تستعيد المنامة لمرة أخرى أسطورتها القديمة، وتحبك من تاريخها مرفأ كون آخر يحتضن مساء يوم غد (الاثنين) وزراء السياحة العرب وممثلي منظمات السياحة العربية والعالمية والعديد من الشخصيات الدبلوماسية، الثقافية والاقتصادية، في حفل فني يستعرض سيرة وحكاية أمير الرحّالة العربي "أبو عبدالله بن محمد اللواتي الطنجي بن بطوطة" الشهير باسم ابن بطوطة في ذكرى ميلاده، برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة الموقر، وذلك بمسرح البحرين الوطني، الذي يُعلن رسميًا إطلاق المنامة عاصمة عربية للسياحة، ويدشّن "اليوم العربي للسياحة" في واحدة من أجمل الصياغات التي تستحضر أوركسترات ومسارح من مختلف أنحاء العالم، وتحيي بطريقة الفن والموسيقى والاستعراض الحيوات المتلاحقة التي مرّ بها ابن بطوطة، والأمكنة التي طاف بها لاكتشاف العالم.
وحول هذا الحدث الاستثنائي، صرّحت معالي وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة أن المنامة اليوم تضع أولى بصماتها على الخارطة السياحية، مشيرةً: "لا نريد أن نكتفي بالعبور، بل نبحث عن الصناعة الجميلة والقريبة. لا يمكننا أن نحوّل هذا العالم إلى كتلة واحدة ولا نرغب في ذلك، لكننا نصنع ما بيننا وبين الآخر ملامح مشتركة وجسورًا عديدة وتفاصيل لا نريدها أن تُنسى"، حيث أوضحت أن اختيار شخصية ابن بطوطة وذكرى ميلاده تحديدًا هو توثيق لإنسان السياحة العربية وتحريك لفكرته التي اشتغل عليها طوال سيرة حياته، وأشارت: "ما يقوله الغناء والمسرح والرقص هو تجريد تام للحكاية. هذا الإنسان يجسّد حضارة بذاته تمكّنت من استيعاب أمكنة وحضارات وأناس كُثُر، وفي سياق فكرته يمكننا أن نستمرّ وأن نقتفي الأثر حتى نكمل ونستكشف الطرق الأخرى، لذا فمن ذاكرة يومه نصنع يومًا عربيًا للسياحة، لنبدأ جميعًا بالاشتغال على الفكرة وصياغتها".
كما تبدو المنامة في مساء الاحتفائية بقَدَرِها كمعبر وسفر مفتوح ومتصل، تلتقي فيه مختلف الدول والقارات، وتستذكر في مقاطع بصرية وسماعية سيرة هذا الرحّالة عبر عرضٍ فني يتقمّص فيه الفنان المصري القدير عبدالرحمن أبو زهرة شخصية ابن بطوطة في مراحل عمره المتقدمة، والفنان المصري أحمد عز الأسطول شخصية ابن بطوطة شابًا. وتزدوج القراءات التاريخية في مقاربات موسيقية وفنون استعراضية تجرّد المسالك التي نحتها ابن بطوطة، وتشير إلى فكرة السفر والترحال والسياحة باعتبارها صناعةً إنسانية يمكن من خلالها إحداث تماسّات مكثّفة مع الشعوب. ويمثّل الحفل، توثيقًا تأريخيًا تستعيد فيه الأوطان العربية مساراتها، طرقها، الحيوات الموازية لها وما تقتدحه الإنسانيات في سياق تفاعلها واحتكاكها ضمن محيطها البيئي والجغرافي. كما يجسّد موعدًا جماعيًا تتفق فيه الجموع على إحياء السياحة العربية وتفعليها في مجال التنمية الإنسانية، السياسية، المجتمعية، الاقتصادية وغيرها. حيث اختيرت شخصية "ابن بطوطة" كموضوع وحبكة أليفة لصياغة الحفل الذي يسرد عبوره الحضاري وقراءاته الإنسانية والأوطان التي تقاطعت في سيرة حياته. وتلتقي في هذا المساء العديد من الأصوات في مداخلة ما بين غنائيات متنوعة تحضر فيها من البحرين الفنانة هند، من مصر الفنانة آمال ماهر ومن لبنان الفنانة غادة شبير. كما يشارك في تجسيد اللوحات المسرحية والراقصة أكثر من 100 فنان من مختلف دول العالم.
هذا التوثيق الإنساني، وبلغة الفن، يحاول توثيق فكرة السفر والارتحال، ويلامس جدليات السلوك الإنساني في تعامله مع الأوطان والحضارات المتتالية، وقد اختير ميلاد ابن بطوطة ليكون الانطلاقة والدمغة التي يسترجع فيها العالم سيرته وحكاياته وحكمته في اجتياز وعبور الأوطان. وهو ذات اليوم الذي ينطلق فيه ولأول مرة "اليوم العربي للسياحة"، وذلك بعدما تمّ إعلان المنامة عاصمة للسياحة العربية 2013م في حفل رسمي بتاريخ 27 سبتمبر 2012م بموقع باب البحرين في المنامة، حيث كانت تشير الذاكرة ناحية "اليوم العالمي للسياحة".