[مع علي البزاز في معا نقلد الوردة مداها]
إن كان من أمر يمكن أن يهم قصيدة علي البزاز فهو التزامها الحياة، الشيء الذي يتم بالقلم في مقام أول، أي بواسطة الكتابة، ومنذئذ تكون القصيدة هي المعنية بهذا الانخراط؛ مع أخذ كل الحرية التي يطلبها فعل الإبداع عند الشاعر في الاعتبار؛ لأنها الأساس في تعريف القصيدة، ومن تم الشعر كله الذي يراهن على ألا يكون وجبة مبتذلة؛ لأنه يروم إيجاد معان منفلتة منها تقيها من شر التسفيه الذي يتهددها ويلحقها من خسة الفقهاء؛ لذا يكتب:
» قلم الرصاص المشغول بمكانته / معنى« (ص19)
مانحا بذلك للعمل والاهتمام معنى على ما تعانيه كل مهنة من رتابة قاتمة تستولد في زمنها الأباطيل لا غير.
حين ينتشر التلوث فهو يدرك المحيط أولا؛ ويكون على الذات حينها تبديل إستراتيجية التواصل، التي يأخذ فيها الأصدقاء مكان الصدارة؛ والسمة التي يراها الشاعر تهيمن هي الغش الرخيص، لذا يمنحهم فرصة الارتقاء إلى جنس مخصي، حيث ينعتهم برجال؛ ولما بانت الرجولة قيمة تسلطية كان الاحتراز بإخراجهم إلى جنس؛ والأصدقاء بالتالي عنده: رجال يتكاثرون في غش زهيد
سؤال الصداقة أمسى من القواسم الصعبة الوقوع لافتقادها القلوب، الشيء الذي يستدعي لعب أدوار الممثل التقليدية، فلا يعود يتعرف على ذاته، فيهدد معه حياة المتفرج بتعريضها للخطر
"أركب مودة ولا أعي مخاطر قيعانها
لا معنى من البحث عن علاقة سوية مع
بشر مستقيمين
على هيئة منحنى" ص 68
الجواب عن سؤال الشاعر: لماذا ليس عندي أصدقاء ؟ يجده في افتقادهم للأصالة، إذ لا يزيدون عن مجرد ممثلين، وبالتالي الاستمرار في التعامل يتطلب جهدا لا يسمح دائما بالحفاظ على التوازن: "نفشل دائما بتأثيثها" ص9 ، ويكون الذي يكون بحسب التعبير الشعبي الذي يوصيه بزرع البصل مكانه.
إنه التلوث، حيث يلغى الاعتراف ليعلو النكران؛ يبدو أن التذمر من غياب الصديق، ينسى الحكمة المأثورة : إن رأيت جوج مرافقين العمدة على واحد. كلام لن يتردد نيتشه في صياغته لحساب مطرقته؛ لذا تكون صداقة إلى حين تكسر فقرات عمود العمدة، أو يخسف نور الشمس الذي نورها في السابق.
"لن تنكرك الشمس إلا حين ينعدم غسقها" ص15، فتنطلق الخيانة التي لا تستثني حتى البيت، فيشرع في تغيير أقفاله، فوجب الاحتراز من مناداته بالمتلون؛ كي تستمر المحبة عليك التساهل مع العيب الذي يجعلك تحاول دائما ترتيب سلامة مجرى الأمر الذي يخون الطبيعة، ليتحول الأمر إلى قهر؛ لن يهرب الواحد من دار العرس، لذا يكون التمرد ضد القهر. حين يتحول الكائن إلى سلعة يتنازل عن وجوده، على غرار هذه المدينة التي فقدت القدرة على الغناء (أغنية)؛ فيصيبها الوجع لأنها قصرت مهمتها على النفخ ورمت بنفسها في اغتراب مدقع، يسحب من الجسد كل حيويته.
"ما جدوى أن نستمر هنا
رؤوسنا تفكر في غير أجسادنا" (ص26)
يحدث أن ينسى الواحد ذاته، إن كان متخما لا يتضور جوعا، لكن التمثيل والتزوير أوصلا الحشود إلى التطلع إلى البعيد في حين أن الذي عند قدمها تدهسه، فيؤسس لعنجهية فاشية، لن تتأخر في الانقضاض على كل من يكلمه من شدة العماء الذي يشل نظره بمنعه من رؤية "نضوج مصائر" مغايرة.
