حاول عبد الله إبراهيم ربط المرويات القديمة بإطارها المرجعي، والكشف عن ملابسات تشكلها تاريخيا واجتماعيا مستعينا في ذلك "بالسياق الثقافي باعتباره الحاضنة التي يترتب في إطارها النص"(1)، حيث وجد أنها خضعت في بداياتها لشروط تاريخية فرضها الواقع الاجتماعي، كما أن إعادة إنتاجها في العصور اللاحقة ظل رهين نظام الشفاهية أمدا بعيدا، مما أعيد معه إنتاج هذه النصوص وفقا لشروط المتلقي وآليات تحكمه، وممارساته المهيمنة والمتطلعة لتحرير السرد من تاريخيته وتكييفه لمواجهة الأنساق الثقافية المتسلطة، ويقول في هذا الصدد: "لم تطور الثقافات الشفوية ظروفا تسهم في حماية نصوصها الأدبية، وهي لا تستطيع ذلك، لأن النصوص رهينة التداول الشفوي الذي يتعرض لانزياحات، واقصاءات كثيرة، وغالبا ما تدمج النبذ المتبقية من نصوص متماثلة في الموضوع والأسلوب، فتظهر من تلك الأمشاج نصوص جديدة تسهل نسبتها إلى هذا أو ذاك، وتخضع لروح العصر الذي تعرف فيه"(2). إذن ماهي الرؤية التي اعتمد عليها الناقد في تقصي هذه الآليات؟
عاد الناقد أثناء تتبعه لمراحل تطور الظواهر السردية إلى بداياتها، متقصيا السياق العام الذي أنتجت فيه والأنساق التي تدخلت في توجيهه، حيث لاحظ أن المرويات الجاهلية تعرضت لعمليتين أساسيتين: الطمس وإعادة التشكيل
1ـ آلية الطمس والإقصاء:
وهي التي تتمثل أساسا من منظور الناقد في "طمس معظم المرويات السردية، وذلك بإصدار حكم قيمة قرآني بحقها، ووصفها بأنها أساطير الأولين بمعنى أخبارهم باطلة"(3). ومن ثمة تم تركيب رؤية تتجه إلى ملاحظة التناقضات، وحصرها بين زمنين مخالفين في كل الأطر العقائدية والدينية والمنظومات الأخلاقية: الجاهلية والإسلام. وقدم الناقد مثالا عن المنتج الجاهلي الذي تعرض للاستبعاد والإقصاء، بالنظر إلى وظيفته الخارجة عن الإطار الديني المرسوم له، تمثل في نموذج النضر بن الحارث بن علقمة القاص القرشي، الذي مثل اتجاها معاكسا لمسار الرسالة السماوية، وتعاطى بنوع من المماثلة مع متضمنات القرآن من ناحية الموضوعات المقدمة واللغة التي شكلت إطارها العام. ومن ثمة عومل بنوع من الإقصاء والتهميش، بل والأكثر من ذلك صدر في حقه حكم قيمة متشدد أثناء التعامل مع حالته وصل إلى حد الأمر بالقتل، وهذا حسب الناقد يعكس خطورة موقعه على الإسلام، وخطورة موقفه الذي يشكل تهديما للنسق الديني المتمركز الذي حاول تحطيمه، بخلق عوالم سردية موازية للعوالم المنتجة في النص القرآني، والذي قابله الأخير بخطاب مضاد يعكس رؤيته لفعل القص والاختلاق السردي، من خلال نزول ثماني آيات تتوعده بالعقاب والجزاء. حيث مورس حجب لكل ما تعارض مع جوهر الرسالة الدينية، وتعاملت معه البنية الثقافية السائدة بتجاهل شديد.
استمر الباحث في الكشف عن ملابسات تشكل هذه الآراء المعارضة، التي عبرت عن إطار مرجعي مغاير يتسم بالتناقض إلى حد التنافر، حيث وجد أن الأخير لم تخلقه التعارضات الشكلية ولا الموضوعية، بقدر ما خلقته التعارضات الوظيفية بين النبي والمتنبئ، وأعطى مثالا بهذا الصدد بسجع الكهان الحاضر بقوة في العصر الجاهلي، والذي عبر فيه المتنبئون والمتعبدون عن مقاصدهم وأفكارهم، حيث وجد أنه لم يخالف في شكله وموضوعه مضمون وشكل الرسالة القرآنية، إذ أن "الموضوعات التي كانت تتواتر فيه هي إجمالا أخلاقية وعظية تتخللها ضروب من التأويلات الغامضة، أما أساليبه فيغلب عليها الأسجاع التي تماثل إلى حد ما الصيغ السجعية التي نجدها في الخطب والنصوص الدينية. ومن المحتمل أن أصل التعارض كان قائما في الوظائف التي يقوم بها كل من النبي والمتنبئ، أي الخلاف في وظيفة الرسول ووظيفة الكاهن، ذلك أنه لو نظر إلى ماهية النصوص بعيدا عن سلطة المقدس، لوجدنا أن التماثل في المضامين والأساليب لا يفضي إلى نوع من التعارض الحقيقي، ويرجح أن ظروفا واقعية وتاريخية أوجدت ذلك التعارض، وفرضت نوعا من التناقض بينهما"(4).
إن الخطابات الشعرية والنثرية التي حاولت التأسيس لنظرة متمايزة ورؤية مغايرة للمركز الديني المهيمن، وركبت هويتها استنادا لمعايير تختلف عن المعايير الثقافية والدينية غيبت واستبعدت، ومثال ذلك النثر السردي المتخيل الذي يرى الناقد أنه "كان يعنى بالمغيب من الوعي الاجتماعي، الذي كان يعبر عن معتقدات ورؤى تشكل في جملتها البطانة اللاشعورية للمجتمع الجاهلي، ليس ذلك فحسب، بل إن هذا وغيره كان يندرج فيما يمكن أن يصطلح عليه بـ"الفضلة" لأنه لا يسهم في خدمة "العلم الإلهي"(5)، واستمر هذا الموقف إلى العصر الإسلامي حيث اتجه العلماء إلى ذم القصاص وتهميشهم، نظرا لما أحدثوه من خلل في البنية الدينية السائدة، حيث اضطلع عدد كبير منهم بمهمة تسلية العباد وخاصة بعد دخول الإسرائيليات في مروياتهم عن قصص البدء والخليقة والأنبياء ... وخروجهم عن شروط افترضتها السلطة الدينية لممارسة القص، والمتمثلة في الصدق ودقة الإسناد، وربط مهمتها بخدمة الإسلام من وعظ وإرشاد وتذكير، حيث "كلما كانت قصص العامة تتطور من أجل تأسيس وجودها بخروجها على الإسناد الحقيقي والصدق، كان موقف الخاصة يزداد عنفا تجاهها، ويعمل على تغييبها، لأنها تهدف إلى الهاء المؤمن عن دينه، كونه ينشغل بها ولا يعتبر بها"(6).
