بمناسبة مرور عشر سنوات على احتلال العراق، وتدمير بنيته التحتية الاجتماعية منها والحضارية قبل العمرانية، بالاستبداد والمحاصصات الطائفية، تعود بنا الباحثة السودانية المرموقة إلى تناقضات المعلن والمضمر في خطاب الغرب وعنفه الدموي وأكاذيبه المزوقة، لتكشف لنا عن الخلل العميق الكامن في بنيته الحضارية.

احتلال العراق وداروينية تحرير العرب

تعالق الانحطاط والعجز عن انشاء مجتمعات ديمقراطية: بمناسبة مرور عشر سنوات على حملة حرية العراق

خديجة صفوت

تقديم:
ان ما قد يبدو من اعتذار الرأسمالية(1) ما بعد الصناعية والديمقراطية المؤمركة-ما يسمى الدمقرطة-من فوق الدبابة ابراهام 8- عن فحشهما لا ينى يصدر عما هو اشد فحشا مما يعتذر عنه. ذلك أن الاعتذار بهذا الوصف يكرس الفروق الداروينية المسمطة بينهم وبيننا مهما فعنا او تركنا ومهما كان الامر. وكان النازي - بحسب سردية الحلفاء- ثابر على أبلسة كل من عدا الاقوام الراقية وبربرة حاجاتهم Barbarizing their needs تسويغا للقضاء عليهم. فالفاشية هي حالة عقلية او-و خارطة ذهنية تدفع صاحبها الى سياقة الناس بالخداع الى ما لا يرضون باسم الحرية والديمقراطية فاذا ما عجزت تلك الاقوام فقد كان ذلك بجريرتهم كونهم اقوام منحطة.

اختزال العنف في التفاحة المعوطبة:

اجدنى مع مرور السنين واستهدافنا للنسيان و-أو لمحو ذواكرنا تقصدا وبصورة منظمة حتى لا يبق لاي منا-ان بقي شئ- سوى هوية مختزلة في صفة واحدة ادرك تباعا كيف أن الواحد منا يغدو سنى او شيعي مدني درزي او اسماعيلي مدني او سلفي - عربي او –و ارهابي. فان لا يبق للفرد العربي والمسلم سوى أن يكون شيئا واحدا فان الفرد العربي لا يتعين له أن يكون مصريا او سودانيا او سوريا او يمنىا او كرديا او الخ طالما هو سنى او شيعى او علوى او درزي او كردي او اسماعيلي او عضو جبهة النصرة او جمعية احفاد النبي، أو كتائب عمر ابن الخطاب، او اي من الصحابة. وقياسا فلا هو مثقف ولا اكاديمي ولا متعلم او وطنى او ثائر او سياسي او حتى محض ادمي سوي يعيش من اجل اهداف تخصه ويسعى الى تحقيق حياة امنة تخصه دون أن يقحم في سجل او قوائم الصفات التي تخلعها عليه الرأسمالية المالية العارية-الصهيونية العالمية. فالفرد يدرج في تلك القائم بوصفه رقم بين مليارات الارقام التي تراكمها الاخيرات على قواعد معلومات لا متناهية.

فغاية الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية تحوير-بمعنى تشويه- البشر في ارقام وتحويل تلك الارقام الى ديجيتاليات افتراضية لا مكان لها على صفحة ورقة بيضاء او ملف يحفظ فوق رف حتى لو علاه التراب مما يسهل خلق شرط اصابة تلك الديجيتاليات بفيروس الحواسيب او-و محوها من الوجود دفعة واحدة والى الابد. وقياسا فقد كان لزاما أن تحرم تلك الارقام من تسجيل سردية بديلة للسردية الرأسمالية المالية العارية الصهيونية العالمية: فان تتعن تلك الارقام الديجيتالية على سردية تدل عليها فتخص من عدى الرأسمالييين والصهاينة من كل نوع فذلك حري بان ينذر بنهاية الرأسمالية المالية العارية الصهيونية العالمية. ذلك أن الاخيرة تقتات من الرأسمالية المالية العارية بوصفها رأسمالية الدودة الشريطية .Tape Worm ولا تعيش الاخيرة الا على جسم مضيفها فتبقيه حيا بالكاد حتى تقيض لها هي الحياة والنماء والازدهار بلا نهاية.

ومع ذلك تسمي تلك الدودة ذلك الطحلب نفسه كائن راق، واصحاب المال الاقوام الراقية فيما تصم الجسم الذي يأويها ويمنحها الحياة اقوام منحظة بربرية لاتستحق الحياة الا بقدر ما يتفضل عليها الاقوام الراقية بالمعونات والمنح والاستثمار والحضرنة والمدينة والاصلاح والتنمية الخ. فهيهات لتلك الاقوام المنحطة أن ترقي او تنشأ صاعدة او حتى تنشئ مجتمعات بشرية بالكاد. ذلك أن تلك الاقوام سرعان ما تهوي الى حضيض حياتها الراكدة الاسنة التي تدل عليها وتستحقها.

الدم والاشمئزاز في داروينية البقاء للاكثر تخاتلا
حيث أن بعضا مما يلي تسجيل تفصيلي ولحظة بلحظة لما حدث بالعراق في الايام الاولي بغداد وفى الفالوجا على الخصوص وحتى النهاية لذلك فمن لم يتابع ما حدث او كان قد نسيه فلعله يستطيع أن يتذكر(2). ولقد عهدت أن من لا يتذكر الماضى-و هو ليس ببعيد هنا -فان الماضي الذي انسيناه (مبنى للمجهول) تباعا بترصد وانتظام سوف يلتهمنا ولا يبقى منا الكثير. وفي نفس الوقت تجدهم يحرصون على التذكر بل على اعادة قراءة ماضيهم واعادة صياغة ذكرياتهم وكتابة سرديتهم بتفصيل التفصيل في كل مرة حسب الطلب. فهم الذين يكتبون التاريخ وقد كرسوا الخارطة الذهنية واصطنعوا معمار اللغة التي تدل عليهم دون سواهم وخصما على من عداهم.

أ-الفالوجا:
اطلق احد المارينز الرصاص على مدني عراقي جريح أعزل في مسجد بالفالوجا. وقد سجلت الواقعة كاميرا صحفي "مرقد" Embedded تابع للقناة الفضائية الامريكية سى أن بى. ولم ينفك الحدث أن بات واقعة "فريدة" غير مسبوقة او-و راحت ماكينة فرم الاحداث واخراجها في قالب واحد مكرر معقم برئ يسهل تبريره ب"الغضب الذى انتاب المارينز" جراء رصاصة كانت قد خدشت خده الايسر. وكان هو الى ذلك قد شاهد زميلا له يقتل في اليوم السابق بقنبلة زمنية وضعت تحت جثة عراقى" .وهكذا فإما أن عنف المارينز مبرر بخدشة على خده أو بالغضب لما حدث لزميله. وقياسا فان عنف ذلك الجندي وفظائع اقرانه في الفالوجا وابي غريب وغيره-يختزل اما في الغضب او-و في بضعة تفاحات معطوبة a bad or rotten apple  لا تعبر عن قوات جاءت في رسالة حضارية نبيلة، هي تحرير العراقيين من الديكتاتورية ودمقرطة العراق وليس لاحتلاله.

ب- بلاك ووتر

ومع ذلك فقد دخل المارينز الفالوجا يتوعدون بانهم بسبيل "الانتقام لكرامة قتلاهم" منذ بداية "حملة حرية العراق". والواقع لم يكن القتلى قتلاهم وانما اعضاء فرقة بلاك ووتر Black Water المرتزقة وهم جيش شبح Shadow army قدرت قواته وقتها ب 100 الف مقاتل تعينوا على قتل الاف العراقيين الذين بقيت اعدادهم غير محسوبة فالعسكريين hلامريكان يجأرون بانهم لا يعدون الجثث. We do not do body count. وليس غريبا فقد قامت كتيبة ارجايل Argil البريطانية بقتل مئات الاف اليمنيين عشية خروج الاستعمار البريطاني من عدن-اليمن الجنوبى في 1967. ذلك أن الكومندانت ميشيل نايت Michael Night  قائد الكتيبة المذكورة عصى الاوامر العسكرية بالخروج من عدن حتى يتعين عليه الانتقام على مدى 5 اشهر بقتل اليمنيين لما اسماه كرامة القوات البريطانية.  وفيما بقيت تلك الاحداث في طيّ الوثائق السرية - الا أن احدهم بث ليلة الجمعة 19.11.2004 فيلما وثائقىا على قناة البى بى سى الثانية بالقصة الحقيقية للكومندانت ميشيل نايت في اليمن، مثلما بقيت الصحافة المرقدة تتستر على نشر اخبار تدمير الفالوجة، وعلى ما يسمى ملف اسلحة الدمار الشامل، وغيره حتى مرور 10 اعوام على غزو العراق.

