منذ شباط (فبراير) 1982 نسي الناس ان مدينة حماة السورية هي بلد النواعير، على نهر العاصي، وليست بلد اسامة بن منقذ الامير العربي صاحب كتاب ‘الاعتبار’ بل اصبحت ترتبط بالمجرزة التي ارتكبها النظام السوري في اثناء المواجهة بينه وبين الاخوان المسلمين.
فحماة تعتبر مفصلا محوريا في تاريح العلاقة بين النظام والجماعة التي اصبحت محظورة ومن يثبت انضمامه اليها فعقوبته الاعدام (حسب قانون 49). وبالنسبة للجماعة فقد كانت ضربة قاصمة للحركة عنت نهاية وجودها في البلاد وشردت ابناء الحركة، حيث حملوا معهم ‘تجربة حماة’ بدروسها المرة واشجانها واحزانها. فقد ظلت ‘مأساة العصر’ وهو عنوان كتاب اصدره المكتب الاعلامي للحركة تلقي بظلالها على آليات القرار وطبيعة العلاقات بين رموز وابناء الحركة الاسلامية السورية. فقدت الحركة الى حد كبير علاقتها بقاعدتها السورية ولم تنجح محاولات فتح حوار بين النظام والجماعة في محو ذكرى حماة وضحاياها. ومع اندلاع الثورة السورية الاخيرة في اذار (مارس)عام 2011 عاد الحديث عن حماة وبقوة وتمت استعادة ذكريات ما حدث قبل عقدين من الزمن، فقد اعتبر معلقون الثورة انتقاما للتاريخ، يقوم به ابناء ضحايا حماة اليوم، مع ان الثورة اندلعت في درعا، وكانت سلمية ولم تتطور الى نزاع مسلح الا بعد ان قرر النظام تبني الحل الامني وعسكرة الانتفاضة، نتيجة لتصرفات قوات امنه والجماعات المرتبطة به ‘الشبيحة’. انتقام التاريخ، صحيح ان صدقنا مقولة ‘التاريخ يعيد نفسه’، ابناء الجيل الثاني نعم يقاتلون نيابة عن دماء ابائهم وامهاتهم ممن ذبحهم النظام لكن الثورة الجديدة تمثل خروج الاخوان من اشلاء حماة، ومن عقدة حماة، وعودتهم للحياة السياسية في المعارضة من جديد. وهو خروج وان جاء مليئا بالتفاؤل ومفعما بالامكانيات الا انه يواجه تحديات، لها علاقة كما قلنا بالتاريخ الماضي، وتلك المرتبطة بالنزاع الجيلي او الوضع السياسي الاجتماعي في سورية الثورة. فقد ظلت حماة وما جرى فيها محلا للمراجعة والدراسة في داخل الحركة التي وجدت نفسها في المنفى وانقطعت عن سياقها الطبيعي في سورية، كما انها ظلت مجالا لالقاء التهم وتبادل المسؤولية حول الجهة التي اتخذت قرار المواجهة وتوريط الجماعة في معركة لم تكن تحتملها. وعلى العموم فاشلاء حماة، رمادها خدمت كدرس قاس تعلمت الحركة منه واخذت سنوات طويلة من التجربة والخطأ كي تقيم كيانا متماسكاـ ولعل الثورة الحالية هي واحد من اهم العوامل التي ادت التي تصليب الصف الاخواني وتنظيم صفوفه حيث اصبح اخوان سورية رقما مهما في معادلة المعارضة في الخارج، والان كما قال رئيسهم محمد رياض الشقفة يخططون للعودة والعمل من الميدان، وبناء مؤسساتهم التي انتهت بخروجهم من البلاد. وقد تكون مهمة الاخوان صعبة خاصة ان جماعات ‘إسلامية’ متعددة ملأت الفراغ الذي تركوه قبل ثلاثة عقود اما بدعم من النظام نفسه او جماعات تعبر عن تطور الفكر الجهادي العالمي- أي القاعدة وجماعات تمثل الفكر السلفي الوهابي الذي يجد الان من يموله في سورية.