لقد مثلت المرويات السردية القديمة جانبا كبيرا من التاريخ المشكل للسلطة، إذ خضع واضعوها لأنساق هذه السلطة المتعالية على اختلاف أنواعها سياسية أو معرفية أو دينية، مما جعل تاريخا كبيرا مغيبا ومقصيا ومسكوتا عنه، بفعل عوامل أيديولوجية وثقافية واجتماعية وسياسية، توضح أساسا في الفرق المعارضة والتي توسلت بالتشفير والترميز لتمرير رسالتها، وذلك من خلال تشكيل أنساق مضادة للأنساق الحاكمة المسيطرة، وإنتاج أنواع أدبية جديدة خاصة بها تختلق مكانتها الخاصة، اعتبارا من علاقة التعارض بينها وبين الثقافة الرسمية السائدة وتستخف بمرجعيته.
ويحاول الناقد أن يقدم تبريرا لهذه الرؤية متعلقا بشروط الإرسال والتلقي، حيث يجد أن السرود الشفاهية تشكلت متأثرة بالنظام الشفاهي السائد، الذي استمد قوته المعرفية من المرجعيات الدينية والفكرية، التي وجهته ووجهت نظرته لما فيه خدمة للدين، وأن التدوين الحاصل في القرن الثاني الهجري اضطلع بمهمة الحفاظ على المرويات المتداولة والتي تقبلها النسق المهيمن في ذلك العصر. ومن جهة ثانية تجاهل ما خالف ذلك النسق، على اعتبار أن العصر الجاهلي يختلف عن عصر التدوين في المشكلات السياسية والاجتماعية والروحية، ومن ثمة "فإن كثيرا من المرويات التي استلهمت العصر الجاهلي واستثمرت معطياته القبلية والدينية، لم تجد مكانا في مدونات عصر التدوين في ظل المؤسسة الدينيةـ السياسية التي لها منظورها وتصوراتها الخاصة"، مما يعني استبعاد كثير مما هو مخالف لطبيعة العصر وقبل ذلك مما هو معارض لموقف الإسلام وغير مستجيب لشروط المتلقي التي فرضها الواقع الثقافي والديني لتلك الفترة"(7).
كان العقل العربي في ذلك الزمن يحتفي بالشفاهية كرؤيا ووجود ونظام، وحينما ظهر الإسلام ظل الوعي الشفاهي محكوما بقوة المركز الديني، خاصة إذا علمنا أنه كان يمثل انعكاسا للواقع وتحولاته، حيث عدل منظوره الخاص بتسويق المنظورات المسهمة في الترويج للدين ومركزيته، ولأن الشعر الذي هو رديف الشفاهية أو الموجود بسببها كان المهيمن في الثقافة العربية، فقد ظلت آلياته متحكمة في الوعي الكتابي فيما بعد، إذ احتكم وجوده وحافظ على مركزيته بسبب تماشيه مع منظومة المجتمع واعتباراته الخلقية، ومن ثمة استمر في تشكله وفق هذه المنظومات العقلية، حيث ساير قوة المركز الديني في نضاله ضد كل العقائد المغايرة، وصار مصورا لتلك المعركة الدينية بين المسلمين والكفار محتكما إلى القيمية الثقافية آنذاك، والتي تعتبر كل منتج غير خاضع لهذه الوظيفة ـ أي الوظيفة الدينية ـ في حكم الهامش والمرفوض والممنوع، وهذا ما سارت في حكمه المدونات السردية التي تم التعامل معها بكثير من التغيير والتحوير، لأن العقل العربي خاضع في منظوماته إلى الآليات الشفاهية التي غذتها المركزية الدينية، ومن ثمة تم إعادة إنتاج النصوص الشفاهية القديمة والتلاعب بها لتساير القيمية الدينية آنذاك، خاصة إذا علمنا أن التدوين تأخر في ظهوره وهذا ما يجعل التلاعب بالنصوص لتساير حاجات التلقي في حكم الموجود.
ويمكن أن نجد هذا الحكم القيمي عند الناقد الجزائري عبد الملك مرتاض، الذي يوضح موقفه من الشفوية في قوله: "لا يكاد النص الشفوي يرتبط إلا بما هو ديني، ومن الديني إلا بالأضعف منه بالترويج لبعض المعتقدات الباطلة، والإسرائيليات الخبيثة التي أجمع العلماء المسلمون الثقات، منذ القدم، على إنكارها، وإلا بماهو أسطوري، ومن الأسطوري إلا بالتعامل مع العفاريت والجان، والسعالي والغيلان، والحيوانات التي لا تمتنع، في الخيال الشعبي"(8)، وهنا يتضح مدى خضوع الأحكام النقدية لهذا المنظور القيمي. كان القرآن مركز التفكير ومنه تنبثق الرؤية الدينية للوجود، ومن ثمة تم ترتيب كل الأمور وفق المعايير التي أحلتها هذه الرؤية، فتأسست المركزية الدينية التي أسهمت في إعادة تشكيل العالم، وتغيير المنتجات الشفاهية بحسب توجهها وخضوعا لمركزيتها.
لقد ربط المسلمون الأوائل بين الدين والفكر واللغة، واعتبروا أن قيمة الشاعر أو المبدع بصفة عامة مقرونة بصحة دينه، ومدى تمثله لسلطة الخلافة على اعتبار أن الدين هو مقياس النظرة إلى الحياة والى الإبداع.
2ـ إعادة التمثيل والتكييف الحاصل:
وجد الناقد أنه قد تم التأسيس لنظام فكري جديد، رتبت على إثره الوقائع والأحداث بما يتناسب مع الرؤية المنبثقة من فعل الخطاب الديني، وعدلت التوجهات بما يوافق السنن الثقافية والدينية المهيمنة، ومن ثمة وقع تكييف وإعادة نظر في "صياغة الموروث الثقافي الذي يكون نسيج الذاكرة العربية قبل الإسلام صوغا جديدا، فقد صحح القرآن التصور المتوارث عن الماضي، وأورد أخبار الأمم السابقة، بما يجعل كل ذلك جزءا من تصوره الجديد للعالم، وفي ذلك أحل منظومة قيم مختلفة محل المنظومات القيمية القديمة"(9)، ومن هنا تدخلت المركزية الدينية في نسيج المرويات النثرية الجاهلية وعدلت دلالاتها بما يوافق نظرة الإسلام، ووظفت فيما يخدم هدفه، فأعيد إنتاج معظم النصوص السردية بما يناسب السياق الثقافي المفروض.
