كعادتها تكشف الباحثة والمفكرة السودانية عن البنية الشريرة المضمرة في تجليات الواقع الجهنمي الراهن، وكيف أن الغطاء العقلاني أو التنويري البادي ليس إلا القشرة الحلوة المخادعة التي تخفي مرارة الدواء الذي تريد القوى المهيمنة على عالمنا أن يبتلعه الجميع كي يظل تابعا ومدينا ومفقرا، يتخبط في تعاساته.

التنوير وعقلنة كراهية الشعوب ابتغاء إبادتها

خديجة صفوت

اذا كانت القيم الاكثر اغناءا للانسان قد استطاعت ان تدوم وتزهر فذلك لسبب واحد هو ان الشعب والشعب وحده قد توصل بواسطة الايمان البدائى الى انقاذ الجوهرى فى الارث-العربى المتوسطى حين وقف ضد رياح التفكير المدمر ومستنقعاته.  ان الشعوب فى الحقيقة تتحدى بغريزتها الانظمة المتطرفة لان جهنم فى نظرها هى عالم التعقيد ولان السلام عالم المسلمات البديهية .واجادل انه حيث كان ما اعرفه  بالتنوير العباسي سفر تكوين الاقتصاد السياسي لنهضة البندقية -بوصفها مدينة اندلسية- وصولا الى التنوير البروتستانتى الغرب اوربي فالمسيحية اليهودية فان التنوير الغربي كان حريا بان يقيض بهذا الوصف سردية تكرس المجاز والكناية في مزوقات ومدلسات خطاب يسوغ أحأبيلا لا متناهية كما فى كل مرة. وقياسا يسرت تلك السردية هيهمنة اقتصادية-مالية راحت تتعين تباعا على سن قوانين ودساتير-غير مكتوبة غالبا-خصما على من عداها –و بخاصة على الشعوب في كل مكان فى المقياس المدرج In a scale of gradation. ومن ثم استحالت او كادت تستحيل محاسبة الطعاة والربويين والمصرفيين او-و الاوليجاركيات المالية ابطال السردية الصهيوينة العالمية بوصفهم سادة الكون  بكامله.

وحيث ينطق المجاز والكناية ومزوقات الكلام Spin بعكس ما تقصد أحأبيل الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية فقد بات العالم يعيش كذبة كبرى. واجادل ان الاخيرة كانت قد  بدأـت ببعض ابناء يعقوب وصولا الى الاوليجاركيات العولمية فيسرت تمرير انصاف  الحقائق وا لاكاذيب لما بات تاريخا رسميا مفبركا بامتياز حسب الطلب. وقد خصم الاخير بالضرورة والنتيجة  على التاريخ الموضوعي للبشرية ناهيك عن التاريخ الشعبي. ولعل أشد الأكاذيب فحشا هي محادثات السلام اللامتناهية بين إسرائيل وفلسطين بوصفها امتداد للاكتشافات الجغرافية الكبرى وإبادة السكان الأصليين والقدر الجلي  Divine destiny  فادعاء كل ما وطاته بطون اقدام اعراب الشتات وحق الفتح والتدافع نحو افريقيا Scramble for Africa. فكل القضايا باتت متكاذبة تصدر عن وتتمأسس فوق قضية فلسطين كونها نذير للتراكمات العددية الزائدة عن الحاجة لمن لا وجوه لهم من المفقرين بوصفهم امما بائدة تباعا.

كيف لا يتجزع مفهوم العقلانية عن مفردة العقل؟ 

تحاول هذه المناقشة فيما تحاول مجادلة مفهوم العقلانية والعقلنة والتبرير فلكون كل من تلك المفردات-وان اصدرت عن جزع لغوى واحد-تبدو قريبة من مفردة اومفهوم العقل. الا ان مفردة العقلانية  ما تنفك تتجزع Trunkate عن شجرة اصلية الى تفرعات لا تنتمى احيانا الى مفردة العقل. وبالمقابل قد تتصل مفردة التبرير بمفهوم العقلانية.  وكذا تتصل مفردة الذرائعية والبراجماتية اى النفعية بالتبرير ومن ثم بالعقلانية اجرائيا. وقياسا تغدو تجزعات شجرة مفهوم العقل والعقلانية حرية بان تتصل يتعريفات قد تختلف فى تنويعاتها. ويظهر ذلك التجزع فى الانجليزية حيث ان مفردة عقل بالانجليزية Brain or Intellect لا تتصل بمفردة عقلانية  Rationalismبصلة لغوية الا بقدر ما تنسب الى عمليات عقلية.

و تتصل تفريعات من الفكر النشوئى بالعقلانية الا اننى ازعم ان ذلك تدبير لا يرتكز على اساس منطقى على الاقل. فتصور ان النشوئية العقلانية-بمعنى انها تأتى من التعقل وتدبير الامور-تتصل بطافة الكائنات الحية العقلية او الذهنية لا تفسر لنا صلة الميكروبات التى تعيش داخل الانسان مما لا يملك الانسان الحياة بدون العقل. فالميكروبات طفيلية انانية ومن ثم "عقلانية الا انها تبقى بلا عقل. انما الاحرى بالغريزة  وهذه ملاحظة هامة جدا.

فكيف سوغت عقلانية الرأسمالية مشاريعها التوسعية وتكريس شرط المراكمة  بالفائدة اكثر منها بالربح واجتاحت العالم بقوة المال ومزيد منه متمأسسة فكريا وتنظيميا فوق حيوش العقلانيين بتنويعاتهم وكيف قد انطلت الرأسمالية وسردية اعراب الشتات بهذا الوصف على الافراد والمجاميع طويلا ليس فى العوالم العربية وانما فى الغرب نفسه؟

عقلانية الرقابة الديجتالية وتنميط العقل البشرى:

يروى جون بيلجر  John Pilgerالمحلل السياسى والكاتب فى مجلة نيوستيتسمان الاسبوعية ما يشارف المزحة الا انها فى الواقع ليست سوى تعبير عن الكوميديا الفاجعة. ويقول جون بيلجر ان امريكان التقى بهم فى زياره له بامريكا ذكروا له كيف ان وفدا روسيا استضافوه ايام الحرب الباردة كان مندهشا لما شاهد وفد من انضباط الامريكان وهم يرددون وجهات نظر مشابهة. ولما سأل الروس مضيفيهم "كيف تملكون تحقيق ذلك ونحن نقيم معسكرات اعتقال ويتجسس الكى جى بى على الناس ويحرض الجيران على بعضهم ونقيم المذابح؟" فرد امريكى من المضيفين: "الامر فى غاية البساطة. عليك الا تترك للفرد سبيلا الى وجهة نظر مخالفة كما لا نترك له فضاء خارج السعى لتسديد فواتيره. والفرد الامريكى مكبل بالديون من رهن عقاره الى سيارته وكل ما يملك".

ان الفرد الامريكي مرهون لمكان ما او مؤسسة ما او لجماعة ما او لمصرف وقد جعل بحيث  يفعل كل ما من شأنه-فيما خلى استخراج رخصة قيادة سيارته ودفع ضرائبه-التى تتفاقم تباعا على المفقرين لحساب الموسرين-يفعل الفرد كل ما من شانه ان تتركه الدولة وشأنه فيتركها وشأنها. وقد بات الامريكى على يقين من ان تلك هي وسيلته للتحرر من الدولة ويطلق على تلك الاحبولة الماثلة تحرير الفرد. وبالمقابل يقاوم الامريكان-الحمهوريون خصوصا-اي تدخل للدولة فى حياتهم حتى لو كان مشروع كفالة مثل مشروع هيلاري كلينتون فى ثمانينات القرن العشرين وصولا الى مشروع اوباما المتخاتل الذى يسلم ذقن الدولة لمصالح للصناعاتت الكيماوية ولعصابات كبارالمحامين. 

هذا وفيما تفرد عمليات تحوير الفرد الى مستهلك حتى الموت بالنتيجة فان تلك العمليات تتعين بالضرورة على عقلنه وتكرس العقلانية الطافحة فى نخاع  الفرد حتى لا يرى سوى مصلحته الملتبسة بالتزويق والتشويه ولو فى اخر قطعة من حلوى النعناع كما يقول اعلان متلفذ لتلك السلعة. Do you love someone enough to give them your last Polo? وحيث لا تعنى الرأسمالية بالفرد الا اذا كان مستهلكا ومبذرا لمال لا يملكه حتى الاملاق فانها تهتم وحسب بالفرد والمجاميع فى المجتمعات الغربية باخضاعهم للرقابة الديجيتالية وبجواسيس الفضاء على نحو غير مسبوق. والفرد مراقب فى  كل ما يفعل الفرد او يترك ومتلصص عليه الى ذلك بالكاميرات اليكترونية Close Circuit TV(CCTV) على الطريق وعند النواصى وفى مداخل وداخل الماحلات التجارية والمصارف والمراحيض العامة وكلما سحب الفرد مالا وكلما أستخدم بطاقة ائتمان او ابتاع بطاقة قطار او حافلة او طائرة وكلما ملأ بطاقة هاتف نقال او تحدث على هاتف نقال او جلس على مقهى او مطعم او ارتاد مسرحا او سينما او شاهد برنامجا تلفزيونيا او طلب كتابا او صرف روشتة دواء او حلل بوله او دمه او قص شعره, ويلاحق الفرد كلما دفع قيمة ملابس او بقاله الاسبوع أو ثمن بترول سيارته او نظافتها او تبرع لمؤسسة خيرية.

و يراقب الفرد كلما فعل او ترك شيئا: كلما عطس او اصيب بالامساك او الزكام فان رقما ينزل على حاسوب جهنمى بتفاصيل لا تخدم السوق والتسويق ومزيد منه وحسب وانما توضع تحت تصرف الامن والدولة :الاخ الاكبر.و يحتم قانون باتريوت PATRIOT على كل مكتبة او جامعة او اى مؤسسة امريكية رسمية او مدنبة او شعبية تقيد قوائم ومعلومات بتفصيل التفصيل حول كل من يتعامل معها باى صورة من الصور. يعنى قانون باتريوت توحيد وتقوية امريكا بواسطة توفير الوسائل المناسبة للتصدى للارهاب وصده Uniting and Strengthening America by Appropriate tools required to intercept and obstruct terrorism Act .  هذا وقد بدأتت تلك الكميرات توضع بين تلاميذ المدارس منذ سن السابعة. ويتحايل  اصحاب تلك البرامج بالقول بان الكاميرات توضع فقط فى المراحيض لمنع الاطفال من تخريب المراحيض. ويقول اخرون ان تلك الكاميرات وضعت خصيصا  لتهيئة الاطفال منذ سن صغيرة لفكرة انهم مراقبين.  