حماة في أفغانستان
ولا بد من الاشارة الى ان حماة لم تكن بعيدة عن تطور الفكر القاعدي، فمن عاشوها وتشردوا هاجروا الى افغاستان وقاتلوا الى جانب المجاهدين العرب وأصبح بعضهم من المنظرين الايديولوجيين للفكر الجهادي العالمي الذي اثر على فكر الجماعة الاسلامية للدعوة والقتال في الجزائر وعلى فكر ابو مصعب الزرقاوي. وظهر ابو مصعب السوري كأهم منظر للقاعدة وناقد قام بتقييم التجربة من زاوية الطليعة المقاتلة ودور الاخوان المسلمين السوريين في التجربة الذي انتقده، وحملهم مسؤولية الكارثة. المهم في الامر ان حماة مثل بقية شهداء الحركة الاسلامية اكتسبت طابعها الرمزي وأصبحت مدارا للتحشيد على القتال والحقن الطائفي ضد النظام ‘العلوي’، ‘الكافر’ الذي يحكم سورية منذ اربعة عقود او اكثر. فحماة مثلها مثل سيد قطب ومروان حديد بطل المواجهة مع ‘البعث الجديد’ في الستينات من القرن الماضي وفي المدينة ذاتها اصبحت علامة من علامات الشهادة والبطولة في سياق المحنة الاسلامية وهي تواجه طغاة العصر الحديث. قصة حماة لم تكتب بشكل كامل، لان من شاركوا فيها لم يتفقوا على ما حدث فعلا فيها، وظلت مصدر اشتباك بين افراد الحركة، كما ان ما جرى خلال الاسبوعين اللذين تعرضت فيهما للقصف والتدمير حدث بعيدا عن اعين الاعلام العالمي.
تاريخ جماعة
وخلف مذبحة حماة، قصة معقدة متجادلة عن تاريخ جماعة الاخوان المسلمين التي اعلن عنها في عام 1946. وعلى خلاف فروع الاخوان المسلمين التي نشأت خارج الوطن الام للجماعة تميز الاخوان السوريون بالتنوع والاختلاف، الذي كان يخدم احيانا هداف الحركة وكان في احيان اخرى مصدرا للانشقاقات والتنافسات الجهوية والمناطقية بين ابناء الحركة. فمن ناحية الايديولوجيا جمعت الحركة في طياتها افكار رموز السلفية المصرية التي مثلها في سورية جمال الدين القاسمي، وطاهر الجزائري، وعبدالرزاق البيطار والفكر الصوفي الذي انتقده اعلام السلفية، كما ان احياء افكار شيخ الاسلام تقي الدين ابن تيمية الحراني على يد عبدالقادر الجزائري الذي اصبح منفيا في سورية ساعد على اغناء المشهد الفكري في سوريه نهايات القرن التاسع عشر واسس الى ولادة الجمعيات الاسلامية مثل دار الارقم في حلب، و’التمدن الاسلامي’ وجمعية ‘الغراء’ وغيرها وهي جمعيات ونواد اصلاحية الطابع يتراوح فيها الطابع الاصلاحي من جهة الى اخرى. ولا بد من الاشارة الى ان الحركة السلفية التي قادها الافغاني وعبده ورضا في مصر أثرت بشكل كبير على دمشق وعلمائها فيما اتسم توجه علماء حلب والمدن الاخرى البعيدة عن المركز بالتوجه الصوفي، باستثناء واضح وهو عبدالرحمن الكواكبي الذي عبر في فكره عن الاصلاحية المصرية وافكار جمال الدين الافغاني. ومع ذلك فالجمعيات الخيرية والفكرية التي انتشرت في المدن السورية كانت تعبر عن واقع اكثر تعقيدا ولا يمكن فهم دورها الا عبر قراءة المشهد الاجتماعي والسياسي في سورية في بداية القرن العشرين وإثناء الاحتلال الفرنسي الذي فرض العديد من التحديات الفكرية على أعلام الاصلاح، فيما يتعلق بالأخلاق ودور الدين، ومحاولة الفرنسيين تأكيد الطائفية كوسيلة للسيطرة على سورية، وجعل الاسلام، دين الغالبية دينا من الاديان في سورية وليس دين الغالبية، كما يقول فيليب خوري، احد المتخصصين في سورية.
