نادرا ما نلتفت إلى الانجاز الثقافي للسنغال المتاخمة لعالمنا العربي، والتي تعد في بعض جوانبها امتدادا للجدل المستمر بين الثقافة العربية والفرنسية والثقافات الأفريقية. لذلك نطرح على القراء هنا حوارا مع أحد مثقفيها الطالعين، يطرح فيه بعض الاستقصاءات المهمة حول هذا الجدل المستمر بين الرؤى والثقافات.

الماضي لا يصوغنا ولكن نحن الذين نخلقه بحركتنا الذاتية

حوار مع الفيلسوف السنغالي سليمان بشير ديان

ترجمة: محسن الزكري

 

في الوقت الذي جلس فيه سليمان بشير ديان على طاولة مقهى متحف كاي برانلي، خطر ببالي أن شعار المتحف 'حيث تتحاور الثقافات' ينطبق عليه أكثر من أي شخص آخر.
إن مبدأ التهجين بين الثقافات لا يحكم فقط عمل الفيلسوف السنغالي المزداد سنة 1955، بل يحكم حياته نفسها. عاش سليمان بشير ديان في فرنسا حيث درس في المدرسة العليا للأساتذة، وهو يكن كثيرا من الإعجاب لأستاذيه شديدي الاختلاف لويس ألتوسير وجاك دريدا. وهو يعيش منذ 2001 في الولايات المتحدة حيث يدرس المنطق والفلسفة الإسلامية. وبطبيعة الحال يقطن بصفة منتظمة بدكار التي ترعرع فيها، ودرس بها لمدة خمسة عشر عاما، وعمل بها مستشارا للرئيس عبدو ضيوف بين سنتي 1993 و1999. وهو مسلم مواظب وفيلسوف عنيد ومثقف ملتزم (بحذر). إنه قادر على توضيح أفكار ابن رشد للطلبة الأمريكيين، والدعوة في فرنسا إلى اعتراف الدولة بشكل أفضل بمواطنيها المهاجرين، وقادر أيضا على التدخل في التلفزيون السنغالي من أجل تذكير الرئيس واد أن 'الإيقاع الطبيعي للديمقراطية' يفرض عليه أن يغادر السلطة بعد ولايتين رئاسيتين. وخلال حوارنا، كانت النبرة هادئة ومرحة وقاطعة، تعكس من جهة صرامة ثقافية وحكمة روحية من جهة أخرى. وهذا يطبع كلامه بمنحى غير متوقع: رحب ومحسوب، متماسك ورشيق. إن فلسفة سليمان بشير ديان تستعرض تاريخا مضادا لأواخر القرن؛ حيث يبدو بجلاء أن فلسفة برغسون أحدثت تحررا ثقافيا عميقا في إفريقيا والهند، وحيث الحاضر لا يكتسب قوته إلا من خلال الاستناد إلى مستقبل مشترك ينادينا بإصرار. الأكيد أن سليمان ديان صوت ينقص فرنسا في الوقت الحالي.
*
لقد عبرت في مناسبات عديدة عن ضرورة أن تعترف فرنسا بوضوح بتاريخها الاستعماري. فيم يعد هذا أساسيا؟
*
سليمان بشير ديان: سيسمح هذا لفرنسا بإظهار قدرتها على أن تستوعب حقيقة هؤلاء الذين يعيشون في أراضيها، وأن تقول لأطفال المهاجرين، كما فعل شيراك سنة 2005 في أزمة الضواحي: 'أنتم جميعكم أطفال الجمهورية'. إنه لجرح كبير أن يحس المرء بأن ذاكرته غير معترف بها.
*
سترد عليك بعض الأصوات بأن المجتمع عندما ينفتح كثيرا، فإنه لا يعرف أين يتموضع ولا إلى أين يسير.
*
سليمان بشير ديان: إن النقاش حول الهوية الفرنسية وُضع بطريقة خاطئة من لدن حكومة ساركوزي. الهوية أولا هي أن نسير في اتجاه واحد، وليست طريقة ساكنة لإحصاء سلالتنا، والتعبير عنها، والانحراف بها، والقيام بفرز من هو فرنسي بنسب متفاوتة. أعلم أنه يوجد في فرنسا ميل إلى السخرية من الطوائفية الأنغلوسكسونية، ومعاكستها بكياسة بواسطة جمهورية تتعامى عن الفوارق. وهذا خطأ؛ قوة الاندماج في الولايات المتحدة مثلا تحدد بوصفها فكرة مستقبلية؛ نندمج في هذا البلد بالاندماج في الحلم الأمريكي. رغم أن هذا الحلم لا يلائم الواقع دائما، ولكن يظل هناك شيء ما أساسي يجب أن نبقى منتبهين إليه.
