

وظلِّي المشبوحُ على الجدارِ،

كيف احتملني كلَّ هذا العمرِ؟

الغضبُ، اليأسُ،

الخطواتُ التي خطوناها معًا؛

بأفكارٍ سوادءَ ومشاعرَ ملتبسةٍ،

كتبٍ أرهقتني وآباءٍ

وَسَمُوني بالحياةِ؛

ثمَّ قالوا: سِحْ في الأرض،

بعدَما قيدوني بحبلِ لِيفٍ،

ذكرياتٍ وخرائبَ معدّةٍ سلفًا،

بداوةٍ بالانتسابِ.

لم أنظرْ في عينِ مَنْ جلدوني

بعنفِ محبّتِهم،

لأصطادَ السّمكَ من الخُلجانِ

وأجفِّفُه أمامَ الشّمسِ الحارقةِ.

باحثًا عن اللهِ

في حقولٍ شاسعةٍ،

وأكوامِ الورقِ المُتّسخِ

بالحبرِ الأسودِ.

يا اللهُ أسألُكَ ساقيّ نعامةٍ؛

لأفرّ من الخُرافةِ والقُمّلِ

والسّحرِ.

وأنا أتململُ تحتَ ذراعِ أُمّي ،

بعرقي ودموعٍ مالحةٍ

شربتُها حتى تشققتْ شفتاي.

قفزتُ من هذا المستنقعِ

إلى حدائقِ الخيالِ،

ودخلتُ تجربةَ الله بلا تجربةٍ؛

بقلقِ روحي وبرقِ الشّهوةِ؛

أفرّ أوسطَ أربعةٍ

إلى فوضي الأفكارِ

وجحيمِ الأسئلةِ؛

سيتركوني على قارعةِ الطّريقِ

وحيدًا ولن يبكوا عليَّ.

عادوا لأبي وقالوا:

يا أبانا إنّ ابنكَ قد جُنّ،

وما كان لنا من حيلةٍ. 

 

شهوةُ الرقصِ
تعالَي أقولُ لكِ شيئًا

أيّتها الحياةُ: أنتِ كلبةٌ.

هل سمعتِ؟

أنتِ كلبةٌ عنيدةٌ.

سأرميكِ بحجرٍ

ثمَّ أمشي مرحًا

في شارعِ البحرِ.

ربَّما ألتهمُ الآيس كريم،

أرقصُ مثلُ زوربا

على الرّملِ؛

التقطُ صورَ النساءِ بعينيّ.

وأنقشُ على الصّخرِ اسمي

وامحوه سريعًا.

قد يغريني البحرُ بصيدِ

الطّيورِ المهاجرةِ؛

تسقطُ إعياءً

بعدَ عناءِ الرّحلةِ.

فهل كنتُ طائرًا

مهاجرًا مكدودًا،

تطاردينني بأنيابِكِ

ومخالبِكِ يا حياةُ؟

في ماءِ البحرِ

أغمسُ قدميّ ؛

تبرزُ تقرّحاتٌ قديمةٌ؛

تفسرُ وفشلَ سيطرتِي

على نساءِ البحرِ.

أنا رجلٌ برملٍ في ذاكرتِي،

أقفُ وثلاثين عامًا

قبالةِ البحرِ.

ولأنّ الحياةَ احتمالٌ

أوغلُ في الغيِّ.

فضّلتِ الكلبةُ الشّبقةُ

طريقًا بعيدًا عنّي.

 

 

محاكاةُ العالمِ
لأنَّ العالمَ عالمٌ؛

وأنا دودةٌ أخطو

فوقَ الصخرةِ الصّماءَ

بلا خطايا ولا فضيلةٍ،

لا أدّعى شيئًا

ولا أهَبُ الآخرين شيئًا؛

لأنّي لا أملكُ شيئًا.

كلُّ ما هنالك

شهوةُ الحرفِ تجتاحُني

كلَّما رأيتُ ورقةً بيضاءَ؛

فتسبقُني أصابعي

وتلوثُها بالفحمِ.

أخلقُ كائناتٍ على هواي؛

ثم أهتفُ بها: كوني

يا بناتِ أصابِعِي؛

فيُورِقُ الأسودُ وظلُّه

فوقَ البياضِ وتحت جفنيَّ؛

فأبتسمُ وأهتفُ:

ذا أنا سالمُ النحيلُ،

أخلقُ العالمَ؛ العالمَ الواسعَ

على هواي.