حركة سورية باقتدار
ومن هنا فالتنوع الثقافي والحراك الشعبي الاسلامي الذي نشأ بفعل الاستعمار والفكر الاصلاحي، والمنظومة الفكرية والدعوة للاجتهاد، وتفسير افكار ابن تيمية في اطار سوري أثر على فكر الاخوان المسلمين السوريين، واعطاه ميزة مختلفة عن الحركة الأم ومنحهم اي الاخوان، على الاقل في سنوات النشوء اي من الاستقلال حتى سيطرة البعث على البلاد القدرة على التكيف، وتكييف الفكر الاخواني المصري حسب الاطار السوري، اي ‘سورنة’ الاخوان.
جماعة منفتحة
ويكشف تحليل مسارات الحركة عن جماعة منفتحة تؤمن بالسياسة والعمل الديمقراطي. فالفكر الاخواني وصل الى سورية عبر الطلاب السوريين الذين درسوا في الازهر وكان منهم من تعرف على الشيخ حسن البنا، وعلى رأسهم الدكتور مصطفى السباعي (1915-1964)، المراقب العام للاخوان المسلمين والذي جمع الجمعيات الاسلامية في مؤتمر عام سنة 1937 حيث ينقل عن السباعي قوله ان تأخير الاعلان عن اسم الجماعة ارتبط بالظروف السياسية وحتى لا يعرقل الفرنسيون مسار الحركة في تلك الفترة، وبزوال الاستعمار كان بالإمكان اعلان اسم الحركة. وكما قلنا فقد منح التنوع الحركة القدرة على تقديم خطاب معتدل، براغماتي يأخذ بالاعتبار الوضع السوري، ويخالف الموقف العام للحركة الام في مصر. وحرص السباعي الذي اطلق عليه اسم ‘ابن تيمية الصغير’ على ان يقدم خطابا جامعا بين السلفية الدمشقية والصوفية. ومن العوامل التي ساعدت الحركة على اتخاذ افكار مستقلة هو المناخ السياسي المنفتح في سورية بعد الاستقلال والذي فرض على الحركة مواجهة منافسيها علنا وانشاء حزب سياسي وهو امر لم تكن الحركة الام مهيأة لاتخاذه. ومن هنا فدخول الحركة اللعبة البرلمانية وضعها امام استحقاق اللعبة الديمقراطية حيث لعبتها ببراغماتية وأبدت قدرة على التكيف مع الوقائع التي مرت بها سورية الخمسينيات من ازمات وانقلابات ومواجهات مع الانظمة العسكرية.
ففي عام 1950 خاض السباعي وحركته معركة الدستور وصياغته حيث استطاع السباعي والنواب الاخوان في البرلمان الدفع بالتأكيد على ان يكون دين الرئيس هو الاسلام والفقه الاسلامي مصدرا رئيسيا للتشريع. واعتبر السباعي الدستور السوري نموذجا يجب على الدول الاسلامية تقليده والجماعات الاسلامية الدفاع عنه. ولم يقتصر نشاط الاخوان على الدفاع عن القضايا السياسية فقد ناقشوا القضايا الاخلاقية وهاجمت الجمعيات الاسلامية قصائد الشاعر الشاب نزار قباني، واحتجوا على مقالات نشرت في مجلات بريطانية مسيئة للاسلام. وتميز خطاب الاخوان فيما يتعلق بفلسطين بالطابع الشعبوي، ففي صحيفتهم ‘المنار’ وجولات المراقب العام في شمال سورية للتحشيد وزيارة معسكرات جيش التحرير العربي برزت هذه النزعة لكن نشاطات الاخوان فيما يتعلق بفلسطين يجب ان تفهم من خلال الظروف السياسية في سورية والتنافس مع حزب البعث. وبنفس السياق اظهر الاخوان براغماتية في التعامل مع القضايا الاجتماعية ففي كتابه ‘اشتراكية الاسلام’ عبر السباعي عن موقف الاخوان من ‘المسألة الاجتماعية’ وتماهى مع مطالب المحرومين والفقراء التي كان يدعو اليها حزب اكرم الحوراني الحزب العربي الاشتراكي قبل ان يتماهى مع حزب البعث لاحقا.