*
لقد ترعرعت في داكار، قضيت فترة التبريز في فرنسا، وعملت مستشارا للرئيس عبدو ضيوف، وتدرس الآن في جامعة كلومبيا بنيويورك. كيف تَشكل هذا التجوال العالمي؟
*
سليمان بشير ديان: في الثانوية كنت مشغوفا بالرياضيات واتجهت إلى الهندسة، إلى أن اكتشفت في قسم البكالوريا الفلسفة، وبخاصة فلسفة سارتر التي قرأتها بطريقة نهمة.
*
لقد كان سارتر ملهمك الكبير؟
*
سليمان بشير ديان: نعم، فكره كان حاضرا بقوة في السنغال. مقدمته 'أورفيوس الأسود' لمختارات الشعر الإفريقي التي أشرف عليها 'سنغور' هي نفسها تطاول أرقي مراتب الشعر. عنفه المستاء ضد أوربا الاستعمارية في مقدمة 'ملاعين أرض فراتز فانون' لا يمكن إلا أن تفتن مراهقا متطلعا إلى التحرر. بعدما انتبه إلي أساتذتي استطعت أن أنتقل للدراسة في فرنسا، ووجدت نفسي في أواسط السبعينيات ضمن المدرسة العليا للأساتذة. والتزمت من الناحية السياسية في أقصى اليسار الماوي، وأحسست أني قريب من الماركسية العلمية من لوي ألتوسير. ولكن، بعد التبريز، استطعت أن أَدرس سنة في هارفارد: وعادت رغبتي في الرياضيات إلى البروز، فكانت أطروحتي حول الفلسفة المنطقية لجورج بول.
*
كيف انتقلت إذن إلى تدريس الفلسفة؟
*
سليمان بشير ديان: لقد كان أبي، تماما مثل جدي، فقيها. أنا أيضا مؤمن، ولم أتوقف قط عن ممارسة الشعائر الدينية. فقط في تلك الفترة، لم يخطر ببالي أن أخوض حوارا بشأن الدين، بله أن أدرسه. لقد أصبح الإسلام مركزيا في عملي بالصدفة. في أواسط الثمانينيات، عدت إلى داكار لكي أُدرس المنطق، وذلك دون شك بفعل الأدب الإثنولوجي الذي يؤكد وجود عقل إفريقي 'آخر'. لكن، إلى ذلك الحين، طرأ شيء خفي آخر في الثقافة السنغالية؛ لقد ظهرت نساء منقبات على الساحة، وهذا في سياق الصعود القوي للإسلام السياسي المدعوم بالثورة الإيرانية. وقلنا: في بلد يشكل فيه المسلمون نسبة 94 % من السكان، لا ينبغي أن نكتفي بتدريس الفلسفة الكلاسيكية من أفلاطون إلى جون راولز. لقد كان من مسؤوليتنا أن ندافع عن إسلام متنور يؤمن بحرية الفكر. ولم يكن بيننا أحد متخصص في هذا الشأن، وببساطة، وبما أنني تربيت مع والدي الفقيه وبين كتبه، فقد طلب مني زملائي أن أتكفل بهذا المجال من التدريس، وذلك في انتظار وصول متخصص لما يصل بعد. وبعد التجوال بين السياسة والرياضيات، وجدت نفسي في فضاء إعمال الفكر ومتابعة التقليد النظري الذي بدأه أجدادي.
*
اكتشفت بالتالي المفكر محمد إقبال.
