لماذا شهرزاد؟ ولماذا نرتدّ إلى موروثات قديمة لنناجيها، وعندنا المرأة العصرية التي حققت كثيرا من الإنجازات وتخلصت من كثير من قيود أوهام الماضي، ذلك الماضي الذي صنعته عقول متمرسة في التخلف والعصبية؟
من هي شهرزاد إذن؟ ولماذا تتسلل إلينا لنستحضرها في الألفية الثالثة ونحن نكتب عن المرأة؟ هل ما زالت المرأة تسكن في هوامش الحياة، ولم تأخذ بعد مكانتها اللائقة بها؟ أسئلة وراء أسئلة وكلها تعبر عن حاجتنا لشهرزاد النموذج والمثال.
كانت شهرزاد ألف ليلة وليلة امرأة استثنائية وخاصة، ذكية وحكيمة ومتمردة، عرفت كيف تكون رمزا لكل بنات جنسها، عرفت كيف تقلّم أظافر الدكتاتور المتمثل في شهريار ذلك الملك الحاقد على كل امرأة بعد أن خانته زوجته، فقرر أن ينتقم لهيبته وعنجهيته بما تمخض عن أفكاره العقيمة بأن يتزوج كل ليلة حسناء، يفعل بها ما يفعل، ثم يقتلها، وهنا أصبحت النساء في مأزق كبير، وكأنهن أمام فرعون جديد، ولكنه فرعون شهوانيّ وسفاح، يستحيي الرجال ويريد أن يفني النساء، وكأنه يلوم فرعون القديم على ما قدم سابقا من استحياء النساء وقتل الذكور! إنها عقلية الطاغية في كل أوان وفي كل مكان!!
هنا تتقدم شهرزاد لتكون قربان فداء لكل النساء، فقد أعملت فكرها ودهاءها ومكرها الأنثوي المحبب لتكون خلاصا للجميع رجالا ونساء، للرجال لأنها أرجعت شهريار وردته إلى صوابه وإلى عقله المتزن ليتحلى بالحكمة، وليكون عقلانيا يشارك المرأة وتشاركه هذه الحياة التي لا تصلح بدونهما. وخلاصا للنساء فقد أنقذتهن من الموت المحقق ومن عبث الغواية التي تردّى في مجونها شهريار، ناقص العقل والدين هذه المرة، لتكون شهرزاد أكمل منه دينا وخلقا وعقلا.
هذه هي حكاية شهرزاد القديمة، فأين المرأة اليوم منها؟ وأين الرجال منها ومن شهريار؟
إن من يتأمل مجتمعاتنا ليرى أن كلا هذين المخلوقين في بؤس وشقاء عميم، اشتعلت بينهما المنافسة بغير طائل ولا جدوى، فمتى سيفهم الجميع أن المرأة لن تكون بدون الرجل، وبأنه لا حياة لرجل بدون شهرزاد توجهه وترعاه وتكون له معلمة وأما وأبا وزوجة وحبيبة، متى ستأتي شهرزاد جديدة لتنقذ الجميع من أوهامهم رجالا ونساء على حد سواء، شهرزاد الحكيمة المتزنة الباحثة عن مكامن الخير في آدم فتربيها وتتعهدها بالرعاية والسقاية والحنان، ليكون الجيل الجديد جيلا متحليا بأعظم القيم الإنسانية في المشاركة الفاعلة بين هذين المخلوقين، ومتخليا عن كل ما يُشين إنسانية الإنسان ذكرا كان أم أنثى.
فهل تحتاج البشرية ليوم عالمي لتتذكر أهمية المرأة في الحياة؟ أم أنه مجرد ذكرى عابرة ينتهي العمل بتوقيتها اللحظي إذا مر يوم الثامن من آذار ليعاود الجميع سيرته الأولى في الانتقاص من المرأة وحقوقها وإهمال دورها في الحياة.
لن أبالغ لو قلت: المرأة كل المجتمع وليس كما يشاع أنها نصف المجتمع، فهي أرضنا التي نزرع فيها غراسنا الطيبة، وهي كهفنا الذي نلجأ إليها شعورا بالأمان والاطمئنان، وهي فاكهة الحياة وورودها وزينتها، وليست شهوة عابرة في فراش شهريار المهووس بالمتعة المجردة والقتل العبثي الماجن!