فالتردد في نشر حقائق الحرب تقليد مرعيّ منذ بداية الحرب على العراق، مثلما بقي نفس الشيء على فظائع الرأسمالية المالية ثقافة غير معلنة منذ الصلبيات، وربما قبلها اي منذ تحريم مدن الامير جمور والملك الشيخ وغيرهما. ويقول مايكل وولف محرر مجلة فانيتى فير Vanity Fair أن امريكا ما تبرح تتردد في اذاعة اخبار الحرب في العراق. ذلك انه إما ينتظر الكل قبل أن يفعل شيء او يصرح بشيء بأمل أن تبقي قصة او فضيحة في طي الكتمان و-أو تتعين الصحافة اليمينية على تكريس احتمال أن يقذف مرور الزمن بالاحداث المشينة في طي النسيان والاحرى أن تلفق قصة بديلة. واذ لم يبق للمراسلين الصحفيين فضاء سوى "الرقاد" بين كتائب القوات الغازية، فقد لغمت تقارير معظم الصحفيين او-وتم التخلص من الذين لم يدركوا مغبة الخروج على الترقيد، كالصحفي جابي رادو الذي تم اصطياده من فوق سطح احد المنازل، ومايكل كيللي الذي اختفي هو ومصوره العراقي في الطريق الى بغداد ابان الايام الأولى للاجتياح، وكيفين كوليستان وديفيد بلوم وطارق ايوب ووليد خليفة الدليمى وغيرهم. فقد استبيح دم الصحفي غير المرقد بجريرته، كما راينا منذ بداية الحرب.

على انه أن اذيعت واقعة اطلاق المارينز الرصاص على العراقي الجريح الاعزل في مسجد بالفالوجا في نشرات اخبار الساعات اللامباركة كخبر ثالث، فقد نشرت بعض الصحف الخبر في الصفحات الداخلية مما حرم الخبر من مشارفة حيز الفضيحة. ومهما كان الامر فقد يشغل الناس بقضية المارينز المذكور ردحا من الزمن. وقد تبرر فعلته بانه جرح ورآى زميله يقتل في اليوم السابق جراء جثة ملغمة. وقد يقدم المارينز المذكور للمحاكمة بتهمة انتهاك قوانين القتال. ها ها ها.

(2) ومع ذلك كان العالم تحكمه القرود الثلاث:
قال احدهم لاخر "الآن وقد رأيت القرد فاليك مدربه" مشيرا الى جونداليسا رايس بوصفها مدربة بوش على كل من العنف والتكاذب. وفيما تمارس امريكا فانتازيا الخداع الذاتي او-و تسقط في حالة نكران Denial فما بالك بحكومة علاوى وزيبارى والياور؟ ويصرح وزير الصحة العراقي مع ذلك وربما بسببه لإذاعة البى بى سى الراديو 4 الساعة السابعة ونصف صباح الثلاثاء 16.11.2004 انه "لم ير ولم يسمع" بواقعه المارينز الذى اطلق الرصاص على رأس جريح عراقي اعزل من السلاح، في مسجد في الفالوجا. وكان مراسل قناة امريكية صور الواقعة السبت 13.11. 2004 الا انه أن صور مراسل امريكى اخر الواقعة لقناة امريكية اخرى فلم يكن الوزير حريا بان يمنح الضوء الاخضر رغم شهادة شاهد من اهلها. ويزاود وزير الصحة على الشاهد الذى هو من اهلها مصرا على "ان معظم التقارير" حول تدمير الفالوجا وقتل اهلها وغير ذلك "مبالغات وتقارير سياسية". سوى انه لا يقصر في الاقرار بان ما يحدث في الفالوجا "على درجة كبيرة من الاهمية لتكريس أمن العراقيين بوصف ما يحدث بكامله غير منقوص يبقى السبيل الى القضاء على الارهاب واعداد العراق للانتخابات" فللمجتمع الديمقراطى المقبل وللمستقبل الموعود.

فكأن القضاء على الارهاب-و قد تعين حقل الغام لغة قاموس Lexicon التدليس الرأسمالي-على جعله مفهوم مطلق-عملية تتم في فضاء مطلق معقم من القتلى الا ما خلا قتلى الامريكان وقوى الاحتلال عسكريين ومدنيين. فقد اكد وزير الصحة العراقي "ان ليس لدى الحكومة أي دليل على تلك الامور التي يلفقها اعداء الديمقراطية واقرار السلام في العراق". وبالمقابل يمارس الزيبار برفض تدخل دول الجوار في حل مشكلة النجف ما درج شارون على ممارسته ازاء المشكلة الفلسطينية. ذلك أن أي تدخل خارجي من شأنه فضح تجاوزات الاحتلال الامريكي بحق العراقيين بسمسرة بعض جهابذة العراقيين قياسا على ما يحيق بالفلسطينيين جراء الاحتلال الإسرائيلي بسمسرة عملاء اسرائيل في السلطة الفلسطينية وغيرها. فتحت أي ظروف تعمل حكومة العراق الانتقالية؟ والى اين هى منتقلة؟ هل كانت بندقية وراء ظهر كل وزير؟ أم ماذا؟

فليس ثمة حرية في العراق كما لم تكن ثمة حرية تحت حكومة فيشي، ولقد شارفت الحكومة العراقية الانتقالية ما يفوق التصور. فلا قياس علي تلك الحكومة سوى ربما حكومة فيشى برئاسة فيليب بيتان-1856-1851-المتواطئ مع النازى ابان احتلال فرنسا. وقد حوكم بيتان بتهمة الخيانة العظمى بعد تحرير فرنسا وبقى في جزيرة ديوIsle d Yeu  حتى مات. فكيف يدق بعض قادتنا صدورهم ويجأرون وكانهم آتون بما لم يأت به الاوائل"؟

مباح لهم الغضب ومغبته وحرام علينا:
يشاع فورا أن المارينز المذكور فعل ما فعل-ان كان قد فعله- فلانه رأى زميله يقتل بجثة عراقية ملغمة. وتحتمل الجملة الاعتراضية اكثر مما تحمل الجملة الاصلية. ذلك أن كل شيء رهين بالتحقيق في الواقعة وبالمغالطات اللامتناهية وبتحوير الكلام حتى لا يبقى به ذرة من معنى اذ يضيع المعنى في ابيستومولوجيا التكاذب التكتيكي ذاك. هذا وان فعل المارينز المذكور فعلته حقا فذلك جراء الغضب لموت زميله بمغبة قنبلة يدوية وضعت تحت جثة عراقي. فالعراقي مسئول مثلما كان الجزائري مسئولا عن موته في رواية كامو او كامى بعنوان "الغريب". فالغضب يدفع الانسان- المتحضر بالضرورة- فالانسانية والتحضر صنوان- وقد اقصي غير المتحضرين عن حظيرة الايمان فالانسانية -الى اتيان افعال لا يقترفها المتحضر في أي وقت آخر. فالغضب يخرج المتحضر عن طوره حتى يشارف البربري. ذلك أن الغصب الذي يخرج المتحضر عن طوره حتى يرتكب ما لا يليق به لا يليق بسوى المتوحش والبربري في حالة الاخير "العادية". فكأن المارينز كان يتجول في بستان عندما حدث له ولزميله ما حدث. وكأن وجوده في العراق أو في افغانستان أمر طبيعي، وانه بهذا الوصف حري بان يقيض له حالة طبيعية كونه هناك في مهمة نبيلة، فهو غير معتدٍ ولا غازٍ ولا عدواني ولا قاتل الابرياء. وقياسا فالغضب الذى يتملكه لا يتملك غيره من البشر في مواقف مشابهه. فهو وحده القادر على الغضب امام العنف والدماء وبخاصة عنف الأوغاد الذين سفكوا دماء زملاءه الطاهرة. فعنف المارينز مبرر ودماء العراقيين لا حساب لها، ولا يثير فعل المارينز غضب العراقيين ولا يبرر ردا غاضبا. وإن حدث وعبر العراقي عن الغضب فغضبه غير عقلاني مرفوض مقزز.

