أسهمت الثقافة الرقمية اليوم، في إعادة مراجعة بعض مسلماتنا حول مفاهيم من قبيل الأدب ومفهوم الأدب التفاعلي .. وهو ما دفعنا الى تحيين أسئلة تهم علاقة الأدب بالأنترنيت عموما. وقد عبرت بعض الكتابات التي صدرت أخيرا على رغبة في إعادة تشكيل خطاب جديد حول مضمرات هذا التقاطع ووشائجه المعرفية والتكنولوجية.

ملف «الأدب والثقافة الرقمية»

عبدالحق ميفراني

أسهمت الثقافة الرقمية اليوم، في إعادة مراجعة بعض مسلماتنا حول مفاهيم من قبيل الأدب ومفهوم الأدب التفاعلي .. وهو ما دفعنا الى تحيين أسئلة تهم علاقة الأدب بالأنترنيت عموما. وقد عبرت بعض الكتابات التي صدرت أخيرا على رغبة في إعادة تشكيل خطاب جديد حول مضمرات هذا التقاطع ووشائجه المعرفية والتكنولوجية. لكن، هل هذه الحاجة اليوم للتنظير وازت تحققا فعليا لممارسة رصينة على مستوى منجز والتراكم؟؟ هل استطعنا إفراز صيغ نصية رقمية قادرة على إعادة مراجعتنا لبعض المفاهيم؟ أم هل لا زلنا سجناء لاجتهادات داخل حقلها الأدبي، بالكاد نحاول اليوم القبض على المبادئ الأولية للثقافة الرقمية؟ وما طبيعة حضور هذه الثقافة الرقمية اليوم في خطاباتنا الثقافية؟ أم لازال الأدب، وسيظل بمنأى عن هذه الإشكالات، خالقا شرطه الخاص في الوجود والاستمرار؟ للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، نتقصى آراء كتاب ومبدعين حول موضوع مركب يحتاج للكثير من الرؤى والتفكير..

 

الكاتب المصري السيد نجم:
مفاهيم أم تساؤلات حول واقع الثقافة الرقمية بالبلدان العربية الآن؟!
خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي، أنجز العلم قفزة تكنولوجية، أطلقوا عليها ثورة الاتصالات، استتبعت بما عرف بثورة المعلومات، عبر التقنية الرقمية. وهو ما خلق وضعا مغايرا ورؤية مختلفة في مجال الإعلام والثقافة والأدب، فضلا عن كل مجالات ممارسة التعليم والطب والهندسة، وكافة مناحي الحياة.

وهو ما حدي بالبعض الإعلان عن تخوفه مما يعرف بتماثل الثقافات بين الشعوب. بينما هناك أقلام غربية/أمريكية منهم "صموئيل هانتيجتون" في مقاله "الغرب", يرفض أن العالم يسير نحو ثقافة واحدة, وأن انتشار السلع الاستهلاكية لا يعنى غلبة الثقافة والفكر الغربي. . لأن البلدان تلوذ ب "ثقافتها الخاصة، ودياناتها الخاصة".

بينما يرى "نبيل على" بالنظر إلى "العصر الرقمي" الأخذ بعدد من الأفكار، مثل الدمج بين الثنائيات: "العولمة والمحلية" أي "فكر وأفعل عولميا ومحليا", وهى تجربة ماليزيا الناجحة، والجمع بين الاقتصاد التقليدي واقتصاد المعرفة, وهى أيضا تجربة الصين والبرازيل. . ثم التنافس والتعاون. . وفى التعليم الجمع بين التعليم الرسمي (النظامي) واللانظامى. . وفى الإعلام, الإعلام التنموي والترفيهي معا. . . الخ.

لنتوقف قليلا أمام معضلة "اللغة". .

يقول "ديفيد كريستال" فى كتابه: "اللغة والإنترنت" مطبعة جامعة كمبريدج، الطبعة3، 2002م. "الإنترنت" وسيط إلكتروني، عالمي، وتفاعلي، ويترتب على ذلك التساؤل حول (أي نوع من المعلومات التي يمكن إرسالها)؛ و(أي نوع المعلومات التي يمكن رؤيتها)، ثم (أية لغة يتم استخدامها)؟؟

وقد أطلق العديد من الكتَّاب على لغة الإنترنت "الكلام المكتوب"؛ وينصحنا "ايرد ستايل" "اكتب كما يتحدث الناس" ولكن إلى أي مدى من الممكن أن "نكتب الكلام"، وكل ما لدينا لوحة مفاتيح تقتصر على حروف الألفبائية، والأرقام، ومجموعة متناثرة من الرموز الأخرى، ووسيط لا يسمح ببعض السمات الأساسية لكلام المحادثة؟ بالنظر إلى أن العالم مكوَّن من أنواع مختلفة جدا من البشر الذين يتحدثون بطرق متباينة؟ ماذا سوف يحدث لكلام الشبكة عندما تتوسع قاعدة المستخدمين، ويتصل أناس ذوو مدى أوسع من التفضيلات اللغوية بالإنترنت؟ ولعبارة "اكتب كما يتحدث الناس" وقع معقول لكن السؤال: أي ناس؟

واقع الحال الآن، يشير إلى أن بدايات عصر المعلوماتية في يد غير عربية (الولايات المتحدة الأمريكية) التي فاقت الاتحاد الأوروبي. ان الصورة لا تكتمل إلا برصد واقع الثقافة الرقمية في الهند وماليزيا وحتى إسرائيل وكذا دبي، يذكر لهم انجازات هامة في هذا المجال. . مثل توظيف تلك الوسائط عبر شركات اقتصادية كشركات الاتصالات، وأيضا في التوظيف الحياتي داخل الوحدات الإنتاجية الحكومية والخاصة.