ولعل مفهوم "الاخ الاكبر فى وراية 1984 لجورج  اوريل" Orwellian Big Brother الذى كان قد علق فى رقبة الاتحاد السوفيتي كدالة على الستالينية والستار الحديدي رجع فغدى معلق فى رقبة الرأسمالية نفسها وبخاصة ما بعد الصناعية-الامركة-الكوننة. ذلك ان الاخيرة لم يبقى لها ورقة توت تغطى بها عريها الماثل رغم وربما بسبب ان فصائل من "الطبقات" الوسيطة النغلة هى التى كانت قد راحت تتعين على تيسير وراثة الرأسمالية ما بعد الصناعية العسرة من البرجوازية الصناعية. وتحاصر كل من تلك الجماعات النغلة واسيادها المعولمين كل من عداهم  باصولية شروط عولمة وجودها وبقائها فى سلطة سمسارة. فكيف حاصرت تلك الجماعات وسادتها من عداها؟

كيف يتعالق العقل والمجتمع؟ وكيف بدأ عصر الشخصية او الانا المفرغة من العاطفة-اللا عاطفة-الانصباط فى الصف والاستهلاك حتى الموت؟ وهل تعين اعراب الشتات على تكريس تنويعات من عقلانية بن جوريون وبولص الرسول؟ من الذى يتعين او ما هى الجهة التى تتعين على:

-تفريغ الوعاء المسمى شخصية من كل شئ؟

-توفير النماذج المنمطة للعالم الذاتى والخارجى. ويقولون هم انفسهم ان المسي نفسه كان قد نمط stereotyped حين صنف الفاريسيين فاسماهم الشريرين. وقياسا ينمط المسيحيون الغربيون من عداهم فبات المسلمون شريرين واليهود شريرين والكل شرير اللاهم.

؟-تصنيف الناس والاشياء فوضعها فى خانة الحسنات والسيئات الخلقية او ميزات الرقى العرقى وسمات الانحطاط والقبح الجمال.

عقلانية تفريغ الشخصية من تلقائيتها نفيا للهوية:
تتعين عقلانية العولمة وكانت الرأسمالية قد تعينت باكرا -على تنمط الافراد بتفريغ ذواكرهم من كل مايخصهم بالضرورة وما يدل عليهم بالنتيجة. وما تنفك النظريات النفسية والاجتماعية ما بعد الحداثية تجأر-بعد ان ثابرت على الزعم بان ليس ثمة شئ اسمه المجتمع وان ليس ثمة طبقات وابلست الاخيرات فابقيت فى عداد اللامساسات-تجأر الرأسمالية ما بعد الصناعية-المالية-بان ليس ثمة ما يسمى بالشخصية وانما هناك وعاء يحمل معارف وخيارات ونماذج منمطة من المعلومات حول الذات والاخرين. وان تلك النماذج المنمطة  Stereo-Type للعالم الذاتى والخارجى هى التى تخلق ما اسيمه التلقائية المعقلنة Rational spontaneity او التلقئية العقلانية  Spontaneous rationalityفى التعامل مع الناس والاشياء فى العالم الخارجى على الخصوص. وتؤكد تلك النظريات على اهمية تكريس تلقائية معقلنة لدى الفرد المفرد. والاخيرة شئ اخر غير العقلانية المفكر فيها كاسلوب حياة وتبصر بالامور لغاية معرفة محددة. ذلك ان التلقائية المعقلنة  تسهل الحياة. ولمفهوم التلقائية العولمى ذاك ابعاد خطيرة ليس اخطرها سلب الفرد تلقائيته الفطرية بغاية احلال تلقائية بنبغى ان تخضع للعقلنة بحبث تتقبل ما يلقى عليها بلا مجادلة. ويسهل بتلك التلقائية الايحاء واستلاب ارادة الفرد امام غواية السوق وكل ما يناسب مصالح اصحاب المال وصولا الى تدمير المجتمع وخلق العداوة بين الاجيال ونشر الاباحية بانواعها الخ.  

ومن المهم قياسا التوقف عند التلقائية المعقلنة تلك بوصف انها ليست تلقائية فطرية وانما هى تلقائية برمجة العقل على التلقى بمناويل القبول والرفض اللذان يشارفان الميكانيكية العقلية او اللا عاطفية. وكان ذلك التلقى اتصل باكرا باستدعاء تنويعة بعينها من مفهوم “العقلانية” ثم “العقلانية الحديثة". واجادل ان العقلنة المفرغة من العاطفة لم تنفك ان باتت تنويع على البراجماتية وعلى مفهوم دارج للبيوريتانية-التطهرية بمعنى تنويع على التطرف- كان قد تحدر عن الحجاج ورفقاء سفرهم من الغرباء المهاجرين الى العالم الجديد ورجال الحدود Frontiers men -و هو مفهوم ادعى انه يصدر عن الفكر الاسبارطى لرسم الحدود وتوسيعها وحراستها بالسلاح اكثر منها بالقوانين المرعية-الى والمغامرين والمكتشفين والمبشرين وصولا الى نظائرهم ما بعد الحداثية من الجيوش المخصخصة وقوات الحراسة المرتزقة مثل سانت لاين ولبلاك ووترز مما قد ناقش بعد.

وازعم ان العقل الغربى وغير الغربى بالتماس كان قد درب على جعل قائمة بحسنات وسيئات ورقى وتدنى ورفعة وانحطاط وجمال وقبح ما يصادفه من الناس والاشياء فيقرر العقل او النفس او الشخصية على اساس حاصل طرح الثانية من الاولى بمعنى ان الاسود مثلا هو تعبير عما هو ليس موجود لانه ليس ابيض او ليس ابيض. والعكس صحيح فالابيض موجود ملئ العين والسمع لان كل شئ يعبر عنه ويعود اليه فهو خير قياسا على الاسود الى يبفى-استدلالا او استقراءا-مغيب وشرير. وتبقى تلك الثنائية مطلقة لا تقبل المجادلة حتى اليوم رغم اوباما وكولين باول وكونداليسا رايس وغيرهم وربما بسبب ذلك. ويقول بعض الناخبين حول رأيهم فى المرشحين الجمهوري والديمقراطي ان الواحد منهم لا يتصور اوباما جاره ويرتاد نفس الحان. ولعل تلك الثنائية تفسر كيف  ان الامريكى لا يفهم ولا يرغب فى فهم شئ مثير للجدل معقد او مركب وانما كل ما يريده حلولا سهلة لانعقد المسائل. وكأن الامريكان تنويع على الاثنيين فى القرن الخامس والرابع قبل الميلاد. فقد كان الاخيرون يرغبون عن جدل سقراط وارسطو ويعرضون عن كل ما يدفعهم الى المبالاة  وكان الاثينيون كما ذكرنا فى مكان اخر محبطين ولا وقت لديهم للتعاطى مع القضايا بيسر ناهيك عن الاسترسال فى الجدل. وربما كان الاثينيون حريون بان يكونوا أكثر ميلا الى الرواقيين والصوفيين الكلاسيكيين. ولعل امريكا فى حربها على العراق وافغانستان-و قد راحت تجتاج باكستان وتنوى المثل بايران والسودان الخ-لعلها تشارف اثينا فى حربها المستطيلة مع اسبارتا.

المهم بالعود الى الثنائية المطلقة بين الابيض والاسود تلك كقد كان بعض مفكرى حركة الاتحاد يقولون على عهد ماديسون ان لاصحاب العبيد فى الولايات الجنوبية اعتبار كل عبد بمثاية 3 اخماس رجل استرضاءا لاصحاب العبيد حتى يرفعوا اعدادهم فى الولايات الجنوبية. الا ان الولايات الشمالية احتجت قائلة كيف يكون العبد على اى نسبة بالرجل الابيض فهو ليس بشر وهو ليس عقار ايضا. وعليه فان كان عقار فان كل من يملك عقار يستحق ان يحسب عقاره لحساب الاعداد التى ياتى بها الى ووشنجتون عند تقدير اعتبارات الاتحاد فى 1787. ويلاحظ ان من شروط الاقتراع والترشيح ان يكون الفرد رجلا ابيض يملك عقارا. 

ولعل ذلك قد يفسر كيف ان علاقة الفرد العقلانى بهذا الوصف بغيره من الناس وو الاشياء محصلة عملية ذهنية لا واعية عقلانيا ولا تقربها العاطفة من بين يديها ولا من خلفها. فاللا عقلانية واللا عاطفية تملى على الفرد ما يفعل وما يترك بلا تردد وكأنه الة او-و على غرار ما يدرب الجنود لقتال الخصوم مما يؤلف المفهوم المعقلن للعلمانية خصما على التلقائية والفطرية.

تشكل قدرات العقل والمجتمع:
ربما كان مفيدا البدئ بمحاولة تعريفات اجرائية لمزيد من اهم مفردات او مصطلحات العقلانية كالعقل-الدولة-المجتمع الخ. وتحاول الدراسة تناول بعض تلك المفردات-من اسفل-فى السياق التاريخى للمفاهيم المحورية  للدراسة. ولعل التعريفات المحافظة لبعض تلك المفردات قد تقيض الوصول الى نقيص او الى تنويع اقل محافظة عليها فيما يلى:

-لا يستخدم هذا البحث مفردة او مفهوم العقل العربى تحديدا بالتعريف التشريحى الجينى الذي يستخدمه به بعض المفكرين والمثقفين العرب من حيث ان العقل العربى محمول على القصور بطبيعته او مجعول للتخلف جينيا عن العقل الغربى او تشريحيا على طريقة ما يسمى النظرية العنصرية العلميةٍScientific Racism او-و نظرية اليوجينية الامريكية American Eugenics .و كان باروخ سبينوزا 1632-1677 يقول بان العقل قوة شاملة جامعة وليست خصوصية ادمية. ويقول البعض ان العقل الفردى-اى كمياء الذهن اكثر منه المفهوم التشريحي للعقل او المكون العضوى للمخ بهذا الوصف- أن العقل الفردى كان عبر التاريخ البشرى قد اخذ يتشكل او تتألف مكوناته باساليب متغايرة ومختلفة من مجتمع الى اخر. فكمياء العقل الفردى تستجيب الى وتكون علاقات ووظائف تصدر عن المجتمع الذى ينتمى اليه الفرد. ذلك ان العقل الفردى بهذا الوصف مرآة او انطباعا لذلك المجتمع بالذات. ويبقى مثل ذلك الادعاء شئ وحقيقة ان العقل الانسانى لا يحقق قدراته كاملة ولا يشكل الحياة التى تخصه وتناسبه سوى عبر المجتمع شئ اخر.

وازعم ان القدرات العقلية ليست ذهنية او فكرية مطلقة وانما هى بيولوجية صحية ايضا وبقدر ما يملك الفرد من مقومات الجسم السليم بالتغذية والعناية والرعاية الصحية. وكنت قد شاركت كمشرف على ابحاث سوسيولوجية على سكان العاصمة السودانية المثلثة وبورت سودان عن  شركة مافيت لتخطيط مدينة الخرطوم وبورتسودان فى دراسة اثنوموغرافية أى دراسة السمات البدنية والصحية لعينات من اطفال الاحياء الفقيرة فى السودان بجامعة روما. كما شاركت عن كلية التربية فى جامعة ادواردو موندلانى بموزانبيق مع وزارة الصحة الموزنبيقية فى دراسة على اطفال المدارس الابتدائية الى الثانوية المختلطة بين ابناء الموزنبيقيين البيض والموزانبيقيين السود والملونين على مدى عام كامل.