اغترابٌ
الصقرُ المتعبُ

من التحديقِ في الفراغِ؛

ينتصبُ وحيدًا؛

فوقَ حافةِ البنايةِ

فارقَ الفريسةَ قلقُها.

والخلاءُ العريقُ صندوقٌ

يفيضُ: بالأفكارِ،

بقايا الطّعامِ، الهّوسِ،

الأسلحةِ الخفيفةِ والثقيلةِ،

الأعضاءِ البشريّةِ،

المرابين، المافيا،

والأعلامِ السوداءِ؛

وما زالتِ اليدُ الكبيرةُ تعملُ،

تزرعُ النفاياتِ، الأحقادَ،

البناياتِ الشاهقةِ،

وأنهارَ العطنِ

في الفرودسِ الأبديِّ.

تحطُّ الأجنحةُ بغابةِ الأسمنتِ

ولا تطيرُ؛

إلى أين سينمو السّرطانُ

بجسدِ الصّحراءِ المُنهَك؟

 

كيفَ عَنَّ لولدٍ أَرْعَنَ؟

كيف عَنَّ لولدٍ أرعنٍ

بلا ماضِ

ولا أجدادَ بعيدين في العِزّ ،

أن يكون شاعرًا؟!

أبوه يكرهُ الكتبَ،

يدّعي أنَّها " فَذلَكَةٌ "،

ويصفُ الشّعراءَ

بديوكٍ تصيح.

الأرعنُ يسيرُ حذاءَ نفسه

جرحا مباغتًا، وغامضًا.

هي عيونُهُ المستديرةُ،

قالتْ صديقتُهُ: تضطرِمُ

بالرغباتِ، الشّهواتِ،

والغوايةِ..

كم بكي من فتنةِ الألوانِ

لمّا عثرَ بالصباحِ.

الذئبُ تستبيه المرأةِ.

يعثرُ بهنّ؛

يورثنهُ الخسارة.

بدموعٍ خلفَ جفنه يلسعُهُ

مِلحُها؛ ويظنُّهُ كَلَلَ بصرِه. 

هذا الذي نحيفًا؛

كأمِّه الطّويلةِ؛ سماءً صيفيّةً

أدمَنَ قراءةَ أصابعِه؛

لم تُغْنِ عنه شيئاً،

قالتْ له أمُّهُ: كنْ جميلاً

كوعدٍ،

وصادقًا كالضّحي،

ولا تمشِ في الأرضِ صَخَبَا.

خافَ على نفسِه

من كلِّ امرأةٍ وبحرٍ.

كم بكي صامتاً

كُلَّما رأي صحراءَ

وحيدةً كروحِه!

كتبَ على قبرِ أمِّهِ:

" أنا هناك، ظلاً أصيرُ "

ثُمَّ صَحَا في الصّباحِ؛

يكتبُ نثرًا في كُلِّ امرأةٍ

أحبَّتْ أصابعَهُ،

وفي روحِه المُشَعَّثَةِ

بحرًا بعد عاصفةٍ. 

نَعَتَهُ أبوه بالخاسرِ.

فهو يكتبُ كلامًا مبهمًا،

ويسهرُ الليالي كالسَّحرةِ،

يقرأُ كتبًا،

ويلَوِّنُ الورقَ بالأصباغِ.

البدويُّ الأرْعَنُ

أحبَّ " كزانتزاكس "

" بحرَ كِرِيتَ "

و" زُورْبَا " الذي كان

كما  أراد أَن يكون.

يأيُّها النّاسُ،

لا تظنُّوه قويًّا.

هَشٌّ كطينٍ يابسِ هو،

وحادٌ كصرخةٍ؛

دعُوه لروحِه، لن يأخذَ

منكم،

سيظلُّ سَادِرًا في الغَيِّ؛

حتى تدمى أصابِعُهُ

من خرافةِ الحياةِ،

والصَّخبُ الذي تكدِّسُه الأيّامُ

وراءَ أذنه؛

لن يمهلَهُ طَويلاً..

رِفقاً به،

هو لا يعرِفُ شيئاً،

ولا نفسَهُ يعرِفُ.