لقد بدأت بعض الدول العربية مؤخراً بوضع مشاريع وخطط من أجل تحقيق هذه الصناعة، منها مصر ودولة الإمارات العربية وتونس وغيرها. . لكن لم تصل ثمارها بعد، باستثناء موقع مكتبة الإسكندرية والتي تحتوي على ست مكتبات متخصصة وما يقارب إل 10 بلايين صفحة نصوص ويعتبر هذا المحتوى أكثر من ذلك الموجود في مكتبة الكونجرس كما هو موثق في موسوعة ويكيبيديا بالنسخة العربية. أما عن دول المغرب العربي فمن المؤسف القول أن اللغة الفرنسية هي اللغة الشائعة للمحتوى الرقمي. . فيما قامت الحكومة المصرية والأردنية ببناء بوابة الحكومة الإلكترونية باللغة العربية، كذلك تشجيع مراكز البحث والجامعات على النشر الإلكتروني بالعربية.

أما عن دور الجهات غير الرسمية في العالم العربي، هناك اتحاد كتاب الإنترنت العرب، ومقره الرئيسي الأردن ويضم نخبة مميزة من الأدباء والمفكرين والباحثين العرب فى الوطن العربي والمهجر، ويهدف الاتحاد إلى المساهمة الفعالة في نشر الثقافة والإبداع الأدبي العربي وإنشاء دار نشر ومكتبة رقمية تسهم في نشر الإبداع الأدبي العربي، ونشر الوعي بالثقافة الرقمية في أوساط المثقفين والكتاب والإعلاميين العرب وإنشاء صيغ للتبادل الثقافي العربي. مع الأخذ بالاعتبار الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية للأدباء. ولا بد أن نشيد هنا بالدور الذي تقوم به "الاسكوا" من خلال مبادرة المحتوى الرقمي العربي التي بدأت بها منذ عام 2003 في الوطن العربي، من خلال إطلاق مشروع "تعزيز صناعة المحتوى الرقمي العربي من خلال الحاضنات التكنولوجية" الذي أطلق عام 2007 . وبجدر الإشارة أيضا إلى جهود "مجموعة اللغة العربية الرقمية في مجال الذكاء الاصطناعي" بإشراف د. محمد زايد بالمغرب. حيث تتبنى المجموعة البحث فى إنشاء - المعجم الموحد للتقنيات الحديثة باللغة العربية، - آليات وأدوات البحث على المعلومة باللغة العربية . . التوثيق. . وغيرها من المجالات الهامة مثل الترجمة والبرمجيات.

أخيرا، ليس أمام العرب لتجاوز الواقع الآن، إلا استيعاب المعطيات التكنولوجية تقنيا، تحديد الأهداف القريبة والبعيدة من التعامل الفاعل مع التقنية الجديدة، والاستفادة مما هو متاح حاليا منها ومحاولة الإضافة عليها.

 

