توفي صباح يوم الإثنين (24-06-2013) الشاعر الفلسطيني النصراوي جمال قعوار عن عمر يناهز الـ(83 عاما) .
جمال قعوار هو من رعيل الشعراء الأوائل الذين برزوا بعد نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، وبسبب ظروف العمل الصعبة وفرض الحكم العسكري الإرهابي على الجماهير العربية، من ضمنها كانت ظاهرة طرد المعلمين من جهاز التعليم بشكل إرهابي وعشوائي، اضطر الكثيرين من الأدباء والمعلمين ومنهم جمال قعوار الى الابتعاد عن معترك الفعل السياسي ، لضمان لقمة الخبز التي كان الحصول عليها صعباً ومليئاً بالقيود العسكرية واختاروا العمل بحذر، بصمت واخلاص لخلق جيل مثقف مرتبط بلغته العربية وانتمائه القومي الفلسطيني اولا والعروبي ثانيا.
جمال قعوار تميز بغزارة الانتاج الشعري، تثقف على قصائده الكثيرين من شعراء الصف الأول اليوم في شعرنا الفلسطيني المحلي. لفت انتباه النقد المحلي والعربي بشعره الذي يتميز بالغنائية وسهولة اللفظ وجمالية المعاني، وشكل رافدا هاماُ في الشعر الفلسطيني خاصة والشعر العربي العربي عامة.
حرر الشاعر قعوار لسنوات طويلة مجلة "المواكب" الثقافية التي ساهمت بدور هام في نشر الثقافة المحلية . وتميز الشاعر قعوار بمواقفه الوطنية شعرا وسياسة وبمواقفه الانسانية العامة لا شك لدي ان جمال قعوار هو احدا أبرز الأسماء الأدبية في ثقافتنا وبرحيله ينضم جمال قعوار لقافلة من الأدباء الراحلين الذين اعطوا لثقافتنا المحلية طابعها الوطني والانساني .
نبذة عن سيرة الراحل
ولد الشاعر جمال قعوار في الناصرة في 19 / 12 / 1930 . تلقى دروسه الإبتدائية والثانوية في الناصرة .عمل معلماً للغة العربية في دار المعلمين العرب بحيفا ، ثم التحق بجامعة حيفا وحصل على شهادته الجامعية الأولى "B.A" في اللغة العربية وآدابها والتربية ، ثم عمل مدرساً للغة العربية فيها .التحق بالجامعة العبرية في القدس وحصل على شهادة الماجستير "M.A" في اللغة العربية. التحق بجامعة تل أبيب وحصل على شهادة الدكتوراة وكانت رسالته للدكتوراة في موضوع "إعراب القرآن الكريم وعلاقته بعلمي التفسير والنحو".
عمل مدرساً للغة العربية وآدابها في كلية إعداد المعلمين العرب في حيفا وفي جامعة حيفا . يعد من أغزر الشعراء إنتاجاً ، وأجودهم شعراً وقد واكب حركتنا الشعرية والأدبية منذ أواسط الخمسينات ، حيث صدرت مجموعته الشعرية الأولى "سلمى " عام 1956 . ثم أصدر بعد ذلك مجموعات شعرية متعددة العشرين !
مقاطع من حوار صريح مع الشاعر د. جمال قعوار
عن الشعر وتجربته الشعرية
(أجريت هذا الحوار معه في حزيران 2001 – نبيل عودة)
1- الشاعر جمال قعوار أحدث في شعرنا المحلي اتجاهاً خاصاً ومميزاً غير أنه لم يحظ بالأضواء بما يتلاءم مع قيمة نصوصه الشعرية. كيف تفسر الموضوع؟
جمال قعوار: مع أن تفسير الموضوع يتعلق بالأضواء نفسها وليس بالشاعر إلا إنني أحب أن ابدي بعض الملاحظات، فالشعر في بلادنا مرتبط بالحياة ارتباطاً وثيقاً كما انه مرتبط بالسياسة، فان الأحزاب التي بيدها تسليط الضوء لا تعني بتسليطه على من لا يساعد في إكسابها بعض الأصوات.
