صدر في بحر الأسبوع المنصرم قراراً من لدن المجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، المعروف اختصارا باليونسكو، يتمثل في اتخاذ يوم 18 دجنبر- ديسمبر من كل عام يوما عالميا للغة العربية اعترافا بأهمية هذه اللغة ودورها وإسهامها في حفظ ونشر حضارة الإنسان وثقافته. اللغة العربية اليوم يتحدث بها أكثر من 422 مليون نسمة في بلدان العالم العربي فضلا عن الناطقين بها في العالم الإسلامي، والجاليات العربية والإسلامية في ربوع العالم.
اليوم العالمي للغة العربية خطوة محمودة ومطلوبة ولا نملك إلا أن نصفق لها، لكن ما لوحظ أن هذا اليوم تحول إلى طقس أشبه بالمأتم والجنازة حتى أننا صرنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً على اللغة العربية، وكأن هذه اللغة لا تستحق إلا يوما واحدا يتيما في السنة كي يتذكرها الأحياء الأموات.
وحتى نكون واضحين في اعتقادنا هذا فإن دعوتنا تقوم على عدِّ هذا اليوم يوما لمدارسة نتائج مثمرة تقطف بعد جهد متواصل طيلة السنة، لا يوما نكتفي فيه بذكرى لفراغ وموات. والغاية من هذا أن الاحتفاء باللغة العربية يجب أن يكون هاجسا يراود كل مؤمن بها في كل دقيقة، وساعة، ويوم، وأسبوع، وشهر، وسنة. ولن يتيسر ذلك إلا بتحريك الساحة الثقافية، وتنشيطها ومساهمة الجميع وبخاصة منهم المبدعين والمبدعات، والكتاب والكاتبات، والمثقفين والمثقفات، عبر ممارسة ثقافية جديدة يتم عبرها إطفاء الحيوية على المشهد الثقافي.
اللغة العربية ليست مجرد لسان يتكلم به، وفق معيارية مرتبطة بقواعد مقولية صارمة على نحو ما نجد في العربية الرصينة بدوالها ومدلولاتها. على شاكلة "الكتاب" لسبويه، أو في المعاجم المختصة والعامة . بل نسق فكري وثقافي يجدد كل يوم وفق إرادة مثقفيها، ومبدعيها. وكتابها ولن تكون اللغة العربية بهذا المعنى فعالة وحيوية إلا إذا أدرك المثقفون ثقل المهام الملقاة على عاتقهم.
وما هذه المهام إلا النزول إلى حضن المجتمع بنصوصهم وإبداعاتهم وأفكارهم قصد توصيلها إلى أكبر قطاع في المجتمع. والوسيلة في ذلك أن يتحمل الأساتذة الجامعيون مسئوليتهم كاملة في تنشيط مؤسساتهم التي يعملون بها عن طريق خلق أوراش ثقافية وندوات فكرية ولقاءات مع الكتاب المبدعين حتى يربط الفضاء الجامعي بالإبداع المغربي والعربي ويجعل الطلبة على اتصال مباشر بالهم الثقافي وحتى يعمل أيضا على جعل الطالب مرتبطا بمحيطه الثقافي ومشاركا فعالا في أسئلته وقدره.
وبهذا نكون قد قدمنا خدمة جليلة للغة العربية، لأن خدمتها لن تحصل بالخطابات والكلمات التي تدبج كل سنة وتموت بمجرد ما أن تنتهي هذه المناسبات.
فحب اللغة العربية من حب نصوصها وإبداعاتها والمساهمة في نشرها وذيوعها وجعلها مقروءة لا مهملة متروكة في الرفوف.