طقوس العجرفة تستهوي عديمي الخبرة لتحل الهاوية بما هي خطر يواجهه العابرون لا الأنذال الذين يتعلقون بوهم جنة إقطاعية تحفل بالباتيسري اللذيذة؛ الأعالي المنتظرة عاطفة تفتقر إلى الحد الأدنى من المعقولية، لذا من يرمي الارتقاء عليه أخذ حذر الأعالي المغموسة بالرهج_سم، فبات الاحتراز ضروريا عند ظهور من يتم امتطاءهم، ارتقاء المناصب لا يستقيم على حدبة الصداقة.
الشعر هو تناقض في جوهره؛ وكنقطة دليل يمكنك أن تجده حين يهرب من الخضوع وطقوس الانحناء والبيع والشراء التي تنهض على الإلغاء وازدراء الكائن؛ وللشاعر أن يقول: "كفانا انخفاضا" ص31؛ فلا فرق بين من سيظل أعزب وبين من كسر الميل، كي يأتي من يرث التسلط على الرقاب: "العبيد والسيد هما في/ القرار مماليك"
الحياة ليست مجال للوم الأحبة؛ حين تلوم تبرر انحناءك وتسوغه لأقاربك، كما في القدرة؛ ثمة أمل مع هذا القدر المعمي ما دام يرى ببصيرة بشرية وحسب، فقط أنها تكون أشد بأسا وهو الأمل المنبعث من التخلي عن الإغراءات التي يمارسها أهل النفوذ؛ من هنا ذلك النوع من النباهة الذي ينجر وراء كل ما يلمع أو يبرق؛ وبعامة كل ما يمكنه أن يثير لعاب الساقطين؛ إنها النباهة التي يعلنها الشاعر "حكمة لا تتعبد للأوسمة" ص86
من أبعاد الطاعة أن تكون جائعة كي تتمكن من حرمان آخرين من نصيبهم؛ الطاعة صورة بولارويد، براقة وحسب، لذا نرى الشاعر وهو يقرنها بالأرض وبأرض مزيفة لم تعد تلك الأم التي تغنى بها السابقون؛ وأما الصيغة التي حررها الشاعر فجاءت على صيغة سؤال: لماذا الأرض تسطو عليها الثياب البراقة. (ص 34)؛ مع هذا الاستياء تنتشر أوبئة المجاعة التي تهدد التوازن البشري والبيئي.
كل طاعة عماء، وصورتها المبتذلة هي تسلط الأب، الذي وهو جثة لا يزال يصدر الأوامر، من هنا نداء الشاعر عن الأب الميت كي يتوقف عن الانتشار؛ الأب على مر العصور كلمة مرادفة للقهر، لأنها تسحق صلبها، ولا تسمح إلا بأن يكون على صورته؛ لذا نرى معاناة هؤلاء الأبناء حتى وإن شاخوا:
"أيها الأب الميت توقف عن الانتشار
ودعني ابنا
لك الأورام" ص37
فتستحيل سلطة التقليد بعامة أورام يجب جزها؛ الطاعة لما صارت متهمة ومفضوحة بالتسلط الذي تبطنه في ممارستها؛ بدلت بعضا من إستراتيجيتها التي تقوم على إخفاء المقابر، فيكون الاقتراح هو صفع تطاولها على إتيان هذه الجرائم؛ المنع أي التسلط يقابله التهريب، إذ لن ينهزم سوى من استهان قدراته وخانها لصالح الذل؛ العاذل تخونه اليقظة فأمكن استغفاله ما دام صار قابلا للطي (ص46)، فيما مرتكب هذه الفعلة يدرك عقم الأحلام الطائشة لكونها تروم الارتفاع.