الكاتب المصري محمد عطية محمود:
فوضى التعامل مع المصطلح
تبدو العلاقة بين الأدب المكتوب بصيغه التقليدية ، و تقنية الأدب التفاعلي ، علاقة شائكة تحتاج المزيد و المزيد من دراسة ماهية وجودها . لا أقول تنظيره و لكن أعتقد أننا نعاني من فوضي التعامل مع المصطلح ، فما تم حتى الآن من محاولات لا يكفي لتنظير الحالة الإبداعية التفاعلية ، فما زال لوقع الأدب المكتوب ورقيا رونقه و فاعليته التي تعطيه حيز الوجود الكامل ، و من ناحية أخرى فإننا لا ننكر دور الانترنت كوسيط إعلامي خطير استطاع أن يحل جزءً كبيرا من مشكلة النشر و التواصل . . لكن الروح مازالت تتعلق بأهداب الكلمة المكتوبة و المنشورة ورقيا ، و يبدو هذا منطقيا إذ أن الخريطة الإبداعية لمعظم الأدباء ما زالت تحكمها العلاقة الوثيقة و المضمونة مع الأعمال المطبوعة ورقياً التي لا تغني عنها العلاقة الوطيدة مع عالم الانترنت الذي نمَّا العلاقة بين مجتمع الأدباء و المثقفين و وسعه نطاقه من جهة ، و بين الكاتب و المؤسسات الثقافية و الجهات الناشرة من جهة أخرى . . و للنص المكتوب الذي يتحول إلى صيغ رقمية مثل النشر بالمواقع و المنتديات ، أو بطريقة الـ ( بي دي إف ) ، التي سهَّلت تداول الصحيفة و المجلة و الكتاب المنشور الكترونيا بتحويلها إلى نص رقمي ، دور فاعل في تحريك بحيرات الأدب الراكدة و علاقات مبدعيها ، و تنشيط نتاجاتهم الأدبية و طرحها على حيز أكبر ، و هو مما يشجع على تنمية العلاقة بين الأديب و الانترنت أو بالأحرى بين الأديب و الثقافة الرقمية التي يمكن أن تستمر ـ دونما شك ـ كما هي خليط من الأدب المكتوب واقعيا صرفا ، و هذا الواقع الافتراضي الذي ربما فرض بعضا من سماته السلبية ؛ حرصا على توثيق العملية الإبداعية مع ارتكانها إلى أصولها الوطيدة المستندة إلى تراث كتابي و معرفي لا يمكن تفاديه أو التغاضي عنه ؛ فالعملية الإبداعية المرتهنة بالعالم الافتراضي يتهددها هذا الخطر الذي مصدره الدعوة الى أدب جديد ، و متطلبات جديدة طارئة تتماس مع الأشكال التي ربما لم تثبت على حال ، مثل الأشكال المهترئة، و أحيانا المبتذلة التي بدأت تأخذ مكان الأدب الراقي، في كثير من المنتديات، أو من خلال المواقع الشخصية لأشخاص تسللوا إلى عالم الأدب عن طريق الانترنت، و عملية التساهل التي تؤدي إلى فرض كل ما هو دون المستوى على ذائقة الأديب مرتاد العالم الافتراضي، الباحث عن متعة فيما يقرأ و يحاول أن يستدر أجواء الدخول إلى عالمه الإبداعي، من خلال عملية الشحن الثقافي و المعرفي التي تعتمد عليها العملية الإبداعية، و هو بلا ريب عامل مثبط و مقلق من الناحية النفسية، كما هو تخريب للذائقة المبدعة. . ولاشك أيضاً أن للأدب الرصين طقوسه و سماته التي يستمد منها قوة الوجود و الاستمرار، واشتراط مثل تلك الخفة من الكتابة و الإبداع أو فرض شروط جديدة للكتابة قد تقتضيها الحاجة لتدعيم بعض مواطن هذا الواقع البديل/الافتراضي ، قد يؤدي إلى خلخلة هذا النسق الإبداعي المتراكم و الدال على تراث عميق من خلاصات تجارب النفس البشرية ، التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتحول إلى صيغ رقمية صرفة بين رقمي ( 0 ، 1 ) كليةً. . .

 

الباحث في علم النفس الاجتماعي المغربي الدكتور محمد لمباشري.
"الثقافة التقانية و أدوراها السوسيوثقافية داخل المجتمعات العربية"
مساهمة منا في إثراء هذا الموضوع الخاص بالثقافة الرقمية و ما يدور في دواليبها من انتاجات أدبية و فنية وإبداعية، نرى من منظورنا السيكوسوسيولوجي، أن ظهور التقانة المعلوماتية بمختلف مشاربها الفكرية و الابستيمولوجية ساهمت في تحفيز عدد كبير من المنتجين المغمورين إلى إيصال انتاجاتهم الإبداعية و الأدبية و الفنية إلى العالم الافتراضي الواقعي بدون الدخول في انتظارات زجرية أحيانا و اكراهات مادية أحيانا أخرى. كما هو جاري به العمل عندنا

و بذلك نعتقد بان المجال المعلوماتي الافتراضي بما هو حقل نفس اجتماعي وجد فيه المستهلك ضالته الذاتية في الاطلاع و الاستفادة من مجمل الانتاجات المقدمة في المواقع بالرغم من طابعها الاختزالي، و إبداء وجهات نظر و تقديم مقترحات حول مضامين النصوص المقروءة بدون ضوابط إدارية صارمة خصوصا إذا كانت مثل هذه الردود تحترم أخلاقيات النقاش المتعارف عليه أكاديميا.

لقد سبق أن نبهنا "ماك لوهان" في فترة الستينات من القرن الماضي إن الطفل عندما يذهب إلى المدرسة يرجع بخطوات إلى الوراء لماذا؟ لأن المدرسة مازالت في عصر الكتابة الخطية و لم تلج بعد إلى عالم التكنولوجية التقانية الحداثية، وإلى عالم المعلوميات والمكتبة الرقمية.

إن القيمة التربوية و البيداغوجية لهذا التنبيه "الماكلوهاني" لم يستغ بشكل فاعل داخل منظوماتنا التربوية التكوينية إلا مؤخرا، و إن كان عملية البت فيه من الناحية الإستراتيجية و الإجرائية مازالت مشوبة بعدد كبير من الاختلالات القائمة من جهة على مستوى البنيات التحتية الملائمة للقاعات المتعددة الوسائط و تعثر تعميمها على سائر المدارس المغربية، و من جهة ثانية على مستوى الموارد البشرية المؤهلة تقانيا من اجل لعب ادوار طلائعية لنشر الثقافة الرقمية و جعلها أداة تعلمية بامتياز، بما يمكن أن يحقق رهانات برنامج المخطط الاستعجالي في خلق مدرسة النجاح.

و هذا المطمح لا يمكن أن يتبلور بشكل كبير إلا انطلاقا أيضا من تنويع أشكال التـّكوين عن بعد ممّا يمكن من المساعدة على الرفع من طاقة التـّكوين الذاتي لدى اليافعين و الشباب ، فضلا عن إرساء مبدأ التعلـّم مدى الحياة بالنسبة لمختلف الشرائح الاجتماعية ضمانا لمجتمع متعلم.