وبما أن القرآن يمثل خطابا متعاليا فقد كرس هذه النظرة، من خلال ضبط مفهوم القص وتعديل دلالاته، بما يؤسس لمركزيته وشحنه بحمولات ثقافية مهيمنة، وذلك بربطه بمعاني الإبلاغ والخبر والدقة والصواب والحق، وإلحاق معناه بالصدق والموعظة والتدبر ... وكل هذا خلق حسب الناقد فضاء دلاليا جديدا كرس كل هذه الضغوطات والإكراهات، وعلى إثر ذلك "لم ينظر للقصص في القرآن إلا باعتباره ينطوي على موعظة، ويهدف إلى ضرب المثل، وتقديم النصح، من خلال وقائع الماضي المغرقة في القدم"(10). لقد وقع انقسام في المشهد الثقافي العربي بعد أن فعل دور الدين والسياسة، ومن ثمة تحكمت ثقافة الخواص (العلماء والنقاد) في منظورهم للقص المناقض للمنظور المهيمن لدى العوام، سواء منهم المتلقين أو مؤلفي القص، من هنا أسهم هذا المناخ في بروز أدوار جديدة لنقاد الأدب، الذين كانت لهم سلطة رمزية كافية لتوجيه الذوق والقيم الفنية والأدبية، حيث كان موقفهم مجسدا لرؤية المؤسسة الثقافية الرسمية، التي احتكمت إلى مرجعية المؤسسة السياسية، هذا الموقف الممثل لموقف الإسلام.
ويحاول الناقد الكشف عن هذه الدلالات المختلفة من خلال تقصي معاني القص في القرآن، حيث يجد أن الفعل قص يحيل في الخطاب القرآني "على معنى الخبر ووصول النبأ، والإبلاغ عن واقعة إخبارية، قال تعالى: "تلك القرى نقص عليك من أنبائها" [الأعراف: 101]. وقوله: "وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك" [هود: 120]. وقوله: "نحن نقص عليك نبأهم بالحق" [الكهف: 13]. وهذه الدلالة المركزية للفعل "قص"، كانت تقيد دائما بدلالات مجاورة، يفرضها سياق الحال في الخطاب القرآني، فقد ألحق القرآن الدقة والصواب والتقصي بالفعالية الإخبارية للقص، كقوله تعالى: "وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون" [القصص: 11]. فالقص هنا، إنما هو تقصي الأثر بدقة. وألحق بها الحق الذي هو ضد الباطل، وما يرتبط به من صدق ويقين، في قوله: "إن هذا لهو القصص الحق" [آل عمران: 62] وقوله: "إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين" [الأنعام: 57]. وقيدها أيضا بالاعتبار والتدبر والموعظة في قوله: "فاقصص القصص لعلهم يتفكرون" [الأعراف: 176] وقوله: لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب" [يوسف: 111]، وأخيرا قيد تلك الفعالية بدلالة الحسن وكل ماهو مضاد للقبح والإساءة، في قوله: "نحن نقص عليكم أحسن القصص" [يوسف: 3]. الخبر المقيد بالدقة والصواب والحق واليقين والاعتبار والتدبر والحس، هو القص الذي أسس القرآن وجوده في الأدب العربي، وأصبح هذا الفضاء الدلالي هو الذي يحدد القيمة الاعتبارية للقص.
فإذا أضفنا صواب وتثبت وتدبير واعتبار، أصبح القص أقرب إلى علم الأخبار والتواريخ منه إلى الفن. إذ إن الشروط الواجب توافرها في القاص ليقص الخبر على النحو الذي وقع أو كما سمعه توجب الثقة في قصه، وإسناد روايته القاص متنا يفتقر إلى أي من تلك الشروط وإلا عد مخلطا، وخارجا على الفضاء الدلالي للقص"(11). من خلال النص السابق تتضح محاولة عبد الله إبراهيم الوقوف على مفهوم القص، من خلال استخلاص دلالاتها اعتمادا على النص القرآني، والوقوف أيضا على شروط القاص التي أرستها السلطة الدينية، والتي حسب رأيه نظرت لهوية القص ووجوده ومنظوره، مما جعله أقرب إلى علم الأخبار والتاريخ منه إلى الفن القصصي.
ويمكن هنا أن نعود لتفسير ابن كثير إذ قال حول الآية: "إن هذا لهو القصص الحق"(12) أن معناها" هذا الذي قصصناه عليك يا محمد في شأن عيسى هو الحق الذي لا معدل عنه ولا محيد"(13)، وهذا ما يؤكد شرط الصدق في القصص الذي يجب أن يبتعد عن حدود التعديل، وإلا صار في حكم المشبوه والمرفوض، وأما قوله تعالى: "نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن"(14)، فيورد ابن كثير سبب نزولها بقوله: "وقد ورد في سبب نزول هذه الآية ما رواه ابن جرير حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي حدثنا حكام الرازي عن أيوب عن عمرو بن قيس الملائي عن ابن عباس قال: قالوا: يا رسول الله لو قصصت علينا؟ فنزلت "نحن نقص عليك أحسن القصص"."(15)، ثم يقول بعد سلسلة من الإسناد: "مل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملة فقالوا: يا رسول الله حدثنا فأنزل الله "الله نزل أحسن الحديث" ثم ملوا ملة أخرى فقالوا: يا رسول الله حدثنا فوق الحديث ودون القرآن يعنون القصص فأنزل الله عز وجل "الر تلك آيات"، فأرادوا الحديث فدلهن على أحسن الحديث، وأرادوا القصص فدلهم على أحسن القصص"(16)، ثم يبين ابن كثير دلالة الآية وهي أن القرآن كاف ولا حاجة لما سواه من الكتب، وهذا التفسير ذاته أورده الطبري في تفسيره"(17)، وهذا ما يؤكد هذا الحكم القيمي، وكذا قوله تعالى: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يعقلون"(18).
حيث قرن ابن كثير القصص القرآني بالصدق وعدم الافتراء، فيقول: "وما كان لهذا القرآن أن يفترى من دون الله أي يكذب ويختلق"ولكن تصديق الذي بين يديه" أي : من الكتب المنزلة من السماء هو يصدق ما فيها من الصحيح وينفي ما وقع فيها من تحريف وتبديل وتغيير ويحكم عليها بالنسخ أو التقرير"(19)، وفي هذا الصدد يبين سعيد يقطين أنه مع ظهور الإسلام، تغيرت رؤية العربي إلى واقعه وذاته وتراثه، "وارتبط هذا التغيير بتقديم وعي جديد ومعرفة جديدة. إن أول ما ووجه به الإسلام هو أنه جاء بـ دين جديد ليس هو الذي وجد العرب عليه آباؤهم، ويزخر القرآن الكريم باعتباره نصا جديدا بآليات عديدة يبرز فيها الوعي واضحا بالتراث القديم، وبالموقف منه"(20). هذا الموقف يتسم بالضدية والمغايرة ويؤسس لوعي جديد.
ويستمر الناقد في الوقوف على الأحكام القيمية التي فرضها النص القرآني، وأرسى دعائمه الحديث فيما بعد، من خلال توضيح موقف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من القصص والقصاص، والذي جعل موقعه مرتبطا بمدى تقديمه للحقيقة الدينية ومسايرته لهدف تأكيدها، وبالتالي خضوعه لمنطق الصدق والأمانة في تقصي الأخبار، ومن هنا "كانت الخدمة التي يقدمها القاص للدين هي الفيصل في موقف الرسول منه، وورد عنه، بهذا الصدد قوله "لا يقص على الناس إلا أمير أو مأمور أو مختال"(21). ويحاول عبد الله سالم مليطان أن يقدم تفسيرا أو أسبابا لظهور القص بعد الاسلام، بقوله: "فإن إجمال القرآن الكريم وعدم استغراقه في شرح أو تفصيل كثير من الأحداث والقضايا التي أثارها كان عاملا مشجعا على انتشار القصص والقصاص"(22)، إضافة إلى اتخاذ القص وسيلة ـ حسب مليطان ـ أو أداة سياسية استغلها كل من علي ومعاوية للترويج لحزبه وتوجهه.