وما ينفك الاعلام يبدأ من جديد حملة تضليل اخرى مفادها أن حادثة المارينز المذكورة فريدة. فما جرى في الفالوجة على اكثر من اسبوعين، وتباعا من القصف بقوة نيران غير مسبوقة، لم يرق دما ولم تنتشر جراء ذلك القصف جثث العراقيين في الشوارع، ولم يقع مدنيون وغير مدنيين في بيوتهم قتلى نتيجة تلك النيران. وقد شاهدنا الشوارع والبيوت تقصف على شاشة التلفيزيون بالقنابل العنقودية فيما كان المارينز مهتاجين غبطة بسحر سلاح يجربون انواعه واجياله غير المجربة من قبل لاول مرة، على أولئك الوحوش الذين يتربصون بالديمقراطية العراقية المنشودة الدوائر، ويؤجلون عقد الانتخابات التي ستأتي بحكومة العدل والحرية. فلم توقع كل تلك النيران غير المسبوقة قتلى بين العراقيين، وان اوقعت فذلك ثمن يستحق دفعه مقابل الديمقراطية والعدل والحرية. أتذكرون! كيف جأرت المحظية الملكية مادلين اولبرايت "أن موت نصف مليون طفل عراقي ثمن يستحق دفعه لإسقاط صدام، فتحرير الشعب العراقي". سوى أن موت مارينز واحد ليس ثمنا يستحق دفعه مقابل نفط وماء وثروات العراق وغير العراق. ونذكر بالمقابل ليل نهار بعدد قتلى المارينز وجرحاهم، وتقوم الدنيا ولا تقعد لموت سباك مرتزق يسمى نفسه مهندس ويمارس العصف الجنسي بالأطفال، فزوجته في سن احفاده.

ما الذى يدفع المارينز لرفض الاذن للهلال الاحمر بدخول الفالوجا؟ ولماذا يجأر قائد المارينز امام الحاح الهلال الاحمر العراقي بانهم "هم اللذين سوف يتولون امر تقديم الغوث الانساني لأهل الفالوجا علاجا وغذاءا؟

تدمير المساجد مخطط قديم:
فيما يقول شهود عيان أن الجثث تتخثر في الشمس على طول شوارع المدينة وعرضها في البيوت يقول اعلام وتقارير المراسلين المرقدين أن الامريكان لا يدخلون المساجد. الا أن شهود عيان يؤكدون أن الفالوجة مدينة المساجد، لم يبقى بها سوى بضعة مآذن. فالامريكان ليسوا معنيين بتنفيذ مخطط كشفه طالب من جامعة هارفارد شارك في برنامج غب هدم مسجد امريتسا المدينة الهندية في 1982 وعمره 500 عام. فقد اطلع الطالب المذكور على وثيقة تخطط لتدمير كافة المساجد الهامة في العالم من مسجد امريتسا الى مساجد البوسنا العريقة والقيروان فالمسجد الاقصى والأموى والازهر الشريف، الى تاج محل الخ. ويطلق مسئولون اسرائيليون منذ وقت تصريحات وتيرية تمهد لوشوك تدمير المسجد الاقصى ويقول خبراء متخصصين في الشأن أن تاج محل -و لم اكن- واعترف أن لم اكن اعرف انه كان أكثر من ضريح جميل شيّده زوج محب لزوجته، حتى زرته من بعد، أن تاج محل مهدد بدوره بالتدمير.

المهم لا يقتل الامريكان الجرحى ولا يدهسون من يرفع الراية البيضاء مستسلما بالدبابات في شوارع الفالوجا، ولا يدمرون المساجد. كلا فوزارة الدفاع الامريكية تطلق التصريحات بان التحقيق جار في الحادث المذكور، وأن القوات الامريكية تقاتل بأرقى تقاليد القتال، وأن الامريكان اكثر من يحترم مقدسات الناس في كل مكان.

كيف عقم اجتياح الفالوجا من الدماء والمآذن:
يعلن المتحضرون اشمئزازهم مما حدث حتى يخدع البرابرة السذج بان القائمين على اجندة الحرب على العراق قوم عدل بوصفهم قوامون على الديمقراطية والحرية. وسوف يصدر قاض-ان قدم المارينز المذكور للمحاكمة اصلا-حكما ببضعة اشهر وقد يبرئ المارينز. والا فكيف باتت فظائع ابى غريب في طى النسيان؟ وماذا حدث للمتهمين في تدمير المساجد وفي القتل والاغتصاب ونهب الاثار والثروات والتاريخ؟

أبو غريب وعدالة المنتصرين:
كانت محكمة بولاية كنتاكي أدانت الاثنين 7 سبتمبر 2009 الجندي الامريكي ستيفن جرين باغتصاب عبير قاسم حمزة الجنابي (14 عاما) وقتلها هي وأسرتها قرب بغداد في عام ،2006 وقد تصل عقوبته إلى الإعدام, الا أن جرين (24 عاما) حوكم أمام محكمة اتحادية كمدني بتهمة القتل والاغتصاب وعرقلة العدالة بعد أن القي القبض عليه في أعقاب تسريحه من الجيش الأمريكي في وقت لاحق من 2006 بسبب "اضطراب في شخصية" جرين جراء ما عاناه ابان الحرب على العراق.. وقياسا اتخذت الاضطرابات النفسية ذريعة لتخفيف العقوبة عليه. فالفرد الغربى سواء جندى او مدنى ليس حريا بارتكاب جرم فاحش الا جراء اضطرابات نفسية. والحرب-التى يدفع اليها مئات الاف الجنود وقد دربوا على العنف فباتوا الات للقتل – هى المسئولة عن عنف الجنود. فالجنود ملائكة لولا الحرب. وهكذا في دائرة مفرغة. وعليه فقد أصدر قاض حكما بمحض 8 اشهر سجنا بحق احد المتورطين في الاساءة البليغة لسجناء ابى غريب. ولم يعد احد يسمع عن المتورطين الآخرين وقد راحت لغة خطاب وقانون محاكمة الاخيرين-ان تمت- تصدرعن كون المدنيين العراقيين وغيرهم ليسوا وحسب خسائر موازية وانما قد لا يزيد موت مئات منهم عن مأساة. وبالمقابل يغدو موت الاف العراقيين محض احصاء تتم المغالطة في أعددهم ذلك اما لان المنهج المتبع في الاحصاء غير مؤتمن Unreliable او أن اللذين قاموا بالإحصاء مغرضين يتعينون على اجندة سياسية معادية لعملية تحرير العراق واقرار الديمقراطية وربما معادين لأمريكا او لان أمريكا لا تحسب حساب لتلك الخسائر.

ويبقى بعد كل شئ واهم ما وقع بحق العراقيين هو أن من قام بإجبار المعتقلين العراقيين على ممارسات تحرمها او تستهجنها ثقافتهم، او اي ثقافة محترمة تحترم البشر من تجريد الرجال والنساء وايقافهم عرايا، ليس وحسب أمام أعين الامريكان رجالا ونساء من الحراس والمحققين الرسمين ومقاولي التحقيق والاستخبارات الخصوصيين، الى تكويمهم على غرار الكلاب Dog Pile في مواسم التعشير، وانما أمام عدسات كاميرات تتلذذ بإهانتهم، ولا تخفي تشفيها في العراقيين-ان من فعل ذلك لم يكن غافلا عن معنى ما فعل بالعراقيين. وبنفس القدر كان المارينز يدرك معنى استباحة حرمة المساجد، ومعنى قتال العراقيين في الشهر الحرام. فلم يكن ما فعل المارينز يعنى وحسب تدمير مساجد الفالوجا والاجهاز على الجرحى العزل ممن استجار بالمساجد، بعشرات الطلقات النارية فيما لم يسمع لزملاء المارينز صوتا يحتج على ما فعل، وانما كان ما يفعله ذلك المارينز بإدراك كامل لمحتوى اقتحام مساجد الفالوجا، بكامل احذية المارينز.