وكانت النتيجة فى الحالتين ان الاطفال المفقرين الذين يعيشون رهناء الاخياء المفقرة البعيدة يعجزون نسبيا عن التحصيل بصورة جيدة مقارنة مع أقرانهم من الاحياء الافضل اقتصاديا واجتماعيا. وكان الاطفال الافقر الى ذلك اقل طولا وانحف بكثير من نظائرهم الموثرين وكان الاخيرون غالبا من البيض او-و الملونين انغال الاول. وقياسا كان الاطفال الموزنبيقيين البيض حريون بان يملكوا القدرة على التحصيل دراسيا بصورة افضل من نظائرهم السود. وكان بين السود اللذين ينتمون الى الطبقات الوسيطة او اللذين على حافة الاخيرة ويسكنون بالقرب من المدارس يملكون التحصيل بصورة افضل من السود المفقرين اللذين تبعد سكناهم عن المدارس. وابدى الاطفال الذين يسافرون مسافات طويلة الى المدرسة كل صباح على امعاء خاوية عدم قدرة على التركيز اثناء الدرس ولا يتعينون من ثم على تحصيل جيد وتقع درجاتهم فى اسفل قائمة النتائج الدراسية .

ولا توضع تلك الاعتبارات غالبا عند تصميم كل من اختبارات الذكاء ناهيك عن  المقررات المدرسية. ولا توضع فى الحساب عند منح الدرجات او-واصدار الاحكام على المفقرين ووصمهم بعدم القدرة العقلية او بضعفها وصولا حتى اليوم الى اتهامهم بالتخلف العقلى. وكان احد اساتذة علم النفس ممن عمل بافريقيا قال ان معدلات ذكاء الافارقة اقل من نظائرهم البيض وانهم يكتبون عند ركن ورقة الامتحان وبخط صغير لا يقرأ. وقد دمغ الاخير سكان قارة بكاملها بالغباء وبالتقتير فى استخدام ورق الكتابة بصورة مخلة. فما هى علاقة المجتمع الذى يعيش فيه القرد بقدرات الفرد العقلية والقدرة على التعلم فالتحصيل والابداع؟

العقل والدولة والمجتمع:
يقول بعض المتخصصين فى دراسة المخ-اكثر منه دراسة العقل- ان الفرد ولد  بطاقم قيم وتتصل تلك القيم بالمحيط الذى يوجد فيه الفرد اى فرد من الخبرة الجمعية المنظمة كالحب ابتداءا من الحب الامومى الى الحب الرومانسى والموسيقى والفن. ومن وظائف المخ الحصول على المعرفة. ويحصل المخ على تلك المعرفة مثلما تحصل اوراق الشجر على لونها بضوء الشمس او عدمه. وبالمقابل فان العقل محصلة تلك القيم التى يولد بها الفرد وتأثيرحاصل جمع العقل الجمعى والدولة بوصفها مصفاة عقلنة الافكار الجمعية فى شكل قوانين وبراديجمات للسلطة والفن والمسرح والانسان المطلق مثلما فعلت البروجوازية الصناعية اكثر من غيرها على حد قول بارثيز Barthes  .ويقول بعض الفلاسفة ان العقل الجمعى مؤلف من مجموع عقول الافراد المكونين للمجتمع. ويقولون ان الدولة حرية بان تغدو حاصل جمع تلك العقول او قد تعبر عن العقل الجمعى انتقائيا بالنتيجة بمعنى طبقيا بالضرورة.

وبما ان العقل الجمعى مؤتمم اومذرر او  مجزأ نوويا او فى جزئيات نووية atomized   بين الافراد المكونين للمجتمع فان الدولة بوصف انها قد تؤلف او تسعى لان تؤلف او تدعى بانها تؤلف حاصل جمع تلك الجزئيات فان الدولة  تغدو او تدعى انها تمثلا  لكافة الجزئيات وبالتالى للمجتمع.  وقياسا اذا كان المجتمع وحدة شاملة جامعة تعبر بدورها عن نفسها  بصورة متنوعة عبر حياة الافراد المكونين للمجتمع فان  المجتمع حري بان يشتمل pervades العقول الفردية.

ولعله وارد -بمعنى اخر-القول بانه قد يكون حقيقيا والامر كذلك انه ان يوجد الانسان فان الدولة تكون قد اوجدت نفسها وكانها تفعل ذلك بنفسها. على ان هذا المعنى الفلسفى الارسطى الهيجلى ربما اكثر منه الجدلى المادى التاريخى للدولة قد يصدر عن مفهوم مثل "ان الدولة ظاهرة طبيعية" او انها  تنامى-اى تطور ذاتى-او ثورة. او قد يصدر مفهوم الدولة عن ان الانسان اصلا لا يتحقق ضمنا بدون او خارج الدولة". ذلك ان "الدولة" حسب هذه الفلسفة "سابقة على الافراد". وهنا ينبغى التوقف عند مقولة قد تتبدى وكأنها كل الحقيقة فى حين انها بعض من الحقيقة المتصلة بكينونة الدولة بالنظر الى الافراد والمجتمع. ذلك ان الطروحات تختلف اختلافا عاليا وواسعا حول ما اذا كانت الدولة سابقة على الافراد. وبدون الدخول فى تفاصيل ايهما اسبق يحق  التنبه على طبيعة الدولة من حيث اى دولة تلك التى يتم الحديث عنها؟

فالماركسية تقول بان الدولة لا تنشأ الا اذا تعين للافراد المؤلفين لجماعة ما ان ينفرزوا بين مالكين وغير مالكين. فما ان تنشأ الملكية الخاصة-او الجماعية التى تدعى او تملك الوكالة عن المجتمع فى تقسيم الثروة مما يناط بفئة اجتماعية اقتصادية ممتازة من بين جماعات محتمعية فان فكرة الدولة بوصفها منظمة لعلاقات الملكية ومن ثم  علاقات الانتاج تبدأ بالنشوء. وتقول الماركسية ان زوال الدولة-كونها تعبير عن وتكريس لمصالح طبقة خصما على طبقة اخرى-يبشر بالاشتراكية كمرحلة متقدمة على البرجوازية الصناعية ومن شأنها التمهيد للاشتراكية وصولا  الى الشيوعية( افتراضا).

ومن المفيد تذكر انه حين كادت الدولة البرجوازية الصناعية الايطالية توشك على الافول لحساب الطبقة العاملة الايطالية لم تلبث اوربا ان هبت عن بكرة ابيها لاعادة انتاج دولة رأس المال خصما على البروليتاريا وسجن ثم نفى جرامشى-وقد بشر بذلك الفجر الذى لم يقيض له الانبلاج بصورة ساطعة-الى الاتحاد السوفيتى. وقياسا يقول المفهوم الفلسفى المحض-الذى لنا ان نأخذ به او لا نأخذ به-ان الدولة تخلق صلة وتعلقا لدى الفرد تغدو اقوى من صله الفرد او تعلقه-اللاواعى او الواعى-باسرته. فذلك التعلق خليق بان يبدو او يغدو اقوى وابعد من صلة الفرد وتعلقه بالاسرة  او الشراكة الجمعية . ذلك ان ليس ثمة سلطة اخرى تعلو على سلطة الدولة على الفرد. وكأن ذلك التعريف يلغى تاريخ الغرب السابق على الرأسمالية بكامله الغاءا. 

هذا وقد بات هذا المفهوم بائرا ما ان بترت علاقة الفرد بالدولة فلم يعد للفرد صلة بالدولة الا ما خلا دفع ضرائبه وقد راح الفرد يفعل كل ما فى وسعه حتى تتركه الدولة وشأنه مثلما فى الولايات المتحدة وبريطانيا حيثما قلصت الرساميل المالية ما بعد الصناعية فضاءات الدولة وحركتها وسيادتها. ولم تعد تلك الرساميل تترك للدولة التدخل لمصلحة اى جهه سوى مصلحة الرساميل عابرة الحدود وتوفير شرط حركة المال والمراكمة الرأسمالية ما بعد الصناعية. وكانت "شرطييات رأس المال المذكور فرض ما سمي ب"الطبيع"  Liberalisation ومعناه رفع كافة القوانين المقيدة  لحرك المال وتوفير الامتيازات للرساميل الاجنبية او ما يسمى بالاستثمارات الخارجية خصما على رأس المال الوطنى ورفع الدعم على السلع والخدمات العامة وتقييد حركة ماعداه وكسر ظهر الحركات المطلبية الخ. وقد اطلق على التطبيع بعد ان انكسر السر صفة التحديث Modernisation ومفاده كل ما ذكر اعلاه زيادة على توفير العمال بغاية تخفيض سعر تكلفة السلعة.

ولم ينفك دور الدولة ان بات حماية اصحاب المال من مغبة مغامرتهم المدمرة للاقتصاد غالبا. ونرى ذلك فيما نرى فى كيف تضمن الدولة-البنك المركزى الوطنى-المصارف المشرفة على الافلاس نهاية صيف الى خريف 2007 جراء ما يسمى بازمة سوق الائتمان العقارى. واذا لم تفعل الدولة ذلك -كما اتهمت دولة ايسلاندا بانها دولة ارهابية.  فكيف باتت الدولة خادمة بعد أن كانت ملهمة ومصدر كينونة الفرد والمجاميع المؤلفة للدولة فى علاقة جدلية مبدعة-مبنى للمجهول-بتلك الكلانية Totality  الاجتماعية. فهل تبقى الدولة-اكثر ابداعا من أى فرد وأى جماعة مكونة لها؟ ومن الذى ورث مكان الدولة فراح يدعى ابداعات من عداه؟ من الذى تعين على نفى تلك الابداعات خارج الزمان والمكان واوقع باصحابها الاصليين غالبا عقوبة تشارف الحكم بالاعدام المدنى؟

الدولة ونفعية الاولبجالاكبات الصفووبة:
ازعم ان الدولة تستقطب-نيابة عن الطبقات الحاكمة-الابداعات الفردية وبخاصة الشعبية حتى تبقى الدولة على قدرتها التى هى تعبير عن وحاصل جمع القدرات المجتمعية فى الزمكان. واجادل ثساشا أن الدولة كانت حرية بان تتعين على احتكار فتدعى الحق فى ان تنسب الى نفسها وتستعير انتقائيا بالطبع وتستغل لصالحها كل ابداع فردى او شعبى وتدعيه وتفيد منه انتقائيا بالطبع وتضيف به عقلانيا الى قدراتها الابداعية لحساب جماعات بعنها وخصما على جماعات اخرى فى المقياس المدرج. وكان الافراد والجماعات-المؤلفة للدولة او تلك الكيانات التى باتت تفوق الدولة وتتجاوزها مثل الشركات عابرة الجنسيات قد تعنيت على السيطرة على الابداعات الفردية والجميعة واحتكارها-أو-و تحريم تلك الابداعات على اصحابها. فقد تعين المحافظون الجدد والليبراليون الجدد وتنويعات من الاسلام السياسى مثلا على انتحال وادعاء ابداعات الناس التنظيمية وملامح من ابداعاتهم الفكرية ثم لم ينفكوا ان حرموها عقلانيا على اصحابها مثلما تفعل الشركات عابرة  الجنسيات بالحكمة الشعبية من الفنون والطب البلدى والبذور وغيره مما راكم معرفته مجاميع الناس العاديين فى كل مكان على مر الاف السنين.