إذن امتثل الحديث للنظرة ذاتها التي أرسى دعائمها القرآن، من خلال موقف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من القص والقصاصين والمثال المتداول عن موقفه هذا هو مثال: تميم الداري وما رواه عن حديث الجساسة، حيث تماثلت المنظورات بين هذه الرواية وبين ما حدث به الرسول من أمر الدجال. ويقول الناقد في هذا الصدد أن: "تميم بن أوس الداري وفد إلى الرسول من الشام، وأسلم، وصحب الرسول في غزواته، وكان مقربا إليه يحدثه بأحاديث الأولين وأخبارهم، فروى الرسول عنه ثمانية عشر حديثا. وفي هذا يقوم الرسول برواية عن تابع. ولقد اهتم الرسول بتميم، وأبرز ما رواه عنه أمام جمع من المسلمين قصة "الجساسة" التي رواها تميم له، ومؤداها أن تميما وصحبه ركبوا سفينة في البحر، وكانوا ثلاثين رجلا، فلعب بهم الموج شهرا فأرفأوا في إحدى الجزر، فخرجت إليهم دابة مغطاة بالشعر، لا يعرف جنسها، تدعى "الجساسة"، أخبرتهم أن رجلا في الدير الكائن في الجزيرة ينتظرهم ويصلوا إليه، فإذا به إنسان كبير عظيم الهيكل، وقد كبل جسمه بالحديد فيخبرونه خبرهم، فيسألهم عن نخل بيسان وبحيرة طبرية وعين زغر[= بلدة في الشام] ثم يسألهم هل خرج من مكة ونزل يثرب؟ فلما يجيبونه عما سأل يخبرهم أنه المسيح الذي أوشك أن يؤذن له في الخروج، وأنه سيطوف الأرض ومدنها، إلا مكة والمدينة فهما كما يقول: "محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحد منها، استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها، وأن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها"(23).
يلحظ الناقد من خلال ما سبق تأثير النسق الثقافي المهيمن على توجيه الرؤية، إذ احتفى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذا النوع من القص، على اعتبار أنه موازي للحقيقة الشرعية ومؤكد لها، إضافة إلى أنه يعد دليل إثبات على نبوءة الرسول حتى قبل ظهوره، وهذا المظهر وجد في الخطب الجاهلية التي أشارت لقرب ظهور الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، مما يعكس حسب الناقد حرص الرواة على رواية ما يوافق هذا المنظور وما يسهم في إثبات النبوة ويخدم الدين. يرى الناقد أن هذا الموقف وجه رأي علماء الأصول ورؤيتهم للقص، كما وجه النقاد والفقهاء والفلاسفة، وفي الوقت نفسه "دعم موقف القاص الذي يوظف قصصه لخدمة الدين، فكان يحث على حضور مجالس القص والذكر والوعظ"(24)، وحدد إطاره الوظيفي والمتمثل في التذكير والاعتبار، مما جعل السرد العربي متعلقا بموجهات خارجية مختلفة، أسهمت في تشكله وانبثاق رؤيته للوجود، حصرها الناقد في النظرية الشفاهية وتقييد المنطوق، والذي اصطلح عليه بالتدوين، وبالتالي خضوع هذين الموجهين إلى الرؤية الدينية والأصول المهيمنة.
ففي تقصيه للمرجعيات المتحكمة في السرد العربي، اعتبر أن الأخير ينتمي إلى السرود الشفاهية التي ظهرت في انبثاقات النظام الشفاهي، والذي لم يكن طارئا في هذه الثقافة وإنما كان محضنا أساسيا نشأت فيه المكونات الثقافية، بمختلف مظاهرها الدينية والتاريخية والأدبية واللغوية، والتي استجابت بشكل كامل في رؤيتها وممارساتها للمركزية الدينية. إن خشية الناقد والفقيه والأصولي متأتية من طريقة تقديم القص الشعبي للحقيقة التاريخية، المعاد صياغتها قرآنيا في قصص الأنبياء مثلا في حدود الحقيقة الشرعية، وهذا الرفض يجد تبريره في كون القص الشفاهي شكلت موضوعاته انزياحا بينا في تقديم الحقيقة الشرعية والتاريخية.
وفي هذا الصدد تجد ألفت كمال الروبي أن "الحقيقة التاريخية كانت تستوجب توفر سلسلة الإسناد كاملة، مثل الاعتماد على الأحاديث الضعيفة، كما تستلزم أيضا عدم التزيد في رواية الأخبار والالتزام بحرفيتها. كما تستوجب الحقيقة الشرعية التقيد بالأوامر والنواهي"(25)، وأن تجاوز هذه الشروط في هذه المادة القصصية، كان سببا في الاعتراض عليه والنظر له على أنه هذيان وخرافة. هذا الوضع الذي اختزل دور القص وحصر وظيفته في التذكير والوعظ، سبب إرباكا لدى الأديب الذي يواجهه الحكم القيمي والوازع الأخلاقي أثناء التعبير عن قضاياه. إن نصوص ككليلة ودمنة ومقامات الحريري أو الهمذاني. يعيد لنا التساؤل ضمن إشكالية الصدق والكذب كمعيار أخلاقي، إذ حظيت هذه النصوص بالقبول الرسمي والنقدي، على اعتبار فاعليتها الوظيفية المؤدية من وراء الكذب التخييلي، إذ رغم انزياح هذه النصوص عن الحكمية الواقعية من خلال الكذب التخييلي، إلا أن القبول وجد مبرره في الوظيفة الأخلاقية والدينية المقدمة من قبل التخييل، فالمقامات لم تقبل نظرا لارتباطها بالتكدية والتسول، ولذا كذبها غير مقبول لكونه قد ينتج لبسا أو اختلاط الكذب بالصدق نظرا لقرب الواقع من الخيال، عكس كليلة ودمنة فشخصياتها الاعتبارية لا يمكن أن تجعل من الشخص يصدق ما قيل حولها.
