بملامسة إنسانية عميقة لحياة الأسواق الشعبية، وفي حراك فريد، استرجعت العاصمة البحرينية المنامة مساء هذا اليوم (الخميس) ملامحها الأولى وصبغتها الحيوية التي تنفرد بها في نسق اجتماعي وإنساني واقتصادي عبر "سوق باب البحرين" الذي دشّنته معالي وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، بحضور العديد من الشخصيات الدبلوماسية والثقافية، حيث وضعت "المنامة... عاصمة السياحة العربية للعام 2013م" متقابلات حياتية مختلفة، واستوحت من الذاكرة القديمة ومسارات السوق القديم ذات البيئة المدنية وطبيعة نسيجها المتقارب لتستردّ الأزقة مواضيعها المعيشية الاعتيادية ولكن بطريقة حداثية ومعاصرة. إذ شكّل سوق باب البحرين مسارات مفتوحة، توضّب في جوانبها وشوارعها مجموعة من الدكاكين والأكشاك التجارية والمحطات الثقافية للمنتوجات البحرينية والسلع المبتكرة. كما تحوّل الفضاء انطلاقًا من هذا المساء إلى مباشرات ثقافية اهتمّت باستحضار مجموعة من ورش العمل، مشاهدات ثقافية وموسيقية، صناعات تراثية وحديثة في آن، إلى جانب غيرها من الأنشطة والفعاليات.
وفي تدشين هذا السوق بموقعه في باب البحرين ومنطقة السوق القديم، أكّدت معالي وزيرة الثقافة أن هذا الحدث التجريدي يركّز على أنسنة المكان والذاكرة التاريخية، مشيرةً: "نحن اليوم نعبر مجاز ماضينا، ونقف أمام شاهدٍ إنساني لا لنراقبه، بل لنصيغ معًا لغته الإنسانية واتساع روحه"، مردفةً: "هذا الفضاء يستردّ عابريه مرةً أخرى اليوم، وسيواصل، حيث هذه المساحة ستكون أحد مشاريع البنية السياحية التحتية التي تمسك هذا التاريخ وتؤسس لبقائه". وأوضحت أن سوق باب البحرين لا يعيد تدوير السوق بطريقته القديمة، بل ينبش الأنسنة الأولى واللقاءات الحيوية والعفوية، ويستثمرها مرة أخرى لتلائم الحاضر بصورة معاصرة وحديثة، قائلةً: "لا نرغب بإعادة ذات التاريخ، ولكن القيم المكانية والإنسانية هي التي نحاول إبقاءها وإيجادها هنا، ونمرّرها بقلب الأحداث اليومية والمعيشية التي تلامس الجميع".
أما عن طبيعة السوق الذي ينطلق بصورة أسبوعية خلال أيام الخميس والجمعة والسبت حتى أواخر مارس، فقد شكّلت وزارة الثقافة مسارات بقلب أزقّة وشوارع سوق المنامة القديم لتقصّي العديد من الابتكارات والمنتوجات المختلفة فيما يقارب 16 كشكًا، كل واحد منها يقدّم صياغة عملية أو حرفية مميزة، إلى جانب 5 محطات غذائية تقدّم ابتكارات منزلية، مخبوزات، أغذية عضوية، حلويات وغيرها. وحول طبيعة الأكشاك والدكاكين الصغيرة، سيتمكّن الجمهور في الأسبوع الأول من التوقّف أمام مجموعة فريدة من المعروضات والمواضيع، من بينها ما يتعلّق بنشر الوعي البيئي والتغيرات المناخية كما في محطة "المواطن العالم"، فيما تقوم محطة "لمعلوماتك" باختصار العديد من الالتقاطات بصورة بصرية عبر جدار فني مشكّل من مجموعة منتجات مختلفة كالقمصان والوسائد واللوحات وغيرها. كما يقدّم كشك "بابوشكا" لغة فريدة في عرض الأثاث القديم المُجدّد بطرق مغايرة ومعالجات فنية دقيقة. على الطرف الموازي، ثمة إبداعات أخرى تختصّ بتقديم الاكسسوارات، المجوهرات، المشغولات اليدوية، البطاقات الفنية، الملابس، الأدوات المنزلية، أدوات القرطاسية، دمى ولُعَب الأطفال وغيرها. بالإضافة إلى ركن "جي دي بي" الذي يمثّل استوديو تصوير لالتقاط الصور التذكارية والاحترافية.
