لندن – وصف الشاعر العربي أدونيس ما يعيشه العرب بعد تغيرات "ثورات الربيع العربي" بالكذبة الكبيرة، مؤكدا انه كتب عليهم أن يعيشوا تاريخهم كوهم، وليس كحقيقة وككابوس لا كحلم جميل.
وعبر في تصريحات نقلتها صحيفة "العرب" اللندنية عن اعتقاده "أن ما حدث كان انتفاضات شعبيّة مشروعة ضدّ الفساد، والظلّم والقمع، وانعدام الحرّيات. غير أن القوى الرجعيّة، والأصوليّة استغلّت هذه الانتفاضات لصالحها".
واتهم القوى الأصولية بالسعي لجرّ الزّمن إلى الوراء "إلى ماض بعيد تحبس فيه الشّعوب، وفيه تكبّل الطّاقات بحيث لن يكون هناك وجود لا للحاضر ولا للمستقبل".
وتساءل متعجبا من مثقفين ومن سياسيّين يعتقدون أن الديمقراطيّة في سوريا يمكن أن تتحققّ على يد من يمارسون العنف، ويرتكبون مجازر فظيعة، ويدعون إلى الفتنة جهارا، ويقومون بأعمال مشينة، ووحشيّة، ويمارسون ما يسمّونه بـ"جهاد المناكحة"، ويطالبون بتطبيق الشريعة.
وقال في الحوار الذي أجراه معه الكاتب التونسي حسونة المصباحي من العاصمة الفرنسية باريس إنه عبّر بوضوح عن موقفه منذ بداية الأحداث في سوريا، وتمنّى أن يتحاشى المتظاهرون العنف، "لأنّ التّاريخ يثبت بالأدلّة القاطعة أنه، أي العنف، يفسد ثورات الشعوب، ويحوّلها إلى عمليّات انتقام وتخريب ونهب وسَحْل".
وحذر بقوله إن "سوريا بلد متعددّ ثقافيّا ودينيّا، مثل العراق، وإذا ما استفحل العنف، فإنّ النتائج تكون كارثيّة على الجميع، على الحكّام وعلى الثّائرين".
وعبر أدونيس، الذي أثارت مواقفه السياسية جدلا متصاعدا في الأوساط الثقافية والسياسية، عن توقعه مسبقا عما يحدث الآن في بلاده خصوصا بعد أن بدأت المظاهرات تخرج من المساجد، وليس من المعامل، ومن المؤسسّات الحكوميّة، ومن الجامعات، ومن المنظّمات المدنيّة.
ولاحظ الشاعر الذي عاش سنوات طويلة في بيروت وانتقل الى باريس أثناء الحرب اللبنانية، أن جلّ قادة المظاهرات أصوليّون متطرّفون، وجهاديّون.
وتساءل بقوله "كيف يمكن أن تكون هناك ثورة ديمقراطيّة، كما يدّعي هؤلاء السّادة، وكثيرون من الذين يقاتلون ضمن ما يسمّى بالجيش الحرّ ينتمون إلى بلدان عربيّة وإسلاميّة؟
وأكد صاحب "أغاني مهيار الدمشقي" و"الثابت والمتحول" على تعوده على التهجّمات عليه منذ بداية مسيرته الفكريّة والشعريّة.
ووصف الذين تهجموا عليه اليوم بأنهم سيهزمون في النهاية مثل الذين سبقوهم من دون أي ذكر أو أثر. قائلا ان "التّاريخ لا يرحم أعداء الحقيقة، والمزيّفين لها".
وغمز من جهة الكاتب صادق جلال العظم عبر الإشارة إلى ما كتبته زوجته قبل أسابيع ردا عليه، بقوله "ردّت زوجتي خالدة سعيد على أحدهم لم يترك تهمة شنيعة إلاّ وألصقها بي. إنني لم أكن أبتغي أن تفعل زوجتي ذلك، ولكن يبدو أن ما فعلته كان صائبا إذ أنني تلقيّت من عديد الأصدقاء، وحتى من غير الأصدقاء ما أكّد لي ذلك".
ووصف محاور أدونيس حديثه شابه نبرة مرارة وإن حاول جاهدا إخفاءها وهو يقول "أوطاننا العربيّة تطرد أبناءها الصّالحين، والصّادقين، والأوفياء لها محتفظة بمن هم راغبون في تخريبها، وتدميرها، وحرق أحلام شعبها، وزرع الفتن، والأحقاد بين أبنائها".
وأوضح "حقّق العرب تقدّما هائلا في مجالات عديدة في النّصف الأوّل من القرن العشرين. فقد حرّروا بلدانهم من الاستعمار، وشرعوا في تحقيق مشروع النّهضة الذي برز في نهايات القرن التاسع عشر، والدّاعي إلى بناء الدولة الوطنيّة الحديثة، وتحقيق التقّدّم، والحريّة، والعدالة الاجتماعيّة، غير أن هذا المشروع العظيم واجه مصاعب كثيرة، ولم يكتب له النّجاح لأسباب يطول شرحها، وها هو ينهار الآن أمام أعيننا في هذه الفترة التي يسمّونها كذبا بربيع الثّورات العربيّة. وهل هي ثورات فعلا؟".