تجلى موقف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الرافض للقص، الخارج عن الإطار الذي حدده له القرآن بنموذج النضر بن الحارث بن علقمة القاص الجاهلي القرشي، الذي عاصره وكان نسبه متصلا به، حيث "عاشر الأحبار والكهنة، وحصل على قدر جليل من العلوم القديمة، واطلع على الأخبار، وتشبع بالحكايات، وقدم إلى مكة في الوقت الذي كان الرسول ينشر فيها رسالته، فكان النضر يحدث أهل مكة بأخبار الفرس واليهود والنصارى، ولم يتردد في حضور مجالس الرسول التي كان يعظ فيها المكيين ويحذرهم مما أصاب الأمم الخالية. وما إن يفرغ الرسول من وعظه وينصرف، إلا وينهض النضر بينهم قاصا عليهم أخبار "رستم واسفنديار الفارسية". ويخاطبهم قائلا: ما محمد بأحسن مني حديثا، وما حديثه إلا أساطير الأولين اكتتبها كما اكتتبتها"(26). اعتبر الناقد أن المرويات المطابقة لمنظور الإسلام ظلت أسيرة التداول الشفاهي في ذلك الوقت، حيث تعرضت لإكراهات مختلفة فرضتها الظروف المهيمنة والمتغيرة، إذ أن الكتابة لم توظف في مجال الأخبار والآداب إلا في القرن الثاني، نظرا لموقف الدين منها ولبدائية الوسائل المعتمدة فيها، بيد أن الشفاهية "ليست قناة توصيل فقط، وإنما هي منهج تفكير أيضا، وطريقة في إنتاج النصوص وبنائها، ظلت هي الأساس لقرون طويلة، يعتمد عليها جل المؤلفين والمبدعين، عندما يفكرون في أعمالهم وينتجونها على نحو شفوي، ثم تكون الكتابة فقط من أجل الحفظ والتقييد، وخوفا عليها من الضياع، دون أن تصبح آلية للتفكير"(27). وهذا ما أكده أدونيس الذي وجد أن الوحي أقصى الشعر لعدم امتثاله لمعايير الحقيقة، مما أبطل دوره بحكم أنه يمثل رؤيا للوجود والعالم، ليجعل دوره مكرسا لخدمة الدين الجديد.
إن تدوين الوحي حسب أدونيس اعتقل الحقيقة داخل الكتابة، ومن هنا صارت الأخيرة قبرا للمعنى، فأغلق باب الاجتهاد الفكري بحلول منطق اليقينيات والمسلمات، وتم خنق السؤال والبحث وطمس الإنسان ـ باسم الحقيقة التي تدعي احتكار المعنى النهائي ـ لذلك العالم المتعالي الذي قام الوحي بتأسيسه، إذ أن الوعي الديني المتوارث "حاول التبرير لهذه النزعة ورسم موقف يرى في ممارسة الآخر لفعل الكتابة انحطاطا وتراجعا ومن ثمة فالذات العربية هي ذات تتسم بالبداهة والفطنة والارتجال، وهو حكم قيمي خاضع لسلطة السياسي مبررا بالديني"(28)، من هنا أنتجت منظومات النبذ والإقصاء والإخضاع، حيث تم التأصيل لثقافة المطابقة مع الأصل لا الاختلاف، ومن ثمة استبعاد الآخر والتحيز للذات. كما يرى أدونيس أن الشعر الجاهلي تميز بالشفوية إذ لم يدون، بل اعتمد على الذاكرة والحفظ والرواية هذا ما يجعله قائما على ثقافة الصوت والسماع، كما أنه ـ أي الشعر الجاهلي ـ نشأ في بدايته مسموعا لا مكتوبا، حيث ارتبط بالغنائية وعبر عن ذاتية الشاعر وانفعالاته المتداخلة مع مشاعر الجماعة، وهذا ما جعل الشاعر يهتم بالسامع ويحرص على إرضائه، مصورا الحياة الجاهلية بتفاصيلها، لذا كانت طريقة التعبير أهم من المضمون الشعري.
تبنى النقد العربي معايير الشعر الجاهلي فيما بعد على أساس أنها تمثل أصولا لا يجب انتهاكها، وانساق التنظير للشعر إلى هذه المعايير، بعد أن شهد الحراك الأدبي امتزاجا بين الثقافات الشعبية المختلفة، "وساد تبعا لذلك النظر النقدي إلى النص الشعري المكتوب، كما لو أنه نص شفوي"(29)، مما جعل العلماء يفكرون بالتقعيد والتقنين حفاظا على هوية الشعر العربي، فألفت المعاجم وغيرها بهدف تفادي اللحن في القرآن، والذي ظهر نتيجة المدنية وبروز المولدين والموالي، حيث وضح محسن جاسم الموسوي أن المشافهة "قائمة اقتضتها ضرورات الحياة الحضرية ومستجداتها، اتساعها وتناقضاتها"(30)، ويطرح أدونيس أسبابا وراء حركة التقعيد التي قيدت الشعر العربي وأثرت على لغته سلبا، منها: الموانع الدينية واللغوية والقومية والرغبة في الحفاظ على الخصوصية، لكن أصبحت هذه القواعد صارمة ومطلقة، مما أنتج رؤية واحدة تجاه الشعر وأساء إلى النقد العربي والشعر، إذ لم يخضع إلى الاختلاف ومبدأ الحرية. "إن واقع الشعرية العربية القديمة لم يرض بال أدونيس، ويتضح ذلك في تعليق أدونيس عن الخطاب النقدي القديم فهو خطاب حصر القول الشعري في قواعد نظمية معينة بدلا من أن يظل حرا، ومرتبطا بالفاعلية الإبداعية"(31). إن أدونيس يرفض هذا التقعيد الذي تحول إلى سلطة تتحكم بذهن المتلقي، والتي مارست إقصاء وتغييبا للآليات الشفوية النابعة من البيئة والواقع، وأدت إلى تحديد مستويات الخطاب الشكلية، بل هو في "زمن الشعر" يصرح أن "كل شكل حد. إذا، كل شكل نقص. التمسك بشكل واحد لا يتغير تمسك بالحد والنقص. في هذا خطر ثقافي يتضمن خطرا إنسانيا. يضيق الإنسان ويجمده. يدفعه إلى الشكلية أي عبادة الشكل الصنعي الواحد"(32). ومن هنا يجب الاحتفاء بالتعدد والمختلف.
ولنا أن نربط هذا الأمر بقضية الانتحال، إذ "كثيرا ما استغلت الموهبة الأدبية عبر التاريخ في تدعيم قضايا قومية، سواء أكانت فنية أم سياسية أم اجتماعية أم حزبية"(33)، وقد أثار طه حسين في كتابه "في الشعر الجاهلي" هذا الإشكال، حيث يقول في مقدمته: "ذلك أن الكثرة مما نسميه شعرا جاهليا ليست من الجاهلية في شيء، وإنما هي منتحلة مختلقة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين."(34) ويرجع الكاتب هذه القضية إلى عدة أسباب أجملها في: السياسة وما يتصل بها من عصبيات قبلية مختلفة، ومنافع سياسية حاول العرب الحفاظ عليها، حيث يقول في هذا الصدد "إن العصبية وما يتصل بها من المنافع السياسية قد كانت من أهم الأسباب التي حملت العرب على انتحال الشعر وإضافته إلى الجاهليين"(35)، كما يعود بعض مظاهره إلى أسباب دينية، حيث قام البعض بتعظيم شأن النبي وشأن أسرته وقبيلته واثبات صدق نبوته، وقام الباقي بمحاولة إثبات أن القرآن جاء مطابقا في ألفاظه لغة العرب، وفي هذا الصدد يقول طه حسين: "وأنت تستطيع أن تحمل علي هذا كل ما يروي من هذا الشعر الذي قيل في الجاهلية ممهدا لبعثة النبي، وكل ما يتصل به من هذه الأخبار والأساطير التي تروي لتقنع العامة بأن علماء العرب وكهانهم وأحبار اليهود ورهبان النصارى كانوا ينتظرون بعثة نبي عربي يخرج من قريش أو من مكة. "(36)، إضافة إلى أسباب أخرى تتمثل في الفن القصصي والشعوبية التي تمثل صراعا في تمثيل الذات والآخر .
