(الرحلة وصورة الآخر) هو عنوان المؤَلف الجماعي الذي ضم مجموعة من الدراسات قاربت نصوصا لرحالة أوربيين حول المغرب في فترات تاريخية مختلفة . وقد جاء التقديم الذي كتبه كريم بيجيت ، منسق الكتاب ، ، ليبين كيف أن الدراسات الموجودة في هذا العمل الجماعي حاولت سد بعض الفراغ في الدراسة الأكاديمية حول الرحلة بأبعادها النظرية المرتبطة بمسألة التمثيل والتأويل وعلاقة الذات الفردية والجماعية بالآخر، كما عالجت التشابك التاريخي والثقافي لنصوص الرحلة، من خلال ما تقدمه من قراءات نقدية لمجموعة من الرحلات الأوروبية، لاشك أنها ستسهم في فهم أنساق الخطاب الأوروبي حول المغرب.
أولى هذه المقالات "مصادر المعرفة الأوروبية خلال القرن الثامن عشر" لعبد الإله الدحاني، تناول فيها بعض جوانب الحياة بالمغرب في أواخر القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، سواء على المستوى المركزي في ما يرتبط ببلاط مولاي إسماعيل ووزرائه، أم في ما يتعلق بأنماط عيش السكان وعاداتهم، وذلك كما سجلها الكتاب الأجانب الذين زاروا المغرب خلال الفترة المذكورة (كتابات الأسرى، كتابات رجال الدين)، والتي تحمل في طياتها صورة المغرب آنذاك. وإجمالا تقدم لنا هذه الكتابات معلومات هامة عن المغرب في هذه الفترة ،بعضها يطبعها التحامل على المجتمع المغربي وعاداته، والبعض الآخر يكتسي أهمية بالغة في ما يتعلق بالتجارة والاقتصاد.
أما محمد جادور في مقالته " تمثلات مغرب نهاية القرن الثامن عشر بعيون رحالة إنجليزي"، قارب فيها رحلة الطبيب اليافع مونغو بارك التي تنفرد بمجموعة من الخاصيات.، مُعرجا على أهم المضامين التي جادت بها الرحلة، ليخلص في الأخير إلى جملة من الملاحظات أهمها: - تَدخل هذه الرحلة في سياق عام (اتساع الهوة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط) - غلبة منطق التناقض أحيانا على العديد من الاستنتاجات التي خلص لها مونغو بارك – ملازمة الرحلة للبنية السردية المعتادة القائمة على الوصف.
وحول "الأقنعة المدهشة للرحالة علي باي" أشار شعيب حليفي إلى أنه سيعرض لورود تيمة واحدة ذات تشعبات معقدة في ثلاثة أشكال تعبيرية، تيمة نابعة من فكر ومقدرة إبداعية عبارة عن مشاريع وأفكار توازي مقدرته على التنكر في شخصية عربية، مما يدخل ضمن الأقنعة التي ارتداها علي باي وأتتها وفق تصوراته، ليقتحم عوالم جديدة. وسيعمل علي باي على وصف كل ما يتعلق بالدين والحياة اليومية والتجارة والفن والعلوم والطبيعة المغربية والحكام طبعا، ويمكن تفكيك الكتابة عنده من خلال أربع حلقات مختلفة:
حلقة الأنا في تنكرها – حلقة الآخر كما يصوره – حاقة المغامرة والبحث في الطبيعة والإنسان – حلقة الأحكام المضمنة في تعليقاته.
وتَعبر مقالة محمد العميري" صور المدينة المغربية في نصوص الرحالة الإنجليز خلال القرن التاسع عشر" تجارب الرحالة الإنجليز في المغرب وتمثلاتهم للمدينة المغربية العتيقة خلال هذا القرن انطلاقا من ممارسا تهم وتفاعلاتهم الفردية مع نماذج مختلفة من الحياة المدنية، مما أفرز كتابات ونصوص أدبية تُعرف بمغرب القرن التاسع عشر عامة وبالمدينة خاصة، وهي عموما تصورات يكتنفها طابع الخرافة والأساطير التي نسجها هؤلاء الرحالة الغربيين بصفة خاصة والبريطانيين بصفة عامة، ويرى أن هذه النصوص الرحلية تشتمل على ثلاثة مستويات حول المدينة المغربية: - مستوى عقائدي وديني – المستوى الإستيطيقي والجمالي للرحلة – مستوى كولونيالي استعمارية.
