منذ انطلاقته عام 2004، أكّد مهرجان دبي السينمائي، في جميع دوراته، أنه حدث ثقافيّ دوليّ يتغيّا إقامة حوار إبداعيّ بين ثقافات الشعوب، ويلوذ في ذلك بالسينما، بوصفها لغة البصر والبصيرة، سبيلا إلى تفعيل التبادل الإبداعي بين جميع الفاعلين في حضارة الإنسان. وقدّ جسّد المهرجان هذا الحوار في دورته الحالية التي امتدّت من 9 إلى 16 ديسمبر /كانون أول 2012، عبر وفرة الأفلام المشاركة في مسابقاته وراهنيّة موضوعاتها. برعاية من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، اختُتمت مساء الأحد 16 ديسمبر/ كانون أول 2012، الدورة التاسعة لمهرجان دبي السينمائي الدولي وسط حضور إعلامي كبير وبمشاركة أشهر الفاعلين في السينما العربية والعالمية من ممثِّلين ومخرجين ونقّاد. وهي دورة عُرض فيها 158 فيلما من 61 دولة تتحدث 43 لغة. وفي كلمته التي افتتح بها احتفالية توزيع جوائز المهرجان، وصّف عبدالحميد جمعة، رئيس المهرجان، مجريات هذه الدورة التاسعة من حيث الإعدادُ لها ومن حيث تنوّع فعالياتها ومن حيث القيمة الفنية العالية للأفلام المشاركة. حيث قال فيها: "بعد أشهر من العمل المضني قضيناها إعدادا وتنسيقا على المستويين الفردي والمؤسسي، جاءت نتائج دورة المهرجان التاسعة كما خطّطنا لها. فأيام المهرجان الثمانية لم تقتصر على عرض 158 فيلما فقط، وإنما شهدت تنظيما لجلسات تعارف لـ 1700 شخصية سينمائية محترفة، وعرضنا 330 فيلما في "سوق الأفلام"، حيث شهدت هذه السوق خلال هذه الدورة زيادة بنسبة 60% عما كانت عليه بالدورة الثامنة التي شهدت عرض 200 فيلم. هذا بالإضافة إلى استضافتنا لـ 24 ندوة وورشة عمل للمخرجين الصاعدين، وتقديم الدعم المالي للمخرجين أصحاب المواهب المتميزة، كما استضفنا نخبة من المواهب المحلية والعالمية. وذلك لأن هدفنا هو الارتقاء بمعايير المناسبات الثقافية في المنطقة، وترسيخ مكانة المهرجان تظاهرةً سينمائية بمستوى عالمي". وفي هذا الشأن، أشار جمال الشريف، رئيس مجلس إدارة لجنة دبي للإنتاج التلفزيوني والسينمائي، إلى أنّ دبي "تحظى بشعبية كبيرة مما جعلها وجهة لمنتجي السينما لأداء عمليات التصوير ويعود الفضل للمواقع الجذابة في المدينة والبنية التحتية المتطورة. بالإضافة إلى النمو المتواصل في الإنتاج السينمائي كل عام فقد شهدنا زيادة بنسبة 8% هذا العام مقارنة بالعام الماضي. وعلاوة على ذلك فقد تضاعفت ميزانية الإنتاج بشكل مستقر خلال العام الماضي".
مهرجان وفيّ لنجوم الفن السابع
على غرار دورات المهرجان السابقة في وفائها لنجوم صناعة السينما العربية والعالمية، حرص منظمو هذه الدورة على تكريم اسميْن سينمائيَيْن: الممثل العربيّ محمود عبد العزيز والمخرج البريطاني مايكل أبتيد.
ولد الممثل محمود عبدالعزيز بحي "الورديان "غرب الإسكندرية عام 1946، بدأ شغفه بفن التمثيل المسرحيّ والسينمائي خلال دراسته بكلية الزراعة في جامعة الإسكندرية، حيث مثّل في سبع مسلسلات، وقام بدور البطولة في أكثر من 86 فيلما. وقد نال محمود عبد العزيز العديد من الجوائز السينمائية من مختلف المهرجانات الدولية والمحلية منها جائزة أحسن ممثل عن أفلام "الكيت كات"، "القبطان"، "الساحر" من مهرجان دمشق السينمائي الدولي، وجائزة أحسن ممثل عن فيلم "سوق المتعة" من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. وأمّا مايكل أبتيد، فقد عرف بإخراجه للأفلام الوثائقية، ولكنه أخرج كذلك كمّا هائلا من الأفلام الروائية كان أولها فيلمه "الصدى الثلاثي" عام 1972، وحقق في كلا النوعيْن من الأفلام نجاحات كبيرة. بدأ العمل كباحث متدرب في "تلفزيون غرناطة" بعد تخرجه من "كامبريدج"، وكان أوّل مشاريعه السينمائية التوثيقيّة عام 1964، حيث درس أحوال 14 طفلا في عمر السابعة، وأمسى يزور أولئك الأطفال كل سبع سنوات، إلى أن جمّع مواد على مدى كل تلك السنوات، وصاغها في فيلمه الموسوم بـ "نمو 56". كما أخرج حلقات مسلسل "شارع كورنشن" ضمن عمله "بتلفزيون غرناطة"، ونال على أغلب أعماله العديد من جوائز الأكاديمية البريطانية. وواصل أبتيد تقديم الأفلام والبرامج التلفزيونية والوثائقيات، فقدم "العالم ليس كافيا" 1999 من سلسلة أفلام "جيمس بوند". ثم مضى في سياق فني مغاير بتقديمه معارك الهنود الحمر مع حكومة نيكسون في الفيلم الوثائقي "حادثة في أوغالا"، والفيلم الروائي "قلب الرعد". وقد كُرم ضمن قائمة الشرف بمناسبة عيد ميلاد الملكة عام 2008 بجائزة الـ"سي إم جي" عن مجمل إسهاماته في السينما والتلفزيون البريطانيين، وهو يترأس حاليا نقابة المخرجين الأميركية.