3ـ الترميز السردي: المثقف والسلطة:
اعتبر السرد وسيلة خالصة لتمرير الأفكار والتوجهات بطريقة رمزية، هذا في مواجهة سلطة سياسية واجتماعية مهيمنة، من هنا ارتبط بالحيلة حيث "يلجأ إليه عادة من يكون في موقف حرج، في موقف من لا يستطيع بسط حاجته مباشرة. فيستعين باللف والدوران ويحيد عن الطريق السوي ليسلك طريقا ملتويا"(37)، وكما أن السرد قد قيد بموجهات مختلفة، تمثلت في الشفاهية وظروف التدوين التي أعادت ترتيب وقائعه ومجرياته، فقد أسهمت حسب الناقد مكونات معرفية أخرى في هذا التشكل منها "الأنساق الثقافية التي صدرت عنها المادة الحكائية لهذه الأنواع في علاقتها بالمجتمع العربي الإسلامي بما فيها الفرق بين السلطة والثقافة الأخرى المسكوت عنها أو الثقافة الشعبية"(38).
نجح المناخ السائد في إبراز أدوار جديدة لنقاد الأدب، الذين كانت لهم سلطة رمزية معتبرة لتوجيه القيم الأدبية والفنية، حيث كان موقفهم خاضعا للإطار المعرفي والأخلاقي للإسلام كما رسمته وأقرته المؤسسة السياسية، ومن ثمة تشكلت المركزية الدينية، حيث صار بموجبها الوجود خاضعا لتفسير ينبني على معطيات هذا الدين الجديد، فمركزية الوحي غيرت المنظور نحو الأشياء، وعدلت المواقف لتسير وفق رؤية السلطة الدينية، والتي بدورها واكبت التصور السياسي بل وساهمت في توجيهه، بل ونظرا للتحجر وإغلاق باب الاجتهاد والتأويل، يتم التلاعب بتفسير النص الديني بما يوافق التوجه السياسي، حيث يصير النص الديني أو يتم الحديث عن تجديده وفق نظرة تبريرية لما هو سياسي، ومن هنا يتضح التواطؤ القائم بين هذه الأخير وبين المؤسسة الدينية.
في هذا الصدد نجد كتاب عبد الله الغذامي "النقد الثقافي" متموضعا في إطار من البحث الاستكشافي لمدى خضوع الخطاب الثقافي للنسق الديني المهيمن، ومدى تمثله أو تشكيله للرؤية السياسية، فمن خلال دراسته لشخصية المتنبي يتساءل عن عظمته وشجاعته العظيمة، إذ يتخذ من العلل النسقية مبدأ لقراءته النقدية، فيحاول إثبات قضية الأنا المتضخمة في الخطابات العربية، والتي عدت من السمات التي ترسخت في الخطاب الشعري، وانتقلت من ثمة مختلف الخطابات الأخرى حتى صارت سلوكا ثقافيا كامنا في الوجدان الثقافي للعرب. وهذا ما يسبب خللا في تكوين الذات ويشكل عيبا من عيوب الشخصية الثقافية. ومن أهم ما استخلصه أن الذات العربية كانت متشعرنة بسبب هذا النسق المتوارث الذي كمن في العقلية العربية، وعمل على اصطناعه الشعر وتسويقه بلاغيا، ومن ثمة وبعد شعرنة الذات العربية بانت إلى الوجود شخصيات كثيرة أنشأت خللا في الحياة، كنموذج الشحاذ والكذاب والمنافق، وشخصية الفرد فحل الفحول الذي حمل صفات الأنا المتضخمة التي تسعى لإقصاء الآخر، فانتقل هذا الأمر إلى باقي الخطابات التي ورثته، وصار سلوكا ثقافيا في العقلية العربية.
عد الناقد السرد "مظهرا تعبيريا تكون في محضن الثقافة العربية الإسلامية، وتكيف بفعل الموجهات الخارجية التي صاغت أنظمته، ولهذا لم ينظر إلى السرد العربي بوصفه ركنا معرفيا محضا من أركان الثقافة العربية، وإنما نظر إليه بوصفه مظهرا إبداعيا تمثيليا، استجاب لمكونات تلك الثقافة فتجلت فيه على أنها مكونات خطابية، انزاحت إليه بسبب هيمنة موجهاتها الخارجية وخاصة الشفاهية والإسناد"(39). ورتبت نظرة السلطة لهذا النمط التعبيري، إذ أجمع الفقهاء وعلماء الأصول ومعهم السلطة السياسية على الخوف من الطريقة التي يقدم بها القص الشعبي الحقيقة التاريخية، المعاد صياغتها من قبل القرآن في قصص الأنبياء والخليقة والبدء. . . ضمن أفق الحقيقة الدينية.
إن هذا العنف الممارس والقائم على الرفض والنفور، وجد تبريره في كون موضوعات القص الشفاهي انزاحت عن إطارها المشروع، وتجاوزت ما نظم لها أثناء تقديمها للحقيقة التاريخية والشرعية، حيث عكست علاقة المثقف بالسلطة المهيمنة، والتي كانت علاقة إشكالية ارتسمت حدودها بالتعقيد والتنافر، من أجل ذلك وجد الناقد أن صراع الأيديولوجيات سهل بروز علاقة تنافسية بين الطرفين، حاولت معها ثقافة العامة التأسيس لحضورها عن طريق ممارسة الإيهام والتخفي واللجوء "إلى التشفير الرمزي، والتمثيل السردي الذي لا يفك إلا عبر سلسلة من المجهودات العقلية والروحية"(40). وهذا كله مرتبط بقضية الوعي الذي يحاول التحرك ناحية اكتشاف الحقيقة بمختلف تجلياتها ومظاهرها. "ومع أن الوعي ذاته ظاهرة تاريخية، فإن هدفه الأسمى يكمن في الرغبة الدائمة في تجاوز ما تم اكتشافه والتحرك إلى قارة المجهول في الفكر والإبداع، أي أن الوعي ـ بعبارة أخرى ـ نشاط وفعالية متحركة لا تؤمن بالثبات والاستقرار، لكن السياسة ـ محور نشاط السلطة وفعاليتها ـ تتحرك دائما في محور الثبات والاستقرار، لذلك ينصرف اهتمامها في الفكر والإبداع إلى ما يحقق هذه الغاية، التي تفضي إلى تكريس مشروعيتها السيادية العليا. وكل فكر أو إبداع يناهض هذه الغاية يتم تهميشه في أحسن الأحوال إن لم يتم اغتياله وتصفيته نهائيا"(41).