كومة من الكلاب على شاشات التلفاز حول العالم:
وكان الذين قاموا بتعذيب العراقيين في أبي غريب يدركون جيدا أي مهانة تلحق بالعراقيين والعرب والمسلمين لانهم كانوا ملمين بصورة عميقة جدا بمفاهيم ومحتوى مثل ذلك النوع من "التعذيب". فرغم أن السجون الامريكية تمارس التعذيب، الا انه قد لا يعقل أن تكون "كومة الكلاب" تلك من بين اساليب التعذيب في السجون الامريكية. وكانت الصحافة الغربية مرت على تلك المهانة في جملة قصيرة اعتراضية، صبيحة نشر النيويوركر للصور الشهيرة، ثم ما انفكت أن سكتت عن ذكر المحتوى الحقيقي لتلك "العقوبة" المشينة، بمحض الاشارة اليها بوصفها "تكويم" المعتقلين "على شكل هرم".

ومع أن الصحافة ليست متجانسة فلكل مؤسسة اعلامية اجندتها، ومنها ما يتحكم في غيره بصورة رادعة فيما تبدو الصحافة الغربية مستقلة، الا أن معظمها كالصحافة الانجلو ساكسونية والانجلو امريكية - وقد ارغمتا بسلطة وأموال روبرت ميردوخ وغيره من اباطرة الاعلام - لا يعدم أن يتواطأ فيما بينه بالصمت، ويتستر أو يكشف انتقائيا، وقد يعتذر عن فعل أو واقعة. الا أن محصلة تقارير معظم الصحافة المذكورة النهائية قد لا يزيد او يقل عمن يضرب ويلاقي او-يقتل القتيل وقد يمشى في جنازته، أو لا يمشى.

3. العنف والاشمئزاز وميثولوجيا البقاء للاطلح (من الطالح وليس الصالح):
اقول قد يتأفف الغربيون احيانا كمثل من يعطيك من طرف اللسان حلاوة عما اقترفه بعضهم او عما اقترفه اسلافهم وكأنهم هم توقفوا عن اقتراف القبح والابادة. فاذ يتأفف المتحضرون مشمئزين يفتعلون التبرؤ "داروينيا" من كل صلة لهم بالاجرام والمجرم والاتصال بأشياء المجرم فيصدر الاعتذار أن تم عن تعال وليس عما يقترفون بحق الانسانية غير البيضاء جميعا. وكانت "الداروينية"-و قد فلسفت باكرا فلم تعد تصدر عن اصلها العلمي الموضوعي - جأرت من ثم بان الاشمئزاز يحمى الانسان من الاشياء الضارة ضمانا لنشوئه الى أعلى، فالاشمئزاز معيار للنشوء فالتحضر. ذلك أن عاطفة الاشمئزاز حرية بان تدفع الفرد الى تفادى ما يعرضه للخطر. ويدعى أحد المفكرين انه بقدر ما ترتقى المجتمعات تتزايد الاشياء التي يشمئز اعضاء تلك المجتمعات منها، فيجدونها عنيفة أو يرونها مقرفة. فهل ذلك هو السبب وراء تعقيم الاخبار مما يثير قرف المتحضرين؟

عندما يصبح القبح والقرف فنا يباع بملايين الدولارات:
كيف يتسق تعقيم الاخبار مما يثير القرف مع تعريض الناس مع ذلك وبالمقابل وتعريض بعضهم لنفسه بخاطره للقبح والدمامة؟ كانت ثقافة القبح والفحش والدمامة قد راحت تنشر قيما فنية وادبية ما بعد حداثية تعرض في المتاحف وتمنح جوائز. فمن رأس بقرة في محلول الكلوروفوم الى صورة العذراء بروث الافيال الى سرير منفوش تتناثر حوله حفاضات قذره الخ. وقياسا تقبل أعداد لا مسبوقة من المتحضرين على استحضار صور الدمامة والقبح والعنف والقرف، والوقوف طوابير وقد دفعت ثمن بطاقات باهظة احيانا لحضور معارض ولمشاهدة صور دمامة وقبح مكثف في الادب والفن والشبق في السينما والتلفيزيون الغربي.

وقياسا لم يعد الناس يتعاملون مع مواضيع القرف بنفس الصورة السابقة بل بتعاطي بعضهم ويمارس كثيرون العنف الموجه للذات او للاخر-المتراضى- ويتعينون خفية- او علنا حسب القنوات وساعات الارسال المتلفز- على ممارسة تجارب العنف وما يثير الاشمئزاز. ويشاع أن ديكارت كانت له ابنة متبناة أحبها كثيرا، الا انها ماتت في الخامسة فخلق لها دمية مشابهة، واخفاها في كوخ بآخر حديقة بيته، وكان يزور الكوخ بصورة دورية لرؤية الدمية، ثم ما ينفك يضرب الدمية ضربا مبرحا.(3) ويعتبر البعض القرف تكييف بيولوجي دارويني مع كل ما يصلنا بأصولنا الحيوانية وبنهاياتنا المحتملة فيعدنا نفسيا لتقبل ما ينتظرنا من التعفن والتخثر فالتحلل Decay. ويقال إنه حتى الاطفال يرون العالم عبارة عن أجساد وأشياء مادية وقابلة للتخثر او الكسر، مما يشجعون أحيانا على ممارسته في سن باكرة باللعب التي يكسرونها ويمثلون بها.

وتتغاير الثقافات من حيث العنف والاشمئزاز ويتصل العنف فالاشمئزاز بمفاهيم سياسية فيردا الى سياسة حزب او الى فعل وفكرة او حركة بحيث يغدو كل ما يتصل بالأخيرات عنيف ومقرف مثلما يلصق العنف بالمقاومة العربية والاسلامية فتوصم الحركات الاسلامية بالارهاب بلا انتقاء فبما يثير الاشمئزاز. ويتخذ رد الفعل على صور الدمامة مثلما بابى غريب تعبير عن الاشمئزز فالتباعد بالنفس عن الدمامة سواء كانت بفعل بضعة امريكان فاسدين لا يمثلون امريكا النقية الطاهرة من دماء السكان الاصليين وغيرهم. فقد عقمت الحرب على افغانستان على البوسنة من قبل وغيرها من اشلاء ضحايا القنابل العنقودية والصواريخ الموجهة "باحكام"-أو بفعل "هجمات الارهابيين". وترتيبا يغدو من عدى الاخيرين أرقى ونقيضا لهم معا.

4. تحور مفهوم الاشمئزاز تزويقا للتعالي على المعصوف به:
تحور تعريف الاشمئزاز عما كان يتصل بالإحساس بالضرر البدني الى ما يتصل بالتضرر روحيا. وقد بات الاشمئزاز من مرأى صور وافلام تعذيب العراقيين في سجن ابى غريب تزويق للتعالي والتباعد بالنفس عن مثل تلك الافعال بوصفها ادنى من الامريكان والانجليز وغيرهم من المتحضرين. فلا يحمل اشمئزاز بوش ورمسفيلد وبلير واعتذارهم او الاقرار بوحشية التعذيب. كما لم يحمل اعتذارهم-ان حدث- أى وزن سياسى او اخلاقى في المحصلة النهائية. فلم يزد موقف بول وولفوفيتش- نائب وزير الدفاع في ادارة بوش الاولي-2001-2004- اذ يردد الاخير طويلا- قبل أن يعتذر امام لجنة التحقيق في احدث ابى غريب- ما لا يزيد عن التعبير النمطي المخاتل دون أن يغادر موقف نظائره كثيرا أو قليلا. ويكرس الاشمئزاز الفرق بين اللذين يشمئزون من التعذيب بمباعدة ما بين انفسهم وبين من يثيرون الاشمئزاز وبين غيرهم من القوم الدهماء العاجزين بطبيعة تخلفهم بل انحطاطهم عن الاشمئزاز. ذلك انه حيث يثير القبح اشمئزاز الاقوام الراقية المتحضرة فكأن من عداهم عاجز عن الاشمئزاز لكونه منحط لا يرقى داروينيا الى مرحلة القدرة على الاشمئزاز. بل أن القياس الداروينى يجعل من الاخير مدعاة للاشمئزاز فكيف يشمئز الفرد المنحط من شأنه هو. وتغدو محصلة القياس بين الانسان الراقى والمنحط سبيل التفريق بينهما.

