على هامش المعرض الدولي للكتاب

عبدالرحيم مؤدن

أن يكون للكتاب معرضه السنوي القار، فذلك مكسب لايجادل فيه إلا معتوه، أو صاحب غرض!

وأن يكون للكتاب صوته، المادي والرمزي، في زمن  اجتياح( الفاست فود)، واستئساد الإستهلاك المريض، وسلطنة القبح بمظاهره المتعددة،أقول أن يكون له هذا الصوت ، فتلك لحظة تطهير، بامتياز، تعيد الإعتبار لقيم معينة تتضاءل ،يوما
 عن يوم، ومنها قيمة المعرفة التي يلعب- بالرغم من الهجمة الشرسة للوسائط البديلة- فيها الكتاب دورا مركزيا لاجدال فيه.

ولما كان الكتاب بضاعة- بالمعنى الإيجابي- تقتضي النشر والتسويق والتعريف، في سياق معين يجعل من الثقافة، بالمعنى الأنثربولوجي، ممارسة احتفالية تنصب على الكتاب ، بمختلف ملابساته،أقول لما كان الأمر كذلك،فإن الشئ بالشئ يذكر من خلال الملاحظات التالية:

1-التحضير لمعرض الكتاب- خاصة بعد أن تحول إلى تقليد سنوي- يجب أن ينسحب على امتداد السنة، رصدا لأسئلة القارئ المفترض، من جهة، ومتابعة لعجلة النشر، العامة والخاصة، من جهة ثانية.وعبر هذه المتا بعة يتخلّق الشعار الذي  ستنضوي تحته  هذه التظاهرة.وأعتقد أن شعار هذه السنة  ( لنعش المغرب الثقافي) قد جانبه التوفيق  بحكم تأرجحه بين الرغبة والعجز،المحتمل والممكن،الحاضر والمنسي... ثم إن (المغرب الثقافي )المفترض شعار ضخم قد يفنده المغرب  بمشتقاته الأخرى من سياحة-ولاأقول ثقافة سياحية-وتظاهرات رياضية،وعروض موسيقية، وأنشطة علنية وسرية، في الداخل والخارج،تنسحب على ممارسات جادة، وأخرى كرنفالية، وثالثة لايعرفها إلاأصحابها، لأهداف عديدة. وقبل  هذا وذاك  ، فالشعار ترجمة " وهمية"، وتقليد حرفي لمسكوكات أوروبية يطابق فيها الشعار الواقع الفعلي!! إنه نوع  من الإستيهام " الحداثوي " المجعجع  دون طحين !المعرض، إذن، هو معرض الكتاب ومايحيط به من ملابسات السلب أو الإيجاب، في حين سقط الشعار في التجريد، عوض  التعامل مع المكتوب الذي  يوجد في وضعية لايحسد عليها. ألم يكن من الأجدى طرح  محوريدور ، مثلا، حول القراءة ؟تاريخ النشر بالمغرب ،منذ مطبعة القرن19 إلى الآن،التي جذرت تيار المحافظة عوض التحديث؟ الكتاب والإصلاح؟النشر والحراك العربي؟ الكتاب والوسائط الحديثة- سلبا وإيجابا- في المغرب المعاصر؟ ..الخ.

2-بالرغم من الجهد المبذول، من قبل الوزارة- وزارة الثقافة- في استنبات تقاليد محددة عرفت بها المعارض العالمية الكبرى( فرانكفورت- باريس الخ) ،فإن معرض الدار البيضاء- وهو في دورته19- لم يتمكن من ترسيخ تقاليد محددة تجسدت في:

أ‌-                 أ- غياب مرجعية معينة يحتكم إليها المعرض. ومن ثم ضعفت ذاكرة هذا الأخير  ،فتداخلت القرارات المستنسخة والصيغ المتناقضة والأساليب المتضاربة (مثال قرارالدعم الضائع بين الكاتب والناشر ،والمتغير بتغيرالأمزجة،والعلاقات  والولاءات/تقليد تعويض البعض دون البعض لآخر.وميزانية الوزارة مدينة لي- وأنا متنازل عنها عن طيب خاطر- بألف درهم  التي أشعلت حرب البسوس في عهد الوزير السابق..).

ب‌-            ب-وضعفت هذه الذاكرة، أيضا، بسبب سيادة عقلية الإستنساخ التي لاتعترف بالمنجزالسابق، وأصبحت كل مرحلة ، من مراحل التسيير الوزاري، تنسخ سابقتها ، وكأننا نبدأ من نقطة الصفر! وفي ذلك يتداخل السياسوي ب" الثقافوي" ، و" الإنتخابوي" بالإشهاري.