هذه الوقفة البيداغوجية التي عمدنا على طرحها في هذه الورقة، الأساسي منها هو التثمين الايجابي الذي نعطيه من وجهة نظرنا السيكوسوسيولوجية للثقافة الرقمية كرافد من الروافد المعرفية و المهارية و الوجدانية موضوعة رهن إشارة كل الزوار بمختلف مشاربهم الفكرية و الأيديولوجية، و كبوابة مفتوحة في وجه الجميع من خلال المواقع المبرمجة بداخل الشبكات العنكبوتية، مادامت المكتسبات الفكرية في مختلف المجالات لم تعد حكرا على المدرسة العمومية الرسمية وحدها، و إنما أصبحت المدرسة الافتراضية أكثر اكتساحا لطلب العلم عن بعد، و أكثر يسرا في التردد عليها بدون اكراهات أو تنظيمات و الزاميات بيروقراطية ضيقة الأفق من الناحية التعبيرية.

و بهذا يجوز لنا القول بان التأثيث الأمثل لهذه الثقافة التقانية من الناحية العلمية و الابستيمولوجية و المعيارية سيساهم بدون شكل في خلق قاعدة محترمة من الزوار المترددين على الشبكات العنكبوتية، كقارئين لمختلف الأجناس الأدبية المنشورة سواء من طرف متخصصين أو من طرف أقلام ناشئة تحاول البحث عن هويتها الكتابية عبر عمليات التحفيز التي يمكن أن تصلها من خلال ردود أفعال حيال المنتوج المقدم.

و لقد أكدت مجموعة من الدراسات المهتمة بالموضوع على الدور الذي لعبته المواقع الالكترونية الحاضنة لمثل هذه الانتاجات الأدبية و الفكرية و الفنية، في تحفيز الشباب على مراكمة انتاجاتهم ضمن مساق التخصصات المتاحة لهم، وحولتهم بالتالي على المدى الزمني القريب إلى كتاب متخصصين بامتياز خارح نطاق المراسيم الأكاديمية الجامعية.

تبقى الإشارة في الأخير بأننا لا نقلص انطلاقا من هذه الورقة، من حجم الكتابة الأدبية المنشورة في الكتب و المجلدات والمعروضة في المكتبات والدكاكين المتنقلة بالرغم من ضعف القبول عليها من طرف القراء العاديين و المتخصصين، و إنما القصد من دفاعنا على مشروع الثقافة التقانية حول اعتبارها حقلا جديدا يجب أن يستثمر بشكل هادف في الرفع من قيمة الانتاجات الأدبية مع إخضاعه بطبيعة الحال لمعايير التحكم و الإتقان المشهود للمبدعين التاريخيين و المحدثين المعترف بهم محليا و عالميا.

 

الباحث المسرحي المغربي أحمد بلخيري
من النقوش إلى الكتابة الرقمية
هناك مسافة زمنية طويلة قطعتها البشرية منذ بداية التاريخ، دعك من مرحلة ما قبل التاريخ، استعمل خلالها الإنسان النقوش ثم المخطوط فالكتاب المطبوع فالكتابة الرقمية حاليا. وقد يبتكر الإنسان وسيلة أخرى في المستقبل. كل شكل من هذه الأشكال كان في وقته ثورة وجديدا بالقياس إلى ما قبله. أمدت النقوش علماء الآثار والمؤرخين والأنتربولوجيين بمعلومات ثمينة، أضاءت جوانب من تطور الكائن البشري. وكان للمخطوط دور أساسي في عصر التدوين في العصر العباسي، إذ بفضل المخطوطات تم التعرف على الثقافة العربية القديمة. وقد كان للمستشرقين دور أساسي في هذا المجال، مجال تحقيق وطبع المخطوطات العربية القديمة.

 بعد النقوش والمخطوطات عرفت البشرية الطباعة بفضل اختراع الآلة. وقد كان ذلك متزامنا مع التباشير الأولى للعصر الحديث في أوروبا والثورة الصناعية. لا يمكن إنكار دور الكتاب في نشر وتعميم المعرفة. وظهرت في وقتنا الراهن الكتابة الرقمية.

 أولا يبغي التمييز بين الكتابة الرقمية والثقافة الرقمية والأدب الرقمي. ذلك أن الكتابة الرقمية أوسع من الثقافة الرقمية. والثقافة الرقمية أوسع من الأدب الرقمي. تتميز الكتابة الرقمية بتعدد أشكالها، إذ تدخل في هذه الكتابة حتى الرسائل الإلكترونية المتبادلة بين اليافعين والمراهقين المعبرة عن حاجات نفسية فردية وشخصية. وتتضمن الثقافة الرقمية كل أشكال الخطابات:الخطاب السياسي، والخطاب التحسيسي التوعوي (التوعية الصحية مثلا)، والخطاب التاريخي، والخطاب الأدبي، والخطاب التحليلي والنقدي الخ. أما الأدب الرقمي، وهو جزء من الثقافة الرقمية، فيتضمن ما ينشر من روايات وأشعار وقصص ونصوص درامية رقميا.