تعالق الانحطاط والعجز عن تشييد انظمة ديمقراطية
وقياسا يستقطب الرقى والانحطاط الافراد بين القدرة على اشادة انظمة ديمقراطية والعجز عن التعين على خلق شرط الانظمة الديمقراطية. فثمة ثنائيات لا متناهية تستقطب "البشرية" اجتزءا منذ هزيمة قرطاج ونشوء روما ربما، ويقينا غب سقوط غرناطة منذ 500 عاما. وقد يسرت تلك الثنائيات الاجتزائية Reductive Dichotomies وهي واحدة من المفهومات التي انتجتها او-و اعيد تعريفها تباعا-و قد تسترت تلك المفهومات الواقفة فوق راسها طويلا وراء "العلم" و"المعرفة" الغربيين-يسرت اجتزاء العالم بين الخير والشر وبات من ليس مع الاقوياء ضدهم فعدوهم يستباح دمه.

كتالوج التفاحات العطبة على رؤوس الاشهاد:
كانت ليندى انجلاند Lindy England تلك المرأة التي شاهد العالم صورة من صورها العديدة وهي تجر عراقي في سجن ابو غريب بمقود كلب. وكانت ليندي انجلاند فيما يبدو منذ البدء صديقة جندي يدعى جرانر. وما كانت تفعل أي شيء الا من اجله، ولم تلبث أن حملت وقتها منه. كما كان يبدو انها كانت تنصاع لأهوائه وهواجسه. وكان يبدو شخصية غير سوية تماما، وان لم يكن أي من ابطال ابو غريب الامريكان تبدو عليه السوية. الا أن استهداف ليندي كان ظاهرا، كان واضحا أن كانت تعد لان تكون ضحية مسبقة. وقد كان! فقد تم التخلي عنها عندما اعترفت، ولم نسمع عنها من بعد، وكأنها عنوان على التفاحة العطبة (3).

وبالمقابل فان كان الجندي جو داربى هو الذى كشف صور ابو غريب الشهيرة، فقد تم التشهير به هو الآخر بصورة اشد لؤما. ذلك أن دونالد رمسفيلد وزير خارجية بوش الابن ذكر اسم جو داربي أمام لجنة التحقيق التابعة للكونجرس، وعلى شاشة التليفزيون امام الكاميرات، مما فاجأ الجندس وقد اعلن اسمه على الملأ. ومع ذلك فقد ارسل له رامسفيلد خطابا يشكره، يقول فيه إنه لم يكن يعلم أنه طلب أن يبقى اسمه سرا. إلا أن جو يؤكد أن ذلك مستحيل. فرامسفيلد يعرف كل شيء، وكأنه كان بذلك يعرض حياة جو عمدا للخطر. وحين دعي جو للعودة من العراق فقد أستقبل عند عودته بحراسة مشددة، وقيل له انه لن يستطيع أن يعود الى مدينته، لان حياته باتت معرضة للخطر. ذلك أن بعض الامريكان رؤا أن جو عرض حياة بعض الجنود الامريكان في العراق للخطر. فالامريكان لا يرون الامور الا باللونين: ابيض واسود، ومن وجه نظر ضيقة تصدر عن وطنية متعصبة، ومن ثم اعتبر معظمهم أن جو خائن يستحق القتل.

وقياسا لم يكن معدى من أن يذهب جو واصدقاؤه تحت الارض مختبئين، فم يعد أي منهم يجرؤ على الخروج الى أي مكان بدون حراسة مسلحة. وقدم جو شهادة في محاكمة برينزر صديق لنيي انجلاند المسكينة. وكان بول بريمر اول حاكم عسكري للعراق المحتل، يحدق في جو طوال المحاكمة بحقد ومرارة، فيما كان على جو أن يبدأ حياة جديدة بعد المحاكمة. فقد اضطر وذويه الى ترك كل شيء وراءهم، وقد فقدوا كل شيء الا هويتهم، فلم يتخلوا عنها. وحيث ترك جو الخدمة العسكرية وراح يبحث عن عمل اخر في مكان اخر، الا أن تاريخه لم يقيض له ذلك، فيما كان يرى جو انه جندي قام بواجبه، ولم يكن نادما على شيء.

ان الرب يحب امريكا فلماذا يكرهها المسلمون؟ا

لم يكن اطلاق وابل الرصاص على ذلك الجريح العراقى الاعزل حادثا فريدا الا أن عين كاميرا متلصصة كانت لما حدث بمرصاد التنافضات السياسية الايديولوجية الامريكية. فامريكا، ليست امريكا بالطبع متجانسة، ولا هى ملكية خاصة لسلطة آل بوش الأسراتية. وبنفس قدر تناقضات القوة "الديمقراطية" الأكبر في تاريخ البشرية، لم يكن التعذيب في السجون العراقية شيئا استثنائيا. ذلك أن طبيعة السجون الامريكية نفسها- وقد خصخصت باكرا- لا تفضل معسكرات الاعتقال خارج امريكا. ذلك أن عدد المساجين الامريكان ومعظهم أسود، قد تضاعف ثلاث مرات خلال ال 35 عاما الماضية، فقد باتت السجون الامركية تضم 25% من المساجين في العالم. ويصدر اكتظاظ السجون وخصخصة ادارة السجون الامريكية عن قانون العقوبات الامريكى. وتخفي تلك السجون تمثلات القبح والجريمة عن أعين الامريكان "البريئة" او-و الغافلة وقد بات الفرد الأمريكي على قابلية محيرة لاستهداف الغفلة.

وحيث تحل امريكا صورة العرب والمسلمين مكان صورة المحكومين بالإعدام، يسقط معظم الامريكيين القبح والجريمة والشر على العرب والمسلمين. فالاخيرين يتربصون بالأمريكان - البريئين من كل مسئولية الاخيار الغيريين اللذين يخرجون عن طورهم لـ"مساعدة" العالم- الدوائر فيما ينفث العالم على الامريكان النعم التي يغدقها عليهم الرب بوصفهم مؤمنين يحبهم الرب بصورة خاصة. فهم أمة مباركة من عند الرب الذى يعرف الامريكان شخصيا فردا فردا. فالأمريكان يخاطبون الرب بهذا الوصف في البيت الابيض وكنائس الحزام الجنوبي الخ، ويجأرون ببراءة تتقطع لها نياط القلب "لماذا يكرهوننا؟"

وأزعم أن السجون الامريكية حرية ايضا بان تحمى الامريكان من التفكير في قصور بعضهم المعنوى. ذلك انه أن اسقطت امريكا كل الشر على اقلية من المحكومين بالاعدام فان معظم المجتمع الامريكى يرتاح على براءته من كل عيب. فان حكم بالاعدام على "الشر" فقد سلم الجسم كما الفصد من الدم الفاسد وكما استئصال الاورام الخبيثة. وما أن يستأصل الشر حتى يستغرق المجتمع هانئا سعيدا في نوم العوافى.