 

 

المحاولةٌ

صباحُ ثعالبَ

نفضُ غبارُ الوَسَنِ

عن رأسِكَ

بعيد احتدامِ النّيازكِ،

مجازُ صباحٍ غائمٍ؛

الريحُ شاةٌ تجترُّ

آمنةً تحتَ الأسوارِ،

ويتلوى الطّريقُ الضيّقُ

شريطَ  ساتانٍ أسودَ،

فوق شجر عائليٍّ 

يمتصُّ خطوتَكَ.

في الصّباحِ الأشعثِ

الأغبرِ،

كانت الثعالبُ ترقصُ:

خفيفةً كوهمٍ،

وثقيلةً كماءِ المرايا.

تقرأُ كتابَ الرّيحِ عجلةً،

يخدّرُها هدوءٌ مخاتلٌ،

ربّما طَلَعنَ

من متعةِ السِّفَادِ

بروحِ محاربٍ جريحٍ،

ودخلن يومَكَ

من بابِ الخرافةِ؛

عاصفةً تصكُّ سورَ

قلعةِ الأساطيرِ،

لقد كنَّ عابقاتٍ

بالرمزِ.

الصباحُ الغائمُ في الحُلمِ،

يترقرقُ على وجهِ

الماءِ الأخضرِ،

ويغورُ عميقًا

في الحواسِّ.  

احتدامُ الأزمنةِ

في البُرهةِ الخاطفةِ،

صباحُ ثعالبَ

في زمنٍ غابرٍ.

 

 

ليلةُ الذئبِ

الليلُ الأسودُ، زنجيةٌ

تلقمُ الثّدي جراءَها العمياءَ،

أرضُ الغابةِ الخُرافيّةِ

أبراجُ قلعةٍ مهجورةٍ،

تُمعِنُ في الليلِ الأسودِ

الأعمى؛

تحتشدُ تحت جلدِكَ

فيالقَ محاربين،

وما من امرأةٍ تُلهِبُ

الخيالَ والجسدَ النَّحيلَ؛

أعني روحَ الذئبِ

تهجسُ في خُطا الغزالةِ،

والوقتُ الكزُّ يهيِّجُ الحواسَّ؛

باسطًا عباءتَه

على تضاريسِ الطِّينِ الدافئ.

ما أخفَّ الطّبيعةَ!

ما أثقلَ الفكرةَ!

لعلَّ خيالَ طائرٍ

حطَّ على صهوةِ الهواءِ

أرواحٌ تتلعثمُ على سُدَّةِ

التَّذكارِ.

غيرَ أنَّ العُواءَ الخافتَ

يعلو والشَّبحُ يمرقُ

وحيدًا.. وحيدًا.

 

 

محاولةٌ

أسيرُ

حذاءَ نفسي؛

لا أملكُ منها

إلا وهمًا؛

لا تعرفُني إلا

وقتَ الشّهوةِ.

ما أنا في الهُراءِ

المسمَّى حياةً؛

نَسلَةُ صوفٍ

في مهبِ الرّيحِ،

والجموعُ

التي تتدافعُ

عبرَ رحمِها

الضّيقِ.

إلى أين يا حياةُ؟!

يا كُلَّ ما يَجُزُّ

أعصابي،

أنتِ الحياةُ ؟!

 

 

أركيولوجيا

صيفٌ مفقوءُ العينِ

أجلسُ تحت الشجرةِ،

أغنّي نفسَ الأغنيةِ

القديمةِ

عن الحنينِ،

صائدُ يمامٍ وحيدٍ،

أتجوّلُ في الخرائبِ

وبين الأشجارِ؛

لعلّي أفلحُ في شحذِ الهواءِ

تحت قامةِ الصحراءِ،

أدّعي أنَّ البحرَ صديقي؛

ربّما لم أحبّه

إلا بعدما علّمني ( زوربا )

أنّ الحياةَ: بحرٌ، رمالٌ،

ونساءٌ؛

لكنني رجلٌ بلا ماضٍ

ولا صيتٍ،

يتجوّلُ بين الخرائبِ

أو يجلسُ

صيفًا مفقوءَ العينِ

في ظلِّ النهارِ الطويلِ.

 

 

أنامُ محتقنًا بي

والأيامُ تركلُ ظهري

أكابدُ النهارَ

وأنا أتذوّقُ

الأغنيةَ على عَجلٍ.