إن السارد الذي يقدم رؤية مغايرة لما تحدده السلطة يوازي المثقف الثوري على حد تعبير نصر حامد أبو زيد و أيمن عبد الرسول، حيث يقف بالضد من المثقف التبريري أو التقليدي الذي يكون بقاءه رهين وجود السلطة السياسية التي يدعمها. ومن أجل ذلك يدعو دوما إلى الثبات والاستقرار، في حين يتحرك المثقف الثوري بشكل مضاد ليؤسس منطق المغايرة والاختلاف والتجديد، فتكون نظرته أو رؤيته أقرب إلى التغيير والثورية، وعوالمه الإبداعية أقرب إلى الاختلاق السردي الذي يتلاعب بالرمز في تصوير صراعه مع السلطة المهيمنة السياسية والدينية. استطاع السرد أن يشكل فضاء واسعا لممارسة التنكر بغرض انتهاك قيم مقبولة، حيث أسهمت شخصياته في تحديد ايجابية القيم أو سلبيتها. "ومن المعلوم أن توزيع نظام القيم يتصل بالسلطة بأشكالها المتعددة: الثقافية والدينية والاجتماعية والسياسية، وسوء ممارسة السلطة يطور دائما قيما سلبية، تجد من يسعى لانتهاكها، انطلاقا من رؤية ما، أو منظور معين"(42). ومن أجل ذلك يرى الناقد أنه يتم الاحتيال على عمليات الاستبعاد والإقصاء الممارسة من طرف السلطة باللجوء إلى الإلماح والمواربة، حيث يوضع المسكوت عنه في مستوى المفكر فيه عن طريق سلوك مسلك بلاغي شديد الذكاء لخلق احتمالات دلالية مختلفة ومتشعبة، تفضح عجز الخصوم عن تمثل الحقيقة والوصول إلى التفسير الصحيح والتأويل الواضح.
يقدم الناقد صورة مقارنة بين الثقافة الرسمية والثقافة المحلية، والأساليب التي تلجأ إليها الأخيرة لبلورة اتجاه ووجود مغاير لما تحاول السلطة ترسيخه، عن طريق خلق وتطوير أشكال مهمشة تعبر عن المسكوت عنه، وتستعيض بالرمز لاختراق سكونية المبدأ وثباته، وبهذا الصدد يقول: "وإنه لمن المعروف أن الثقافة الرسمية السائدة تتواطأ مع السلطة، وتستخدم من قبل هذه الأخيرة في تسويغ الرفض وعدم القبول، وحيثما تتعدد الانتماءات العرقية والدينية، تتنوع الثقافات وتختلف الرؤى والتصورات، وحيثما تتجمد الحياة في تضاعيف الثقافة العامة، وتخمد الاجتهادات ويتعثر التجديد، وتتشكل قوالب فارغة تمثل ركائز صلبة لثقافة توقفت عن العطاء الحقيقي، تنبعث دماء الابتكار في ثنايا الثقافات المحلية الخاصة. وهنا تتوازى ثقافتان: ثقافة تجريدية تقر بالثبات، وتبجل الماضي، وتقدس المقولات، وتضع بينها وبين موضوعها مسافة، لأن آلياتها تشتغل ضمن أطر وقوالب، لا تأخذ في الاعتبار حاجات التغير والتلقي، وثقافة حسية وتشخيصية، لا تقر بالثبات، ولا تؤمن بالصفاء، إنما تتكون من موارد عدة، وهي لا تعزل نفسها عن العالم الذي تظهر فيه، إنما تنشغل به انشغالا مباشرا، وللتعبير عنه، لا تتردد في تهجين أساليب تعبيرية متعددة، ولا تخشى من إثارة موضوعات مختلف حولها. إنها ثقافة انتهاكية وغير امتثالية. وفيما تثبت الثقافة الأولى الأشكال والأساليب التي أنتجتها في ذروة تطورها، تقوم الثقافة الأخرى باستحداث أشكال متجددة. وفيما تريد تلك إخضاع الحياة لأطرها الثابتة، تريد هذه أن تتوافق أشكال التعبير في اطراد متقدم مع تجدد الحياة"(43) إن النص يعكس بشكل واضح الصلة التفاعلية بين النصوص المنتجة والسياقات الثقافية، حيث قدم لنا الناقد جملة ظروف يحتكم إليها راهن المنجز الأدبي والشروط التي تتشكل هويته وفقها، مما يشير بوضوح إلى اشتغاله على ثنائية الإرسال والتلقي وإبراز أهميتها ودورهما في بلورة المعنى الوارد.
يقدم الناقد مثالا عن الأقنعة الرمزية الممارسة من أجل تمويه السلطة، متمثلا في نموذج ابن طفيل وسيرته الاشراقية والمعنونة باسم "حي بن يقظان"، حيث سعى ابن طفيل إلى إيصال رؤيته الاشراقية إلى المتلقي والتي حاول تعويمها بفعل الرمز والقناع إخفاء للحظات البوح. إن الناقد هنا استطاع أن يستنطق النصوص ويستنتج ما أراد ابن طفيل التبشير به على سبيل التلميح لا التصريح، وأيضا الدعوة من خلالها إلى الاعتقاد بها، "والأمر الذي يكشف عن الأمرين المذكورين تأكيده المتواصل أن حالة الكشف عصية على الوصف، وأنه لا سبيل للعارف المنذهل برؤية الحق إلا التعبير عن انذهاله تمثيلا ـ من جهةـ وإلحاحه على السائل أن يسلك هذا الطريق، بعد أن يسر له الأمر، ودشن له السبيل التي يراها ملائمة لأن تقوده إلى جوهر الحق، ولا أفضل من أن يجعله يتمثل الحال، بكل حواسه خلال تتبع مراحل الكشف خطوة خطوة، بكل ما ينطوي عليه من قدرة داخلية، بتأكيده أن البراهين العقلية والمنطقية قد تفلح في تحقيق صدق موضوعها، ولكنها لا تنجح في كشف مضامينه، على نحو يجعل المتلقي يعتقد بها، من جهة أخرى"(44).
ويعود عبد الله إبراهيم إلى الوصف والمعاينة التاريخية التعاقبية للكشف عن ملابسات تشكل هذه الرؤية عند ابن طفيل، حيث وجد أن أسباب لجوئه إلى الرمز والتشفير يعود أساسا للواقع السياسي المهيمن، وبصفة أدق لارتباط اتجاهه الباطني المشرقي بمواقف سياسية مناهضة للحكم في الأندلس في تلك الفترة، وتعذر الوقوف على الإشراق بالطرق العادية، مما جعل هذا الاتجاه محظورا آنذاك، ويفسر الناقد سبب تكتم ابن طفيل على اشراقيته وتلميحه عليه فقط بمكانته السياسية والاجتماعية والثقافية، إذ كان وزيرا معروفا بغرناطة وطبيبا للسلطان أبي يعقوب يوسف وكاتما للسر في بلاط الموحدين، فاعتماد أهل الأندلس على المذهب المالكي جعل ابن طفيل يتردد ويتحفظ في توضيح معتقده. لذلك كانت قصة حي بن يقظان تمثيلا سرديا خاضعا لهذه الموجهات وقناعا لسيرة الكاتب وتوجهه الحقيقي، وقد عمد إلى تعويم الحكاية بالرمز وإحاطتها بالغموض، وتبرير ذلك بعجز الألفاظ العادية على وصف حالة الكشف، وإضفاء صيغة تعليمية عليها في مخاطبة سائله، ثم التعامل بحذر ووضعه حكم قيمة يثبت من خلالها ولاءه لما هو سائد، بتوضيحه أن ما منعه توضيح ذلك هو أن الشريعة منعت الخوض فيه.