2-في السنوات الأخيرة ظهر في شعرنا عشرات الأسماء الشعرية وعدد من المجموعات الشعرية من الصعب إحصاؤها، ومع ذلك فإنه من الصعب الإشارة إلى نسبة صغيرة من الشعر الجيد، فهل هناك انقطاع في التواصل الشعري بين الأجيال؟
جمال قعوار: قديماً قالوا: كثر الشعراء وقل الشعر، وهذا لا يتعلق بما يجري في بلادنا الان إلا أن ظاهرة زوال القيود الشعرية واللغوية عند مروجي فضل التجديد وإمكانية الطباعة المتيسرة لكثير من الناس، ودعم دائرة الثقافة العربية في وزارة الثقافة والعلوم لكتب دون النظر إلى مستواها الإبداعي ساهم كثيراً في انتشار هذه الظاهرة التي تسأل عنها. ولكنني أقول أنها ليست ظاهرة مرفوضة فكثير من هؤلاء الشعراء الجدد واعدون وربما أصبحوا شعراء عظاماً وأما غير الواعدين فينتهي أمرهم سريعاً.
أما عن التواصل الشعري بين الأجيال فإن بعض شعراء الجيل الجديد متواصلون، ومازالوا يحترمون شعراء الجيل السابق وشعرهم ويستمتعون بهذا الشعر ويتمنون أن يصلوا إلى مستواه ولكن معظم الشعراء الشباب انصرفوا إلى ما اعتبروه تجديداً ورفضوا قيود الشعر من الوزن والقافية والنحو وغير ذلك واستسهلوا الكتابة بغير قيود، وذهبوا إلى أبعد من ذلك فقد اعتبروا الشعر العمودي من مخلفات العصور السابقة، وأنه لا يتناسب مع العصر الحديث، وأنا أعتقد أن هذا الإدعاء غير منصف لأن ما يسمونه "بالتجديد" في هذا الشعر لا يستمر طويلاً وبعد فترة يصبح قديماً فأي تجديد سيجرونه على هذا التجديد؟ ثم لماذا يصرون على تسميتة شعراً ما داموا يرفضون أصول الشعر التي نعرفها؟
3- ربما هناك هبوط في دور الشعر السياسي كما كان الحال في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي؟
جمال قعوار: في تلك السنوات كان العرب الفلسطينيون في هذه البلاد يناضلون معاً ضد الحكم العسكري، واستملاك الأراضي وضد العدوان الامبريالي على الدول العربية، وكان شعرهم في هذا المجال يستقبل بصدور ظمأى كما تستقبل البراعم قطرات الندى وكان حماس القوم لاستقبال هذا الشعر عظيماً وكان الشعراء على منصة الشعر في المهرجانات الشعرية آنذاك يشدون على أيدي بعضهم وكلهم في تطلع واحد نحو الأهداف الواحدة.
اما اليوم فقد انقسم الشعب الفلسطيني في هذه البلاد حسب الاختلافات الحزبية المحلية، وتكونت حركات محلية مغرضة من أجل كسب بعض الأصوات للوصول إلى عضوية الكنيست لا للنضال من أجل يوم الأرض، وإن كان يوم الأرض هو وسيلة لأهداف أخرى، فكان المهرجان الذي تقيمه هذه الحركة أو تلك تقتصر على مؤيديها وتناهض من الحركات الأخرى، لكنني أرى أن الشعر السياسي إن لم يكن وطنياً، ليس شعراً والشعر ينبغي أن يكون إنسانياً أولاً يعرب عن الحب ويدافع عن الحرية والكرامة ويناصر الحق ويعادي الظالمين.