وعبرت فيه الحركة عن مواقف متعاطفة مع الاتحاد السوفييتي في تلك المرحلة لكن هذا التعاطف لم يترجم الى تعاطف مع الحزب الشيوعي الذي كان يقوده خالد بكداش، حيث اتسمت العلاقة بالنزاع والتنافس والمواجهات بين الطرفين. وفي الوقت الذي انشأ فيه الاخوان نقابات وجماعات عمالية واسسوا ما قال عنه تقرير من السفارة البريطانية ‘دولة داخل دولة’ فانهم اقاموا علاقات مع حزب الشعب القريب من رجال الاعمال وذلك من خلال معروف الدواليبي. وعلى الرغم من نشاط الاخوان وازدهارهم في فترة الخمسينيات من القرن الماضي الا انهم عانوا من القمع الذي مارسه عليهم اديب الشيشكلي حيث حظر نشاطاتهم، مما ادى بشكل من الاشكال الى توسع تأثير حزب البعث، ولعل كان هذا وراء خسارة مصطفى السباعي عام 1957 في الانتخابات لصالح رياض المالكي حيث كانت اول منازلة بين حزب البعث والاخوان. وعلى العموم فتجربة الخمسينات والستينات تمنح الدارس لتاريخ حركة الاخوان المسلمين فرصة لقراءة مناحي المرونة والبراغماتية في فكرها، فهي تعتبر من الحركات القليلة التي لم توقع على طلب الانفصال عن مصر عام 1961 مع ان الحركة الام كانت تعاني من قمع واضطهاد نظام ناصر، فهي ايدت الوحدة لانها تتفق مع ايديولوجيتها الداعية للوحدة العربية والاسلامية. ومع بداية عقد الستينات كانت الحركة على الرغم من فوزها بـ 10 مقاعد في انتخابات عام 1961 تخسر امام صعود حزب البعث العربي الاشتراكي.
سنوات الموت
ومن هنا تميزت سنوات ما بين 1963- 1982 بالمواجهات الدموية بين الطرفين. والاسئلة تطرح دائما عن سبب التحول من الانفتاح الى التطرف، هل لان الحركة خسرت حنكة قائدها مصطفى السباعي الذي اقعده الشلل ثم وفاته، ام لان عصام العطار الخطيب المفوه ضيع فرصا لمنع تقدم البعث برفضه استلام مناصب وزارية ومشاركة في الحكومة، ومن ثم نفيه خارج البلاد حيث تنقل بين الدول العربية قبل ان يستقر في اخن، المانيا؟ ام لعوامل اخرى؟ الجواب مرتبط كما يرى رفائيل ليفيفري في مؤلفه الجديد ‘رماد حماة.. الاخوان المسلمون في سورية’ الصادر حديثا في لندن، بمراكز القوى داخل الحركة، ففي السنوات الاولى من تاريخ الحركة كان ‘جناح دمشق’ هو الذي يدير شؤون الحركة ويوجه سياساتها حيث لم يكن التمثيل من الشمال او الشرق الا اسميا، وبعد وصول البعث ودخول فكر سيد قطب وظهور مروان حديد الداعي للجهاد في حماة وابتعاد عصام العطار عن الحركة بسبب اقامته في الخارج فقد سيطر ‘محور الشمال’ حلب وحماة ودير الزور على مسار الحركة. يكشف ليفيفري عن الطريقة الي سيطرت فيها ‘مجموعة حماة’ على القيادة خاصة عدنان سعدالدين وسعيد حوى. وتنبع اهمية دراسة ليفيفري انها تحاول الخروج من اطار التحليل الذي يتعامل مع العلاقة بين الاخوان والنظام من خلال ‘كفر النظام’ و ‘ارهاب الاخوان’ ويعمل على دراسة الظروف التي ادت للمواجهة، فان كانت الحركة قد تبنت او احيت على يد سعيد حوى فتاوى شيخ الاسلام حول كفر العلويين.