 تعقيم العنف من مغبته:
بقى الغرب بقيت الرأسمالية-الصهيونية العالمية تقترف الاثم بحذق وحصافة الا أن امريكا تأثم بفحش معلن. رغم أن العالم كان حريا بان يستهول التعذيب الذى يجرى في المعسكرات الامريكية المنتشرة في كل مكان في عالم معلوم، او مجهول، يخصها العالم ملكية خاصة لأمريكا. أن ما هال المحافظين الجدد كان في الواقع افتضاح المسكوت عنه أصلا. فلو لم ينكشف الامر لما تغيير شيء. وقد وجدتني استعيد فجأة- بعد حادثة الولد المارينز الذى اطلق وابلا من الرصاص على جريح اعزل في مسجد بالفالوجا ومن أنه لولا كاميرا أحد مراسلي قناة فضائية امريكية لبقيت الفالوجا معقمة من الدماء - كشف اننا نادرا ما شاهدنا -صغارا- دماء في افلام الكاوبوي.

فعلى قدر ما راح ضحية البطل الجرينجو- وقد بات كمثل الفزورة بحجم الكف ويقتل 100 والف- من اعضاء قبائل السكان الاصليين من الاباتشي والتوماهوك منفردا -لاحظ(ى) كيف تحولت اسماء قبائل سكان العالم الجديد الاصليين الى ماركات سلاح عارم القوة - فان دما لا يراق على شاشة السينما. وكانت الاخيرة قد استعارت باكرا ما حاق بالتلفاز من دمج صناعة الترفيه والتسلية والاعلام في احبولة واحدة لا مسيسة Depoliticised ذات الف وجه ووجه من الاكاذيب، وانصاف الحقائق والتزويق، وكل شيء الا ما خلا وجه الحقيقة. فان بات على الاعلام يستخدم اليوم أكثر من أي وقت مضى سلسلة من الأكاذيب فالإعلام حريا بالا يعكس الحقائق التي على الارض. ذلك أن الاعلام لا يألو جهدا في تمرير انصاف الحقائق في افضل الشروط. فقد تواطأ معظم الصحفيين مع الساسة على تزويق الاكاذيب. اي أن الاعلام لا يقدم للناس ابعد من عالم افتراضئ مواز للعالم الحقيقي وخصما على الحقائق. وقياسا فان احتفل العراق باليوم الوطني لـ"خروج" القوات الامريكية الثلاثاء 3- يونيو 2009 جأرت وكالات الانباء بالتقدم العظيم، وكأن القوات الامريكية خرجت او ستخرج من العراق، وكأن امريكا لم تنشئ اكثر من 50 قاعدة في العراق، واكبر سفارة لها في العالم.

ذلك انه أن كانت الصحافة يوما السلطة الرابعة الا أن الاعلام اليوم بات - مع هيمنة الرأسمالية المالية-الجبهة الرابعة The fourth Front فالإعلام اليوم هو المؤسسة الاكثر قوة وسلطة على الناس. وقياسا فالاعلام يخدم مصالح عالم المال والاعمال  The corporatize worldوالدولة وقد غدت الاخيرة قريبة جدا من اصحاب المال والاعمال وفي خدمتهم بدورها. فان يمهد الاعلام للحرب فانه بهذا الوصف يخدم اصحاب المال بالدرجة الاولى خصما على من عداهم.

ويلاحظ الناس في كل مكان كيف باتت غاية الاعلام تدمير القدرة على التفكير لدى الافراد والجماعات بل لدى الشعوب قاطبة، مما بات معه الحوار شبه معدوم. فكل ما يسمع الفرد هو بضعة اراء لبضعة محللين يتكرون يوميا على شاشات التلفاز او-و عبر اثير المذياع وفوق صفحات معظم الجرائد طوال الوقت. ولا تقدم تلك التحليلات أي تاريخ للأحداث أو سياق لها. فان تعين محلل على تاريخ أو سياق موضوعي للأحداث ولما يقول، فان ذلك يكون بمثابة الحكم بالإعدام المدني عليه. ومن المفيد تذكر أن الاعلام العولمي كان قد دمج وفن الترويح. فاستعيرت موسيقى الاخير ومؤثراته الصوتية والوانه وظلاله والتلاعب بالصور حتى باتت اخبار الحرب عبارة عن واحدة من الالعاب الاليكترونية وقد شارفت عالما افتراضيا معقما من الدم والاشلاء والصراخ والانين. وما أن رقد الصحفي بين احضان قوات الاحتلال حتى غدي بدوره احد ابطال الكوميديا الفاجعة The Tragic comedy .(5)

سفر تكوين التطير من الدم المراق:
عندما كنا صغارا كنا مولعين كغيرنا بافلام الكاوبوي وكنا، عزيز صفوت وانا، ندخل سينما كولوسيوم في شارع القصر، في قسم الشعب -من وراء ظهر ابوينا بالطبع- حتى وشى احدهم بنا. وكان قسم الشعب يسمح بالتعليق على الفيلم والصراخ في البطل- الكاوبوي غالبا طبعا وقتها- على غرار سينما باراديسيو مما لم يكن مسموحا به في القسم الخاص بالمشاهدين الرصناء المسفسطين. الا أن المرء لا يعدم أن يذكر بعد كل هذه السنين كيف أن حتى افلام تلك الايام البعيدة، لم تكن تصور مشاهد دامية. وكنا نحذر البطل-الكاوبوي غالبا- ونلعن الشرير-الهندي الاحمر طبعا، قبل أن يغدو العربي الارهابي طبعا. فقد كان الكاوبوي رجل فاضل كريم شهم ينقذ العذارى من فوق جواد أشهب، ويدخل المدينة -اي مدينة-ليحارب الفساد، ويقيم العدل، فيسود الامن والاستقرار. وقد بقيت امريكا تستدعي أخيلة الاباء الاوائل والحجاج وقد حطوا على ارض الميعاد، لينشروا العدل والحرية بين الاقوام المنحطة من الاشرار كالهندي الاحمر، ثم لم تنفك أن استبدلته بالشيوعي الروسي والكوري ونظائره في كل مكان، ثم بالعربي الارهابي المسلم.

هذا وما برحت مدن امريكا تعكس طابع الكاوبوي. فدينفر Denver بولاية كولورادو بقيت -الى حين زيارتي لها منذ 15 عاما- تتمحور حول شارع واحد على جانبيه صالونات مدن الكاوبوي تنتصب عند مدخلها منصة مرتفعة عليها أمر بان يترك الكاوبوي والغريب وغيرهما غداراته قبل دخول الصالون. وما تبرح مدن الميسيسيبى تعكس تلك الرواسب بعد. فأمريكا لم تفطم من الذكريات والحنين لزمان عقم من الدم والعنف بقدرة قادر. ومع ذلك لا تفسر لنا الجرائم التي ترتكب داخل الصالون في الافلام. وحيث ما ننفك نشاهد سينما تشارف الجحيم اليومي بعشرات القتلى وسير القتل والعنف اليومي الا اننا- بخاصة اؤلئك اللذين لا يملكون منا فضاءات عربية- لا نرى دماء ولا جثث. فمن اين جاء التطيير من مرآى الدم؟ ودم من ذلك الذى تصيب اراقته الاقوام الراقية بالتطيير؟ ومن ذلك الذى لا يعنى دمه شيئا الا بقدر ما يتعين على من يريقه المغالطة في اراقته والتستر عليها؟

بل الاهم هو لماذا يتحايل الغرب -امريكا- على التستر على سفر تكوين منظومة القيم التي تؤلف ما يدعى انه حضارة تستنكف سفك الدماء؟ وهل بات التستر على سفر تكوين تلك "الحضارة" وظيفة الثورة المعرفاتية وقد غدت المعرفة على قارعة الطريق او عند نواصي المواقع الاليكترونية بالأحرى؟

تفزع اليهودية والمسيحية من الدم رغم أو ربما بسبب اسماعيل ذبيح الله:
كتبت مرة في علاقة بعض العقائد وثينة وغير ذلك مما هو غربي او-و مغربن ومستقر او-و مثابر على الترحل فالاستقرار بالتذرع  by expediency-كتبت في علاقة تلك العقائد بالدم وكيف أن اراقة الدم بقيت تفزع الاديان الغربية. فقد اصدرت الاخير عن تنويعات وثنية. وقلت إن احراق الساحرات كانت تفاديا لأراقة الدم، وان عقوبة إعدام مجرم بحق العرش، أو الكنيسة كانت غالبا ما توقع بشج الرأس. فقد تحايلت المسيحية الغربية على سفك الدم بشج الرأس في ضربة واحدة، أو بالموت حرقا. فقد أحرق المجدفون قياسا والخصوم من العلماء والمفكرين أعداء العرش السياسيين او خصوم الكنيسة من الطوائف المسيحية على الخازوق. وقد زوقت بعض تلك الممارسات بمحاكم التفتيش. وتزعم النسووقراط أن الاخيرة وراء احراق الساحرات.