لن ينهي التقاتل والصراع مهازل حمل السلاح، ما يبقى هو نوع من المقاومة يمكن أن تسميها سلبية، لكنها تؤكد على بقاء ذلك العرق نابضا، إذ يكفي الشك أحيانا لزرع البلبلة ، فالشاعر يدرك صعوبة إنارة السماء ومع ذلك لم يقل سوى بالشك في إضاءتها (ص 39)؛ تعرية القهر الذي تغذيه المؤسسات الجاهلة يحتاج إلى عصف من حجم تسونامي، من دون ذلك أمام هذا الحجم الكبير من الجهل المؤسس لن نستطيع النضال ضدها ( Arkun : la construction humaine de L’Islam) تيل كيل 13 نونبر 2012 ؛ لذا يختار المسلمون ما أن يسمعوا القيامة الخلود للنوم؛ الحذرون وحدهم يدركون سموم الطاعة ، أي : نعم. ليبقى الاستثناء وحده يستطيع تفادي حساباتها القاهرة ، بتقيؤ متطلباتها حسب منطوق الشاعر.
السيادة أسلوب، ومن لم يحرزها، يظل يدور حولها كبغل السانية، لأنه لا يقدر المسؤولية التي لديه، هكذا يبدو سيدا من حيث الظاهر فيما هو مملوك من حيث لا يدرك:
"أظنه السيد ويتصرف كإضاءة مملوكة" (ص 79)
يبدو انه لا مجال للخروج من أفق العبد والسيد كما سطرته فينومينولوجيا الروح، كي يجد الشاعر نفسه محطما تحت وطأتها، يقول:
"لا رجاء، الخضوع وجاهة
منذ آدم ونحن نقتفي جبارا
عدالته أشلاء" ص 74
بهذا التشاؤم تنهزم الإرادة تحت سطوة القدر.
ما هو مقابل الخضوع ؟ إنه كل إخضاع دنيوي أو ديني يقدم تعويضا، يكون القبول به بداية التشيؤ، فقط أن من يسيل لعابهم لا يهتمون لأمر أنافتهم؛ ومع هذه الحال لا يسع المرء سوى أن ينادي : اخلعي علي قبعة التعويض (ص62)، حتى لا يتحول رأسه إلى كذبة ونفسه معدوما، لأنه لم يعد صاحبه بل خردة في سوق الجملة
الطموح في مجتمعات التخلف قرين إبداء الولاء، وعند اللامبالاة يعمى معطوب الحداثة، ناهيك عن الرجعية الروحية بجميع تلويناتها، فألفينا الخضوع مفتتح العلو، كما تخط ذلك قصيدة : زهور في تناقض؛ الخضوع يترتب عنه مجتمع العبيد الذي لن تقوم له قائمة على غرار المجتمعات التي تفترض العبودية شرط إيمانها وكذا إسلاميتها، ما دام أن القهر المادي يمر كالأزمات عكس الخضوع الروحي الذي يستهان بسطوته فينشر ظلال تخلفه الهائلة التي حتى وإن طل فجر التمردات فهي شاردة لأنها سرعان ما تعود لتسقط في دورة عبودية أخرى تروم الردة عن ابسط المكتسبات السابقة؛ فحيثما سادت الطاعة نمت بذرة التمرد ولو بطيئا؛ وبالتالي ثمة رهان على الثورة؛ لقد كان اكتشاف المعادن في أصل النهضة الأوروبية لكن لماذا لا يسري الأمر نفسه على البلاد التي تستخرج منها ؟
"ما بقي من المعادن هو نشارة الرصاص" (ص 65)، التي تشبه الانتفاضات الشاردة التي انتهت إلى جيوب من سينهبونها بحجز تذاكر لعرض الجنة التالفة في سموات غير معلومة إلا بطيش ما دامت تقفز على ما هو أرضي، ملموس وواقعي
