تحوّل تدشين ميدان إميل حبيبي في وادي النسناس في حيفا، يوم الأحد 26.5.2013، إلى تظاهرة ثقافية ضخمة على مدار أربع ساعات متواصلة، بمشاركة لفيف من الشخصيات الثقافية والفنية والسياسية، من بينها رئيس بلدية الناصرة واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية المهندس رامز جرايسي ورئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة النائب محمد بركة والنائب السابق عصام مخول والشاعر الفلسطيني أحمد دحبور (القادم خصيصًا من رام الله) ورئيس بلدية حيفا يونا ياهف وسيادة المطران الياس شقور والنائب عفو اغبارية ورئيسة تحرير "الاتحاد" عايدة توما، إضافة إلى شقيقته ندى (أم توفيق) وأفراد عائلته.
ويأتي تدشين الميدان بعد 17 عامًا على رحيل حبيبي، و16 عامًا على إقرار تخليده من قبل بلدية حيفا، بمبادرة مديرة تراثه الشاعرة سهام داوود، ودعم 33 أديبًا وفنانًا بارزًا، فلسطينيًّا وعبريًا.
· مبدع سبّاق لعصره
بدأ الاحتفال الرسمي في ندوة "بيت الكرمة"، على خلفية ديكور صمّمه الفنان شريف واكد (لوحة: «باق في حيفا»)، ورسم تخطيطي لبورتريه إميل حبيبي للفنان أوري ليفشيتس، ولوحة فنية للفنان الفلسطيني وليد أيوب. تولى عرافة الحفل الكاتب أنطوان شلحت الذي قال: من الصعب أن أوجز ما تبقى من إميل حبيبي في مقام كهذا، لكن لا شك بأن العودة إليه الآن وهنا من شأنها أن تبيّن بعض الشيء ما بتنا نفتقده منذ رحيله عنا، وأول شيء خصيصة كانت ملازمة له فحواها أنه لم يكن مبدعًا ابن زمانه فحسب، وإنما كان أيضًا سباقاً لعصره في مجالات كثيرة ساهم فيها". وقدّم الفنانون حبيب شحادة ورنا وخوري وعلاء عزام مقاطع فنية تم تلحينها خصيصًا من رائعته "المتشائل" استهلها شحادة منفردًا بمعزوفة "المحطة". كما تخللت الأمسية مقاطع من فيلم "باق في حيفا" للمخرجة داليا كاربل، والذي كان صُوِّر قبل وفاته بأسبوعين.
وقدم البروفيسور محمود غنايم، رئيس مجمع اللغة العربية، مداخلة عن خصائص أدب إميل حبيبي، قال فيها : "ليس من اليسير التعامل مع أدب حبيبي بتلك البساطة والسذاجة، فتلك السخرية المرة والمفارقة الحادّة، وإذا أردتم: تلك الأعمال المثقلة بالتناصّ، لا تجعل أعماله موغلة في العمق فحسب، بل غنية بالدلالات ومعينًا لا ينضب من التساؤلات لنقل رسالته السياسية بدهاء الفنان الأصيل ومَكره".
· سخرية أدبية وإنسانية
وتحدث البروفيسور نيسيم كلدرون عن يوم تشييع حبيبي، ووصيته "باق في حيفا"، فقال: "حتى على شاهد قبره اختار هذا الكاتب العملاق كلمات تقولان الكثير: ألم سياسي وفخر سياسي لابن شعب ليس بوسع أي كارثة أن تصادر منه الأمل؛ وفيها اللمسة الساخرة التي ميّزته، سخرية أدبية وسخرية إنسانية: سخرية تجاه ملاك الموت الذي شبِّه له أنّه أخذه من حيفا".
وتحدث عضو بلدية حيفا، المهندس هشام عبده، فاقتبس كلمات الراحل عن أسماء الشوارع في حيفا، لا سيما شوارع "الصهيونية" و"صهيون" وغيرها. وقال إنّ لو كان حيًا لكتب رواية عنوانها "الوقائع الغريبة في تسمية ميدان إميل حبيبي في الصهيونيّة!".
وتحدث الصحافي رجا زعاترة، سكرتير الحزب الشيوعي والجبهة في حيفا، فقال إنّ البقاء في حيفا لم يكن أمرًا مفهومًا ضمنًا لجيل النكبة. أما جيلنا فليس لديه سوى خيار واحد: أن يبقى. ونحن مدينون بهذا الخيار لإميل حبيبي ورفاق دربه، توفيق طوبي وماير فلنر وإميل توما وتوفيق زيّاد وحنا نقارة وغيرهم ممن تشبثوا بالوطن في أحلك الظروف.