أقولُ لنفسي:

لما علىّ التوغلُ

في المتاهةِ،

بلا يدٍ تسندُ عثرتي؟

أعلىَّ أن أغرسَ يديَّ

في قذارةِ الحياةِ،

بلا صرخةٍ

فوق الجسرِ؟

حجراتٌ نضبتْ سريعًا

والهواءُ الراكدُ:

حيواتٌ ميّتةٌ،

بقايا الكلامِ،

وفاكهةٌ عطنةٌ.

ماذا أفعلُ؛

لأجرفَ؛

الممراتِ الطويلةِ

من النسيانِ،

الكتبِ القديمةِ،

وصخبِ الأطفالِ؟!

 

 

إن كان ثمّة حياة

مسافرٌ بلا قرارٍ،

ولا بيتٍ يدومُ؛

يتنفسُ بالكادِ سنواتٍ

قليلةً؛ ثمّ يسقطُ.

كلُّ عِرقٍ صارمٌ:

الأجدادُ خرافةٌ

سطوةُ الأبِ الغاشمةُ.

ماذا عنّي الآن؟

مشيتُ هذه السنواتِ؛

ولم أنظرْ ورائي؛

بأفكارٍ تطيشُ في الفراغِ

المُسَمَّى صحراءَ،

في نفسي التى ارتجلتُها؛

لأرضيَ فضولَ الأهلِ

عن الطّاعةِ.

نخلةٌ في الشرقِ البعيدِ

صنعتني على مَهلٍ،

فوضي الدروبِ

وضعتني بأوّلِ الكلامِ

وفتنةِ الكتبِ.

فالسنواتُ ضربتني خلسةً،

ولستُ أوّلَ البدوِ

ولا آخرَ الممسوسين؛

بلهجاتٍ تحتَ لساني

أعبرُ متاهةَ الحياةِ:

بسيطاً، عجولاً وخافتاً

كصفيرِ قطارٍ بعيدٍ.

فتشتُ جيوبي

لعلَّ محارًا عَلِقَ بها

من حياتي السابقةِ.

يا ربي.

كيف نَمَتْ هذه الحياةُ

طحلبًا حولَ البئرِ العظيمةِ؟

ولم أجذبْ العالمَ

من أذنيه كبعيرٍ مخطومٍ؛

كأنني كنتُ يومًا

تاجرَ نوقٍ

أضعُ في كلّ بلدٍ بذرةً،

أزورها كلّما

سَنَحتْ فرصةٌ.

أبصُّ للحيطانِ العاليةِ

والقبابِ الشاهقةِ

مبهورَ الأنفاسِ

لكنّي لا أعلقُ بها

خوفَ الفتنةِ والفقدِ.

كلما رمتني امرأةٌ

بتفاحةِ بشهوةٍ

زادَ العطشُ والهيامُ؛

وبكيتُ منْ مررنَ بي

وتركنَ في جسدي ندوبًا.

هذا عن البيتِ.

فماذا عن البدويِّ

ورعبِ التكنولوجيا.

 

 

هوامشُ
أمثولةُ الراعي

لا أقولُ أدركتُ شيئاً، ولم يَعلَقْ بيميني من متاعِها شيء. فأنا رجلٌ بلا ماضٍ، ولا دمٍ يراقُ أمامي. وحدي أهشُّ قطيعي. فيا حياةُ ما عليّ لو رشفتُ رشفةً؛ فكأسي فارغةٌ، وأنا وحيدٌ، أرتجفُ خوفاً وحزناً. أفصّدُ دمي على الورقِ؛ لترقصي على إيقاعِي الناحلِ.. وما أدركتُ شيئا.

 

 

ظلُّ الوردةِ
قالت: لا تمشِ في الأرضِ صخبا؛ وكنْ ظلَّ وردةٍ.. أقومُ، وأكبو؛ أتلمّسُ موضعَ قدميّ في الظّلامِ الصاخبِ. لا حولَ لي ولا قوةَ؛ أصابعي تخمشُ الصخرَ والترابَ؛ أدّعي أنني بلغتُ ما بلغتُ بأغنيتي وحيلتي البارعةِ في سّحلِ كلِّ امرأةٍ عبرتْ جسدي. فلمن هذا الثقلُ اللامرئيّ؟ والصوتِ الذي يتبعُني ككلبٍ في حِلّي وترحَالي، صحوي ونومي وأحلامي. فهل كنتُ ظلَّ وردةٍ يا أمّي؟

 

 

عادةٌ مملةٌ
عادةُ قلبي في الصّباحِ أنْ يبتسمَ لضوءِ النّهارِ؛ رَغِمَ أنفِ الكّدرِ والغضبِ الذي يعتملُ بأحشائي، وقرفي من عجزي الفاضحِ أمام الحياةِ؛ التي تغمزني بوسطاها في الشُرفةِ المقابلةِ.  