التتــــــــــــــــار – من قصائد جمال قعوار
مر التتار
مر التتار واحرقوا بغداد
في وضح النهار
وتواطأ ابن العلقمي
يرجو مكافأة الغزاة
فلم يفز
الا بنفس نهاية المستعصم
يا آخر الخلفاء زال القصر
وانهدم الجدار
وانهار هولاكو
وظل النور في بغداد
مرتفع المنار
مر التتار
ثم انهزموا في عين جولوت
جوار الناصرة
ورؤاك يا بغداد ظلت ناضرة
خضراء
يغمرها النضار
وعلى جبين العز من تاريخها
اكليل غار
4- يتميز شعرك بالوضوح والشفافية والرقة وتدفق الصور والمعان دون أن ترهق القارئ في فهم المعنى بينما بعض ما ينشر من شعرنا (وأحياناً ممهور بشهادة أحد الأسماء الشعرية العربية الكبيرة) هو عبارة عن نصوص لا أظنها مفهومة بل وفي شدة الغرابة ولا أستطيع حتى أن أضعها مع الشعر الرمزي الذي عرفناه في نهاية الستينيات. إنها نصوص مبهمة وتفتقر حتى للوزن أو للموسيقى الذاتية. ربما مفهم الشعر يتغير ويتركنا في الخلف؟
جمال قعوار: نحن نعرف أن شخصية الشاعر ونفسيته تنعكسان في شعره فالشاعر الصادق الذي لم يعرف "مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب" كما يقول المتنبي، يكون شعره شفافاً ينمّ عن شخصيته بوضوح دون محاولة لإخفاء أمر أو صبغ أمر آخر بغير لونه الحقيقي، ولكن هناك ظروف تضطر الشاعر لأن يلجأ إلى الرمز كما فعل خليل مطران في قصيدة "نيرون" أو قصيد "مقتل بزر حجهر" في أثناء الطغيان العثماني، وكما فعل معظم شعرائنا في ظل حكومات إسرائيل المختلفة وخصوصاً في أثناء الحكم العسكري، أما هذا الشعر السريالي أو ما هو بعد السريالية أو بعد الحداثة فأمر لا ينتسب إلى طبيعة شعرنا الذي نشأ تحت سماء الشرق الواضحة. ربما كان أصحابه لا يعرفون ما يريدون فيقولون ما لا يفهمونه، أذكر نكتة حدثت مع أحد هؤلاء الشعراء عندما سأله قارئ أن يفسر له قصيدته وقال: أنني لا أفهم ما تقول؟ أجاب الشاعر: وأنا أيضا لا أفهمه. أقول ربما كانت نكتة ولكنها تعبر عن الإبهام في بعض شعرنا، أقول الإبهام وليس الغموض، لأن الغموض مستحب في بعض الأحيان وتستطيع أن تفهمه بمجرد التعمق فيه. مفهوم الشعر لم يتغير ولم يتقدم ويتركنا في الخلف، ولكن هنالك بعض مدارس شعرية جاءت من الغرب يظن متبعوها بأنها أكثر حضارة من أصولنا الشعرية العريقة.
زينـــــب – من قصائد جمال قعوار
غَذِّ انطلاقَكَ يا جَنَاحُ
واخفقْ ! فقد ضحكَ الصباحُ
واطوِ المدى , فكما تشاءُ
وتشتهي تجري الرياحُ
طِرْ بي إلى القمرِ الذي
في جوِّهِ يحلو الصُّداحُ
لا يَسْعَدِ العشَّاقُ إلاَّ
إنْ هُمُ شَرَحُوا وباحُوا
وتَكَثَّرُوا ذِكْرَ الحبيب
فذكْرُهُ شدوٌ وراحُ
***
يا زينبُ انطلقي !