خارج سياق العمليات التجارية واللقاءات الاقتصادية، كانت للعابرين والزوّار والسيّاح فرصة لمعايشة فضاءات ثقافية متصلة، تفصح فيها العناصر الاعتيادية عن وجهات نظر مختلفة ومنظورات فريدة، تجسّدت في المرّة الأولى داخل معرض "إن تحدثت الجدران" الذي يقدّمه 11 فنانًا شابًا يعيدون اكتشاف عنصر الجدار على اختلاف مواده ووظائفه وعلاقاته بالتكوين البنائي والفراغي ولكن بصورة فنية مدهشة. ويستمر المعرض حتى 6 من شهر مارس المقبل، ويفكّك اللغة السرّ التي قد تحملها الجدران باعتبارها موجود حياتي يحيط بالإنسان ويومياته.
كما تنسلّ في ذات الفضاء اشتغالات مباشرة وتدريبات مبسّطة على شكل مجموعة من الورش العملية، من بينها: "دراجات أبريغو الهوائية"، والتي يقدّم فيها الفنان جورج راهي مشروعه الغريب، معتمدًا على إعادة استخدام المواد الخام والمستخدمة في تصنيع الدراجات الهوائية لاختراع آلات موسيقية، انطلاقًا من فكرة أن الموسيقى الحيّة تسكن كل الأشياء، وإنه بالإمكان إعادة تدوير الموسيقى في الأشياء المحيطة. أما الفنانة "زيي كسلر" فلها طريقتها الموسيقية الخاصة في "الحديقة الموسيقية"، التي ينطلق فيها المشاركون لبحث الأشياء واكتشاف أصواتها، ومن ثم إعادة هندستها وتركيبها كأداة موسيقية، وذلك اعتمادًا على الأدوات والمعدّات المتوافرة في السوق. كما تقدّم كسلر ورشة "دمى الظل" التي تصنع فيها العرائس الورقية وتعيد إيجاد ظلالها في حكايات فريدة.
ومن واقع مشاركته، يندمج كشك "بابوشكا" مع الجمهور عبر ورشتيّ عمل، في الأولى منهما يلفّ المشاركون في السوق لبحث الأفكار قبل التوقّف في محطة ما للقيام بتزيين صناديق المجوهرات وصناعة الأساور والأُطر. فيما يصنعون في الثانية قطع أثاث وديكور من المواد غير المستعملة والقديمة. وأخيرًا، تقوم كلٌ من جنة وحمرا علم بتقديم ورشة للأطفال لتعليمهم مهارات نقل المعرفة لأقرانهم.
وفي يومه الأول، شهد سوق باب البحرين أمسيتين موسيقيتين، في الأولى قدّمت فرقة "أوكتت" مجموعة من المقطوعات العربية واللاتينية التي تفاعل معها الجمهور، فيما قدّمت محطة "معزوفات فاطِمة" انتقاءات لموسيقى الروك. وجسّدت هذه المتواليات الموسيقية ملامسات لحنية وسماعية شفيفة التفّ حولها زائرو السوق. وتستمر الموسيقى في تفاعلها مع العازف بن بيري الذي يقدّم يوم الجمعة مقطوعات منفردة على آلة الكمان، فيما يختتم الأسبوع فعالياته بحضور الساحر البحريني ظافر وأمسية موسيقية في ختام يوم السبت.
ووجّهت وزارة الثقافة دعوتها للراغبين في المشاركة في ورش العمل بتسجيل بياناتهم عبر البريد الإلكتروني: babworkshops@moc.gov.bh.