وتقول تقارير حديثة ان الافارقة فقدوا كغيرهم من معظم سكان العوالم الثالثة والرابعة والعصر حجرية  خبرتهم الشعبية جراء العون الغذائى والتصحر والنزوح العنيف والايدز فلم يعد الفولكلور ينتقل من اب الى ابن ومن ام الى ابنة ولم يعد الصغار يعرفون ما يفعلون لعضة الثعبان او لثغة العقرب ولا نوع النبات الذى ينبت فى الصيف او فى الربيع ولا كيف يقلبون التربة دون ان يفسدوا الحياة التى بالارض. وهكذا ترك الافريقيون بلا حكمة شعبية تعصمهم مما كان قد عصم ابائهم واسلافهم على مر الاف السنين. وتعود الشركات عابرة الجنيسات فتحرم ما بقى للشعوب من الفنون الشعبية والبذور المعدة بخبرة تلك الشعوب الخ وتبيعها لهم مغلفة معلبة باسعار باهظة. وتتعين تلك الكيانات الفائقة على الدولة وعلى المجاميع المحكومة على شراء ابداعات اخرى لتدمرها عقلانيا ايضا وذلك لاستباق استخدام مخترعيها لها فلا يقيض لهم شرط نضوج الوعى وصولا الى النشوء صاعدين تنظيما وفكريا الى تنويعة اعلى على انفسهم. ذلك ان مثل تلك الاختراعات قد تعبر عن نفسها يوصفها زائدة عن حاجة المراكمة الرأسمالية عقلانيا لان من شأنها ان تتناقض وشرط المراكمة الرأسمالية والعكس صحيح. فكل ما يتناقض وشرط المراكمة الرأسمالية زائد عن حاجة الاخيرة عقلانيا كما يتناقض كل ما هو زائد عن حاجة المراكمة الرأسمالية ومصالح الاوليجاركيات البيضاء خاصة.

وقياسا وحتى يتسنى للدولة او من بمقام الدولة من الصفوات الاوليجاريكية مرة او-و من الدول المانحة هذا الحصاد الفردى والجمعى من الابداع فانه يتعين عليها ان تبقى وتحافظ  على شروط القدرة المبدعة فى والمبدعة بما حولها مما ينتجه الافراد والجماعات من داخل شرائح الدولة نفسها ومن دونها ومن خارجها. وقد تتعين الدولة او من يقوم مقامها من الاورليجاكريات المذكورة على ارساء تقاليد تربوية تحرم على العامة الخلق  الابداع وتنمنعه او-و تصارد الدولة والاوبيجاركيات الابداعات الفردية والجمعية. فليس واردا ان يترك للناس هامشا للابداع حتى لا يستقوون بابداعاتهم على الدولة والاوليجاركيات. 

عقلانية الأخذ عن المبدعين ومصادرة الابداع:
لعله من المفيد تذكر انه رغم تحكم الدولة والاوليجاريكيات فى الابداع ومن يبدع ومن تصادر امكاناته الابداعية بالتضور والترويع ونفى شرط الابداع اصلا بين من لا تستحب الدولة والاوليجاركيات الا ان الدول والاوليجاركيات تبقى مع ذلك وتحافظ على تجدد وتنوع شرط الابداع الفردى والجمعى حتى تأخذ عن الاخير. فالابداع الفردى والجمعى يوفر للدولة او من بمقام الدولة كالصفوات الاوليجاريكية ان تعيد انتاج نفسها بتلك القدرات الجماعيه والفردية. ومن المفيد ملاحظة كيف ما تنفك الدولة ان تدعى تلك الابداعات انتقائيا وعقلانيا بالطبع خصما على المبدعين من الشرائح الدنيا وعلى حكمتهم الشعبية مما كانوا قد راكموا على مر الاف السنين. وتدرك  الطبقات الحاكمة ان قدرات الشعوب الابداعية محصلة الحركات الشعبية التى تشعلها الشعوب فى مناويل دورية مما لا يكاد يقيض له النجاح.

ولا تصادر الطبقات الحاكمة تلك الحركات عقلانيا للحفاظ على مصالحها ومكانتها وامتيازاتها هى وحسب وانما لان الطبقات الحاكمة كانت وبقيت تدرك على مر التاريخ أن الحركات والثورات الشعبية قمينة بان تخلق شرط نضوج ابداعات شعبية اكبر واوسع. وقياسا فلا ينبغى ان  يقيض للحركات الشعبية النجاح فلا تجتاح كل شئ فى طريقها ابدا. ويلاحظ ان الدولة تعود احيانا فتقتسم اقتدارها الذى تكون قد ادعته بكامل الابداعات الشعبية والفردية مع بعض الافراد ممن يكونون شرائحها وتشكيلاتها وبعض اعضاء الدوائر الخارجية لدائرة السلطة الداخلية الضيقة. فقدره الدولة على تقاسم الابداع مع الشرائح المذكورة-من نصراءها وحلفائها والاوليجاريكيات المنتفعة بها-تعود فتاخذ بدورها عن هؤلاء الافراد والشرائح والتشكيلات مما يغنى ويضاعف من قوة الدولة-و من يقوم مقامها بصورة غير معلنة من الاوليجاركيات-مما يقيض علو الاخيرة  على غيرها من الافراد والجماعات بالنتيجة. وكانت الصفوات الاوليجاركية قد تعينت على مر التاريخ على استلاب تلك المجاميع كرها فيها وتربصا بها.

و يلاحظ الناس على مر التاريخ ان الصفووات الاوليجاركية كانت قد اسقطت على العامة والدهماء صفة القصور عن الابداع. بل ازعم ان الاوليجاركية من شأنها ان تصادر امكانات وشرط ابداع غير اعضاءها او-و تدعي ابداعات من عداها ما ان تظهر مواهب ابداعية بين افراد او مجاميع الناس العاديين. واجادل ان توفير شرط ابداعات الناس العاديين كان حريا من وجهة نظر الصفوات الاوليجاركية ان يكشف المستور والمسكوت عنه دائما. وبالمقابل تقيض مصادرة ابداعات كل من عدى الصفوات الاوليجاريكية نكريس قصور تلك التراكمات العددية فهى قاصرة بل معوقة ذهنيا فزائدة عن الحاجة. فقد بقى اوليجاريكيو البندقية مثلا  يكرسون احبولة ان "الرب يختار من يخلع عليه رحمته ورضاه عشوائيا ومن ثم فان من لا يستحق فجزاه النقمة وعدم رضى الرب". فالرب يخسف بغير المبدع اسفل سافلين. وقد اخذت البروتستانتية-التى هى نتاج البندقية-و تنويعاتها المعاصرة-بتلك الاحابيل وكرستها بدورها حتى اليوم.

وتتعين الدولة بالضرورة على تحييد كل ما من شأنه ان ينال من الطبيعة التى قررتها لنفسها او الاحرى قررها اصحاب المصالح المعبر عنها فى تلك الدولة وبخاصة الصفوات الاوليجاركية. هذا وقد بقيت الدولة-و الصفوات الاوليجاركية-تأخذ عن معارضيها ولو لمحض استباق نضوج وعى المعارضة او القضاء على زعاماتها- وتنسب ابداعاتهم لشرائح السلطة القائمة-للدولة-اى لخصوم تلك المعارضة سواء كانت فردية او شعبية. والى ذلك فقد كان الملوك والامراء والصفوات الاوليجاريكية تستقطب خصومها-عقلانيا او-و تستميل من ينتقدونها على مر التاريخ او-و تقضى عليهم بالاعدام المدنى او البدنى كما يلا حظ الناس فى كل مكان وزمان.

ومع ذلك وربما بسببه تبقى الدولة-من تلك الجماعات المعارضة من الشعوب المحكومة وبها –تبقى الدولة بهذا الوصف تعبير عن عملية فهى ليست موجودا مسمطا ناجزا. اى ان الدولة هى عملية  process  فى متصل   continuum رائح غاد بين كينونتها هى-بغض النظر عن طبيعة هذه الكينونة -و بين الافراد والجماعات المؤلفة والخاضعة والمعارضة او المقاومة لها. وكأن الدولة كما ذكرنا شارطة بهذا الوصف لحياة الانسان. ذلك ان حياة الانسان وفقا لمقولة ما لا تتأتى  ولا تكون ماهى عليه ولا تحقق حياة الفرد سوى من خلال وحياة الدولة نفسها او من يقوم مقام الدولة او يؤدى دورها من ثم. على انه من المفيد فورا تذكر ان معظم الحقائق المذكورة اعلاه بشأن الدولة والمجتمع والصفوات الاوليجاركية وغيرها من شرائح السلطة بهذا الوصف تبقى-عقلانيا-مسكوت عنها. فتعريف الدولة وشرائح السلطة وبخاصة الاوليجاركيات الصفووية بقيت متستر عليها وراء اساطير تنسج حول مفهوم السلطة وسفر تكوينها حتى ان بعض تنويعات الاخيرة كانت وبقيت لوقت طويل تنسب منذ ازمنة سحيقة الى الرب والالهة والكواكب والاقمار والشموش خصما على المحكومين والشعوب ومعارضة السلطة القائمة.

على ان الرأسمالية ما بعد الصناعية وقد راحت تعصف بالمقدسات وتطيح بكل ما هو جليل ومبجل فى حياة الفرد لم تلبث ان اوهمت الفرد الغربى عقلانيا اى مخاتلة بانه هو محور الكون وراحت تحرره من كل شئ بما فى ذلك الولاء لنفسه ذاتها. ولعل عصر الانا كوظيفة ينشأ تباعا بين عامة غوغاء دهماء انجلترا مثلا جراء موت الوطنية والرب وبوار مفهومات الوطن والقومية والوفاء والاسرة الخ. وقد اعتبرت الاخيرة امراض متوطنة فى الفرد ينبغى التخلص منها تحريرا للفرد من  الذاكرة ومن كل ما يسوقه الى الرنو الى الماضى والذكريات الخ حتى يتكيف مع مجتمع الفرص والخيارات تكاذبا ويتفرغ للاستهلاك فانعاش الاقتصاد وعبادة السوق والمال والسعى الى نجاح موهوم والى الشهرة. وينبغي تذكر ان تلك الاحبولة تصدر عن اسطورة تفريد الفرد والحرية الفردية التى لا تزيد عن جحيم الحياة والموت وحيدا الا بقدر ما تزدحم حياته بمقتوات لا قيمة لها حيث يغدو لكل شئ ثمن ولا قيمة لشئ.   

