انفرطت سنواته العشر بقلبها حين رسم وجهه علامات الغضب، لجأت إلى بلاغة تجيدها لكنه صفعها برفض..
تمسكت بحبات مسبحتها،سبحت، هللت ثم استغفرت، لمست يده الفتية، رفعتها إلى شفتيها المجهدتين وقبلتها فتحولت مشاعل الغضب في عينيه إلى أسى..
تمتم:ـ أمي لا تغضبي..
ضاعت نظراتها في أفق يبدو دوما بعيداً رغم أنه يسكنها، ذكرى تأبى أن تفارق ملامحها التعبة ومخيلتها المخلصة لكل وساوس الماضي..
قالت:ـ إنه والدك..وسيلتك الملكية لدخول الجنة.
رد بعناد يفوق قدراتها: ـ"لمَ لم أكن أنا أيضاً وسيلته لنفس الجنة؟"
قالت: الفرع دوما ما يخلص للجذور لأن بقطيعتها يموت.
رد: الموت أفضل.
لقاءهما الوشيك يرعبها رغم أنها تحاول إتمامه بكل الطرق وكأنها تكتب بيدها وثيقة موتها..
تستنجد بمثالية تسكن إحدى غرف قلبها وتواري كل أحقاد الماضي ثرى التسامح.
عشر سنوات وأكثر.. كان لا يزال بداخلها جنينا أبت الأبوة أن تظله، ولد فلم يحمله على يديه، لم يحتضنه، لم يقبله، ولم يبتسم بوجهها ليمنحها فخراَ تشعر به كل أم.. لم ير سنه الأول حين نبت في قسوة، لم يبتسم حين جلس للمرة الأولى بلا مساعد، لم يسمع كلمة بابا تهدى إلى شقيقها بدلا عنه، لم يخط خطوته الأولى أمام عينه..
الآن يريده..
لم يستنجد به حين تكاثر عليه قرنائه ليؤذوه، لم يغضب لانكساره حين نعته أحدهم بـ "ابن المطلقة"، منحته الأخرى أطفالاً فتناسى أنه أولهم.
ضن عليه بابتسامة صباح العيد، بثوب جديد، ونقوداً جديدة وذراعين تضمانه كشيء نفيس..
بلا أب وكأنما منحته السماء غطائها فعاش بين السحب مجهول الهوية، تتبرأ النجمات من بريق عينيه ويغار من دموعه ضوء القمر..
يريده الآن..
وقد بددت شبابها تحت قدمي صغيرها، تناست أن بالأكوان رجالاً، ألقمت مشاعرها حرمانا أزلياً وداست بقدميها وهج الأنوثة المفرطة..
يرغب في رؤيته لسبب ما، ربما اشتاق لمن تخلى عنه، ربما عصف به شعور يشبه الإحساس بالذنب، أو ربما أراده ليجهز على ما تبقى من عالمها وكأنه نذر نفسه ليحرمها من كل شيء..
ضغطت أصابعها أكثر على المسبحة، سبحت، هللت، ثم استغفرت، تفرست بملامح صغيرها ثم قالت آمرة" ستذهب إلى والدك.. ساعات وتعود.
رد بقوة:ـ لن أفعل.. لن يعيدني إليكِ ثانية..
أفاقت كل مخاوفها لكنها تصدت لذلك الخوف.. رسمت على وجهه لوحة من صرامة وقالت:ــ فلترتدي ثيابك ..ولتذهب..
وقفت تراقب خطواته الوئيدة ، رأسه المنكس وهو في طريقه وحين غاب عن نظرها ..بكت