ولعل المسألة الطائفية في خطاب الاخوان تنبىء عن تحولات ليس في الفكر الاخواني نحو التشدد والتخلي عن الرؤية المتسامحة والمتنوعة في خطاب الكبار، فهو مرتبط بما قام به البعث الجديد، خاصة في فترة صلاح جديد (1966- 1970) وما احدثته سياسات البعث على الطبقات السنية وملاك الاراضي من السنة. فقد كان صعود البعث يعني سيادة الريف على المدينة، ووصول ‘مماليك العصر الحديث’ وتحكمهم بمقاليد البلاد وعصبها العسكري والاقتصادي والاجتماعي. ففي نهاية عقد السبعينات اكتملت ما يمكن تسميته ‘علونة’ الدولة السورية. وهذه التحولات في العلاقة بين الريف والسلطة تعود الى السياسات الفرنسية، والى سيطرة العلويين على حزب البعث والجيش حيث كان الحزب والمؤسسة العسكرية هما الخيار الوحيد المتوفر امام الطائفة العلوية المحرومة والمضطهدة بسبب عقيدتها وارتباطاتها مع الاستعمار فيما عرف بالدولة العلوية التي خلقت ازمة ثقة بينهم وبين السنة في مرحلة ما بعد الاستقلال. ومهما يكن فقد كانت الظروف مهيأة لحزب البعث للصعود ومعه صعد العلويون.
الخطاب الطائفي
وفي الوقت الذي حاول فيه حافظ الاسد في ثورته التصحيحية في تشرين الثاني (نوفمبر) 1970 تصحيح الاخطاء التي ارتكبها جديد وجماعته من ناحية التقرب لطبقة رجال الاعمال والبرجوازيين في دمشق، وتقريب بعض المراجع السنية مثل المفتي العام الشيخ احمد كفتارو والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، واظهار مظاهر اسلامية الا ان معركة الدستور وصياغته كانت بداية لما سيأتي. ومع ان الاسد حاول التقليل من اهمية العامل الطائفي لحكمه الا ان زيادة ملامح التطرف في الحركة الاسلامية السورية والانطباع العام لدى السنة من ان النظام بات يتصرف بطريقة طائفية جعل من البعد الطائفي عنوانا وعاملا مهما في الصراع. ومع ان النزاع بين النظام والمعارضة لم يكن في معظمه ايديولوجيا وكان ذا ملامح سياسية الا ان الايديولوجيا هي التي انتصرت. فما اضاف لمظالم السنة والمعارضة هو فشل حزب البعث الذي اصبح اداة وعنصرا هامشيا في صناعة القرار، اضافة الى انتشار الفساد، والتطوير غير المتوازن في البلاد وتركيز كل الجهود في المناطق العلوية خاصة اللاذقية وطرطوس، كل هذا قلب معادلة السلطة في البلاد وجرد القوى في المدن من سلطاتها التي حافظت عليها لقرون عدة. ومع زيادة الضربات الاسلامية للمعارضة والتي استهدفت العلويين اصبح الاسد يعتمد على طائفته من اجل النجاة، وفي كل ضربة كانت توجه الى النظام ‘العلوي’ كان الطرف السني يخسر، فبعد حادثة المدفعية في حزيران (يونيو)1979 سرح النظام اكثر من 400 سني، وبعد محاولة اغتيال الاسد، قام النظام وسراياه باعدام اكثر من 500 سجين في تدمر.