 

 

صخبُ البياضِ
تعالي، لا لنقولَ شيئًا. بؤبؤُ عينِكِ على شفتي اليابسةِ، وأصابِعُكِ على قلبي؛ ليعشِّشَ البياضُ تحتَ ظلِّ الفراغِ. لا تقولي شيئاً؛ ضعي لسانَكِ بين شفتيّ؛ لأنني فاشلٌ في إقامةِ جسورٍ للآخرين، وسطوعَ جسدِكِ في الظهيرة والمدى المفتوحَ. لا يبررُ صخبَ الليلِ الأبيضِ. فتعالي، لا لنقولَ شيئاً؛ ضعي لسانَكِ في فمي سمكةً ميِّتةً، وأقرأيني.

 

 

تأويلُ العابرِ
كلُّ ما كانَ وهمٌ. ما تقعُ عليه عينُكَ المجهدةُ وهمٌ: العالمُ، الصورُ، كلُّ جَمالٍ هو منكَ وإليكَ؛ فلا تكُ في مِريَةٍ من هذا، ودعْ عنكَ الوهمَ، وقلْ: أنا، لا غيري في المرآةِ. فكلُّ ما عَنَّ للقلبِ في الطّريقِ الوَعرِ، وسوسةُ النّفسِ المترددةِ والمتردِّيةِ في الحنينِ الدّبقِ لأوهامِ الماضي.

 

 

أغنيةٌ خافتةٌ
الأغنيةُ في فضاءِ الشّجرةِ؟ والصحراءُ لا تنامُ طرفةَ عينٍ تحتَ شبّاكِي. وأنا أضربُ الهواءَ الجافَّ برمشي، وأغسل الملح عن شفتيّ وشعري. أحاور وهمًا واكتبُ الأوهامَ أمامَ الضوءِ الخافتِ؛ تتراقصُ أصابعي فوقَ الحروفِ الجامدةِ التي تفجّرُ مخيلتي. قد أغفو  قليلاً كذئبٍ بكبدِ الليلِ الأعرجِ؛ الذي تطاولَ كالليلِ الأعرجِ.

 

 

تناصٌ كنعانيٌ
المشهدُ القديمُ يغوصُ في الوهمِ والهذيانِ، صحراءٌ كعيونِ ذئابٍ في الشّارعِ الموحشِ؛ السماءُ رقعةٌ زرقاءُ في ثوبِ المدينةِ؛ تتهدّلُ على جسدِها المترهّلِ القذرِ. البناتُ اللاتي يجلّين وجوهَهُن لشهوةٍ خافتةٍ؛ ويشعلن الصّباحَ المندّى، فالنخيلُ يرميهُنّ برُطبٍ جّنِيِّ؛ ويأخذُهنّ لذكرى العذريةِ والنّبوّةِ. هكذا لم تكنْ الصحراءُ بعيدةً قدرَ إصبعٍ؛ والوحيدُ وحيدًا يقطُفُ الثّمرَ الفَجَّ مُرّا وفارغًا؛ ويغيبُ جرحًا عميقًا في سُرّةِ البحرِ.

 

 

محاكاةٌ النهارِ
لاهِبَاتٍ في هذا الهُراءِ. أزعمُ النّهارَ فَنَارَ أيامي، وأنتِ يا بحارُ، يا صحراءُ؛ بّدوٌ يرتحلون بجفني الذابلِ. وشهوةُ الحياةِ تذبلُ، وأنا ذابلٌ وفارغٌ. أمطرُ قبلَ شوقِ الأرضِ؛ فلا تنشقُّ بذرةٌ.

 

 

الحياةُ الصغيرةُ
هل فكرّتَ فيّ يومًا؟

وأنتَ تطوّحُني عشبةً

في الرّيحِ،

سأدّعي محبّتَكَ؛

لأنجوَ من سطوةِ الأساطيرِ

وحصارِ الآخرين.

جثمْتَ على روحي

بالثّقلِ اللامرئيِّ للمحبَّةِ،

ودفعتَ مخيلتَكَ المريضةَ

في حقلي الشّتويِّ الصّغيرِ؛

ساحقًا ضلوعي

بأصابعِكَ الغليظةِ،

وابتسامتِكَ العذبةِ.