· مفترق وملتقى طرق
وقرأت الشاعرة سهام داوود رسالة مترجم أعمال حبيبي – الروائي أنطون شماس، المحاضر في جامعة آن آربور في الولايات المتحدة، والتي جاء فيها: "إذا ميدان، مفترق وملتقى طرق، هذا أكثر ما يلائمك. دوائر متقاطعة، شوارع متداخلة، تحاذي الدوار وتتابع طريقها، فضاء يدخل فضاءً آخر، مكان يقع على مكان آخر، ولغة تقع على لغة أخرى، كما في أعمالك، وهي الميدان الحقيقي، وهي المفترق والملتقى؛ وهي خبز يومنا، خبز محبّيك الجياع".
بعدها انتقل الحضور إلى الميدان الواقع على تقاطع شارعي الجبل وألنبي، حيث أسدل الستار رسميًا، وتحدث رئيس البلدية يونا ياهف الذي قال في كلمته: "حيفا تكرّم اليوم واحدًا من كبار أبنائها، إميل حبيبي مثقف وكاتب وأديب وسياسي. مضيفًا: إميل حبيبي سيبقى في قلوبنا وفي قلب حيفا الى الأبد في هذا الميدان. فما كتبه حبيبي باقٍ في حيفا، هو لم يبق جسديًا في حيفا فحسب بل في قلوبنا جميعًا".
وتلتها كلمة لجهينة حبيبي قندلفت – نجلة الراحل إميل حبيبي، التي قالت: "تخليد ذكرى إميل حبيبي بكل ما يمثله من الاعتراف بمكانة المواطنين العرب الفلسطينيين في الدولة، هو حدث تاريخي". وشكرت المثقفين والفنانين الذي دعموا طلب تخليد ذكرى والدها في حيفا.
· تثبيت البقاء والهوية
وبعد انتهاء المراسم الرسمية، بدأت الأمسية التي نظّمها الحزب الشيوعي والجبهة في حيفا و"دار عربسك للنشر" بمحاذاة الميدان، حيث وقفت أوركسترا الشبيبة الشيوعية بزيّها الرسمي مستقبلة الحضور.
افتتح الأمسية الفنان محمد بكري، بمقطع من مسرحية "المتشائل". وتولت عرافة الأمسية دنيا مخلوف أبو حامد. وحضرها رهط من أساتذة الجامعات والشيوعيين المخضرمين، ومنهم ماغي وزاهي وكركبي وعباس زين الدين وينينا وكلمان ألطمان ويوخيفيد وبنيامين غونين.
كان أول المتحدثين الكاتب محمود شقير، الذي تحدث عن إميل حبيبي كأديب ومناضل خدم شعبه ونجح في اختراق الشارع اليهودي. وتحدث عن دوره ودور رفاقه في الحزب الشيوعي والجبهة في تثبيت بقاء الجماهير العربية الفلسطينية بعد النكبة، وصون لغتهم وهويتهم، وقيادتهم من مرحلة النكبة والهزيمة إلى مرحلة الصمود والمواجهة.
· عملاق سياسي وثقافي
وقدّم الكاتب يهوشوع سوبول مداخلة عن إميل حبيبي السياسي، وبُعد النظر الذي كان لدى "عصبة التحرّر الوطني"، حين أدركت خطورة التآمر على الشعب الفلسطيني، فدعت إلى قبول قرار التقسيم المجحف، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتجنيب الشعب الفلسطيني الكارثة التي ألمّت به، بتهجيره وتشريده. ولا بد للباحثين أن يتولوا دراسة تلك الفترة ودور حبيبي البارز فيها، الذي كان في مقتبل العمر آنذاك.
وقدّم الفنان علاء عزام فقرة موسيقية. ثم كانت الكلمة الختامية للكاتب محمد نفاع، الأمين العام للحزب الشيوعي، الذي وصف حبيبي بـ"العملاق السياسي والثقافي"، وعرّج على محطات بارزة في مشواره ومشوار حزبه الكفاحي. وقال نفّاع إن نفس الثالوث الدنس الذي تآمر على فلسطين وصنع نكبتها عام 1948، يتآمر اليوم على المنطقة وشعوبها، واختتم كلمته بأنّ "حيفا أهل بإميل حبيبي، وإميل حبيبي أهل بحيفا".