لسنا أمام تشكيل ما لبورتريه، ولا مناجاة لذكرى عابرة. هنا ملامح كتابة جديدة في القصيدة التونسية الشابة التي ازدانت بها ثورة الياسمين بل وأضحت مسكونة بمصير الثورة ومآل الوطن وهواجس التغيير، تفكر في الآن لرغبتها في بناء المستقبل، تعيد نقد من يودون استئساد لحظة تاريخية فارقة في تاريخ شعب.

المرأة

وحيد القريوي

من سماء الجبين و مرود كحلك
يهبط ليل العيون
لنغفو في مأمن حين نغفو بها
ثمّ حين يفيق الصّباح
يدفّــئنا بالكلام السِّواكُ
فهل في البلاد سواك بلادا لأحلامنا؟

كيف لي أن أعرِّفك الآن يا امرأة و الكلام قليل

تقول إذا نطقت في شمالك كلّ الخطوط:
" لنا عمر زيتونة في الجليل، وعمر كأس و آنية في رماد الحضارات كم سكنت ولنا عمر ضوء النجوم لأبنائنا."
"فوق ساعدنا لا يزال غبار المدائن و الهرم المستوي في السّماء."
"وفي دربنا طائر لا يزال يحطّ على كلّ قلب و يروي مشاعرنا بالغناء."

إذن كيف لي أن أعرِّفك الآن يا امرأة ؟
أنت ما قالت الرّيح للطّلع
أنت رحيق الكلام إذا ما تفجّر في وردة
أنت في جمرة ملتقى العاشقين
و أغنية الأرض للنّاس
حين يشتّتهم كالخيام الرّصاص
و أنت القصاص
إذا خدّشتها أظافر من خبّأوا الغيم في جرّةٍ
ثمّ جاءوا يروُّونها غيّهم.

أنت من مرّرت كفّها فوق شعري
ومن داعبت وتري
عندما حدّثتني بحيرة " دنقو " عن الموت فيها
كما حدّثوني عن "النّهروان"

"ولم أشأ الرّبط بينهما غير أنّ البحيرة قد قارنت
بين حكمتها وارتداد السّيوف على بعضها"

حدّثتني البحيرة عن قلّة قد تمرأوا لروما نجوما
فأرهقها ضوؤهم...
حدّثتني كما حدّثتني من قبل بابل عن رافديها
عن الظالمين، عن الخائنين،
و حدّثتني حين طوّقت لي عنقي ذات برد بقرن الغزال
عن الشّاة و الذّئب.
كيف انتظرنا طويلا
لكي يحفر الموت فينا الخنادق !؟
كيف انتظرنا طويلا لتنمو للذّئب أنيابه من جديد
و كيف انشغلنا عن الشّاة في كلّ عيد !؟

و أذكر حدّثتني عن بلادٍ
إذا سقط القمح فيها على صخرة شقّها
وإذا جاءها الظّالمون
تزغرد تحت الرّصاص
و لا تعرف السّبي نسوتها.

أذكر الآن كلّ التّفاصيل:
أذكر أنّي حلمتُ و فسّرت حلمي
"
النّيل نرجسة سو ف تصحو، و مأرب يسكنه الماء ـتدمر تزهر، قرطاج تثمر، بابل تزهو حدائقها حرّة من جديد..."

فكيف انشغلنا عن الشّاة في كلّ عيد
و كيف انتظرنا طويلا لتنمو للذّئب أنيابه

كيف لي أن أعرّفك الآن يا امرأة و الكلام قليل
ووحدك قد كنت واقفة
عندما أطلقوا الرّيح من كهفها
و استباحوا خطاي
و طينة نسلك
أنت الدّليل لآخر نقطة ماء بصحرائنا

كيف لي أن أعرّفك الآن أمّــي
و هل في البلاد سواك بلادا لأحلامنا
فدعي طائر الحبّ يشدو
دعي اللّيل يهبط من مرود الكحل مكتملا ،
من سماء الجبين
لنغفو في مأمن حين نغفو.

شاعر من تونس

 

هامش:
بحيرة دنقو : هي بحيرة "الكومي" الواقعة في مدينة دنقو شمال ايطاليا أين وقع اعتقال موسيليني وأتباعه وتم إعدامه.
حادثة النهروان : حادثة فاصلة بين جيش علي بن أبي طالب والخوارج.