في الأخير لنا أن نطرح تساؤلا حول هذه الرؤية المقدمة، هل الدين هو الذي أسهم في خنق الحريات الأدبية والنقدية؟ ألم يكن الإسلام كافلا للحريات عامة ولحرية الإبداع على وجه الخصوص؟ ماهي الحدود الفاصلة بين حرية الفرد في أن يقول ما يشاء وبين حرية المجتمع في أن يدافع عن قيمه؟
يجد عبد الوهاب المسيري أنه من الضروري وجود صلة بين العمل الأدبي وعالم الإنسان لذا فقد طرح سؤال حرية الإبداع وانتقد أن تكون هذه الحرية مطلقة، فالإبداع ليس مطلقا يتجاوز الإنسان وحرية الإبداع يجب أن تقابلها حرية المجتمع في أن يدافع عن نفسه وعن قيمه، ومن ثمة فهو يرفض أن يكون الفن للفن ويعتبره للجميع، إذ حال فقدان الفن علاقته بالواقع وبالإنسان من حق أي إنسان أو كائن اجتماعي التصدي له إذا كان هذا الفن معاديا للإنسان وللقيم الإنسانية، ومن هنا فالمجتمع عليه أن يفرض رقابته دون أن يخنق الإبداع لأن الحرية المطلقة مدعاة لتفكك المجتمع وهذا ما يجعله يؤمن بأسبقية المجتمع على الفرد، بحكم أن الفرد ينتمي إلى المجتمع وليس العكس فالعكس يفترض أن يكون المجتمع شموليا.
جامعة محمد الشريف مساعدية ــــ الجزائر
الهوامش:
(1) عبد الله إبراهيم: التلقي والسياقات الثقافية. دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت/لبنان، ط1، 2000ص35.
(2) . عبد الله إبراهيم: الشفاهية منحت سمة شبه مقدسة، حاوره: اياد الديلمي وأبو طالب شبوب، مجلة الروائي. www. alrowaee. com
(3) عبد الله إبراهيم: التلقي والسياقات الثقافية. ص99.
(4) المصدر نفسه. ص132.
(5) م. ن. ص103.
(6) عبد الله إبراهيم: السردية العربية المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت/لبنان، ط2، 2000. . ص71.
(7) عبد الله إبراهيم: التلقي والسياقات الثقافية. ص114.
(8) عبد الملك مرتاض: الكتابة من موقع العدم، دار الغرب للنشر والتوزيع، وهران/الجزائر، دت، 3003. ص248.
(9) عبد الله إبراهيم: التلقي والسياقات الثقافية. ص102.
(10) عبد الله إبراهيم: السردية العربية. ص63.
(11)المصدر نفسه. ص61.
(12) سورة آل عمران: الآية63 .
(13) عماد الدين ابن كثير : تفسير القرآن العظيم، الجزء الثاني، تحقيق محمد الألباني، مكتبة الصفا، القاهرة/مصر، ط1، 2004. ص33.
(14) سورة يوسف: الآية 3.
(15) عماد الدين بن كثير: المرجع السابق. الجزء الرابع. ص212.
(16) المرجع نفسه. ص212.
(17) انظر: أبو يحي التجيبي: مختصر تفسير الطبري، مراجعة: مروان سوار، دار الفجر الإسلامي، دمشق/بيروت، ط6، 1998. ص. 242.
(18) سورة يوسف: الآية111.
(19) عماد الدين بن كثير: المرجع السابق. ص246.
(20) سعيد يقطين: الكلام والخبر المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء/بيروت، ط1، 1997. . ص40.
(21) عبد الله ابراهيم: السردية العربية. ص63.
(22) عبد الله سالم مليطان: التفكير الأسطوري في الإسرائيليات، مركز الحضارة العربية، القاهرة/مصر، ط1، 2005. ص60
(23) عبد الله إبراهيم: السردية العربية. ص111.
(24) المصدر نفسه. ص66.
(25) ألفت كمال الروبي: الموقف من القص في تراثنا النقدي، مركز البحوث العربية للدراسات والتوثيق والنشر، القاهرة/مصر، ط1، 19991. ص96.
(26) عبد الله إبراهيم: التلقي والسياقات الثقافية. ص108.
(27) عمر عبد الواحد: السرد والشفاهية دراسة في مقامات بديع الزمان الهمذاني، دار الهدى للنشر والتوزيع، ط2، 2003. ص10.
(28) عبد الوهاب شعلان: الشفاهية(الخطابة)والكتابة، مجلة كتابات معاصرة، العدد57، المجلد15 (آب/أيلول2005)، بيروت/لبنان. ص47.
(29) أدونيس: الشعرية العربية، دار الآداب، بيروت/لبنان، ط2، 1989. ص30.
(30) محسن جاسم الموسوي: سرديات العصر العربي الإسلامي الوسيط، المركز الثقافي العربي، بيروت/الدار البيضاء، ط1، 1997. ص35.
(31) بشير تاوريريت: آليات الشعرية الحداثية عند أدونيس، عالم الكتب، القاهرة/ مصر، ط1، 2009. ص17.
(32) أدونيس: زمن الشعر، دار الساقي، بيروت/لبنان، ط6، 2005. ص276.
(33) نبيل راغب: موسوعة الإبداع الأدبي، دار نوبار للطباعة، القاهرة، ط1، 2003. ص205.
(34) طه حسين: في الشعر الجاهلي، دار النهر للنشر والتوزيع، دمشق/سوريا، ط3، 1996. ص51.
(35) المرجع نفسه. ص101.
(36) المرجع نفسه. ص102.
(37) عبد الفتاح كيليطو: الغائب، دار توبقال للنشر والتوزيع، الدرا البيضاء، ط3، 2007. ص72.
(38) ضياء الكعبي: السرد العربي القديم الأنساق الثقافية وإشكاليات التأويل، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2005. ص513.
(39) المرجع نفسه. ص512.
(40) عبد الله إبراهيم: التلقي والسياقات الثقافية. ص35
(41) نصر حامد أبو زيد: الخطاب والتأويل، المركز الثقافي العربي، بيروت/الدار البيضاء، ط1، 2000. ص16
(42) عبد الله إبراهيم: التلقي والسياقات الثقافية. ص20.
(44) عبد الله إبراهيم: التلقي والسياقات الثقافية. ص60ـ61.
(45)المصدر نفسه. ص44.