يصحبنا الشاعر الأردني الى متاهات لعبة الحضور والغياب، في رصد بليغ لثنائية شغلت الشعراء منذ الأزل..لكننا هنا نعيد تمثل رؤية الشاعر وهو ينزاح قليلا كي يؤشر على اللااحتمال لهكذا عالم تجعله الصدفة رهينا بخيارين حياة أقرب الى ملهاة، أو موت تراجيدي يؤسس الالتباس.

وأنا ميت

موسى حوامدة

وأنا ميت؛

أرى ما لا يُرى

كنتُ استعرتُ عينيّ هُدهدٍ

وحساسيةَ خفاش

ونسيتُ أن أدفنهما معي.

وأنا ميت

تحت ترابٍ بارد ورطب

أدور على ملاكَيَّ فلا أجدُ تفاحة أو سوطا

تناسيت موتي

تناسيت حقي في قبر فرعوني

ونسيت أن آخذ صورتي معي

لأضيفها على بطاقة التعذيب.

لم يأتني أحدٌ من الموتى

بقيت وحدي أفكر فيما مضى من لعنات!

***

وأنا ميت

وحشرةُ الروح فارقتني

لم تنادي باسمي امرأةٌ ولا حورية

لم يسألني أحدٌ عن اسمي

ومهنتي أو اسم بلادي

لم يعرفني العفاريت

ولم يروا وجهي في بيانات المَدْفن

فأجَّلوا عقابي ليوم بعيد..

 

رفعتُ كفني عاليا

صرختُ

طالبا

حقي

في الموت

أرجعوني

للعناية الحثيثة

أفقتُ من غيبوبتي

خشيتُ أن أروي للممرضة البدينة

بعض ما مرَّ معي في غرفة الموتى.

*

لم يصدق غَسَّال المشفى أني عدتُ

لم يصدقْ المقرئ والملقن

لم يصدق حفارُ القبور

ولمّا ركضتُ بعيدا

أهدروا دمي،

لا وقتَ لحدوث المعجزات،

لا أحد يصدق السماء

اخفضْ صوتَك الرعوي

وعدْ لقبرك الأثير

هنا تمضغ الشهوات

لا فرقَ بين الماضي والحاضر 

لا فرق هنا بين الموت والزهور 

شفاهُ الترابِ تأكل من بين يديكَ طحالبُ الندم

سترتاح من عناء الحكمة

وتخلد في سريرك الشعري

تقبلْ دعاء الطيور

واخلد لنومك الأبدي

لا شيءَ يستحق الحياة

لا شيء يستحق الحياة.

**

لستُ نبيا لأثق بالوعود

لا وعد يجعلني مطمئنا في ظلام القبر.

**

وأنا ميتٌ....

أفتش بعينيَّ عن الدود

عن حقي في تكذيب المواعيد

عن طرف شال أمي

وعن رائحتها

ما فائدة الموتِ يا موتُ إنْ لم أجدْ أمي في انتظاري؟

**

لا شيءَ هنا في القبر

لا شيء مما توقعت

كلُّ شيء مظلم وبارد

عظامُ موتى قريبةٌ من مخدتي

وجماجمُ بشريةٌ تذكرني بأصدقائي

عيون غائرة في الزمان

تبكي من الخديعة

ومن كذب الأحياء.

**

تراخ قليلاً أيها القدر

أما كان يمكن تأجيل السفر إلى بحر الأموات؟

أما كان يمكن حلّ تلك المعضلة العالقة

في كومة الأسئلة؟

هل صدقوا الأحلام والأوهام

حتى جاؤوا باسمين

وجئتنا بلا صورة أو هوية

عد إلى أعلاك

حتى يقترب تدوير وجهك من وجه أنكيدو.

 

صعدت مجرى النهر 

تحت الطين عاليا وعارياً

كيف صدقتَ الشعر وكذَّبت الموتى

صدقتَ السماء وتناسيت سر الطين

يا موتُ رويدك هنا لأصلح رأسي قليلا

وأشرب كثيرا من الخمور

وأقتل الدود في جثة صديقي.

آه أنكيدو

يا عدوي السابق

وصديقي الخالد

أما كان يمكن أن تهرب مني ومعي؟

 

20/10/2012 عمان

Musa.hawamdeh@gmail.com