لو قُيض لي أن أُسمي العام المنصرم هذا لسميته بعام الطفولة العربية المعذبة، لأن الطفولة العربية لاقت هواناً وموتاً وقتلاً لم يحدث من قبل، ربما منذ عهود القرون الوسطى وهجمات التتار والمغول ودمار بغداد والمدن العربية.
هو عام الطفولة لأن أطفال سورية قُتلوا وتمت تصفيتهم وإبادتهم بشكل جماعي وبأعداد هائلة عبر قصفهم بالطيران والمدفعية الأرضية، وهو ما لم يحدث من قبل.
حتى في أيام الضنك والحروب الجائحة التي مرت على العالم العربي لم يتم قتلهم بالجملة، أو حصدهم مثل أسراب الجراد، وبأساطيل جوية خصصت في بلاد البعث، حسب مزاعمهم، للدفاع عن البلد ضد أعدائه، ولو نظرياً على الأقل. هؤلاء الأطفال يموتون في طوابير الخبز لأنهم مجبرون على القيام بأدوار أخرى في غياب أب على الجبهة، وشقيق في زنزانة، أو رجل البيت الذي اختفى ودفن في قبر مجهول. ويظل السؤال: كيف يمكن لطيار حربي أن يدور في السماء، ليس من أجل أن يستثني المدنيين من نيران صواريخه، وإنما من أجل أن يذبح بالضغط على الزر داخل قمرته أكبر عدد من أطفال ونساء شعبه، لأنهم فقط ينتمون إلى المعارضة أو إلى طائفة أخرى؟!
كان العام 2012 أيضاً هو عام القضاء على أعداد غفيرة من الشباب السوريين الذين أرادوا أن يساهموا في رفعة بلادهم وفي اختيار مصير جديد بعيداً عن ديكتاتورية الطائفية. كان ذاك عاماً حزيناً ملؤه المرارة والجنون لفقدان عشرات ومئات وآلاف الوجوه الوضيئة المشبعة أملاً ورغبة في الحياة الكريمة والديموقراطية.
وما كان ذنب الجميع سوى أنهم تظاهروا لما يقارب عاماً كاملاً احتجاجاً على تشبث الدكتاتور الأهوج ومن لفَّ لفه بالحكم المطلق والجلوس المستديم على عرش البلاد.
والآن يبشرنا السفير الروسي في سورية ومن على المنابر الإعلامية بأن الأسد سوف يترشح لانتخابات الرئاسة العام 2014، وأنه لن يتخلى عن السلطة طوعاً قبلها. تصوروا. يا للفرح. ما زالت أمام الشعب السوري خسارة ملايين الأفراد، بمن فيهم الأطفال والشبان والعجائز والنساء، كي يفرح الديكتاتور بإعادة ترشيحه وانتخابه نزولاً عند إرادة الشعب، ومن ثم ينال طبق الحلاوة الروسي المنشود كرئيس ديموقراطي منتخب. أما ما هو شأن السفير الروسي في النطق نيابة عن رأس الطغمة الحاكمة، وكأن للبلد مواطنين يطيقون هذا الرئيس الذي قطع أوصال الأرض وجوعهم ويتَّمهم وأمعن فيهم تقتيلاً.
لقد أصبحنا في وضع لا نحتاج فيه إلى ناطق رسمي سوري –بعد هرب آخرهم- حتى نتعرف إلى مواقف ونوايا نظام دمشق، حيث وفرت علينا روسيا هذا البحث المضني من خلال تولي كبار مسؤوليها هذا الشأن وبصراحة وتفصيل غير مسبوقين في تاريخ الديبلوماسية الدولية.
وحب روسيا لبشار الأسد ليس لأنه عقدي معادٍ للإمبريالية، فهو أبعد ما يكون عن هذا حتى وإن ادعى قيادة حزب البعث الذي تحول إلى مطية لطائفيته المقيتة.
وليس لأن روسيا عقدية، فمن يعرف ما آلت إليه أمورها يستطيع أن يضحك سراً وعلناً.
ولكن، لأن قاتل الأطفال ما زال يتشبث بالحكم حتى لو جعل سفيراً أجنبياً يصرح بديلاً عنه.
في بداية العام 2013 أعجب لكل من يرضى بكذب هؤلاء على الناس، كأن الكذب صار ملح الأرض، والشعوب العربية مجموعة من البلهاء الذين يسهل خداعهم.
ليكن العام 2013 عاماً لاستقلال سورية البطلة عن هذا الحكم الغاشم السفاح.
ليكن العام 2013 عام أنوار وسعادة وإعادة بناء.
ليكن العام 2013 برداً وسلاماً على سورية الحبيبة التي احتملت ما لم يحتمله بلد من تهجير وهدم ودمار وقتل وتشريد وإبادة.
ليكن العام 2013 ممجداً بذكرى الأوطان الجريحة التي ستنهض من جديد، رغم تصريحات السفير الروسي وجنون حليفه رئيس ما بعد العام 2014.. وإلى الأبد.