عقلانية مضاهات تطور الحكام ونكوص المحكومين:
يميل التحليل الاجتماعى الاقتصادي العقلانى غالبا الى المضاهات بين  تطور الحكام والصفوات السلطوية وتطور المجتمع بدون تحليل نكوص المحكومين الا بقدر ما ينسب ذلك النكوص الى قصور المحكومين. ويصادر مثل ذلك التحليل على مطلوب حقيقة التمايز طبقى وعلى  شرط تطور الطبقات المحكومة.  ذلك ان حقيقة نمو الطبقات الحاكمة والصفوات السلطوية يخصم على شرط نمو المحكومين. فنمو الاول بثمن تخلف المحكومين. ويمكن عقد قياس بين تطور الحكام والصفوات السلطوية قياسا على تخلف المحكومين بتطور المجتمعات الصناعية الغنية وجمود المجتمعات المسماة نامية. ولا يلاحظ او ربما يتغافل مثل ذلك التحليل عن كون الطبقات الحاكمة والصفوات السلطوية تكاد فى المجتمعات المفقرة تشارف بل يصبو معظمها ويتماهى مع وغالبا ما يمكن مضاهاته-فى سياق الرأسمالية ما بعد الصناعية-العولمة-على الخصوص-مع نظائر فى المجتمعات الغنية من حكام الاخيرة وطبقاتها المتوسطة.

و أجادل ان اكثر ما يدلل على تلك المشارفة هو وصول اقليات عولمية فى كل مكان الى سدة السلطة خصما على المحكومين فى المقياس المدرج فى كل مكان. وقياسا ربما امكن الزعم بان ثمة اكثر من تحولات مرحلية فى كل نمط انتاج وتعبر عن نفسها بهذا الوصف. وبمعنى اخر ربما كان ما ينسب الى  مراحل الانتاج من تطور ونشوء قد لا يزيد عن تطور وسائل الانتاج ونمو الطبقات الحاكمة والصفوات العولمية بالنتيجة. ذلك ان الاخيرين يمأسسون انفسهم عقلانيا فوق نتاج او محصلة تقدم وسائل الانتاج معبر عنها فى مزيد من الربح والفائدة خصما على العمل الحى.

واجادل تباعا ان الاخير كان قد تدهور ويتدهور تباعا اقتصاديا فى تناسب عكسى مع تطور وسائل الانتاج. ذلك ان مرحلة التطور الاقتصادية الاجتماعية قد لا تزيد غالبا عن "تحور" Mutate  مرحلة تطور على نفسها لا اكثر. ومما قد يؤكد ذلك انه كلما تقدمت وسائل الانتاج كلما تدنت علاقات الانتاج والملكية مما يتمثل اكثر ما يتمثل فى الرأسمالية ما بعد الصناعية -العولمة. وربما كان مفيدا تأمل أنماط الانتاج المذكورة فى اللوحة الماركسية الخماسية بوصفها قد لا تزيد عن سجل تاريخ تطور ونشوء الطبقات الحاكمة من سادة العبيد الى اقطاعيين وصولا الى رأسماليين. ولا يتغير ذلك التاريخ الا عندما تنضج الطبقة العاملة لتطيح بالرأسمالية مما لم يحدث بعد. ويبقى المحكومون طبقا لذلك عبيد بمسميات مختلفة وبالالوان الطبيعة او باثمال بالية ما بين اقنان الى حرفيين فعمال مهرة أو غير مهرة سابقين على العمال الصناعيين أو من العمال الصناعيين وصولا الى ما يشارف القنانة الصناعية والعبودية ما بعد الصناعية او العولمية. واجادل ان قسمات الاسترقاق حرية بان تبقى متمثلة بهذا الوصف فى بعد عبودى أو قنى راسبا عنيدا فى مراحل الانتاج قاطبة الا ما خلا الاشتراكية التى لم يقيض لشروطها النضوج بصورة كافية يوما. وقد استقطب العمل الحى فى امتدادات المحأور المتربوليتانية الصناعية طويلا فى صفوف العمل العبودى القنى الخ. ولم ينفك ذلك الاستقطاب ان شمل عمل المرأة فى البيت وخارجه باسم تمكين المرأة "مساواتها" بالرجل. فما هو سفر تكوين الابقاء عل المحكومين هكذا على مر التاريخ؟ وكيف يتأتى خلق شرط الابقائ على المحكومين مفقرين فى المقياس المدرج؟ 

عقلانية التراتب وكراهية البشر وابلسة الشعوب:
اجادل أن سفر تكوين ميل الرأسمالية الى توريط الناس العاديين الفلاحين العامة الدهماء  فيما يوردهم موارد الافلاس والدمار بالمديونية الريفية والحروب والتعين على خلق شرط افلاسهم مجددا بالسوبر ماريكتات التى احتكرت تجارة الجملة فى السلع الزراعية خصما على منتجيها وقضت المنافسة فى تجارة تلك السلع وعلى البقالين الصغار الخ ليس سوى تمثلا لانتشار عرض على الاقل من اعراض عقلانية اليأس من صلاح البشر وكراهية الشعوب Sinicism بين اعراب الشتات وتنويعاتهم وصولا الى الرأسماليين الماليين ما بعد الصناعيين والصهاينة الجدد. وتبلغ قمة كراهية الصهيونية للشعوب فى مقت الصهيونية للاشتراكية وكل شكل من اشكال اعادة التوزيع. ذلك ان الصهاينة يرون ان كل من عداهم دونهم لا يستحق من ثم سوى التنكيل والعقاب على كونه ما هو عليه وقياسا لا حق له فى حصة من اعادة توزيع مهما كان التوزيع فارقا.

ويشعل الصهاينة الشعوب بانفسها بالمديونية وبترويع الشعوب باشاعة الخوف بينها واشاعة الحروب واثارة الشائعات ولا يعدم بعضهم نشر الاوبئة-الغريبة غير القابلة للتعرف على اصلها ولا على ما تحمله من ميكروبات او فيروسات مما لا قبل للانسان به. فقد لا يملك لانسان مناعة ازائها مثل انفوينزا الخنازير التى يقول بعض المحللين الثلاثاء 28 ابريل 2009 انه من المحتمل ان تكون من صنع الانسان Man made . ويترك الصهاينة للحكومات ان تواجه شعوبها لتتعين على سحقها فى المقياس المددرج كلما رفعت الشعوب رأسها لتفكر لنفسها او تنظم نفسها. الا ان الحكومات وحتى الاولجاريكيات الرأسمالية المالية تحتاج الشعوب لانتاج الفائض واعادة انتاج المجتمع مما يقيض المراكمة بالربح والربا بالمديونية. واجادل أن سفر تكوين الميل الرأسمالي لحض الناس على الاستدانة وتوريطهم  فيما يوردهم مورد الافلاس والدمار ليس سوى تمثلا لانتشار عرض من اعراض ما يشارف كراهية البشر بين اعراب الشتات مما اصاب الغربيين بفيروس المديونية المهلكة. وازعم ان كراهية البشر تصدرعن عقلانية ممعنة متأصلة لا تزيد او تقل عن المخاتلة بقول انصاف الحقائق فى افضل الشروط كون ذلك من التقوى ومن ايمان اعراب الشتات. فلهم ان يكذبوا على اى كان الا بعضهم باى لغة سوى لغتهم هم. كما اكون قد ذكرت فى مكان اخر.

و يلاحظ الناس فى كل مكان كيف ان اعراض أو الاصابة بفيروس عقلانية الرأسمالية ما بعد الصناعة-العولمة-كونه عدوى من أعراب الشتات-يتمثل فى اكثر صوره تعبيرا فى لا مبالاة اعراب الشتات بما يحيق بالبشر بل العكس يشوق بعضهم ايصال الانسانية ( غير البيضاء تكتيكيا على الاكثر) الى العبودية فحافة التهلكة. وتفتضج كراهية الرأسمالية المالية للبشر فى طبيعة رأس المال الربوى وفى حقيقة رأسماليين يراكمون بلا رأس مال تنويعا على وكونهم احفاد اعراب الشتات.

و فى علاقة جدلية شديدة التركيب بهذا الوصف يسعى الحكام وحلفائهم الى قمع الشعوب فيما تنزع الاخيرة الى الانعتاق على مر التاريخ. وتجد السلطة القائمة وحلفائها نفسها مدفوعة فى منواويل تكرارية الى تسول عون الشعوب على ضوائقها المالية وأزماتها العسكرية مثلما فى الولايات المتحدة ابان ازمة انهيار اسواق الائتمان العقارى ما بين صيف 2007 وخريف 2008 وتباعا. فقد راحت الادارة الامريكية 43 والحكومة البريطانية ومعظم الحكومات اوربية تتسول الشعوب ان تضمن المصارف الهالكة. وتشترى الحكومات بمال دافع الضريبة-المفقر جراء الازمة وقبلها وتباعا-والذى تذرى به الحكومات فى المقياس المدرج والاوليجاركيات المالية باطلاق-تشترى ما يسمى الاسهم والسندات  السامة والديون الهالكة. وقد زوقت مخاتلة الشعوب بوعود غير قابلة للتحقق اقتصاديا بلغة القة برع ويبرع فيها حلفاء تلك الحكومات وسدنتهم على مر التاريخ. ويحكم مثل ذلك السيناريو شرط استعباد الشعوب مجددا فى كل مكان. 

وكان احبار واسباط اعراب الشتات وما يبرحون اشد كرها لعامة شعوب المجتمعات التى تستضيفهم ويتاجرون ويتبادلون معها او-و يجاورونها كما لم يكونوا يستحبون شعوبهم منذ ان طلب موسى من يهوا ان يمنحه شعبا افضل من بنى اسرائيل. وحيث يذكر ان انبيائهم واحبارهم اسباطهم وقضاتهم خرجوا ومعهم عامة شعوبهم مثلما فعل موسى الافتراضى عند الخروج الافتراضي من مصر اوميصرما يبالغ فى اعداد ذلك الشعب. فيقال انهم كانوا 600 الف رجل. فاذا كان عدد الرجال اللذين خرجوا من مصر مع موسى 600 الف رجل فان ذلك يعنى ان اللذين خرجوا مع موسى بعائلاتهم 4 ملاينن اسرائيلي. ذلك ان اجفاد موسى وغيره من انبياء الاصحاح القديم عن استعداء والمقايضة ليهم مثلما يفعلون حتى اليوم ان لزم وكلما لزم. وتفعل بضا لحكومات العربةالمثل حيت تبالغ فىاعداد السكان وراء قروض صنوق النقد الدولي.

تنويعات يونانية على كراهية الشعوب
لعل اعراب الشتات اخذوا عن او اثروا فى اليونان. وكانت افكار ارسطو قد سوغت النمط العبودى والربا. وكان ارسطو يرفض فكرة ان الله خلق الانسان على شاكلته وان لكل انسان روح لان ما عدى ذلك من شأنه ان يقف عائقا فى سبيل التمايز بين الناس فينتفى من ثم حلول شرط العبودية. وتتعين العبودية على خلق شرط سيرورة العبد قابلا للاستغناء عنه طالما لم يبق فيه رمق فيما تسوغ العبودية انهاكه حتى الموت فتلك هى مهمته. فالعبد محض الة بشرية بالكاد. وحيث قال ارسطو بالربا مما من شانه خلق شرط اتناج واعادة انتاج العبودية فقد كان الربا حريا بان يدفع الناس للاعتماد على المال بدلا من التعامل فيما بينهم بالانتاج السلعى والتوزيع والتبادل واعادة الانتاج. فالربا يخصم على العلاقات الانسانية.  