ت‌-            ج-افتقاد الوزارة لمجلة سيارة تخاطب القارئ العادي بالمنجز الثقافي ،قبل المعرض،وبعده أيضا، من خلال رصد الممارسة الثقافية للوزارة في قطاعات عديدة..

 3-بالرغم من الحوار المفتوح حول الجهوية المتقدمة، فإن  مثال  معرض الكتاب السنوي المنظم من قبل الوزارة،ما زال صناعة مركزية.مادور المندوبيات الجهويةللوزارة في هذاالمعرض؟هل تسهم هذه المندوبيات في التحضير لبعض فقرات المعرض، من جهة، والتعريف به بوسائل متعددة، من جهة ثانية؟ هل تمتلك الوزارة  بنكا للمعلومات بالمنتجين الرمزيين وطنيا؟ هل يعرف مناديب الوزارة معظم مثقفي  وكتاب جهة معينة؟ هل يعرف الكثير من ممارسي الثقافة ،بجهة ما، مقر هذه المندوبيات الجهوية؟هل عرفت،على امتداد السنة،هذه المندوبيات- وهي عصب الوزارة-  حركة،ولو نسبية، تعلن عن المعرض وتعرف به ولو تعريفيا إشهاريا؟

4- ضعف الجانب الإشهاري للمعرض، والإكتفاء بلحظات خاطفة- مسموعةأومرئية أو مكتوبة- من جهة، والسقوط في ضغط الزمن، من جهة ثانية، الذي يلاحق المعرض في الأيام القلائل السابقة عليه.وبالإضافة إلى ذلك، فالجانب الإشهاري يقتضي الوصول إلى مظان استهلاك الكتاب من مدارس وجامعات ومؤسسات ومصالح ودورالشباب وفضاءات الأنشطة المختلفة، فضلا لاعن الساحات والتجمعات والأندية الخاصة والعامة ودور السينيما والأكشاك والحدائق والأماكن المخصصة للإشهاروالبرامج الثقافية،والفقرات الإشهارية،والملصقات الدعائية...

5- أما بالنسبة للبرمجة الثقافية الممتدة أيام المعرض، فإن أهم الملاحظات يمكن إجمالها في التالي:

 +-الإرتجال في اختيار محور الندوة ، فضلا عن جوانب أخرى تتعلق بنوعية المشاركين الذين يتداخل فيهم المختص بالهاوي،والمشتغل حقبا عديدة ،بالذي أسقطته الطائرة،والتكتيكي بالإستراتيجي،والرئيسي بالهامشي،والمستمر بالظرفي أو الموسمي، والإعلامي بالإعلاني.. وأعرف، عن قرب، أنشطة عديدة عرفها، ويعرفها المعرض نزلت  تلبية لرغبات ذاتية، تمتع أصحابها ب( جبهة  ) من جلمود أصبحت لهم بمثابة جواز مرور يشهرونه بمناسبة أو بدون مناسبة!

وبالمقابل  أغفلت محاور موضوعية  - وما أكثرها- لسبب أو لآخر. وعلى سبيل المثال نذكر:

- أزمة القراءة- كما سلفت الإشارة- التي وصلت إلى العظم.

- أدب الشباب والظواهر المصاحبة(الجرافيتي/ الأدب الإلكتروني إذا صح التعبير/الكاريكاتور/ الراب نصا ولحنا وأداء وكتابة..الخ)

- ظواهرأجناسية ازدهرت إبداعا ونشرا( القصة القصيرة جدا/الزجل/أدب الأطفال/ النقد السينيمائي/المذكرات/أدب السفر..

- ظاهر فكرية وإبداعية: المغرب المتعدد لغة وتقاليد إبداعية شفهية ومكتوبة..

- وفي سياق الإرتجال ذاته،يعاني المعرض من تورم مرضي في أنشطة القراءة، إلى الحد الذي يتحول فيه بعض المشاركين إلى فقرات إشهارية.فهو قارئ ومقروء(مقارنة مع المعرض السابق خفت حدة- دون أن تنعدم- التهافت عل تقديم مايسمى بالقراءات إلى الحد  الذي  وصلت فيه قراءات أحدهم إلى عشر قراءات، فخرج صاحبنا من هذا المولد ب10000درهم حلالا طيبا. ماذا ترك صاحبنا لفقهاء القبورالذين يمزجون بين حبات التين وخبز الشعير ودعوات الأموات والأحياء؟)

 وهوعضو في لجنة التدبيروالتسيير ومساهم في تدبيج "أدبيات" المعرض،وهو الممثل الرئيسي و"الكومبارس"...