*
سليمان بشير ديان: لقد رأيت كتبه في مكتبة الأسرة، ولكن في فترة دراستي توقفت مثل الجميع عند موت ابن رشد الذي كان بمثابة نهاية العصر الذهبي للفلسفة الإسلامية، فتساءلت: من يمثل امتداد هذا التقليد، تقليد الفكر الحر في عصرنا الحالي؟ هنا ألحت علي كتب هذا الشاعر والمفكر الهندي الكبير الذي مات في 1938، والذي يعد الأب الروحي لباكستان. لقد دعا إقبال إلى إعادة بناء الفكر الديني الإسلامي عبر تأسيس علم كوني غير ثابت بل دينامي: العالم الذي خلقه الله تُرك دون إتمام، وعلى الإنسان أن يتم الخلق. المدهش هو أن تكتشف أن مشروع إعادة تأسيس الإسلام يستند- بنوع من الحوارية الفاتنة بين التراث والحداثة- إلى فلسفة برغسون التي درسها إقبال في بيركلي، والذي التقاه إقبال بباريس سنة 1931.
*
هل يدعو إقبال إلى قراءة القرآن على هدي برغسون؟
*
سليمان بشير ديان: منذ العصر الوسيط يقرأ المسلمون القرآن بمنظار أرسطو. وبما أن أرسطو كان على نحو ما قد ثبت الزمن، فقد علمنا أن نستعمله وكأنه مقدار فزيائي، وأن نتصور الزمن في ضوء قانون حركة ينتقل من الداخل إلى الخارج. إقبال فهم البرغسونية بوصفها انبثاقا جديدا للزمن الخالص. لأن الزمن بالنسبة إلى برغسون ليس فضاء تتعاقب داخله الأحداث. ليس الزمن إطارا للكائن إنه حبكته: الزمن نفسه يعمل على تغييرنا. وبهذا تكتسب بعض الآيات القرآنية الغامضة المعنى. وعلى سبيل المثال فكرة أن الله 'بدأ الخلق ثم أعاده': ما الذي يجعل الله يبدأ العمل في الاثنين ثم يتمه يوم الثلاثاء؟ وعلى سبيل المثال أيضا الحديث الغريب 'لا تسبوا الدهر فالدهر هو الله'. بمجرد ما ندخل إلى هذا الفكر التجديدي، يكتسب النص القرآني دلالة جديدة. يتعلق الأمر إذن بجعل الإسلام يتجدد عن طريق حركته الخاصة. ولكي نقولها بلغة برغسون نفسه، الأمر يتعلق بجعل الإسلام يخرج من 'أخلاق التأثير'، أي من التكرار إلى المتماهي مع الذات نفسها، وذلك من أجل 'أخلاق الانجذاب'.
*
ومن هنا تأكيد إقبال على 'عمل التأويل' والاجتهاد.
*
سليمان بشير ديان: في العالم الإسلامي تحول هذا المبدأ إلى قاعدة فقهية تتجلى في البحث عن حالة سابقة لنطبقها على حالة جديدة من أجل ربط المجهول بالمعلوم والاحتماء من خوف التجديد. لكن على العكس، الاجتهاد، كما يرى إقبال، هو الإبداع انطلاقا من التراث. هذه الحاجة إلى الاستمرارية تؤول النص القرآني من جديد في ضوء فلسفة عيش سرمدية التطور. على عكس بعض الاتجاهات الصوفية التأملية التي تؤمن بفلسفة إضاعة الذات، يؤمن إقبال بفلسفة الفعل المكرس لتحقيق الذات: يتعلق الأمر بالوصول إلى درجة عليا يسميها 'الأنا'.
*
هل يملك فكر إقبال تأثيرا على العالم الإسلامي؟
*
سليمان بشير ديان: يندرج فكر إقبال ضمن الحركة الثقافية التي ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر والداعية إلى تجديد الإسلام مع الحداثة، لكن إقبال هو الذي أعطاها قوة الاندفاع. صحيح أن هناك ضغوطات المجتمع والسياسة، لكن الجدل كان قد انطلق. إن النجاح غير المتوقع لمحاضراتي حول الإسلام في الولايات المتحدة يجعلني متفائلا. والربيع العربي، وعلى عكس ما يمكن أن نفهم من النجاحات الانتخابية الحالية للأحزاب الإسلامية، سيسرع تلك الحركة. إن الضغط يصب حاليا في مصلحة التحديث الديني. الأصولية في نظري هي رد فعل على حراك يتحقق أكثر من كونها حقيقة جوهرية. ولهذا أتأسف على كون مجموعة من الأحزاب اليسارية في أوربا تتجه إلى الإسلاموفوبيا. من الضروري بطبيعة الحال احترام أخلاقيات العلمانية والحرية الفردية والمساواة الجذرية بين الرجل والمرأة. لكن عندما يختزل اليسار الجمهوري في فرنسا الإسلام في بعض الممارسات التعسفية، فهذا لا يقدم أية مساعدة. إن هذا يزود على وجه الخصوص اليمين المتطرف بالأسلحة، والذي لا يتردد في التلويح بلواء الجمهورية والعلمانية من أجل تمويه عدائه للإسلام.