 للنشر الرقمي إيجابيات تقنية لا شك فيها. فهو سهل وسريع جدا من حيث النسخ ، والإلصاق، والطبع، والإحصاء إحصاء الكلمات والفقرات والسطور الذي يتم في لمح البصر، وغيرها من التقنيات المرتبطة بالنشر الرقمي التي يوفرها جهاز الحاسوب. أضف إلى ذلك السرعة في البحث عن المعلومة. وبفضل هذا النشر أصبح بالإمكان الاطلاع على الجديد في كل الميادين المعرفية، بعد أن زالت الحواجز بين البلدان العربية بل بين بلدان العالم، وهذا مكسب ثمين. لقد كانت الجريدة والملحق الثقافي والمجلة والكتاب الوسائل المتوفرة لنشر الثقافة عموما ومنها الأدب بمختلف أنواعه. وقد يتأخر النشر حين اختيار وسيلة من هذه الوسائل، أما النشر في الإنترنيت فهو سريع جدا.

 كل هذه المكتسبات التقنية مهمة ومساعدة للقارئ والباحث والمبدع. لكن بالموازاة مع هذه المكتسبات التقنية، لوحظ اندفاع واستسهال في النشر الإلكتروني رغم عدم توفر النص الأدبي الرقمي أحيانا على المقومات الفنية المطلوبة. في هذا السياق، أذكر أنني قرأت نصوصا درامية منشورة في الإنترنيت، بعد نسخها وطبعها ورقيا، فخمنت أن أصحابها ما كانوا ليقدموا على نشرها في كتاب مطبوع لافتقارها إلى أسس الكتابة الدرامية. لكن سهولة النشر الإلكتروني وعدم حرص عدد من المواقع الإلكترونية على ضوابط الكتابة عموما، أديا إلى نشر الآلاف من النصوص الدرامية في سنوات قليلة، هذا على الصعيد العربي فقط. فهل كل هذه النصوص الموصوفة بكونها درامية، أو المحسوبة على أنها كذلك من قبل أصحابها، هي فعلا نصوص درامية تتوفر فيها أسس الكتابة الدرامية؟. قد يقال إن النشر الورقي كانت توجد فيه أيضا هذه الظاهرة. هذا صحيح، لكن مع النشر الإلكتروني تعمقت هذه الظاهرة وانتشرت على نطاق واسع.

 ورغم هذه المكتسبات التقنية حيث يمكن "الاستفادة مما يقدمه الحاسوب من إمكانيات على مستوى التنظيم والتصنيف واستعمال العلامات الخ"، حسب قول محمد عابد الجابري في كتابه "فهم القرآن الحكيم" (ط/1 ، 2008، ص/11)، فهي قد لا تضمن ديمومة النص الأدبي الرقمي واختراقه للزمن، على مدى العقود والقرون، خلافا للنص الأدبي المطبوع والمنشور ورقيا. ثم إن النص الأدبي الرقمي رهين، إلى حد الآن، بالكهرباء وبجهاز الحاسوب. أما الكتاب المطبوع فهو لا يحتاج إلى هذين الأخيرين. ولما كان النص الأدبي الرقمي لا يمكن أن يقرأ إلا بتوفرهما، فإن النص الأدبي المطبوع هو في غنى عنهما، ولذلك فهو يقرأ في كل مكان دونما حاجة إليهما.

 وهناك أمر تجدر الإشارة إليه عن طريق السؤال التالي وهو: هل غير النص الأدبي الرقمي الأسس الفنية للإبداع الأدبي، كلا أو جزء، أم أن الذي تغير هو التقنيات فقط؟ يبدو أن الذي تغير هو التقنيات، أقصد التقنيات الإلكترونية المختلفة عن تقنيات طباعة الكتاب، أما أسس الإبداع الأدبي، ومنها أسس الإبداع الدرامي، فلم يطرأ عليها تغيير جوهري يذكر.

 بناء على ما سبق، يبدو لي أن الكتابة الرقمية والأدب الرقمي لا يمكن أن يعوضا الكتابة الورقية المطبوعة والأدب الورقي المطبوع. وفي الأخير أتساءل:ألا تترتب على الجلوس أمام الحاسوب مدة طويلة يوميا أضرار صحية؟. الجواب متروك لذوي الاختصاص. أما الكتاب المطبوع ورقيا فهو يغذي العقل والوجدان دون أضرار صحية فيما يبدو.

 

الكاتب المغربي علي العلوي
الأدب التفاعلي ليس بديلا للأدب المكتوب
لا شك في أن تطور أشكال التواصل والتعبير يؤثر في الإطار العام لتداول الأدب وما يرافقه من نقد ومواكبة نصية؛ فمثلما أدى اكتشاف الكتابة إلى ظهور الأدب المكتوب، بعدما كان الحال ينحصر فيما هو شفهي، فإنه لأمر بديهي أن يؤثر التطور التكنولوجي، وما يرافقه من تحول وتطور على مستوى أشكال الاتصال، وعلى رأسها الشبكة العنكبوتية، في مستوى تلقي الأجناس الأدبية بجميع أنواعها. وسيكون من باب التقصير وانعدام الفطنة عدم استغلال شبكة الانترنيت في توسيع مجال القراءة، وحث قراء مفترضين آخرين على الانخراط في بعث الحياة في جسد النص الأدبي من خلال خلق أجواء تفاعلية على مستوى تداوله.