جدائلُكِ السنابلُ والمَرَاحُ
وتلفَّتِي ! فوميضُ عينيكِ
الحواكيرُ الفساحُ
ورقيقُ همستكِ الغديرُ
وماؤهُ العذبُ القَرَاحُ
وكريمُ خُلْقِكِ بعضُهُ
كَرَمُ العروبةِ والسَّماحُ
فإذا تمادى الليلُ
بددهُ الصباحُ وَالاصْطِبَاحُ
جَدَّ الفجورُ فلم يحاذِرْهُ
التصدّي والكفاحُ
واعتزَّ بالأمجادِ ميدانُ الصمودِ
فلا بَرَاحُ
يا زينبُ انتظري !
إن مدَّ مدُّ الشرِّ أو جَمَحَ الجِمَاحُ
أم ننزوي إن جُنَّتِ الدنيا
فأجهشتِ الملاحُ
وذَرَتْ لآليءَ أدمعٍ
وابتل بالدمعِ الوشاحُ
يا زينبُ انتظري الربيعَ
فقد تعهدت القداحُ
ومضاءُ عزمِكِ إن أرادَ
تَهيَّأ القدرُ المتاحُ
5-جيلنا يواجه مشاكل غير قليلة في اللغة، رؤيتي أنه تنشأ لغة معاصرة جديدة من الممكن تسميتها "الفصحى السهلة" أو "الفصحى الحديثة" أو "لغة الصحافة" وهي كما أرى اللغة الأكثر سرعة في التكيف مع الواقع. جمال قعوار كلغوي كيف يرى الموضوع؟
جمال قعوار: يصح القول أن اللغة كائن حي تتطور مع العصور كما تتطور مختلف الكائنات الحية، ونحن نعرف أن لغة الجاهليين كانت أقرب إلى خشونة الصحراء من لغة الحضر في دمشق أو بغداد التي أصبحت أكثر رقة، فكانوا يفاضلون بين جرير والفرزدق فيصفون شعر الفرزدق بأنه أقرب إلى البادية خصوصاً وأنه أحيا الألفاظ المستهجنة بالنسبة للحضر فقالوا: لولا الفرزدق لضاع ثلث اللغة، بينما يصفون "جرير" بأنه أقرب إلى الحضارة الحديثة.
أما نحن اليوم فقد فقدنا السليقة اللغوية السليمة وأصبح أهلنا يجهلون الكثير من مفردات اللغة وقواعدها وأساليبها، وأصبح التحدث بلغة العصور القديمة مستهجناً، وأنا لا أرى غباراً في ذلك ما دامت أصول اللغة محفوظة وقواعدها سليمة، لأن الخروج عن علم المعاني أو علم النحو يفقدنا الوسيلة الصحيحة للاتصال.
اللغة العربية ليست مقدسة بالطبع ولكن المقدس هو لغة القرآن الكريم التي لا يجوز انتهاك حرمتها وتغيير كلماتها أو حروفها أو حركات إعرابها. ومن حرص العرب على لغة القرآن الكريم اهتموا باللغة بصورة عامة وحافظوا على أساليب استعمالها وقواعدها وأنا أعتقد أنه لا يجوز التلاعب باللغة كيفما شاء الأديب أو الكاتب باعتبار التغيير الذي يحدثه نوعاً من التجديد، إن هذا المنطق الجديد الذي سيحدث تغييراً جذرياً في اللغة مرفوض، لأنه ما دامت اللغة وسيلة الاتصال فيجب أن تبقى مفهومة لدى المتلقي أو المخاطب فإذا غيرت في قواعدها فقد غيرت في المعاني التي يمكن أن يفهمها المخاطب فيصبح الفاعل مفعولاً به أو المفعول به فاعلاً. أما ما عدا ذلك فيجب أن تمر اللغة بمراحل التطور والتجديد بشرط أن لا تفقد كونها وسيلة اتصال يفهم بها المتلقي ما يريده الكاتب أو المتحدث.
للشاعر جمال قعوار أكثر من عشرين ديوانا شعريا ، رواية ومؤلفات أخرى!!