نقف في قصيدة قياس على:
"نحن إذا وجدنا بطلان المصابيح فماذا نفعل ؟
أننحاز إلى الصفر الذي يحوز الأعداد قيمة سالبة ؟
هذا السؤال تقدم إلى حل ذي وسائد مريحة " (ص 72)
التخلي هو من إستراتجية الخضوع؛ لذا إذا تعطلت المصابيح فالاختيار السليم يقول بتغييرها مادامت لا تزيد عن ظلام، في أحسن الحالات وفي أسوئها عليه إبقاء الظلمة التي نمت معه، واستأنس بها بحيث بات يعلم أين يضع رجليه معها حتى يسلك ولو بتعثر، وذلك بدلا من أن يتهور بوضعها في يد من يعدونه بالعسل فيما بعد ظلمة القبر الساكنة؛ وتبعا لذلك يكون التناقض اختيارا يمكن تحمل عواقبه، يكتب علي البزاز:"هذا التناقض، وإن بدا مؤلما، فإنني سالكه" (ص76) وبهذا التوجه رمى التأسيس لاقتصاد الحياة والقصيدة في آن؛ وكي يوضح أسس اقتصاده يقدم صورة الضوء ليوضح مرماه
يعلن في البداية ارتيابه من مشاعية ما، والمقصود هنا هو الضوء، نجده يهرب من ابتذاله القائم على النهب والتبذير، وبدلا من الألم الذي تسببه له هذه المشاعية نعثر عليه يمدح ذلك الذي يصدر عن الشمعة: "أثني على الشمعة التي تحيى في فتيلها" (ص77)؛ لتصل إلى الخسارة من أجل الإنارة ليست المعنى أو الفشل؛ في سبيل هذا النور يمكن اختراق أعتى السياجات الدوغمائية الممتثلة للصراط الذي يماثل الإلغاء "كم أنكرت الصراط المتسلق"، الضارب بجذوره في نكران الصدفة والمصادفة التي قد تدفع المتقعرين إلى وضع كأسهم المتألق في يد لا يصدر عنها سوى القفر
القصائد التي تنتظم ديوان الشاعر علي هي في العمق مرثية لزمن الانتفاضات التي لن تزيد عن نزهة، لن تعفى من أن تقدم أرواحا تقية لن يقيض لها أن تتنكر إلى ما آلت إليه كرجعية عريقة، حين انتهت بالوقوف في يد جرداء، لذا نجده يكتب "رأيت من يسكب النزهة في كأس مقفرة" (ص95)؛ فيتم الحكم على الشعوب التي خرجت بكثافة بعد أن استنفذت مرحلة الانقلابات العقيمة حتى كسلها بجعلها رهينتها السهلة التي لن تجد من يفتديها سوى أبناء المعاناة؛ فوضع من أجلها هذه الوردة- الديوان
اقتصاد القصيدة الذي يطرحه علي في هذه التجربة، يأخذ على عاتقه التنظير لقصيدته ومن ثمة للشعر الذي يصدر عنه بعامة؛ هكذا يقدم أدوات تساعد القارئ لمعاشرة نصوصه الباذخة دلالة
من جملة هذه القرائن اشتراطه على القصيدة "صداقة الأنقاض" (ص 40) لأنه لا يروم التحليق على إيقاع مسبق، دلالة قهر وزني، الأمر الذي عبر عنه بالتوقف كلية بقوله "سأكف عن الطيران المقفى" (ص53)، وهذه مسألة بينة مع مجمل القصائد التي تؤثث ديوان: معا نقلد الوردة مداها.