طبعا هذا التحول يبقى منحصرا فقط على مستوى أشكال تلقي النص الأدبي والتفاعل معه سواء أكان شفهيا أم منشورا ورقيا أم منشورا رقميا. أما الحديث عن أدب تفاعلي قائم بذاته، له خصوصياته التي ينفرد بها، فهو أمر مبالغ فيه، وقول لا ينبني على أسس نقدية علمية. إن أي جنس أدبي له خصوصياته الفنية والأسلوبية التي تميزه عن باقي الأجناس، بغض النظر عن كونه ورقيا أو رقميا أو حتى شفهيا؛ وفي ظل هذا الشرط النقدي لا يغدو خروج النص إلى الوجود سوى انبثاق وانبعاث له يتحقق داخل أنماط التداول المشار إليها. وعلى هذا الأساس، فإنه من العبث التنبؤ بحدوث قطيعة بين هذه الأنماط، طالما أن النص الأدبي يثبت صيرورته وسيرورته انطلاقا من الشروط الشعرية والأدبية المرتبطة به، وليس من خلال أشكال التجلي التي تحقق وجوده.

إن الأدب التفاعلي ليس بديلا للأدب المكتوب، ولا الشفهي، كما أنه لن يلغي وجودهما في مجال التداول سواء الآن أو مستقبلا؛ إنه إضافة مهمة فرضتها التطورات التكنولوجية المتلاحقة والمتواترة، التي وسعت من نطاق القراءة لدرجة أنه يكفي الانخراط في الشبكة العنكبوتية للحصول على كم لانهائي من النصوص الأدبية وغيرها، التي يمكن في كثير من الأحيان التفاعل معها والتواصل مع أصحابها عبر الردود والتعاليق المباشرة. ثم إن هذا الأدب قد فتح آفاقا واسعة للانتشار والشهرة للكتاب والمبدعين لم تكن متاحة من قبل مع النشر الورقي الذي تأكدت محدوديته على مستوى التفاعل والتداول، وبخاصة في المجتمعات التي تعاني تدني مستوى القراءة في صفوف مواطنيها، كما هو الشأن في البلدان العربية.

إن عددا غير محدود من النصوص الأدبية، وبخاصة الشعرية، تحولت من وجودها الشفهي إلى مجال الوجود الورقي، فالرقمي، دونما تغير أو تبدل يلحق بها؛ ولعل هذا الأمر كاف للتدليل على أن النص الأدبي يحقق خصوصياته بعيدا عن شكل نشره. لذلك فإن الذي يتحول ويتطور هي طريقة تقديم هذا النص للقارئ، الشيء الذي قد يزيد من مستوى تداول النص أو يقلصه، وذلك تبعا لما تمت الإشارة إليه.

 

المبدع محمد فاهي:
في أفق تقليص الفجوة الرقمية
لابد من الإشارة في البداية الى أن هناك تراكما للمنجز الأدبي ، في العالم الرقمي، استدعى نمطا من التلقي يطبعه تقليص الفجوة الزمانية المعتادة في تلقي الأدب المكتوب. فبإمكاننا اليوم قراءة نص أدبي عند نشره مباشرة على صفحات الانترنيت. هذه الوضعية عملت على الاعلاء من سقف (التقويم)، فالنصوص تستهلك وتنسى بسرعة، ولا تصمد إلا النصوص ذات الجودة العالية. هذه الايدولوجيا تتبعها مثلا بعض المواقع في (ادعائها) انتقاء ونشر الاجود. ونلاحظ من جهة اخرى كيف أصبحت المقلات والنصوص الإبداعية المنشورة عبر الانترنيت تعتمد للدراسة وابحث، توثق بمرجعيتها الرقمية. رغم ذلك ، مازلنا نفتقر الى دراسات عميقة تبين أهم الخصائص والتغيرات التي تسم الأدب الرقمي. وقد تمت الإشارة الى تقليص الفجوة الزمانية في التلقي ويمكن أن أشير أيضا الى خاصية أخرى نجدها في سياق تلقي الأدب المكتوب. وهو خضوع الأدب ، في تلقيه وقراءته ، لشروط خارجية غير أدبية، تتمثل في شبكة العلاقات، وأنواع التحيزات والتكتلات. في هذا الإطار، يمكن أن نفترض ما قد يعانيه النص الأدبي من (اغتراب)، بدفعه الى أن يستمد سلطته من خارجه، في ما يمكن تسميته بسلطة السياق، بعد سلطة الكاتب، وسلطة النص، وسلطة التلقي. في الجانب الآخر أصبح (تسويق) النص والحث على تداوله ميزة محمودة، بل ومطلوبة. يمكن القول بصفة عامة أن الثقافة الرقمية أصبحت معطى لا يمكن تجاوزه. وعلى الدرس الأدبي أن يركز أولا على ظاهرة التداول في السياق التواصلي الرقمي. وهو ما يقتضي التسلح بمرجعيات جديدة غير مألوفة ، لها ارتباط بالتواصل عموما. وعليه أن ينكب ثانية على دراسة الخصائص الأدبية، في علاقتها بالسياق التواصلي المستجد، تماما كما تأثر الأدب سابقا بالسياق الشفوي، ثم بالسياق الكتابي. . في كل الأحوال سيظل جوهر الأدب هو هو، ساعيا الى ما يحقق أدبيته وجماليته، أي وجوده.