*
هل تعتقد أن الربيع العربي يستطيع أيضا أن يكون له تأثير على الأنظمة السياسية في دول جنوب الصحراء؟
*
سليمان بشير ديان: يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن دول جنوب الصحراء أكثر تقدما من الناحية الديمقراطية من الدول العربية. لقد عرفت السنغال سنة 2000 امتحان المؤسسات الديمقراطية المتمثل في الانتقال الديمقراطي بين من في يده السلطة ومن حصل عليها بفضل الانتخابات. وقد كان هذا مستحيلا في تونس ومصر. رغم أن هناك بعض المحاولات للعودة إلى الوراء فإن السنغال والرأس الأخضر ومالي وبتسوانا وإفريقيا الجنوبية ليس لهم ما يتعلمونه من الدول العربية. بالمقابل يمكن للتأثير أن يكون ممكنا في ثورة عارمة ضد المحسوبية التي بدأت تجتاح البلد.
*
لقد خصصت كتابا لأول رئيس للسنغال ليوبولد سيدار سنغور. كيف تفهم فكرته عن الزنوجة؟
*
سليمان بشير ديان: كنت مثل جيلي، شديد المعارضة للسنغورية في شبابي. وتبدو لي فكرة فلسفة إفريقية فكرة ضالة، وعبارة سنغور الشهيرة 'إن الأحاسيس زنجية مثلما أن العقل هيليني' بدت لي تصورا جوهريا سخيفا. وفيما بعد، وعندما بدأت الاهتمام بالفن الإفريقي، أعدت قراءة سنغور واكتشفت أنه كان يرى في المادة الخطاب الأكثر ذكاء. حدسه الأساس أن الفن، وبخاصة الفن الإفريقي، يعد بمثابة فلسفة ينبغي فكها. إن دلالة الفن ماثلة في الفن نفسه وفي أشكاله، وليس في الأصول الدينية كما يزعم علماء الإثنولوجيا. من هنا يرى سنغور أن في أُس الأقنعة الإفريقية توجد الفكرة والفلسفة والأنطلوجيا التي في ضوئها يعد الكائن إيقاعا بالأساس: إنه تأليف بين القوى والقوى المضادة.
*
وهذه الفكرة وجدها عند برغسون تماما كما وجدها إقبال ..
*
سليمان بشير ديان: هذا فاتن أليس كذلك؟ فها أنت أمام شاعر وفيلسوف وسياسي آخر يتحدث عن 'ثورة 1889' المتمثلة في خروج كتاب برغسون الأول 'المعطيات المباشرة للشعور'.
*
هل تتحدث أنت أيضا عن فلسفة إفريقية؟
*
سليمان بشير ديان: نعم، لأنه من الخطأ الاعتقاد أن الفلسفة اختراع أوربي أوجدته المعجزة اليونانية. الممارسة الفلسفية غُرست في جسد الإنسان انطلاقا من اللحظة التي دفن فيها موتاه، وتساءل حول معنى الحياة وزين الأضرحة بالأعمال الفنية. جميع الثقافات، بما فيها الثقافات الشفوية، لها حظها من هذه القدرة الفلسفية الخالصة، والتي تخولها اتخاذ المسافة من تراثها وإخضاعه للنقد. وهكذا، وعلى عكس الفكر الإفريقي الذي يجعل الفرد ضمن العشيرة، فإن 'ميثاق ماندي' المعلن في الإمبراطورية المالية القديمة في القرن الثالث عشر قد نادى بالحقوق الناجزة للفرد، مخاطبا 'العالم' ككل. وبالإضافة إلى ذلك فإن سنغور يرفض فكرة 'العقلية القبمنطقية'، ويؤكد أن العقل نفسه مشترك بين بني البشر. وتترافق رؤيته عن الزنوجة مع فكر عميق الهجنة: ليست 'كل ثقافة فكرت في حدود الكوني' فقط، ولكن 'كل واحد يجب أن يصبح هجينا بطريقته' أيضا، مما يجعل أن الذي يخلق أصالة ثقافة ما ليس هو تميزها بملامح خاصة، بل إن ما يخلقها هي العلاقة الخاصة دائما بين العناصر المشتركة مع الشرط الإنساني. ومع التركيز على ملامح عوضا عن أخرى، كل ثقافة هي امتداد للوجه الكوني. ونفهم على هذا النحو أن سنغور وهو يتحدث عن الشعور الزنجي والعقل الهيليني، كان يستحضر المفارقة بين النحت الأبولوني الإغريقي الذي يدعو إلى لطف النظرة، والفن الإفريقي الديونيسي الذي يركز على الشعور العنيف. لقد قابل سنغور بين نمطين من الفكر؛ 'عقل الحُضن' و'عقل العين': لوغوس 'رطب واهتزازي' كما هي الفلسفة الإفريقية في نظره، في مقابل عقلانية غربية جافة في بعض الأحيان.