سينما وقضايا
لعلّ ما انمازت به الدورة التاسعة لمهرجان دبي السينمائي الدولي هو تركيز اهتمام الأفلام المشاركة فيها على ما يشغل بال المواطن العربي من مجريات وطنية وإقليمية وعالمية. إذْ نلفي أنّ قضايا مثل "فلسطين" و"الربيع العربي" كانت طاغية على محامل الأفلام المشاركة في المهرجان. يذكر أن السينما الفلسطينية حضرت بجدية في فعاليات مهرجان دبي السينمائي، وذلك بعرض مجموعة من الأعمال السينمائية التي تركّز فيها اهتمام أصحابها على توصيف معاناة الفلسطينيين في غزة، وما كان من أمر الحصار المفروض عليهم من تأثيرات سلبية على معيشهم اليوميّ. فقد عرضت المخرجة ناهد عواد فيلمها "غزة تنادي"، وقدّم المخرج رشيد مشهراوي فيلم "أرض الحكاية"، وشارك المخرج خالد جرار بفيلمه "متسللون"، وفي فيلم "السلحفاة التي فقدت درعها" تقدّم المخرجة باري القلقيلي نبشا في الذاكرة عمّا يسكنها من صور عن فلسطين عبر حوارية بين فتاة ألمانية وأبيها الفلسطيني المُهجَّرِ.
جوائز وأفلام
يُذكر أن جوائز "مهر" التي تُعتبر أحد أكثر الجوائز السينمائية سخاءً على مستوى العالم قد أُطلقت عام 2006، لتكريم صانعي السينما من العالم العربي، وتوسعت الجائزة عالميا من خلال إطلاق برنامج "المهر الآسيوي الأفريقي" عام 2007، وحظيت هذه الجوائز باهتمام صنّاع السينما، حيث تستقبل إدارة المهرجان سنويا المئات من طلبات المشاركة لكل من جوائز "المهر الإماراتي" و"المهر العربي" و"المهر الآسيوي الأفريقي"، وقد تنافس عليها هذا العام 83 فيلما لنيل جوائز المهر التي تفوق قيمتها 600 ألف دولار. وهو أمر أكّده المدير الفني لمهرجان دبي السينمائي الدولي مسعود أمرالله آل علي بقوله: "لقد كان أمرا مشجعا جدا أن نرى مخرجين سبق لهم الفوز بجائزة المهر وهم يعودون إلى دبي مع أعمال جديدة، ونحن على ثقة بأن الأفلام التي وقع عليها الاختيار لنيل جوائز المهر ستستمر في تحقيق انتصاراتها في المهرجانات العالمية خلال عام 2013، فقد خاضت هذه الأعمال منافسات صعبة، وذلك للتقارب الشديد في جودتها، الأمر الذي شكّل عبئا إضافيا للجان التحكيم". وقد توزّعت جوائز هذه الدورة على النحو التالي: جائزة المهر الإماراتي وفاز بها فيلم "رأس الغنم" لجمعة السهلي من الإمارات العربية المتحدة، وجائزة المهر الآسيوي الأفريقي القصير التي فاز بها فيلم "صامت" لمخرجه التركيّ رزان يشيلباش، وفاز بجائزة المهر الآسيوي الأفريقي الوثائقي فيلم "غلابي غانغ" من الهند، ومُنحت جائزة المهر الآسيوي الأفريقي الروائي لفيلم "في الداخل" للتركي زكي ديميركوبوز، وآلت جائزة المهر العربي القصير لفيلم "نور" لموراي بارتلت، وفاز بجائزة المهر العربي الوثائقي فيلم "السلحفاة التي فقدت درعها" لخالد قيصر من ألمانيا.
السينما السعودية بطلة هذه الدورة
وأمّا جائزة المهر العربي الروائي، وهي أعلى جائزة بالمهرجان، فقد آلت لفيلم "وجدة" للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، في حين فازت مواطنتها وعد محمد بجائزة أحسن ممثلة عن دورها في الفيلم نفسه.ويطرح فيلم "وجدة" ما يتحوّط حياة المرأة السعودية من ضاغطات الأعراف الاجتماعية في معيشها اليوميّ وما يتّصل بها من قيود تكبح فيها قدرتها على الإبداع والتميّز فيه، وذلك من خلال قصة فتاة سعودية تتمنى شراء دراجة هوائية تسابق بها أحد أبناء الجيران، وفي سبيل تحقيق حلمها شاركت في مسابقة لحفظ القرآن لنيل جائزة تشتري بها الدرّاجة. وقد أبدت هيفاء المنصور مخرجة فيلم "وجدة" سعادتها الكبيرة بفوزها بالجائزة الكبرى لمهرجان دبي السينمائي الدولي عن فيلمها الروائي الأول، ولم تخفِ حلمَها بالمشاركة بفيلم قصير في هذا المهرجان الدولي، ورأت في فوزها بهذه الجائزة دعما للسينما الخليجية.