 

الكاتب علي الوكيلي
النصوص الأدبية الرقمية : إبداع سابح في سديم اللامحدود
هل الحاجة إلى التنظير وازت اليوم تحققا فعليا لممارسة رصينة على مستوى منجز الكم؟ أرى أن فضاء الإنترنيت واسع بشكل فوضوي بالغ الضجيج، مجرة هائلة من الكتابات التي لا يستطيع القارئ الإلمام بها، وهو بذلك لا يستطيع الفرز بين الرصين وغيره، يبقى الأمل معقودا على رصانة بعض المواقع المتفق على قيمتها بين الكتاب، وفي هذه الحال، تبقى الكتابة الرقمية مستسهلة حتى لدى الكتاب المعروفين "بتريثهم الورقي" أنا شخصيا لا أمارس الأدب رقميا، وإن كنت أكتب بشكل مسترسل في مدونتي، أكتفي بعرض كتاباتي الورقية في موقعي الخاص ولا أطرح الجديد أبدا، إلا إذا "حفّظته" وسجلته..

هل استطعنا إفراز صيغ نصية رقمية قادرة على إعادة مراجعتنا لبعض المفاهيم؟ أم هل لا زلنا سجناء لاجتهادات داخل حقلها الأدبي، بالكاد نحاول اليوم القبض على المبادئ الأولية في خطاباتنا الرقمية؟ وما طبيعة حضور هذه الثقافة الرقمية اليوم في خطاباتنا الثقافية؟ أم لا يزال الأدب وسيظل بمنآى عن هذه الإشكالات، خالقا شرطه الخاص في الوجود والاستمرار؟

 أظن أن النصوص الأدبية الرقمية تعاني من معضلتين، الأولى أنها تنتج داخل حقل واسع مترامي الأطراف غير مضبوط ولا مستوعب حتى من جانب الكم، وبذلك فهو إبداع سابح في سديم اللامحدود، أما المعضلة الثانية فهي سوء النية التي يتعامل بها النقاد مع هذا الإبداع، على أساس أنهم لا يلتفتون إلا لمن أثبت جدارته على مستوى اللإبداع الورقي، وقد لا يهتمون بالكاتب الرقمي الغفل حتى ولو منحته السويد جائزتها الشهيرة. لذلك أقول أن ثقافة الكتابة الرقمية لم تتبلور بعد لتكون ظاهرة أدبية، علما أن أغلب قراء الإنترنيت أنصاف متعلمين أو هم جهلة بالمعنى الحقيقي للكلمة أو أن لهم اهتمامات غير أدبية في الأغلب الأعم.إذا تصفحنا خطاباتنا الثقافية سنجد تهميشا كبيرا للثقافة الرقمية مما ينم عن احتقار أو خوف وتوجس، علما أنه كميا، يقرأ الأدب رقميا أسهل وأوسع مما يقرأ ويتابع ورقيا، وقد يكون بعض مرد ذلك إلى الأمية الرقمية عند أغلب المثقفين وقد تكون جدة الموضوع وفتوته، وقد تعودنا أن أصداء ظاهرة ما تتطلب أحيانا عقودا لفهمها وقبولها

 أخيرا أعتقد أن الأدب سيظل أدبا جميلا راقيا عالميا سواء أكتب على الورق أم نشر في الإنترنيت، وستحتفظ الكتب الورقية ببهائها وقدسيتها، وستظل تفرض علينا التريث والرزانة في كتابة وقراءة ونقدا، وهو ما لا يتحقق للأسف في الأوراق الإلكترونية..

 

الكاتب المغربي عبدالرحيم مؤذن
حول الثقافة الرقمية
الأسئلة برأيي مترابطة ومن ثم سأحاول الإجابة تبعا لذلك بحكم هذا الترابط. بداية لابد من التأكيد على كون الثقافة الرقمية –بالمعنى الواسع- قد أصبحت ضرورة لامفر منها. ف"العولمة"- الصيغة المؤدبة لتحولات الإستعمار أو الهيمنة العالمية- الزاحفة على الحرث والنسل لا ولن تنتظر أحدا. وعلى هذا الأساس فاستعمال أساليب وطرائق هذه الثقافة يصبح فرض عين. فنحن لسنا في جزيرة معزولة ّبل إننا جزء من هذا الأرخبيل المتناثر جزره هنا وهناك والمشكل لهذا الكوكب المسمى بالأرض.على أية حال فالرقمنة نمارسها اليوم بطريقة أو بأخرى.غير أن هذه الممارسة بين "عالمنا" وبين "عالمهم" يوضح الحقائق التالية:

1.الرقمنة في العالم المتقدم نتيجة منطقية لتطور موضوعي للمجتمع في مختلف مجالاته المادية والرمزية. وفي عالمنا لم تعد أن تكون هذه الممارسة تطبيقا للمثل الشائع" مرغم أخاك لا بطل"أولا ولشروط التبعية ثانيا ول" الحداثوية"- وليس الحداثة- الشكلية ثالثا.

2.الرقمنة في العالم المتقدم بحث عن مزيد من الإبداع والتطور والجمال والحرية والمتعة إلى غير ذلك من المكتسبات. أما بالنسبة لعالمنا فالرقمنة بالرغم من أهميتها تصبح في عالمنا أداة لاغتنام الفرص وكسب المواقع واحتكار منابع ا لثروة.