*
في هذا السياق، يبدو أن سنغور مازال معاصرا. ألم تلهمك قراءته ذات النزعة الإنسانية حول ماركس؟
*
سليمان بشير ديان: سنغور يدافع عن نزعة إنسانية ذات طابع روحي، والتي أقلقت أقصى اليسار الإفريقي. ودافع عن كون ماركس قد خُدع بالابتعاد عن النزعة الإنسانية الماثلة في 'مخطوطات' 1844. الآن وقد انهارت الماركسية العلمية يمكن العودة إلى رؤيته الأولى حول الإنسان الكلي في بحثه عن أعلى كينونة وليس عن أفضل كينونة، ويتبدى ذلك، في أقصى تجلياته، في ما هو روحي وفني.
*
بالاستماع إليك فإن مجتمعا لا يمكن أن يكون هجينا بأصالة إلا بالاستناد إلى متطلبات روحية؛ إلى الاجتهاد. ألا تتبع هنا حدس بيتر سلوتردايك الذي يرى أن نهاية التاريخ تترك مكانا لعمل الحضارة؟
*
سليمان بشير ديان: نعم، تحفة الحضارة هو تعلم أخلاقي للهجنة. لا يمكن أن نختزل الهجنة في صدفة بيولوجية مرسومة على النحو الآتي: 'نحن من أصول مختلفة ولكن نلد معا أطفالا ستكون لهم أصول مختلطة'، هنا أجد أن فكر 'الهجنة اللغوية' يظل محدودا، وأفضل صيغة سنغور التي في ضوئها تقوم الهجنة على 'ما ينبغي أن يكون': 'كل واحد يجب أن يكون هجينا بطريقته'، يجب إذن أن أنشئ عملا فنيا في ذاتي، وأن أتثقف بالهجنة، وأن أتحضر بأن أصير هجينا. بهذا المعنى أكون قد تبنيت بطريقتي الخاصة تصور سلوتردايك: انتهى التاريخ مادام أن جميع البشر قد تلاقوا، وأن الجميع قد أصبح جارا للجميع، وبدأت بالتالي تحفة الحضارة من أجل العيش المشترك في هذه الأرض.
*
هل يبدو لك هذا مسجلا في أجندة الإنسانية؟
*
سليمان بشير ديان: ليس بمعنى أن هذا سيحدث بالتأكيد. ولكن إنها مهمة تنادينا. ونصادف من جديد نتيجة أساسية للفلسفة البرغسونية حول الزمن الخالص: إذا لم تكن اللحظات تتعاقب بل تتداخل، فإن المعنى يأتي من المستقبل. فانطلاقا مما نريد أن نفعل في المستقبل ينبغي أن تُتخذ قرارات اليوم، وأن يُعاد تأويل ما كان عليه ماضينا. هنا يتجلى أساسي السارتري القديم: الماضي هو وضعية، حالة فعل، في انتظار دائم لمشروع لكي يكتسب معنى. يتعلق الأمر بالحوار مع ما رُزقنا إياه: على سبيل المثال القيام بتأويل تراث الإسلام في ضوء مشروع للمساواة الجذرية بين الرجل والمرأة. الماضي لا يصوغنا، ولكن نحن الذين نخلقه بحركتنا الذاتية.
باحث ومترجم من المغرب
المصدر: مجلة الفلسفة، مجلة شهرية تصدر باللغة الفرنسية، عدد فبراير 2012، رقم 56، ص ص: 60-65.