وارتكزت خديجة صبار في مقالتها " سفير فوق العادة: تجربة السير جون دارمند هاي في المغرب 1845-1886" على تناول شخصية جون دارمند هاي وأبعادها، وقدرتها الإقناعية على ضرورة فتح المغرب في وجه التجارة الأوروبية، واكتسابه ثقة المخزن المغربي على مدى أربعة عقود تقريبا، ويعتبر أهم دبلوماسي أثر على مجريات الأحداث، وترى أن السير جون دارمند هاي كان يطبق سياسة بلاده وينجز مهامه التي كلف بها بتفان منهمكا بمسؤولية مفعمة وبحنكة دبلوماسية لخدمة وطنه، ذلك أن السياسة لا تعرف العواطف ولا تفضيل الغير، بل إنهى تبنى على المصالح.
في ما ألقت مقالة " تجليات الفضاء المغربي في نهاية القرن التاسع عشر من خلال رحلتي آرثر ليرد " لخالد شاوش، الضوء على كتابات الرحالة والطبيب الإيرلندي آرثر ليرد وعلى أفكاره من خلال كتابيه عن المغرب والمغاربة، والتي تندرج منهجيا ضمن أدب الرحلات، وهي أفكار كان لها صداها في أوساط الرأي العام البريطاني وصانعي القرار، وذلك في سياق تاريخي وسياسي تميز بتحول في نظرة الأوروبيين إلى المغرب، فقد عرفت بالكاتب معرجة على مضامين الكتابين" المغرب والمغاربة"1876، "زيارة إلى البلاط المغربي"1879، لتخرج في الأخير بجملة من الخلاصات تعبر فيها عن أعراق المغاربة وعاداتهم وأعرافهم، مع الإحصائيات الدقيقة للسكان، وقد حاولت أن تقدم نظرة أخرى عن كتابات ليرد، عوض السقوط في خطاب ردود الأفعال وتبرئة الذات.
وفي موضوع" الإيديولوجيا الاستشراقية في رحلة إدموندو دي أميتشيس حول المغرب" أضاء محمد الكوش العلاقة الحميمية بين نصوص الرحلات الأوروبية وظاهرة الاستشراق، وذلك من خلال التركيز على خطاب الأديب الإيطالي إدموندو دي أميتشيس في كتابه "المغرب: أهاليه وأماكنه"، وهو كتاب مفعم بالإيديولوجيا الاستشراقية، إذ سواء تعلق الأمر بوصفه لبعض الأماكن مثل طنجة وفاس أو حديثه عن شرائح وأفراد من الشعب المغربي أو عن ثقافتهم الإسلامية. وقد نجح في تقديم لمحات هامة عن مغرب ذلك العصر.
أما كريم بجيت في مقالته" الصورة والخطاب الاستعماري: قراءة في رسومات كايتون وودفيل" قدم قراءة في رسومات كايتون التي أنجزها خلال رحلته إلى المغرب في سنة 1887، التي تحمل بين ثناياها ملامح معبرة عن ما كان سائدا من صور في كتب الرحالة الأوروبيين حول الأوضاع السياسية والاجتماعية، تمثل فضاءات مراكش مثل ساحة جامع الفنا، وقدم أوصافا للمناطق التي قام الوفد بزيارتها خلال رحلة العودة إلى طنجة، من خلال مذكراته(الصويرة،أسفي، الدار البيضاء، الرباط، المهدية، العرائش، وأصيلة ثم طنجة).
ويختتم سعيد منتاق بمقالته" عندما يتحول الفضاء حلما رحلة كانينجهام جراهام في اتجاه تارودانت" من خلال كتابه" المغرب الأقصى: رحلة في المغرب"، حيث استطاع أن يرسم لنا صورة سياسية واجتماعية ودينية عن مغرب القرن التاسع عشر، وهذه الرحلة توفر للقارئ فضاء فكريا هاما يُستشف من خلاله تاريخ هويته وتطورها عبر الزمن، وتكرس أيضا الإحساس بالتنوع والاختلاف عند القارئ، وإعادة قراءة التجربة والذات بالنسبة للرحالة الأجنبي.
وختاما، إن كتب الرحلات هي مزيج من السيرة الذاتية، والحبكة الروائية، والنبذة التاريخية، والتقرير الصحفي، والوصف الجغرافي، وهي نص جمالي مستقل في تراكيبه اللغوية فريد في بنائه السردي، مما جعلها حبلى بالصور المتنوعة عن المغرب والمغاربة، والمدينة المغربية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*- كتاب : الرحلة وصورة الآخر : قراءات في نصوص الرحالة الأوروبيين حول المغرب . (إشراف وتقديم : كريم بيجيت ) .الرباط ، دار الأمان . ط1 ـ 2013.