وقال الشاعر الذي غير أسمه من أحمد علي سعيد إلى أدونيس تيمنا بالأسطورة اليونانية "في فترات عصيبة، وحزينة كهذه يبدو أنه لم يعد لنا نحن الذين نحبّ أوطاننا حقّا، ولا نرجو لها غير التقدّم، والحريّة غير أن نسعى جاهدين للبقاء، وللحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه. وأنا شخصيّا، وبرغم السّنّ، والتّعب، أجد في القراءة، وفي مواصلة الكتابة ما يواسيني ويخفّف عني وطأة ما نعيشه مرّة أخرى من أحداث مرعبة ومأساويّة…”
وأكد في حوار سابق أمتد على صفحتين بصحيفة "الغارديان" البريطانية رفضه "استبداد الأنظمة"، وقال انه ضد نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي والرئيس السوري الحالي بشار الأسد، الا انه لا يرحب بوصول الإسلاميين إلى السلطة.
وقال "أن الدكتاتورية العسكرية تسيطر على العقل، أما الحكم الإسلامي فيسيطر على العقل والجسد".
وعبر الشاعر الذي وصفته الصحيفة البريطانية بـ"النبي الوثني" عن خشيته الا تكون الديمقراطية الحل الأمثل للدول العربية عندما يتعلق الأمر بوصول الإسلاميين إلى السلطة من خلال انتخابات ديمقراطية.
وشدد بقوله أنه سيكون ضد "الديمقراطية" لو جاءت بالإسلاميين، مع انها حسب تعبيره أفضل من الدكتاتورية.
وأظهر أدونيس مواقفاً "سياسية" جديدة له في حواره مع "الغارديان" عندما أكد انه ضد الاستبداد، ولكنه ضد استخدام العنف وضد التدخل الأجنبي، موضحاً انه من مدرسة غاندي لا من معجبي غيفارا.
ويتناقض موقف أدونيس الجديد مع "مباركته" احتلال العراق من قبل القوات الأميركية والبريطانية عام 2003.
وكان أدونيس قد تعرض الى انتقادات لاذعة بعد زيارته الى مدينة السليمانية في شمال العراق عام 2009 ولقائه بالرئيس جلال الطالباني.
ووصف مثقفون وسياسيون عرب خطوة أدونيس بانها مباركة للاحزاب الطائفية والدينية الحاكمة في العراق بعد احتلاله عام 2003.
واشارت صحيفة "الغارديان" الى قيام أدونيس برفع صورة لجنود أميركيين يدنسون جثثاً عراقية، خلال مشاركته في أمسية لبيت الشعر أقيمت في باريس، ونقلت عنه قوله إن"الغرب لا يتدخل في الدول العربية من منطلق الحرص على حقوق الإنسان، لأنه لو كان هذا صحيحا لكان تدخل لنصرة الفلسطينيين".
وحرص الشاعر السوري المولود عام 1930 في قرية قصابين الجبلية المطلة على البحر المتوسط، على تأكيده أنه مع الثورة لكنه لا يشارك فيها، فللشاعر دور مختلف عن السياسي –حسب تعبيره-.
وطالب أن تكون الثورة منبثقة من الشعب وليس من التدخل الخارجي، وخصوصاً من دول سبق وان استعمرت البلدان العربية.
وقال أدونيس ان مواقفه الرافضة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، لا تمت بصلة لحياته الشخصية، حيث والدته البالغة من العمر 108 أعوام مازالت تعيش في سوريا.
وأسس أدونيس مع زوجته الناقدة خالدة سعيد مجلة "شعر" و"مواقف" في بيروت منتصف الخمسينات من القرن الماضي، حيث قدمت الأدب المعاصر للقارئ العربي وكانت أول من ترجم قصيدة "الأرض اليباب" لاليوت، إضافة إلى قصائد عزرا باوند، وستيفن سبندر، وفيليب لاركن وروبرت لويل.
ولا يؤمن أدونيس بقدرة الشعر على إحداث تغيير في المجتمع، ويعول أكثر على الأسرة والتعليم والنظام السياسي في إحداث هذا التغيير، ومع ذلك فهو يعتقد ان دور الشعر في اكتشاف علاقة جديدة بين اللغة والأشياء لصنع صورة مغايرة للعالم.
وقال "التنظير حول الشعر مثل الحديث عن الحب، هناك بعض الأشياء التي لا يمكن تفسيرها، فلم يتم خلق العالم ليكون مفهوماً، ولكن يمكن التفكير والتساؤل".