نص مكثف يحاول فيه القاص الفلسطيني تلخيص معاناة الإنسان المحاصر بالمحتل والبطالة حتى تتحول الحياة إلى ما يشبه العبث وتصبح ثقيلة على الفرد الذي يجد نفسه عاجزا لوحده في مواجهة هذا العالم المضاد فيحلم بالجمال والعدالة.

مدينة خائفة

أمين خالد دراوشه

أصبحت المدينة مرتعا للألم والمعاناة، حاضنة للجريمة والفساد، وامتلأت القلوب بالظلمات. المدينة تدمر نفسها بالفزع والخوف.

داس اليأس أرواح الناس، وانتشرت الروائح، وانتقل الوباء عبر الماء والهواء والغذاء، وحتى الجنس المباح.

الشاب اليافع، الماهر، والمبدع، يبحث عن عمل لا أمل له في إيجاده، فالمدينة مليئة بالكفاءات! ضجرَ، وسئمَ، وملَّ، أوقف البحث عن أمل.

شقّ طريقة الوعرة نحو بلجيكا، فحقّق المبتغى.

قال:

- لا تقدر على التغيير وحدك.

قلت:

- ما العمل؟ ماذا بيدي؟ سأشي بهم.

ضحك حتى اغرورقت عيناه بالدموع، وقال:

- الوشاية، وبمن تستطيع أن تشي، والمدينة قوارض وطفيليات.

- وكيف نمنعهم من النصر؟

- الناس خائفون، فزعون، يسعون وراء السكينة وحسب.

-لأَكُنِ الخوف إذن.

- بل كن فكرة، يجب أن تصبح فكرة.

- لأثبت ماذا؟

- علينا أن نبرهن أن البشر هنا، ليسوا دون معنى.

- على الأعداء أن يشاركونا خوفنا وفزعنا.

في سكون الليل، وحده في فراشه، يهذي: سنوات طويلة، ونحن نذرف الخيبة والخيمة، نعيش تحت ظلال أحذية الآخر، وفهلوة المراوغين.

عجزت عن فقدان ذاكرتي، فبقيت تضغط عليّ، خيالات وأشباح تتراقص أمام ناظري، شريط الحياة يمر سريعا.

المعاناة، التفجّع، النرجسيّة، خنق الذات، القسوة غير المتناهية، العقم، العجز الكلي.

الضباب يغطي فضاء المدينة، ريح عاتية صرصر.

من هذا الفتى؟

يخرج من الضباب منتصبا، ووجهه منير كالشمس، تتبعثر الريح، وينحسر الضباب.

من هو هذا الفتى؟

لا أعرفه، يمكن أن أكون التقيت به يوما. ما أجمله!

قال: العدالة هي الجمال، يا معلّمي.