3.الرقمنة في عالمهم لاتنفصل عن الحراك الإجتماعي المتجه نحو الإنسان إن لم يكن جزءا منها في حين تم إسقاط الرقمنة في عالمنا أنزلت بالمظلات والمناطيد بالرغم من وجود بؤر الحراك الإجتماعي المجهضة لسبب أو لآخر. ومن ثم أصبحت الرقمنة أداة لتركيز التخلف عوض التقدم. والأمر يشبه إلى حد بعيد مرحلة إدخال المطبعة إلى المغرب أثناء القرن19. وعوض أن تكون المطبعة أداة تغيير أصبحت أداة لتكريس التخلف والفساد بالمعنى الواسع بعد أن اصطدمت بالمجتمع المحافظ و النخبة المخزنية الجامدة التي كرست المطبعة لطبع الحواشي وحواشي الحواشي عوض الإنفتاح على ما كان يمور به القرن19. من صناعة وتنوير وتحديث رأت فيه "النخبة الجامدة مجرد منتوح "عقل ظلماني"ٍ[ رحلة الطاهر الفاسي إلى أنجلترا في القرن19.] وإذا كانت "النخبة" الحالية قد نادت ب"الحداثة والتحديث فإن ذلك يظل حبيس الطابع الإستهلاكي أداة وإنتاجا عوض أن يكون إبداعا وتطويرا للإنسان وحاجياته.

هذا على المستوى العام.أما على المستوى الإبداعي خاصة والثقافي عامة فإن أهم الملاحظات يمكن إبرازها كالتالي:

أ-ما زلنا لحد الآن في مرحلة الإستهلاك دون الإنتاج.وللأمر مبرراته سواء تعلق ذلك بالزمن القصير الذي تم فيه استنبات العولمة أو تعلق – من ناحية أخرى- بطبيعة المجتمع ذاتها الذي ما زال يترسم خطواته الأولى إلى الآن في هذا الميدان. يضا ف إلى ذلك طبيعة العلاقة مع الجانب التقني المحض المجسد في الأعطاب المتكررة والإنقاطاعات المتواصلة وبطء الإرسال والإعتماد الكلى على الأجنبي.. كل ذلك يلعب دورا أساسيا فى ترسيخ الإستهلاك قبل الإبداع

ب-يجب الإعتراف أيضا أن معظم مثقفينا وأدبائنا لم ينخرطوا بعد في هذه الممارسة الجديدة. والأمر قد يتعلق بأسباب ذاتية فضلا عن الأسباب الموضوعية. فالعلاقة مع النص علاقة جسدية ومرجعية معظم كتابنا مرجعية ورقية تعكس تاريخا من القداسة والتقديس للحرف والكتابة. وبالإضافة إلى هذا وذاك فالكتابة على الورق مناهضة للنمطية التي تنتجها " الكتابة الرقمية" ذات الصيغة المتشابهة.هذا الموقف "النفسي"-إذا صح التعبير- لايرفض الممارسة الرقمية بل على العكس من ذلك هو في جوهره لا يرفض الإنتشار والتواصل عبر القارات الخمس وبأسرع الوسائل بل إنه يرفض "التعليب" والإستنساخ فضلا عن تحويل "الممارسة الرقمية" إلى غاية عوض أن تظل وسيلة.

ج- والنقاش الذي يجب أن يفتح في هذا السياق هو ما يتعلق بمحتوى ما تقدمه الثقافة الرقمية عوض الحديث عن أساليبها التي لا يختلف حولها اثنان. ومع ذلك فهناك العديد من التجارب التي قدمها الكتاب المغاربة في هذا السياق تعكس نوعا من الوعي بالأداة والوظيفة.

3. غير أن ذلك لايمنع من التأكيد على ما أنجزته الثقافة الرقمية من مكاسب أهمها الحس النقدي ـسلبا وإيجابا- والإنتشار الواسع وكشف المسكوت عنه و" ديمقراطية" المعرفة...الخ. وبقدرما ساهمت هذه الثقافة الرقمية في نشر نصوص جيدة إبداعيا ومعرفيا بقدر ما كانت سببا في خلق حالات عديدة من الخلط والضبابية المتمثلة في الآتي:

أ- تحول الساحة الثقافية إلى ميدان لنشر الغث والسمين.

ب- تحول بعض مستعملي هذه الوسائط إلى سلط لاتكتفي با لترويج من جهة والنقد والتفسير من جهة ثانية بل تمارس نوعا من تصفية الحسابات ا لصغيرة والمصالح الضيقة.

ج-عجز هذا المنتوج عن التحول إلى منتوج ثقافي يمتلك خصائصه الفكرية والجمالية الدالة على مرحلة تاريخية وخصائص جمالية وهوية أجناسية. فالأسئلة المتداولة حاليا تدور كيفية النشر ووسائله عوض أن تدور حول محتوى المنشور ودلالاته في التاريخ والمجتمع والوجدان. طبعا الاستثناءات موجودة في كل الأحوال لكن السائد هو " الإنتماء التقني" دون مساءلة هذه " الترسانة" التقنية في علاقتها بمجتمع معين بكل محمولاته المادية والرمزية. هاهي صورة أخرى من صور "العصرية" أو التحديث الشكلى وبالمقابل صور "المعاصرة "أو روح الحداثة وجوهرها العقلاني وما بينهما من خلط وتضارب منذ القرن 19. إلى الآن يعكس الوضع المضطرب لهذه الثقافة.