تعمل جماعة الإخوان المسلمين على نشر مجموعة الأباطيل التي تروجها لجانها الإلكترونية، بتوجيهات مباشرة من كبار قادتها، لحصد عدة أهداف: تضخيم حجمها وإمكانياتها عن واقعها الفعلي، وتبييض وجوه رجالها والترويج الانتخابي لهم، وإلصاق كل النقائص بقادة المعارضة وشباب الثوار، سواء عن طريق التركيز على تصريحات منزوعة من سياقها، أو باختلاق مواقف وتصريحات غير موجودة من الأصل، أو بتحريف ترجمة حواراتهم مع الصحف الأجنبية.
أهم الضلالات تدَّعي أنه في حال إسقاط محمد مرسي فإن الإخوان سيسقطون أي رئيس قادم، وبالتالي لن يكمل أحد مدته، وهذه كذبة لأن إسقاط الرئيس أو استمراره لا يعتمد فقط على انتمائه السياسي أو الأيديولوجي، لكن على أدائه وانحيازاته بالأساس، فإذا أُسقط مرسي وجاء إلى السلطة رئيس عادل لا يفرق بين المواطنين بسبب انتمائهم السياسي أو الديني أو العرقي، ويكون انحيازه الظاهر للأغلبية من الفقراء والمهمشين، فإنهم سيحمونه ويشكلون ظهيرًا قويًّا لحكمه، بمن فيهم، وأولهم، شباب الإخوان الذين هم مواطنون أولاً، بالتأكيد يريدون استقرارًا ورواجًا ووظائف لهم ولأبنائهم، بالإضافة إلى تعليم جيد وتأمين صحي شامل.
ثم إن هذا الطرح يغفل عقيدة الجماعة التي لم تشارك في أي عمل ثوري، ولم تبادر به، بل دأبت على مدح الملوك والرؤساء المتعاقبين، حتى المؤقتين منهم والفاسدين والطغاة، من فؤاد الأول حتى المشير طنطاوي، كما أنها تهرول إلى المخابئ عندما تتعرض للهجوم وتترك غيرها ليناضل ويدفع الثمن فتحصد هي دون خسارة، هذا ما حدث عام 1952 وفشلت فيه لأن خصمها- جمال عبد الناصر- كان ذكيًّا، نجح في كسب ود قطاعات كبيرة من المصريين، وفي تأليبهم عليها بالحق. وهو ذاته ما يحدث الآن من سطو غير شرعي على ثورة لم تدع إليها، ولم تشارك فيها إلا بعد ضمان نجاحها، ولم تدفع ثمنها من شهداء ومصابين ومفقودين. كما يغفل- هذا الطرح أيضًا- حقيقة أن كثيرين من المثقفين وشباب الثورة انضموا لحملة مرسي في الجولة الثانية، وأغلبهم هنَّأه وتمنى له النجاح لكي تنجح الثورة، ولم يبخلوا عليه بالنصح، لكنه فقد كل مناصريه في وقت قليل، لأن اختياراته كانت تصب في مصلحة جماعته، من قرار عودة البرلمان الإسلامي، برلمان البلكيمي وعلي ونيس، إلى الإعلان الدستوري الذي حصن الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى وتعيين نائب عام موال.
الضلالة الأخرى هي تحميل المعارضة بأسباب الفشل، ففي رأيهم المعارضة لا تعطي فرصة للرئيس كي يمارس مهامه لأنها طامعة في الحكم ومشتاقة إليه، ولأنها تكره الديمقراطية التي حملت مرسي إلى مقعد الرئاسة، والحل عندهم أن يعود الجميع إلى بيوتهم، وأن تتم محاسبته بعد أربع سنوات بصندوق الاقتراع. وهو طرح مضحك بالفعل، فوظيفة المعارضة- في كل الدول الديمقراطية- هي إفشال الحاكم وإسقاطه والوصول إلى السلطة، لأنها ببساطة تعتنق فكرة مخالفة لفكرته. وبجوارنا إسرائيل التي قلَّمَا تكمل حكوماتها مددها المقررة، كذلك المعارضة الشرسة التي يقودها الكونجرس الديمقراطي ضد الرئيس المحافظ في أمريكا، والعكس، فلو ترك أي حاكم على راحته ورجعت المعارضة إلى البيوت سيتجبر، ويلون المستقبل باللون السياسي الذي يريد.
كل ذي عينين يدرك أن هتافات المعارضين، وتصريحاتهم التلفزيونية، لا تُطلق الرصاص الحي من بنادق جنود الشرطة، ولا تحرك سياراتها لتدهس الناس، ولا تأمر أجهزة الأمن بالقبض على الآمنين وتلفيق التهم لهم، أو أخذهم إلى معسكرات في الصحراء لتعذيبهم والتنكيل بهم.. إلى آخر الجرائم التي ارتكبها نظام الإخوان المسلمين في الثمانية أشهر التي تولوا فيها الحكم، بل يفعل ذلك الذي يتربع على مقعد الرئاسة ويأمر فيطاع.
كما أن هذا الطرح يغفل حقيقتين: الأولى أن الإخوان المسلمين طالما وضعوا العراقيل أمام الحاكم وهم في المعارضة، بل وصلوا إلى درجات من العنف لم يعرفها المجتمع المصري، فاغتالوا السادات ورفعت المحجوب وفرج فودة .. وغيرهم، وحاولوا اغتيال جمال عبد الناصر ونجيب محفوظ وعدد من وزراء الداخلية.. وغيرهم كذلك، وارتكبوا مذبحة في الأقصر، وأطلقوا الرصاص على السائحين أمام أحد فنادق الجيزة، وزرعوا عبوات ناسفة في أماكن التجمعات الكثيفة ومواقف الحافلات.. إلخ. والثانية أنه ليس دور المعارضة أن تقدم حلولاً للجالس على المقعد، إذا فرضنا أنه سيأخذ بها، ومع ذلك فإن كثيرين من رموز المعارضة المصرية قدموا برامج وحلولاً للمشاكل السياسية والاقتصادية التي نواجهها، وأفكارًا لتحسين التعليم والصحة والطرق والمواصلات، فعل هذا د.محمد البرادعي غير مرة، كما قدم حمدين صباحي برنامجًا متكاملاً أثناء ترشحه للرئاسة، أعده فريق من الخبراء في المجالات المختلفة، وهو منشور على موقع حملته الانتخابية لمن يريد، وهناك مشروعات مماثلة قدمها آخرون من المرشحين الرئاسيين وغيرهم، لكن مرسي لا يأخذ بها لأنها لا تخدم جماعته، ولا تساعده في مشروع التمكين، الذي ستدفع مصر لقاءه شهداء، وكوارث لا يعلم مداها إلا الله.
كل المخلصين حذروا من دستور غير متوافق عليه، فرد عليهم مرسي بتحصين الجمعية التأسيسية وتزوير الاستفتاء، كما حذروا من انفراده وجماعته بالحكم، فرد بإعلان دستوري يطلق يده دون مساءلة وتحصين مجلس شورى انتخب بـ7% من الناخبين، ولفتوا إلى أهمية الالتزام بالقانون فأقال النائب العام وعين نائبًا تابعًا.
الجماعة لا تدرك على مايبدو- لقلة خبرتها ولتعجلها- أن ترويج الأكاذيب لا يدوم طويلاً، فسرعان ما تنكشف، كما أنها بالتأكيد ليست الطريقة المثلى لبناء الأوطان!