في إطار الأنشطة الثقافية لنادي الإبداع والصحافة بثانوية المتنبي أسفي، وفي سبيل انفتاح المؤسسات التعليمية على المحيط السوسيوثقافي عُقد مؤخرا لقاء مفتوح مع الناقد السينمائي سليمان الحقيوي لتقريب التلاميذ من خبايا صناعة الصورة السينمائية في السينما الغربية تحديدا، وقد قدم اللقاء الباحث عبد الرزاق المصباحي الذي ذكَّر بسياق هذه اللقاءات التي تهدف إلى الانفتاح على المبدعين والكتاب المغاربة، كما عرض لمختلف الجوانب والقضايا التي تحرك المشروع السينمائي للناقد سليمان الحقيوي.
ومن جهته عبر سليمان الحقيوي عن سعادته البالغة بهذه اللقاءات التي ستنعكس بشكل إيجابي على التلاميذ وأدائهم المعرفي والثقافي، لأنها تشكل فرصة حقيقة أمامهم للاحتكاك بالكتاب والمبدعين، والإنصات لتجارب إبداعية مختلفة.
انطلق اللقاء ببسط صاحب كتاب سحر الصورة السينمائية لمفهوم الصورة من خلال أهم المصادر التي تداولتها، ليؤكد بعد ذلك على أهمية دراسة الصورة التي أصبحت اليوم تخترقنا بشكل ملفت من خلال الجرائد والمجلات ومختلف الوسائط الأخرى، والصورة السينمائية اليوم واقع العصر، ورفضها بأي شكل من الأشكال هو رفض ضمني للتواصل بواسطتها، وهي _سواء قبلنا التعامل بها أم رفضناه_تخترقنا في كل لحظة وتفرض نفسها علينا، وتعترض طريقنا، فالأمر على هذا الحال يتطلب التعامل مع الصورة السينمائية بخلفية معرفية تمكن من التعامل الايجابي معها، ليعتبر أن الصورة السينمائية تحتفظ لنفسها بفرق جوهري يجعلها مميزة عن باقي أنماط الصورة الأخرى، فهي بفضل الحركة تبقى ذات قدرة نفاذة، حيث تعكس الأشياء بعمق أكثر، وأكد على أن الأخذ بتعاريف الصورة في جانبها التقني تقربنا من السينما لكنها لا تعبر عن مكنون هذا الفن، لأن اختزال السينما في الجانب التقني هو إجحاف في حق هذا الفن، وإجحاف في حق القارئ، فهو لا يكشف مناطق العتمة في مفهوم الصورة السينمائية، وهو ما يستدعي تجاوز الجانب التقني أثناء تعريفها، ومن ذلك صورة العرب في السينما الأمريكية التي تكاد تكون نمطية، وتغير هذه الصورة يبدأ أولا من امتلاك سينما قادرة على تناول مختلف القضايا تيماتيكيا والتواصل عبرها مع الآخر. وبحسب سليمان الحقيوي فالحاضر والمستقبل في مجال السينما يؤول دون شك إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ونحن مطالبين بفهم عناصر الصورة السينمائية بهدف التعامل الايجابي مع هذا النموذج الطاغي، في ظل انعدام نموذج سينمائي عربي جدي تتوفر فيه ملامح المنافسة والابتكار. كما اعتبر أن لغة السينما هي كأي لغة أخرى قابلة للتحليل والفهم، لكن لكي يكون هذا القياس صحيحا يجب أن نتوفر على آيات تحليل هذه اللغة وانتقل بالحديث بعد ذلك إلى سلبيات الصورة السينمائية وخصوصا الاستهلاك الساذج لها، لأن هناك توجهات سينمائية تُضمر نوايا ليست بريئة، و فيصبح هذا التناول بشكل غير واعي تناولا لأفكار ومواقف من صنع الآخر. وفي سياق هذه النوايا ينبغي التعامل مع الإنتاج السينمائي الغربي والأمريكي خصوصا بتمحيص وحذر، والقدرة على تميز الفني فيه، فالسينما الأمريكية، _كما تؤكد ذلك مجموعة من الأعمال والتيمات السينمائية، تأتي لخدمة أغراض سياسية في هذا البلد، إذا استحضرنا ارتباط السينما عند البعض بالجانبين المادي والإيديولوجي،
وعلى جانب آخر فقد تطرق الناقد سليمان الحقيوي لمجموعة من الخطوات الإجرائية الكفيلة بتحليل الفيلم السينمائي في مستوىات التلقي العادي، بدأ من التعامل معه في الجوانب الشكلية، ثم الانتقال إلى مستوى القراءة التي تتطلب معرفة باللغة السينما، للوصول إلى المرحلة الأهم وهي التأويل.
وفي قد عرف اللقاء عرض حديث سليمان الحقيوي عن كتاب سحر الصورة السينمائية معتبرا أنه جزء من مشروع طويل يهدف إلى تفكيك بنية اشتغال السينما الغربية، وكيفة تلقيها في المجمتع العربي، مع تبريره اختيار السينما الأمريكية دون غيرها بكون هذه الأخيرة، هي الأكثر استهلاكا في مختلف بلدان العالم، بفضل تعميم الذوق الأمريكي واحتذائه. وبعد هذا النقاش العميق الذي عرف تجاوبا كبير من الحاضرين، فُتح باب المناقشة ليفتح المجال أمام الهموم والأسئلة التي تشغل المتلقي.
وفي الأخير عبر الناقد المتمرس عن ارتياحه للتفاعل الذي أبداه الحاضرون، ومستواهم المعرفي الذي كشفت عنه نقاشاتهم وأسئلتهم التي تحمل هموم سينمائية مختلفة ومتنوعة.