كان الحاجزُ بيننا يعلو

تحت رُكامِ سخريّتكَ المُرّة،

حين لم نكن كاذبين

كما يجبُ،

كان ضعفُكَ السّاطعُ

يَلُوبُ بِقناعِكَ الرّاسخٍ.

زعمتُ النّهارَ فنارَ أيّامي؛

وأنا على ساقين نَحيلتين،

وأصابعَ طويلةٍ،

أرفعُ السّماءَ فوق رأسي

باكيًا؛

والدّموعُ تشقُّ طريقًا

مُرّا بيننا؛

كنتَ تلتهِمُ الحياةَ كذئبٍ؛

بوسامةٍ أورثتكَ الوحدةَ

ومحبّةَ النّساءِ.

رغمَ أنفِنا الخيطُ اللامرئيُّ

يزدادُ صلابةً،

أكابدُ خيالَكَ الفظَّ

في أحلامي؛

وأنتَ تعجنُ أسطورتَكَ

على مهلٍ،

ولا تبالي بالحيواتِ الصغيرةَ

التي تتقافزُ بين ساقيكَ.

كم من سيفٍ أُورِثْتَهُ

سُلِّطَ على رقبَتي،

والأبوابُ التي أشرعتُها؛

تهاوتْ بيننا كتماثيلَ

من فخارٍ ورملٍ.

لا فائدةَ من كلِّ الهُراءِ

الأخلاقيِّ،

لا فائدةَ من سلطَةِ البرديّاتِ،

الألواحِ المقدّسةِ،

والقباطيِّ؛

هذه التي أكلتْ أعمارَنا

الصغيرةَ،

نحن ذنوبُكَ التي لا تُغتَفرُ.

 

 

صحراءٌ مُتخيَّلةٌ
بمثلِ خيالٍ مريضٍ،

أقطعُ الصّحراءَ

عن عُرُضٍ

أدّعي أنّني بدويٍّ.

وانا أحلُمُ

بناقةِ طرفةِ بنِ العَبدِ،

أقيسُ الزمنَ بساعةِ

الرّملِ؛

لأنجوَ من رعبِ العولمةِ،

وسطوةِ الصّورةِ.

ولستُ حُرًا؛

لأقولَ ما قلتً.

ولا عادلاً،

حين وَصَمْتُ نفسي

بما ليس فيَّ.

إذ أنوءُ بأثقالي والتاريخِ؛

فالنّجومُ  ليستْ

ما يلمعُ في الليلِ:

مصابيحُ النّيونِ،

هديرُ المحركاتِ،

خرافةُ الحداثةِ وما بعدها

الكسلُ الصيفيّ، السّرطانُ

النّومُ المتقطِّعُ

الهوسُ بالمجازِ والكنايةِ

قلقُ الزّوجةِ

من صمتِي الطّويلِ

أفكارُ الأبناءِ عن الأبوّةِ

مكرُ الصيفِ والشّتاءِ

النّدمُ

السّاعاتُ الرّقميةُ...

.......................

أمدُّ رجليّ في الحجراتِ

المرتجلةِ على عجلٍ

كمَا أفكارِنَا عن:

 الديمقراطيّةِ

وصدمةِ حضَارةٍ لم تتعرّفْ

علينا...

أنا ابنُ خلاءٍ

بصحراءَ في خيالِي

صحراءَ عُروَةِ بنِ الوَردِ

وقُطاعِ الطّرقِ 

أجلسُ أمامَ اللاب توب

أسطرُ أفكارًا تُكَابِدُ الَحُمَّىً

والهذيانَ المرَّ

ولستُ بعيدًا

عن جذوري الواهِيةِ

في الصّباحِ الفاتنِ

فهذه الصّحراءُ النّائمةُ

على قَدرِ ذراعٍ منّي

لا تهبُني مِفتاحَها

بيسرٍ

أزعمُ النّهارَ أيقونةً

بيضاءَ

لكنّي وأنا يبتلعُني

الخلاءُ السّاطعُ

أهتفُ: هذا أنا، لاغيرَ

رجلٌ بِعِرْقٍ قديمٍ

كعواءِ ذئبٍ

وحاضرٍ يصنعُ أمثولةً

لا تكتملُ.....

...............