واستمر الوضع حتى قاد الى المواجهة في حماة التي جرت اليها الجماعة بعد ان سيطر التيار المتشدد في الحركة اضافة الى الطليعة المقاتلة بقيادة عدنان عقلة على مسار الامور. ومع ان الحركة اعلنت النفير العام بعد المذبحة وفتحت المعسكرات في العراق لألاف من المتطوعين من ابناء الحركة الذين تركوا اعمالهم في المنفى ولبوا النداء. لكن الحركة وجدت ان المواجهة مع النظام غير عملية لتترك حماة ومصير الاخوان في سورية مدارا للتساؤلات وليصبح ما حدث فصلا دمويا حزينا. في كتاب ليفيفري ملاحقة لتاريخ الحركة قائم على الوثائق البريطانية، وشهادات بعض مسؤولي حزب البعث السابقين، وقادة الاخوان والجيل الجديد منهم، وعلى وثيقة عن محنة حماة عثر عليها في ابوت اباد عام 2012 عند اغتيال اسامة بن لادن. وما يلح عليه الكاتب هو ان تهميش تيار دمشق والفراغ القيادي الذي نتج بسبب منع العطار من العودة للبلاد خاصة في الفترة ما بين 1969 -1970 كان وراء ظهور التشدد في الحركة، الذي سارع وملأ الفراغ، ممثلا بمحور الشمال او مجموعة حلب ومن ثم جناح حماة. وقد ظل هذان الجناحان يسيطران على مسار الحركة حتى الان مع ان الكاتب يرى ان الاجنحة لم تعد مهمة في ظل الثورة الحالية، فما يحدث داخل تيار الاخوان وان ظل مرتبطا بمأساة حماة الا ان هناك نزاعات جيلية بعضها انفصل عن الحركة والاخر يعمل في اطارها وان بشكل مستقل، وهذا النزاع الجيلي لم يعد مرتبطا بالايديولوحيا او الدوغما بقدر ما اصبح يتمحور حول السياسة وبناء شبكات العلاقة وانتقاد تحجر القيادة التقليدية التي تريد القيادة طوال الحياة.
الاخوان قادمون
وفي نهاية الكتاب يرى المؤلف ان هناك امكانيات واسعة امام الحركة للعودة للساحة السورية وبقوة، فعلى الرغم من تقليل النقاد لها من حظوظها، ففي سنوات الازدهار في منتصف القرن الماضي لم تكن الحركة بقادرة على تحشيد دعم قوي لها. ومع اعتراف قادة الحركة من انها لن تحقق سوى 25 بالمئة من الاصوات إلا ان الكاتب يرى انها قادرة على اكثر من ذلك، فالظروف اليوم مختلفة. ففي الماضي لم تكن الحركة مؤثرة في الريف. وبعد فشل البعث وهروب الكثير من افرادها الى القرى اثناء المحنة فهي قادرة على تجميع الاصوات. كما ان قدرات الحركة التنظيمية وفكرة الولاء تجمع اطرافها، ولاحظ ان قيادة الحركة التي اختلفت حول فكرة الثورة المسلحة نجحت في اجتياز هذا الوضع بسبب ظروف سورية اليوم، ولم يعد هناك من يجادل في جدوى المقاومة المسلحة. وان كانت كل الظروف تلعب في صالح الحركة وعودتها الى سورية فهناك مشاكل جيلية وقوى جديدة ظهرت في البلاد تحمل اسم ‘ اسلامية’، والامر مرهون بقدرة الحركة التي تغيرت بعد عقود من النفي على التعامل مع الوقائع الجديدة في سورية ما بعد البعث. كتاب ‘رماد حماة’ رحلة في تاريخ سورية الدموي ووثيقة مهمة حول تاريخ الحركة الاسلامية، نقل فيها السنوات المرة والمواجهة الدموية مع النظام. كما وقدم الكاتب بعدا تحليليا ابتعد عن الكليشيهات والنمطيات المعروفة وحاول ان يؤكد على دور البعد السياسي والمصالح الاقليمية والخيبات من حزب البعث الذي تخلى عن وحدويته بدعم إيران ضد العراق، واجراء محادثات سلام مع اسرائيل والوقوف امام المقاومة الوطنية في لبنان والانحياز للكتائب والتفرج على ذبح 3 الاف فلسطيني في صبرا وشاتيلا. كما ان الكتاب يقدم الطريقة التي ارتدت فيها سياسات الدولة عليها من خلال تبنيها للجهاديين الذين حاولت التخلص منهم بارسالهم الى العراق، وهاهم يعودون وبخبرات اوسع. الرسالة هي ان العلويين انتقموا من الحرمان والقهر وسيطروا على سورية فهل ينتقم الخارجون من جراح حماة من تاريخ الدم ام يبنون زمنا متسامحا وسورية جميلة؟ اسئلة متروكة لما سينتج عنه الصراع وفي المحصلة فالمنظور قاتم، لكن لا يأس مع الامل…
Ashes of Hama: The Muslim Brotherhood in Syria By: Raphael Lefevre C.Hurst & co. Publishers London -2013
ناقد من أسرة القدس العربي