سيأخذ الحديث عن الصداقة نصيبا أوفر في هذا العمل النفيس، حيث الصداقة من علامة التحية، وهي إذا لم تقترن بنبعها من القلب تلغي دورها، لأنها لا تعود تتغذى سوى على التفاهة التي تتنافى مع الانسجام، فيبقى اتفاق الشاعر مع العالم محكوما "بالفجوات" ص 59
لن تستقيم الصداقة من دون تحايل أو تنصل من كل الإرث المشترك المشيد ببرودة الأيام والتواطؤ على البلادة؛ لتجد نفسها رهينة ومعتقلة لأنها مكتفة بالحبال (ص 68)، كونها مقبلة على الهاوية التي ترصدها، حتى بدا الاستواء حماقة يلزم الاستيقاظ منها كي لا تقود إلى ما يستحيل ترميمه
الاهتمام الذي نالته الصداقة في كتابة علي لم يلغ بروز نصيب الاغتراب لأنه يمس الطفولة كما تمس الخارج من براءتها، ليظهر أن الغرابة قرينة الكائن البشري مهما كان عمره، "في الصباح صبي يقذفني بالحجارة/ يا هل ترى نفذت ألعابه"، الإشارة إلى أن الطفل لم يعد يتبين بما يلعب به أو أنه يلجأ لأدوات غير مقترنة بالمرحلة التي تميزها، لكن ربما القذف بالحجارة لن يزيد عن احتجاج على عدم الالتفات إليه جراء غياب ما راميا إلى تفادي أن تمسه لوثة اغتراب الكبار في التفاهات، الشيء الذي أوصل إلى مناداة الميت بأن يهجره لشأنه (ص 37)
ثمة سؤال قد يفرض نفسه هنا هو كيف لمن لا فكر في جسده أن يجعل الآخرين في صلب اهتمامه، بمعنى إنصافهم بدل من سلبهم بإغراقهم في شيئية لا علاج لها
"رؤوسنا تفكر في غير أجسادنا" (ص 26)
كل خروج عن حالة الاغتراب يفترض درجة مقبولة من الإدراك، إدراك لحالة الخضوع التي تنهب الواحد إرادته وكذا وجوده الذي بلغ درجة نسيان الكينونة، إن لم يكن بالإمعان في إذلالها، وهذه قمة الإلغاء المرادفة للانحطاط [ﻔ. المسكيني: نقد العقل التأويلي، م إ ق 2005، ص 210] وللشاعر أن يكشف هذا الوجه المبدهل والمأزوم بقوله "لا رجاء، الخضوع وجاهة"، حيث استحالت كل محاولة إصلاح تلية لا غير بل وخيانة لكل الأرواح التي قضت في سبيل تحرير جدي للإنسان بالرغم من افتقارها في الغالب للأصالة
قطع الماس التي ترصع الديوان جد مكلفة وغالية
وتستحق أكثر من تأمل أو توقف؛ وهنا وجب تبئير فرادة هذه الكتابة التي تنفر من أن تصطف خلف بوق واحد، فما يأتي مفردا لا يسلم سوى باختلافية جذرية تقوم على تفادي الإطناب
"كثيرة كلماتي تنقصها الكثرة
تأتي الجواهر تكلمك فرادى، لكنها
ليست أقلية" (ص59)
الاحتراز هنا يمر بصياغة الجواهر كي تأتي لذاتها أي فرادى، حتى أن القارئ لن يلوي على شيء إذا رام تلقي كلامه على طرقة حديثه؛ الكلام مع الشاعر لن يحدث دون امتطاء الفجوات التي تشكل طريقة تعامله مع العالم؛ الشيء الذي يخون البداهة ويحمي الشعر من أن يموت في المعادلات الرياضية؛ البديهي في الشعر يقتات به الواعظ والفقيه الذي يشحن مدمني الحوريات وسيول النبيذ الحلو دون دفع درهم؛ القصيدة في عرف الشاعر لا يمكن أن تحدث ما لم تصادق التناقضات التي تستقيم معها الدلالة، "مظلم كمصباح مشتعل ما أكتب في هذا السطر" (ص67)، ليلف ما يكتب بالظلمة وكذا الاشتعال لكون الحياة لن تستقيم سوى بالاقتسام؛ والتقابل في النهاية مكمل وليس يقصي ببحث الأطراف عن الاستثناء، إنه حال الشاعر الذي يقرن نفسه بالليل دون النهار (ص 76)، في الليل يترك بعضه، ولا يدعي التحكم في ما تجود به عليه قريحة اللغة؛ فالشاعر وهو ينتهي إلى: "الشعراء عند الكتابة أدوات" (ص 94)؛ هنا لم يسطر سوى ما بات رائجا في مجال الأبحاث اللسانية والفلسفية التي تلتقي في كون اللغة تقول مستخدمها وأكثر مما يقول، الأمر الذي سيجد ترجمته في أول قصيدة من الديوان حيث كتب: "تهيأت لمنام قلمي الذي ينتحل الحياة" (ص7)؛ ما دام امتلاكها أمر عسير، ليبقى هذا كل ما تقتدره طاقته، أي انتحال الحياة بالضبط، وهي المهمة التي لن يحققها سوى شاعر من طراز علي البزاز.