6- تقليد  ضيف المعرض تقليد هام لأسباب ثقافية وسياسية وإشعاعية.وأعتقد أن أهل الدار يستحقون القليل ، أو الكثير من هذه الإستضافة عن طريق تكريم شخصية  مغربية ثقافية لعبت دورها في العمل الأدبي والثقافي عامة.وبالإمكان تخصيص لحظات التكريم تبعا لطبيعة المنتوج ذاته.فالقصة المغربية – ويندر ألا نجد زعيما مغربيا في السياسة والفكر لم يكتب القصة بطريقة أو بأخرى-عرفت روادا مارسوا الإبداع بأساليب نضالية رسخت ما نتحاور حوله الآن بيسر، في حين كان بدعة في زمن الريادة. فبالإضافة إلى الأسماء الشهيرة،في الساحة الثقافية( عبدالكريم غلاب /عبدالمجيد بنجلون/ محمد برادة/ عبدالجبار السحيمي/محمد زفزاف/إدريس الخوري..)  وجدت أسماء عديدة ، في هذا السياق، قد لايعرف الكثير منها الجيل الحالي الذي سيخترق أبواب المعرض. من بين هذه الأسماء:أحمد زياد/ عبدالرحمان الفاسي/أحمد بناني/عبدالرحمان السايح / ممحمد بيدي/ محمد إبراهيم بوعلو/محمد الخضر الريسوني/ محمد القطيب التناني/ محمد اشماعو// محمد السوسي/محمد الأمري المصمودي/ مبارك الدريبي..

وهناك كتابات أخرى للعديد من الرواد الذين اشتغلوا بميا دين فكرية، وإبداعية أخرى،دون أن يمنعهم ذلك من ممارسة النزوة القصصية- إبداعا ونقدا وتعليقا- لسبب أو لآخر.نذكر، على سبيل المثال لاالحصر،عبد الله إبراهيم،علال الفاسي، عبد الخالق الطريس،إبراهيم السولامي، علي أومليل، محمد عابد الجابري...

7-ومادام الشئ بالشئ يذكر،فالريادة تقتضي- فضلا عن الإحتفال المشار إليه أعلاه- أن تمارس الوزارة- وهذه هي وظيفتها السامية- الحفر الأركيولوجي في الذاكرة الثقافية ، وإصدار(أعمالهم الكاملة)، في سياق السلسلة الحاملة للإسم ذاته، لأنها اكتملت اكتمالا حقيقيا سواء على مستوى الرؤية ، أوعلى مستوى العمر، بعد أن غيبهم الموت.وللتذكير ، يحق للمتتبع أن يتساءل – وأنا أثمن دور هذه السلسلة في حفظ الذاكرة الثقافية وأرشفتها-عن المانع من عدم إعلان الوزارة ، قبل إصدار مطبوعات السلسلة، عن الأسماء والمعايير والأبعاد عوض الركون للمفاجأة والموسمية،ومراعاة توازنات محددة، وغمط حق من  ساهم في صنع الزمن الثقافي بالعرق والدم! ألا يستحق بعض من سبقت الإشارة إليهم طبع أعماله الكاملة، أو البعض منها على الأقل ليعرف  هذا الجيل،وغيره من الذين وجدوها مستوية طبخا وطعما، أن الفعل الثقافي  كان أشبه بالجهاد في جبهات متعددة.؟!طوبى للأموات.

8-من مرادفات المعرض:- السوق بالمعنى المادي والرمزي/الساحة/ الفضاء / الكرميس.. وهذا يقتضي إخضاع الخطاب لطبيعة المتلقين الذين هم ، في الجوهر،أصحاب المعرض ورواده والمسهمون في إنجاحه. وفي هذا المعرض تتجدد صلات الرحم، ويعاد الإعتبار للمنسي ، وينصف المظلوم، ويثمن  المتمّيز،ويحافظ فيه على الثوابت من قيم ومبادئ،ويعود الجميع إلى الرحم الأول،  أثناء الإحتفال بمظاهر الإبداع التي يصبح فيها فضاء المعرض  مرآة حقيقية لكشف – كما جاء على لسان ابن قتيبة- الدينار الستوق من البهرج،أو الصحيح من الزائف, وفي ذلك فليتنافس المنافسون.