وكان الاوليجاركيون الاثنيون يقولون ان حروب طروادة من شأنها ازاحة حمولة البشرية الزائدة من فوق صدر امنا الارض. وكان الاثينيون يخشون مغبة التكنولوجيا من حيث انها قد تيسر حراك العامة. وكان الرومان يحرمون على الحرفيين الصغار والعامة تطوير ادواتهم حتى لا يؤدى ذلك الى حراكهم الى اعلى. وقد تمأسست اوليجاركيات-"علمانية" افتراضا-فى البندقية على مقولات اخذت بالرق المنقول والربا وتمأسست فوقهما. وحيث تتعين الاوليجاركية على تكريس المراكمة بالربا وبخالص العمل العبودى المنقول لا يعرف الاوليجاركيون عن الثروة سوى انها ممثلة للمال وفيه.  فالاوليجاركية تتوجس من الانتاج السلعى وقياسا فان تدهور قطاع الانتاج السلعى ان انتهى الى الجمود فان تطور التقنية حرى بان ينتفى بدوره او-يصدر الانتاج السلعى عقلانيا الى الهوامش بعلاقات عمل عبودية كما فى الهند والصين والفليبين والبرازيل وفى مناطق التجارة الحرة Free trade Zones(FTZs) ومناطق ضمان او التحكم فى الجودة الصناعية الكويز QUIZ فى معظم المجتمعات العربية. 

ذلك ان الاوليجاركية تتعين على الابقاء على العمل الحى فى مصاف الرق وقد بقى الرق كامنا فى مسام المجتمعات المضيفة لاعراب الشتات على مر العصور رغم اللوحة الخماسية. فان نشأت المجتمعات الغربية من العبودية الى ما يسمى بالاقطاع الغربى قياسا على الاقطاع الشرقى لم يزد القن على رقيق منقول مع الارض بدلا من ان ينقل مع سيد او صاحب العبد. وازعم ان الاوليجاركية تعينت على تكريس الرق فى كافة انماط الانتاج بتنويع الرق والقنانة على بعضهما وصولا الى المجتمعات الصناعية فقد كان الرق بتنويعاته: -اما يصدر الى امتدادات المجتمعات الصناعية بما يسمى تقسيم العمل الدولى. واجادل ان تقسيم العمل الدولى ليس سوى تنويع على القنانة وتكريس الاقطاع حتى نهاية البرجوازية الصناعية. وقياس بات تقسيم العمل الدولى تنويع مجدد على الرق فيما بقيت نظريات التطور الاجتماعى تدعى ان مراحل تطور المحتمع تصدر عن نشوء المجتمع صاعدا فى اللوحة الماركسية  الخماسية الذى صادرت الرأسمالية المالية واقتصاد السوق على مطلوبه أو –و فيما يسمى نموذج التنمية الامريكى الذى يخادلع المجتمعات المسماة نامية منذ الحرب ا لعالمية الثانية.

-هذا وقد غدت القنانة بالالوان الطبيعية فى المتروبوليتانات نفسها تصدر عن الانتاج السلعى بالتعنيت conveyor belt  أو-و بالقطعة المجتزأة من السلعة-فلم تلبث  ان باتت تشارف العبودية على سير الانتاج المتحرك اى بالوقت والحركة مما عبر عنه شارلى شابلين فى فيلمه تدفق الذهب Gold Rush .

-القنانة التكنولويجية فيما اسميه انتاج الكوخ الاليكترونى Electronic Cottage Production . وهو قياس على انتاج الكوخ الاقطاعى السابق على البرجوازية الصناعية مع استخدام وسائل انتاج متقدمة.

فقد ابدعت الرأسمالية ما بعد الصناعية-المالية-اى ما يمكن تعريفه بالرأسمالية الفائقة Super Capitalism او رأسمالية الفقاعات Bubbles; Capitalism بالاحرى حين حولت المال من ذيل المراكمة الصناعية الى مقدمة المراكمة المالبة وتفوقا على ما عدى رأس المال السلعى  ومزيد منه. فحيث كان المال يمول عمليات الانتاج السلعى فقد بات يراكم خصما على الاخير.

وقياسا فبركت الرأسمالية الفائقة بهذا الوصف علاقات انتاج تشارف القنانة والعبودية حيث خلقت شرط انتفال المصنع والانتاج اسلعى وتصدير العمل Out sourcing والى الخارج المفقر مما يفاقم افقار الاخير او-و يخلق بؤرا معزولة من العمل الماهر خصما على غالبية العمالة فى تلك الممجتمعات. وقد تركت عمليات تصدير فرص العمل خارجا المجتمعات الغنية التخصص فى صناعة الخدمات فيما يشارف تنويع مجدد على تقسيم العمل الدولى. وتتلفت المجتمعات الغنية اليوم وبعد انهيار اسواق الائتمان العقارى وما تبعه من ازمة المصارف الاستثمارية وسوق المال  فى امريكا وما عداها بالتماس ترك تلك الدول تتلفت باحثة عن الانتاج والاقتصاد الحقيقى الذى كان يعصمها قبل ان تتخصص فى الخدمات وبيع المال كسلعة دون ان يتج سلعة واحدة.

هذا وقد ادى تخصص المجتمعات الغنية فى صناعة الخدمات بالتقدم العلمى مطبقا على وسائل الانتاج الى نشوء ظاهرة ما اسميه انتاج الكوخ الاليكترونى Electronic Cottage Industry. وقد اعاد انتاج الكوخ الاليكترونى تنويع على القنانة التكنولوجية بعلاقات انتاج اواحادية لا رب عمل لها. فالفرد وهو هنا رب عمله متفردا فى بيداء وحدته الانتاجية فلا علاقة له برب عمل ولا بالدولة الا بقدر ما تراقبه الاخيرة وتضبط حركاته وتستلب فائض عمله ضرائبا. فلماذا تتطير الرأسمالية المالية بتنويعاتها من العمل الحى Living Labour ؟ وماهو سفر تكوين تسويغ استلاب العمل الحر حتى الابادة؟ 

1-عقلانية التنوير وكراهية الشعوب:
كان ما يسمى بالاليميناطي Eliminate -وهو تعبير نشأء ابان ما يسمى ب"التنوير". ويأتى من الفعل ينور To illuminate  --قد انتشر فى  القرن الثامن عشر. وتعنى مفردة اليميناطى الصفوات الفكرية الممتازة من الفلاسفة والمبدعين الذين تضيئ عقولهم العالم الغربى بالطبع. والاليميناطى مفهوم من طبعه افتراض او خلق شرط خصم مثوله-مثله مثل شرط مثول طبقة الشعب-على من عدى الصفوويين-اى على العامة الدهماء الغوغاء واحيانا الغويم تضيمنا كون العامة ضعاف الايمان ويشارفون الكفر بالهة الاليميناطى الصفووية مثلهم. ويأتى من مفردة الاليميناطى تخريج يشير الى او-و يعرف الانتليجينسيا دون اعلان ذلك-كونها-مثلها مثل "طبقة الشعب"-اكبر كاره للشعوب. فهى طبقة تعينت منذ بدئ التاريخ على الاستهذاء بعامة الناس واليأس من صلاح البشر حتى الذراية Cynics فكلاهما- الانتليجينسيا و"طبقة الشعب"-تملكان غالبا اخفاء ذرايتهما للشعوب رغم وبسبب كون الشعوب مصدر الثروة مرة ومرة لان الشعوب ما تنفك تطالب منواليا باحقيتها فى عدالة توزيعية وفى الثروة والسلطة على مر التاريخ.  الا ان الانتليجينسيا-و لم يكن واردا يوما ان تملك بالضرورة او تغدو صاحبة رأس مال مالى قياسا على "طبقة الشعب" صاحبة رأس المال الربوى المعتبر على مر التاريخ فان الانتليجينسيا تبقى اكثر تساررا على ما تخفى بل قد تدعى تمثيل الشعوب الا انها فى طويتها تتستر على الاستهذاء بالشعوب ويأس من صلاحها بوصف ان الانتلجينسا تويع على كارهى البشر بل قد يتخرج معظمهم من اكاديميات االرأسمالية والاوليجاركيات الصفووية. وتبادل الشعوب بدورها الانتليجينسا وبخاصة الصفوات البلاطية منها الكراهية. فقد بقى مفهوم الانتلجينسيا يستدعى بدوره كراهية اعضاء الطبقات الحاكمة المعلنة وريبة الطبقات الشعبية الكامنة فى كل من التاريخ الرسمى والمسكوت عنه في الذاكرة الجمعية الانجلوساكسونية ووريثتها الانجلو امريكية على الخصوص. وتعبر تلك الكراهية عن نفسها رأسيا فى ثنائيات لا متناهية تستقطب الاخيرين والشعوب فى تنويعات افقية واسعة.

2-الاليموناطى Illuminate وعقلنة ثنائيات البداوة الزراعة:
اجادل تباعا أن اعراب الشتات كانوا حريون على مر التاريخ ووصولا الى احفادهم من الاليميناطى التنويريين تكاذبا بان يكرسوا عقلنة ثتائيات البداوة \الزراعة -الزراعة \ الصناعة–الريف \الحضر فى تنويعات لا متناهة من بدائى \متقدم- تقليدى\ حضارى- عقلانى راشد\ لا عقلانى لم يفطم من الطفولة-رجل امرأة الخ. وقد راح ما اعرفه بالثنائيات التنويرية يستقطب الناس فى كل مكان الى ما لا نهاية. واجادل ان كراهية اعراب الشتات تقف وراء كراهية اغلبيات المنتجين من الفلاحين قبل غيرهم. فالفلاحين يؤلفون كما ذكرنا فى مكان اخر  تلك الجماعات غير القابلة للرشوة وهم-فى مجاميعهم التاريخية-اقرب تعريف لمفردة الشعب اكثر من غيرهم. على انه من المفيد تذكر ان كل من امريكا والمجموعة الاوربية تتعين على ما يشارف رشوة الفلاحين خصما على شعوب المجتمعات المفقرة. وقياسا يبلغ دعم الفلاح الامريكى مثلا بما قدر ب 8 دولار يوميا مقابل كل بقرة ويبلغ مجموع دعم الفلاحين الاوربيين 53 مليار استرلينى سنويا حتى لا ينتجوا الغذاء مرة. ويؤلف اللوبى الفلاحى مرة اخرى قوة لا يستهان بها فى فرنسا مثلا فهى مجتمع كاثوليكى زراعى بامتياز مما يدفع الاحزاب كما فى بولندا مثلا الى محاولة ضمان أصواتهم.