وللدم خصوصية معينة في اليهودية الا ما خلا حالات نادرة. فكيف يتساوق ذلك وقد اوشك ابراهيم أن يذبح اسماعيل ابنه من هاجر الأمة المصرية؟ المهم فورا تحدر فزع اليهودية من الدم الى المسيحية التي بقيت تباعد بنفسها عن اليهودية، حتى حلول شرط المسيحية اليهودية منتصف القرن الماضي. الا أن المسيحية الغربية كانت قد باتت بعد قرن او قرنين من حلول بطرس الرسول في كورينثيا وبعض المدن الاروبية الغربية باتت المسيحية الغربية اقرب الى اليهودية. وحيث كان دم المسيح قد انقذ المسيحيين فخلصهم وحدهم من عذاب النار فقد بات ابن الرب الذي ضحى فداءا للمؤمنين رجلا الا أن فكرة أن الرب او ابنه رجل تفزع اليهود رغم أن يهوا يظهر كرجل ليعقوب وينازله في الطريق ثم يعفو ن يعقوب ورأى الرب فكرمهمه بان اسماه اسرائيل. ذلك أن ظهور الرب كرجل يعنى انه يتمثل في جسد من لحم ودم من ثم فهو قابل للتخثر فالتحلل.

وكان ذلك التطيير ظهر بين عقائد عدة من حيث ظهر مثلا بين الشيعة. على أن الجسد بقى بذلك الوصف كل ما يملكه الفرد فلم تلبث اساله الدم أن باتت رسالة رمزية بالفداء. ويرى كثيرون الدم بوصفه مانح الحياة حيث يتحول الدم الى حيوان منوى والى حيض يخلق النطفة والى حليب في ثدى الام.  مصاص الدماء الغريب وتزيق القربان في اكل لحوم البشر :رغم أن أوروبا الغربية لم تكتشف الدورة الدموية سوى في القرن الثالث عشر من علماء العباسيين والاندلسيين، الا أن أوروبا الغربية-و قد ادعت معارف العرب والمسلمين لنفسها، وقد تغافلت الكنيسة والعرش عن سرقات فاحشة بلا تحفظ- الا أن اوروبا الغربية والمسيحية الغربية ادعتا ايجابيات المعارف الانسانية، وراحت تحورها فتشوهها فيما راحت تسقط سلبيات التجارب الانسانية الحقيقية والمختلقة على من عداها.

فقد جاء مصاص الدماء مثلا من الشرق-رومانيا الاوربية الشرقية الغامضة. وبالمقابل لا يمتص مصاص الدماء الغربي لا يمتص الدم، وانما يصيب من يعقره بعدواه هو وحسب. ثم حورت تلك الشخصية فباتت حالة امتصاص الدماء تعبير عن الجنس. وحين حور مص الدماء الى الحجامة بقي القساوسة يقومون بالحجامة -بمعنى استدرار الدم الفاسد بالفصد بالموسى او ما شابه- يصدرون عن الوثنيين من قبلهم معتقدين أن الحجامة تتصل بوجه القمر. ثم ظهرت ممارسة استدرار الدم الفاسد بدود العلق. وكان الطبيب يسمى العلقي -من العلق وهو دودة تعيش على امتصاص الدماء وتستخدم حتى اليوم لعلاج ضغط الدم الخ.

وقد جأء مفهوم المذبح من كل من الوثنية ومن العشاء الاخير وقد تحور الاخير الى القربان المقدس the Eucharist ولم يتحول الخبز والنبيذ الى دم ولحم المسيح في العشاء الاخيرة حتى 1215. ولم يلبث النبيذ أن بات تزويقا لدم المسيح-الذى بذله مضحيا بنفسه من اجل المؤمنين والخبز تزويقا للحم المسيح. فاما ذاك أو التمسك بحرفية وثنية تناول القربان وكأنها تنويعة على اكل لحوم البشر. وكان اكتشاف فصائل الدم فالتعرف عليه في القرن التاسع عشر مع اكتشاف الابرة. سوى انه-و رغم عالمية فصائل الدم-الا أن الغرب بقى حتى الان يتحايل على عدم نقل الدم بين مختلف الناس. ولا علاقة لذلك بظهور الايدز أو اليرقان مثلا. ولا يقبل فرنسى مثلا أن ينقل اليه دما من غير فرنسى. وما ينفك الامريكى يتطوع بدمه قبل أن تجرى له عملية حتى يعاد نقل دمه اليه بعد العملية.

وقد اصطف النيويوركيون بعد 11.9 .2003 للتبرع بدمهم رغم أن نيويورك تملك بنوكا هائلة للدم. ذلك أن التبرع بالدم كان شعيرة او تمثلا رمزيا للتضحية. بمعنى انهم يقدمون دمائهم كما لو كان ذلك نوعا من الاضاحى. وتعود خرافة استخدام الدم بصورة شعائرية الى اليهودية. وقد وصف كافكا دما في مسبح مدركا انه يفسد رمزيا مياه العالم. ولعل كافة تلك التحورات لا تزيد في كل مرة عن تمثلات مجتزأة للحالة الانسانية.

قياس الاشمئزاز على فزع ديمقراطيتهم من الديكتاتورية:
ييسر التفريق بين الاشمئزاز من القبح بوصفه تعبيرعن النشوء الدارويني من ناحية وفقدان القدرة على الاشمئزاز بوصفها تعبير عن الانحطاط من ناحية اخرى, فان قد ييسر ذلك اسقاط فزع الديمقراطية من الديكتاتورية او الاستبداد لا يزيد التفريق بين الانظمة الديمقراطية والديكتاتورية عن الاصدار عن اصطناع فزع الديمقراطيات من الديكتاتوريات التي تفبركها الديمقراطيات نفسها وتسندها وتمولها كما بات واضحا بمغبة حملة حرية العراق والتأكؤ على سوريا على ضوء او عتمة ما يسمى الربيع العربي. فان كانت كل من الديمقراطية والديكتاتورية تخطئ في افضل الشروط فلعله من الجدير بالتذكر أن الثانية هي ثمن الاولي بجدارة مثلما يغدو التقدم مشارفا للبربرية او ببساطة وتبسيط مثلما يغدو موت نصف مليون طفل عراقي ثمنا يستحق دفعه ل "تحرير العراق" او الاحرى تحرير فضاء رأس المال المالي تيسرا لحركته بلا رقيب.

 فبعض ممارسات الديمقراطية بقيت تتسم-مثلها مثل الدكتاتورية-بالقبح والدمامة وما تنفك تزداد قبحا وادعاء لكل ما تتقول به. ذلك أن تمييز الاولى عن الاخيرة يتمثل في أن الاولى تدعي "شفافية" متخاتلة فلا تفصح عما اقترفت الا بعد مرور 30 او 50 عاما وبعد أن يكون الخطأ قد اخذ مفعوله او لا تفصح ابدا. وكانت الديمقراطية يوما "تعمل على محاسبة مرتكبى الافعال النابية" في حين تعجز الديكتاتورية والاستبداد بطبعهما عن الشفافية. الا ن كل ذلك بات من الحكايات القديمة جدا. وقد بقينا طويلا لا نجرؤ على النطق باسم المجرمين الحقيقين جراء تواطؤ الديمقراطية وتسترها على شرور الديكتاتورية. وقد عبر ذلك عن نفسه مرارا في فشل الثورات الشعبية وفي عجزها عن محاسبة الديكتاتوريين.