تنويعات من العقلانيين كارهى الشعوب :
كان مستشار هنرى الثامن أحد اهم الاوليجاركيين ولوبيز مراب وعميل مزدوج ومستشار الملكة الاليزابيث الاولى وكان نوستراداميس مشعوذ يدعى الصوفية وقراءة الطالع. الواقع انه كان يعلن اجندة اعراب الشتات على المللأ فى شكل نبوءات تبدو خرافية. وازعم انه كان يعيد انتاج سفر الرؤية وما ينذر به خصوم يهوا من فوضى وعقاب. وكان نوسترادميس يتحكم فى كاثرين دى ماديتشى والدة فيليب التاسع ملك فرنسا وعاصر مذبحة سانت بارثولوميو التى راح ضحيتها الجيزويت الموالين للكنيسة الكاثوليكية. وكان ميخاييل  بوتمكين عشيق كاترينا الثانية والحاكم الفعلى لروسيا  وقد خلق بوتمكين اوليجاركية اقطاعية خاصة بملاك الاراضى والمستثمرين فى نفط بحر قزوين مما ما تبرح تداعياته باقية حتى اليوم فى روسيا المرسملة وفى العالم قاطبة. وبالمقابل قضى بوتميكن على ثورة الفلاحين (الموجيك) بعنف غير مسبوق حتى لم يبق بعد نهاية عهد ياكاترينا فى روسيا فلاح غير مسترق. وقد تعين الاخيرون وهم من اعراب الشتات قاطبة على العصف بالعامة وبالفلاحين على الخصوص. 

وتتمثل عبودية اغلببات الناس العاديين واقطاعية ملاك الاراضى الخاصة اليوم فى اوليجاريكات المصارف التجارية والمالية التى تتحكم بمصائر الناس فى تنويعات الاقتلاع وفقدان العقار فى كل مكان. ولعل كبير اساقفة الكنيسة الانجيلية الانجلوساكسونية الدكتور روان ويليامز كان حريا بان يلمح الى ما فعله يوسف بوصفه نظير هنرى بولسون وزير خزانة جورج ووكر بوش فى الادارة الامريكية 43. وكان الاول أحد اهم الصفوات البلاطية الباكرة وربما سيد الاوليجاركيين المحدثين ويمثل يوسف تنويعة باكرة على الاوليجاركيات الكلاسيكية. كان روان ويليامز حريا بان بملح فى تصريحه حول ما حاق بصغار حملة الاسهم وارباب المعاشات والمدخرين الصغار جراء سقوط مصرف نورثارن روك Northern Rock المالى التجارى فى نهاية صيف وخريف 2007 حتى شتاء 2008 وتباعا الى يوسف وكأنه يتحدث بولسون. وللعرب والمسلمين تجربة باكرة نسبيا فى سوق المناخ الكويتى وفى بخاصة بنك التجارة والائتمان العربى BCCI وصولا الى سرقة رساميل النفطيين الخليجيين نهارا جهارا. المهم انخفضت اسعار الاسهم فى اسواق المال مساء الخميس 9 اغسطس 2007 الى اقل من النص ثم اقل فاقل تباعا جراء انتشار الخشية عبر الاطلسية من فساد عقود الديون التى تهدد بعدم السداد.و قد دفع ذلك الدولة الى  ضمان بعض مدخرات صغار حملة الاسهم فى تاكتيك غير مسبوق مما قد "ينذر" بتأميم المصرف. وكان ذلك المنوال قد عبر عن نفسه منذ قديم الزمان. فحين كانت المحاصيل تسقط ابان السبع سنين العجاف او لا يبقى للمنتج من دخله ما يقيم اوده بعد ان يدفع ديونه الريفية لا يبقى للمنتجين سوى الازعان لعبودية الحاجة الى الطعام الذى لم يكن يقيض بسوى ما فى صوامع غلال الفرعون.

وكان روان ويلبيامز كبير اساقفة الكنيسة الانجيلية الانجلوسلاكسونية قد بقى يلمح مرارا الى ما تفعله اسواق الائتمان العقارى والمال من استعباد اغلبيات الناس العاديين بغوايتهم بالاستدانه فيما اسميه بالمديونية الريفية-و نسميه عندنا فى السودان الشيل-و قد تحدر منذ قديم الزمان الى اقتصاد الريف فى مجتمعات النمط الشرقى. وكان اعراب الستات قد جاوروا وتعاملوا وتاجرون على مر الزمان مع تلك المجتعمات بوصفهم اصحاب الرساميل الفطيرة بقوا اصحاب الرساميل التى نعرفها تباعا. وقد بقى اهم ما اغوت الرأسمالية الناس به على مر التاريخ هو الاستدانة مقابل الحصاد او-و مقابل سلع استهلاكية لا ينتجها الفلاحون و-أوبرهن ما لديهم من اصول وممتلكات وعقار. وقد قيضت ملكية العقار ارتهان الناس بالربا على سعر العقار وبسعر الفائدة. الا ان الرجل-الانجليزى-قد اقنع تكاذبا بعد الحرب العالمية الثانية بان البيت هو قلعته. وكان الفرد قد اقنع مججا بان عقاره ا وبيته مصدر ثروته ورمز وجاهته. وقد راح الفرد من ثم يستدين على بيته او عقاره فيرهنه مجددا فى كل مرة ليستهلك بلا روية من ناحية. وقد بات العقار من ناحية اخرى مصدر استهلاك عظيم للفرد فى مجتمع الرأسمالية حيث تراكم الاخيرة خصما على المستهلك والمنتج معا.و كان ما يسمى ديمقراطية امتلاك العقار قد كرس فى نهاية السبيعنات. فقد كان البريطانيون مفقرين على نحو موصوف مما عبر عنه كتاب ورواة القرن التاسع عشر امثال تشارلز ديكينز فى روياته الشهيرة مثل اوليفر تويست ونيكولاسن نيكلبى الخ.

وهذا ولم يقيض للبريطانيين شئ من الرفاهة حتى سبعينات القرن العشرين. وكانت مارجريت ثاتشر قد جأرت بما اسمته عقلانيا ومخاتلة بالديمقراكية الشعبية. ومفادها "ان كل فرد ينبغى ان يملك بيتا". ولم يلبث ذلك البيت ان راح يؤلف طوقا فى عنق كل مالك عقار. فقد ارتهن اصحاب العقار لاسواق الائتمان العقارى. ذلك انه ما ان منيت اسواق العقار منذ 1990 الى ازمة صيف 2007 فقد خسر الناس عقارهم مقابل الديون التى تراكمت بمغبة غواية الناس على الاستدانة مما قد يعبر عن تنويع على المديونية الريفية الازلية على مر الاف السنين. المهم كان كبير اساقفة كانتيربرى حريا بان يحجم -من خشية أعراب الشتات-عن عقد قياس ماثل بين ما تمارسه اسواق الائتمان العقارى وما حاق بالشعب المصرى واليهودى جميعا كما ذكرنا فى مكان اخر على يدى يوسف الولد العبرى الوحيد بمصر (انظري) Wheeler,W.:1957:The History of Israel:Its Facts and Factors:Gerald Duckworth &Co. Ltd. London:P:156... وكان الاول يشارف وزير خزانة العزيز. فقد قايض يوسف عامة الشعبين على الخبز ببيع ابقارهم ثم ببيع اراضيهم الى ان اجبرهم على العمل على اراضهيم السابقة لحساب تجار الماشية واعراب الشتات.  وكأن ويوسف تنويعا باكرا على كيسينجر وزير الخارجية الامريكي الاسبق حين جأر فى 1965 بانه " ان تملك امريكا قنبلة الذاء فذلك ان هو امضى من امتلاك القنبلة النووية".  

-كراهية البشرية وحمولة الارض:
تعنى مفردة كراهية هنا وتباعا كما لاحظتم الاستهذاء بعامة الناس واليأس من صلاح البشر حتى الذراية Cynics. وقد كرست الصفوات الاوليجاركية كل من الذراية بالشعوب ومفهوم الديمقراطية الانتقائية. وازعم ان ما قد يتبدى وكأنه ديمقراطية شعبية فى بعض المجتمعات الغربية المضيفة لرساميل من اعرفهم باعراب الشتات ليس سوى بثمن افقار كل من عدى الشعوب الغربية فى المقياس المدرج. وتتعين الديمقراطية الغربية على رشوة الشعوب الغربية الغنية مثلما كانت روما تفعل مع العامة. فقد كان القياصرة والاباطرة يرشون العامة ابان اوقات الشدة. فقد رشى يوليوس قيصر العامة عشية انقلاب الشيوخ عليه ولم يجديه ذلك فقد اغتيل بعدها بايام فى 15 مارس 37  ميلادية The ides of March.

وكانت رشوة شعوب المجتمعات الغنية وما تبرح تخلق شرط تواطؤ معظم شعوب ومفكري ومثقفي وصحفيي واعلام وفن ومسرح وقوانين الغرب الخ على من عدى الغرب بدرجات المقياس. ذلك ان الغرب يدرك وكان قد ادرك باكرا ان العالم لا يسع بشرية غير انتقائية فراحت الديمقراطية الغربية تتمأسس فوق أسرار جماعية عظيمة يستحيل البوح بها. وتصدر تلك الاسرار عن الاجماع على ان مصلحة الغربيين فى التستر على القضاء على الاعدد الزائدة من الاغلبيات غير الغربية التى لا وجوه لها مما اسميه الذراية بالعامة-من المفقرين فى كل مكان.

هذا ومن المفيد تذكر أن تلك الاوليجاركيات المالية كانت قد خلقت شرط ذلك الاجماع بالقضاء على مفهوم  التمايز الطبقى والصراع الطبقى ومن ثم باتت الثورة كلمة قذرة. وما ان كرست تلك الذهنية حتى ضمنت الاوليجاركيات المالية توجيه السخط الى ما عداها والى غير الغربيين من شعوب غير الغربيين من العامة على الخصوص. وقد غدت الذراية بالعامة تصدر عن تكريس مفهوم عبء العامة والدهماء.

و كان فلاسفتهم ومفكروهم  قد قدروا أقسى حمولة الارض من البشر ب3 مليارات نسمة . وكان جياماريا اورليس المولود فى 1713 اول من روج اسطورة  "حمولة الارض" Earth Carrying capacity   فيما يتصل باعداد  البشر ومحدودية تلك حمولة الارض. ولم يلبث  توماس روبرت مالتوس توماس روبر مالتوس-1766-1834ان اخذ من بعد  نظرية السكان عن جياماريا اورتيس Giammaria Ortes البندقى. وقد اخذ كافة من اسميهم المحارقيين Geneticists او القائلين والعاملين على تكريس المحارق Genocide المنوالية وتعقيم المفقرين وتشجيع الاجهاض والتسفير وخلق شرط الارض التى بلا صاحب والموت الرحيم وصولا الى النازية والفاشية عن جياماريا اورتيس. فقد كان اعراب الشتات يتعينون على محارق مشهودة فى خصومه بامر الرب مم يحفل به الاصحاح القديم.