ذلك أن طبع الاستبداد- وقد تمثل في العجز عن الشفافية –يغدو مدعاة لقرف الديمقراطيين-و هم اللذين يتعينون على تكميم افواه من عداهم كوزير الصحة العراقى المذكور في مكان اخر. وكان نائب رئيس المجلس الاسلامى البريطانى تردد 3 مرات في الرد ابان اجتياح الفالوجا على ما اذا كان يؤيد المقاومة وفى النهاية ومع الحاح مذيع البى بى سى لم نائب رئيسا لمجلس الاسلامي البريطاني الا أن صرح بان الاحتلال غير مشروع وان العراقيين هم اللذين عليهم أن يقرروا كيف يواجهون الاحتلال.

الديمقراطية والتفاحة العطبة: وقياسا يقر الليبراليون الجدد-وتحور بمعنى تشوه لليبراليين الذين كنا نعرفهم- بلا وعى بان الديمقراطية معيار تقاس به الديكتاتورية الا انهم لا يحشمون عن التستر على القياسات الماثلة بين الديكتاتورية والديمقراطية ما بعد الليبرالية على الخصوص. وقياسا لا يرغبون في تذكر أن اسبانيا والبرتغال واليونان بقيت ديكتاتوريات حتى منتصف سبعينات القرن العشرين. ويتستر الليبراليون الجدد-و قد جانبهم التواضع- على أن كل من الديمقراطية ما بعد الليبرالية او الجديدة بوصفها ليست سوى تنويع على الديكتاتورية. فكلتاهما تنويع على الاخرى في المقياس المدرج.

ولا ينظر المتأففون الى مسئوليتهم هم انفسهم في انتاج الديكتاتوريات والطغاة والافراد اللذين يستعذبون اهانة العرب والمسلمين في جوانتانامو وتورا بورا الى ابى غريب وبقية سجون العراق وافغانستان وغيرها من السجون الامريكية المعروفة والمخفية على طول وعرض العالم ومعسكرات الاعتقال والتعذيب او العزف Rendition على اجساد الضحايا وارواحهم تزويقاEuphemistically . وترتيبا لا يعبر اسف المتأففين-ان اسفوا صادقين-من ثم-عن اكثر من كون بعضا من تلك التفاحات العطبة ضبط متلبسا بالفسق والقبح. فحين يعزل الامريكان الجنود اللذين يمارسون التعذيب وقد سجلت في صور ابى غريب الشهيرة لا يفسر الساسة لنا لماذا يتفنن الامريكان رجالا ونساءا في اهانة العراقيين.

ابو غريب وافتضاح حقيقة الديمقراطية امريكية:
وقياسا لا يزيد بوش ورمسفيلد وبلير ووولفوفيتش وشركائهم عن مواصلة خداع الذات بوصف أن افعال أولئك الجنود لا تخص الامريكان ولا تدل عليهم. وانما تدل على فاعليها هم أولئك الافراد الذين يمثلون محض حالات شاذة. ويعقدون قياسات على مشاغبي كرة القدم الانجليز مثلا -و قد جلبوا العار على بلادهم في كافة مباريات كرة القدم. فشتان بين الاخيرين ومشجعي الفريق القومي الحقيقيين. الا انه من المفيد تذكر أن ليس ثمة شبه بينهم وبين الشعب الانجليزي الراقي المتحضر والمعصوف به بدوره. وليس في ذلك مبالغة كبيرة. فالشعب الانجليزي يبقى مثله مثل كافة الشعوب من اعظم شعوب العالم حقا الا أن عليه أن ينقذ نفسه من احابيل الاعلام وسياسة فرق تسد. ولعل ذلك صائر الى التحقق بالحركات الاحتجاجية الشعبية في كل مكان. المهم ازعم أن الاستعرار مما كشفت عنه صور التعذيب المسربة في الصحف الامريكية ابان شهر مايو 2004 وما تكشف تباعا وما يبرح يتكشف من فظائع المارينز في الفالوجا والموصل والرمادى وغيرها من المدن العراقية لم يقابل باستهوال امريكا الا لكون العالم قد اطلع على الصورة الحقيقية لتحرير العراق فدقرطته.

أبو غريب والحقوق المدنية الامريكية
ازعم أن استهوال امريكا لافتضاح تلك الفظائع كان حريا بان يكشف ما هو ابشع بكثير وهو الصورة الحقيقة للحقوق المدنية في امريكا والديمقراطية الامريكية نفسها. ذلك أن اخطر ما حاق بالمشروع الامريكى في الشرق الاوسط هو أن بات الناس على يقين من المعنى الحقيقي للديمقراطية والتعريف الموضوعى للحرية والقيمة النهائية للعدل الأمريكي
. فقد باتت المعرفة والمعلومات على قارعة الطريق وانكشف المستور-فى الوقت الذى تثابر فيه الرأسمالية المالية-الصهونية العالمية الى تسريب فيروس النموذج الامريكي الاقتصادي والثقافي والنفسي بين الشعوب سواء الغنية او المفقرة بالاحتلال العسكريا الاقتصادي. الا أن ثمةبالمقابل ذلك العالم البديل الذى تيسر خلقه وانتشاره شبكات التواصل الاجتماعية وصولا الى الحركات الشعبية الموضوعية التاريخية.

 

اكاديمية عربية وناشطة سياسية اكسفورد الخميس 21 مارس 2013

وهنا فيديو يكشف عن بعض آثار تلك المهمة الإنسانية 

Children Horribly Deformed by US Chemical Weapons in Iraq

هوامش:
(1)         كتبت النسخة الاولية من هذه الدراسة في الاسبوع الثاني لاجتياح العراق. وقد نشرت في الصحافة السودانية في 19.11.2004

 تذكرة لعناصر الثورات المضادة والمثقفين المشبوهين والنخب اياها بمناسبة مرور عشر سنوات على تدمير دولة لا يزيد عمرها عن بضعة مئات السنين مجتمع بزبد عمره على 7 الاف عام.

(2)           انظر(ى) www.BBC4. Co. uk19.7.2004.

(3)           أنظر(ى) جارى يونج Younge: الوحشية :حقائق دامغة Brutality: The home Truths في الجارديان الثلاثاء 11 مايو.2004 ص:7.

(4)           فتجد أن مراسلة صحفية بريطانية-وقد بقيت نكرة طويلا لسنين تترصيد شهرة في افغانستان الى أن سجلت بعد لأي حديث مع حامد كرزاي. الا انها لم تنفك أن انطلقت الى سوريا حيث اوتها سيدة سورية طيبة في بيتها فاخفتها-حسب قول تلك الدعية-و تسترت عليها واطعمتها وكانت تلك السيدة تتضور جوعا-حسب الدراما التي نسجتها تلك الصحفية المحتالة. وتتحول تلك المرأة فجأة الى مصدر موثوق به بل المصدر الموثوق The authority on Syrian به في الشأن السوري في غياب الصحفيين. فالاعلام الغربي ممنوع من دخول سوريا حسب تمثيلية تلك المرأة الماكرة. وتلفق تلك المرأة الاخبار وتترجم ما يقوله السوريون خطاءا متقصدا حتى انشأت سر=ية كاملة عما يحدث بسوريا قبل اي صحفي اخر. فان تحلل تلك الصحفية الوضع السوري والوضع العالمي فانها ايضا تصاحب الامير تشارلز وزوجته في زيارتهما لمعسكرات اللاجئين السوريين عند الحدود الاردنية والخ. وهكذا تجدهم كالمنشار يأكلون طالع نازل. فهم الذين يؤججون نار الفتنة بغية اشعال الفتن وصولا الى الحروب والا فمن الذي اطلق على ما يسمى الحراك العربي ربيع العرب؟ ومن الذى حوله الى نعيم السلفيين وجحيم العرب والمسملين من عباد لله العاديين؟ وهم الذين يقدمون التقارير عن الحروب. وهم الذين ينشرون مؤلفات بعد الحرب وقد باتوا- وبتن- مصدر معرفة عميقة بل سلطة وثقاة بشان المجتمعات التي استضافتهم في زمان الحرب والسلم.