المهم بات ادم سميث 1723-90 وتوماس روبرت مالتوس-1766-1834-أهم اتباع اورتيس. وكان ادم سميث-صاحب المؤلف الموسوم بعنوان "فى تأمل اسباب ثروة الامم 1776 An Enquire into the Reasons behind the  Wealth of Nations  -و كان متخصصا فى الاقتصاد السياسى قد تعين على تكريس مفهوم حرية التجارة. والى ذلك فقد كرس ادم سميث مفهوم الاقتصاد الحر وتداعيات ذلك من تقسيم العمل ووظائف أقتصاد السوق والاثار الدولية لفلسفة "دعه يعمل دعه يمر" Laissez  faire laissez passez مما يجعله من الاباء الاوائل لفلسفة التجارة الحرة والاوثوذوكسية الاقتصادية الجديدة مما تتمثل تطبيقاته فيما يسمى بالريجانوثاتشرية Regano-Thatcherism وتصدر عن معاداة القطاع العام والقول بخصخصة كل شئ. ومن اهم ما اورثه ادم سميث للرأسمالية الانجلوساكسونية ونظائرها الحق الالهى للتجارة الحرة فى الوقوف خارج القانون وبات المساس بذلك الحق الالهى من شأنه ان يعرض الدولة نفسها الى التهلكة. وبالمقابل حيث كرس مالتوس بدوره مقولة ان الاوبئة والحروب ضرورية لحفظ التوازن بين الموارد وانتاج الطعام واعداد البشر فقد كرس مالتوس من ثم مفهوم اقسى حمولة الارض مجددا. فقد قال مالتوس وادم سميث ان ينبغى التخلص من الجوعى والمفقرين. وكان مالتوس وادم سميث يقولان بان على المفقرين ان يتبنوا اقتصاد السوق الحر.

فلو خصخصت ايرلندا مثلا لما منيت بمجاعة منتصف القرن التاسع عشر حيث راح اكثر من مليون جوعا من الايرلنديين الكاثوليك. وقال مالتوس وادم سميث منذ 1850 بترك الجياع للطبيعة او-و يعلموا كيف يعتنون بانفسهم وان يقلعوا عن ممارسة الجنس حتى لا يتكاثروا. فتكاثرهم هو تجديف بحق البشرية.

و فى 1860 الى 1890 راح البعض يتنبه على ان المفقرين ليسوا مذنبين الا ان ذلك البعض لم يفعل شيئا. وكانت المجاعة فى الهند حيث مات 20 مليون-فى اقل من عقد من الزمان-أى نصف سكان الجزر البريطانية وكذا مجاعة البطاطا فى ايرلندا فيما بين 1845 و1850 قد نبهت بعض الانجليز على ما يحدث فى امتداداتهم سواء فى امتداداتهم الامبريالية او فى مستعمراتهم الداخلية. فلم تلبث المجاعات ان اثارت الناس وكانت الفوتوغرافيا قد اخترعت. وقد مهدت الاخيلة التى راحت الكاميرا تنقلها للناس للمطالبة فى 1840 بدولة الرفاهة فى بريطانيا التى ينبغى ان تؤدب المفقرين بمعنى تصلح اعوجاجاتهم الاخلاقية. وبقى 60% من الناس يعاني حتى خمسينات القرن العشرين من سوء التغذية . 

-كراهية البشرية والاوليجاركيات اليوتوبية:

ازعم ان سفر تكوين معظم المجاعات الكارثية والمحارق المنوالية المنتشرة قد يعود الى ما اسميه عقلانية القضاء على الاعداد الزائدة عن الحاجة. وقياسا  فان نفس العقلانية تعبر عن نفسها فى يوتوبيا انتقائية فتبقى على انصاف الموتى من اثرياء وطبقات الغربيين واعراب الشتات المتوسطة على قيد الحياة انتقائيا بميزانيات صحية باهظة. وتقضى نفس العقلانية على الاطفال والشباب الغربيين وغير الغربيين فى حروب بمليارات الدولارات وباوبئة وكوارث طبيعية او الاحرى غير طبيعية. وتتمثل كراهية البشر بالوصف اعلاه وتياعا الى ذلك فى كيف ان تلك الحروب تتقصد قتل الاطفال. فكل طفل هو عائلة محتملة-كما قالت جولدا مائير-تصيب فؤاد اعراب الشتات فى صميم افئدتهم بغم مقيم. وتتمثل المالتوسية الجديدة واسلافها من نظريات كراهية البشرية واليأس من صلاحها والاستهذاء بها وتمنى موتها بالتخلص من التراكمات العددية التى لا وجوه لها فى اجندة المحافظين الجدد اللذين يحرضون تباعا على اشعال حروب متزايدة بابناء غيرهم. هذا والا شارفت الارض حدود حمولتها جراء تكاثر البشر-مالتوسيا- بمعدلات رياضية فيما ينتج الطعام بمعدلات حسابية. ويقول ديفيد بيمينتال  David Pimentel الاستاذ بجامعة كورنيل Cornel University وهو من المالتوسيين او العقلانيين الجدد أن حمولة الارض اقل من 2 مليار وان على الامم المتحدة قسر الناس على توفير شرط ما يسميه اعداد السكان القسوى Optimum Human Population   بالقضاء  على الاعداد الزائدة من البشر.

ومن المفيد تذكر ان الفكر او السيناريوهات اليوتوبية كانت دائما تصدر عن التعامل الانتقائى مع البشرية فى افضل الشروط ان لم تسوغ العنصرية. وكان العالم العنصرى فرانسيس جالتون وهو ابن عم تشارلز داروين يحلم ب" يوتوبيا مجتمع كامل" فراح جولتون يعيد انتاج النظريات العنصرية اليونانية وقد اصدر عن عنصرية افلاطون فى الجمهورية او المدينة الفاضلة وافكار ارسطو الصفووية. وقد اهل سعى جالتون الى ذلك الحلم  للقب "افلاطون الفيكتورى". وكان جالتون قد اسسس مركز بحوث باسم مركز اليوجينيتكس Eugenetics اى دراسة أو علم الجينات وهو شئ اخر غير الجينوم GENUM كون الاول يصدر عن فرضية عنصرية مسبقة ومعلنة وما يبرح الثانى يتستر على نواياه وراء بنوك الجينات البشرية وغيرها. واجادل أن اليوتوبيا تنويع مزوق على الاوليجاركية Utopia is a euphemised variation on the concept of Oligarchy.  وازعم ان كراهية البشر تصدر عن عقلانية ممعنة متأصلة لا تملك-و قد كرست مفهوم الاستهذاء بالبشر واليأس من صلاحهم-سوى ان تخاتل بقول انصاف الحقائق فى افضل الشروط . وقد بات ذلك التخاتل من التقوى ومن ايمان اعراب الشتات وحلفائهم الليبراليين الجدد واسلافهم من تنويعات المعتزلة والخوارح واحفاد الاخيرين من اعضاء بعض طوائف البروتستانتية مما افصله فى مكان اخر.

و يلاحظ الناس فى كل مكان ان اعراض أو الاصابة بفيروس عقلانية الرأسمالية ما بعد الصناعية-العولمة-يتمثل فى اكثر صوره تعبيرا فى استهانة اعراب الشتات بما يحيق بالبشر بل العكس يشوق بعضهم ايصال الانسانية ( غير البيضاء طبعا) الى حافة الخراب. وتفتضج كراهية الرأسمالية المالية للبشر فى طبيعة رأس المال الربوى وفى حقيقة رأسماليين يراكمون بلا رأس مال تنويعا على ولكونهم احفاد اعراب الشتات. فمن هم اعراب الشتات؟

عقلانية شعب الله المختار ويوتوبيا الاقليات الانتقائية:
بقيت الكيانات البشرية المعروقة تسمي المحكومين عامة ودهماء وغوغاء حتى نشأت المدن الدول الاوربية الغربية وصولا الى الدولة القومية, وقياسا بات العامة رعايا ثم مواطنين. ونشأت فكرةة او مفهوم الشعب مع نشوء الدولة القومية. فلم يكن ثمة مفهوم بهذا الوصف شائعا قبلها, فما ان نشأ مفهوم  الدولة القومية ومفهوم الشعب حتى راحت الدول  تتبارى فى نسبة نفسها الى الاقوام الراقية الممتازة مزايدة على بعضها. وقد ظهر مفهوم شعب الله المختار فى منتصف القرن التاسع عشر وانتحلته جملة امم بل انتخله المهاجرون الى العالم الجديد فى الامريكتين وبخاصة الشمالية واستراليا والى افريقيا مثل الافريكانر. وازعم ان تلك الجماعات ما انفكت ان اعادت كتابة سردية خصها باثر رجعى نسبت نفسها لليونان وتواريخ توراتية قديمة. لم يلبث اليهود الاشكناذي المهاجرين من اوربا الشرقية الى الغربية ان اطلقوا على انسفهم بدورهم صفة شعب الله المختال بل احنكروا الصفة خصما على من عداهم. ومن المقيد تذكر ان  بعض قبائل اليهود الخزر والاشكناز هم اشهر اعراب الشتات وقياسا يحتزؤون الاخيرين-حراء ما قد يبدو من حضرنتهم   Urbanism-فى شعب الله المختار. وما ان فعل الاخيرون ذلك حتى لم يبق ثمة "شعب الله المختار".سواهم الا بقدر ما قد يصطنع من تنويعات علهيم.  وعليه يتدافع من عداهم نحو تصنيف نفسه فى تنويعات على شعب الله المختار. ذلك انه ما ان لا يبقى سوى شعب الله المختار (اليهودي) يشجع الشعب الامريكى-تخاتلا-على تعاطى فانتازيا جماعية تكرس لدى معظمه فكرة الانتخاب الالهى. ويخرج الالمان بمفهوم الاقوام الاراية النقية الخ.

وتنشأ فى نفس الوقت فكرة ارض الميعاد التى لم توجد قبل القرن الثامن عشر.و فيما تتمحور الذهنية الاعرابية حول آوحادية القضية-ارض الميعاد-تصدر الذهنية الامريكية عن فرض خطاب الهيمنة الامريكية على عالم يشارف التحلل جراء السياسة الخارجية الامريكية. وقد كرست تلك الذهنية مطالب الأقليات خصما على الصراع الطبقى فى المجتمعات التى استضافت الاعراب أو-و على الصراع الطبقى العالمى فالثورة العالمية. وقد استقطب العالم بين آوحادية قضية أرض الميعاد وتفريغ الارض ممن عليها وصولا الى الارض التى بلا صاحب وبين الثورة العالمية المضادة والثورات الشعبية العالمية. وكانت ميثلولوجيا القرن العشرين اتفقت على تنويعتين لليوتوبيا. فقد أدى التعيير الجمعى عن الحلم الشيوعي الى الاعتقاد فى الجنة على الارض من ناحية ونشأت بالمقابل ميثولوجيا الحلم الامريكى اليوتوبى من ناحية اخرى. الا ان اى منهما لم يحالفه الصواب بل خاب كلاهما وان كنت ما برحت اعشم فى الاشتراكية بعد.

 

اكسفورد 10 سبتمبر 2012