أحمد بوزفور: ما أخشاه أن يكتب القاص رواية كي يحس أنه كاتب
عبد السلام الجباري: بوزفور يتكلم لغة الطيور بالرغم من كونه يفضل لغة العصافير
عماد الورداني: الاستعارة عند أحمد بوزفور تحمل دلالات احتمالية لا نهائية
مصطفى جباري: القصة عند بوزفور سراط رهيف بين الشعر والسرد، وبين النص الشذرة والنص الكل، وبين "الأنا" و"الذات"
نظم الراصد الوطني للنشر والقراءة لقاء نقديا تصدى لتجربة أحمد بوزفور القصصية الأخيرة والمعنونة بنافذة على الداخل". حيث اعتبر رئيس الجلسة رشيد شباري أحمد بوزفور رجلا استثنائيا سواء في الإبداع أو في المشهد الثقافي. في حين انصبت كلمة أحمد عبو مدير مكتبة الفاصلة ورئيس جمعية فضاءات المتوسط التي أسهمتا في تنظيم اللقاء على جدوى خلق علاقات مباشرة للكتاب مع القراء في فضاءات المكتبات، وهو ما تحرص عليه المكتبة والجمعية بهدف تقريب الكتاب إلى أكبر عدد من شرائح القراء، ودعم الكتاب المؤمنين بالحداثة والحرية وكل القيم الإنسانية. أما كلمة الراصد الوطني للقراءة والنشر التي قرأتها الشاعرة هاجر الصمدي فأكدت على أن الراصد مصر على مواصلة المسير في مسالك النشر والقراءة غير المعبدة، مزودين في مسيرتهم بمحبة وتشجيعات القراء والمبدعين، معتبرة أن "الأب بوزفور نفخ فينا من زفراته ونحن نتلمس أبجديات القص. وتلك بصمة الوراثة التي خلفها فينا كاتب استثنائي".
زاوجت ورقة القاص عبد السلام الجباري بين الشهادة والعشق انطلاقا من ثلاث عتبات: عتبة الريح التي استرجع فيها علاقته بأحمد بوزفور في مدينة أصيلة حينما كان لا يرتدي القبعة كان حافي الرأس. ليبدي بعد ذلك ارتساماته عن بوزفور الذي يتكلم لغة الطيور بالرغم من كونه يفضل لغة العصافير، و"أسئلته تشبه أسئلة الملائكة من قبيل الطهارة والقناعة والاستيقاظ مبكرا وملازمة الخلوة والإنصات إلى الطبيعة وتدوين الحكم والمواعظ والابتعاد عن الذين يكنزون الذهب والفضة، وكذا أسئلة الحضور المستمر في أعياد القصة والشعر والفلسفة. معرجا على بعض أقوله التي يعترف فيها بأنه أنا لم يقدم شيئا للمشهد، ورغبته في أن يرى بلده يتبوأ مكانة مرموقة بين الدول والشعوب. وأن تصير القصة أملا في المستقبل، وتتحول إلى خطاب سردي يجمع بين الحكاية والشعر، بين التاريخ والفلسفة بين العقل واللاعقل بين الشعور واللاشعور بين الوعي واللاوعي... وأن تتحقق الرحلة للوصول إلى بساتين الجمال والابتعاد عن القبح المنتشر في المشهد ". أما العتبة الثانية الموسومة ب"النص" تساءل فيها عن ارتباط أدب بوزفور بالحياة كما ينظر إليه توردورف أم أن له رؤية أخرى؟ مؤكدا تبعا لهذا السياق أنه لا لبس ولا التباس بخصوص العناوين الأخرى: شخصيات خاصة جدا، التعب، الحزن، البكاء، الحب، الفرح، الصمت. متسائلا عن ما هية الشك عند بوزفور؟ محللا مقطعا من قصة الشك والمعنونة بالعنكبوت: وأنا ذلك العنكبوت: لا أعرف شيئا عن الموسيقى: لكنني أصغي إليها بسرور، هل سبق لي أن قلت إن الحقيقة الوحيدة في العالم هي الشك...؟ كلا، الحقيقة الوحيدة هي الموسيقى، يمكن ان تشك في كل شيء في هذا العالم إلا الموسيقى... الحقيقة الأولى هي أن لا حقيقة في العالم". مبرزا أن الكاتب يشبه نفسه بالعنكبوت، أخف شيء في الوجود، وأن الحقيقة الوحيدة في العالم هي الموسيقى بوصفها تعبيرا حقيقيا عن هذا الكون المادي، إنها الخطاب المحبب إلى الروح، وإنسانية الإنسان. يضيف-عبد السلام الجباري-ويطرح الكاتب الفكرة- النقيض، وتختفي الموسيقى ويأتي الصمت (حالة التأمل والشك)، لتصير الموسيقى كذبا لا حقيقة في العالم، ذلك أن الحقيقة الأولى هي أن لا حقيقة في العالم. مستنتجا أن مشروع مشروع الكاتب " أحمد بوزفور"هو تأسيس نسق في الحكاية انطلاقا من رصد سمات مميزة لأعماله القصصية: "النظر في الوجه العزيز": الرجل الذي وجد البرتقالة. "الغابر الظاهر": الكأس المكعبة."صياد النعام": الفنان. "ققنس": زروق."قالت نملة": زفزاف. "نافذة على الداخل": الانتقال من أحمد بوزفور الشاب، إلى بوزفور الشاب في الستين.أما الاستنتاج الثاني فيتصل بأن أحمد بوزفور يقترح شبه قطيعة مع السابق كما يتخيله: والإعلان عن مولد قصة مغربية تعكس مدى التطور الذي حصل في هذا الجنس الأدبي لغة وخيالا وتيمات وطولا وقصرا. أما العتبة الأخيرة فقد وسمها بالبيان الملتهب ارتباطا بالبيان الذي أعلنه بوزفور عن رفضه جائزة الكتاب لوزارة الثقافة المغربية برسم سنة 2002 ورفض بمثابة درس ثقافي.
أما مداخلة الناقد والقاص عماد الورداني الموسومة ب"استعارات أحمد بوزفور" معترفا في البداية أنه وجد نفسه لحظة القراءة أمام إمكانات متنوعة ومختلفة، تتيحها تلك النافذة المتورطة في الذات والحياة حائراً في اختيار الطريق المعبدة إلى أحاسيس الذات ومشاعرها، لاجئا إلى الاستعارة بوصفها جزءاً من الحياة التي سيتخذها مطية للعبور إلى النافذة المشرعة على الداخل/ الخارج. متوقفا في البداية عند "الاستعارة والسياق الأصغر" التي تكتنز دلالات لامتناهية عند أحمد بوزفور ممثلا لها بالنص الجزئي "التراب" المنضوي تحت نص كلي هو "شخصيات خاصة جدا"، حيث عمد إلى تحليل دلالته الأحادية والاحتمالية رابطا بين الاستعارة وعناصر الخلق.. لينتقل بعد ذلك الورداني تحت هاجس الحفر إلى الاستعارة والسياق النصي من خلال قصة المكتبة التي حاول من خلاله فهم دلالات الاستعارة كسياق نصي في تعالقها بمكونات السرد، وهو ما قاده إلى استخلاص الأبعاد الاستعارية المختلفة للمكتبة وذلك من أجل فهم القول المسكوك الذي تبدأ به القصة وتنتهي مع تغيير غير بحتى. أما الاستعارة والسياق الأكبر أكد الناقد الورداني على أن نصوص "نافدة على الداخل" ترسم عوالمها الحكائية باللون، وكأننا أمام لوحات تشكيلية تحتاج إلى طاقة تأويلية لفك جزء يسير من استعاراتها، حيث نلامس توظيفا محكما لطاقة اللون ضمن المحكي السردي باعتباره أفقا مفتوحا لإنتاج دلالات احتمالية لا نهائية، وهي الطاقة التي تتخذ تمثلات مختلفة ومتنوعة، تتجلى في تعدد اللون وتعدد سياقاته (الأخضر، الأزرق، الأحمر، الأبيض..)، حيث سيحاول القاص عاد الورداني تأويل الدلالات التي يكتنزها اللون الأخضر في علاقته بالسياق الكلي وفي علاقته بالقيم الثقافية التي يحيل إليها اللون الأخضر وهو ما جعله ينتهي إلى نتيجة مفادها أن اللون عند بوزفور يحمل دلالات استعارية لا نهائية.
أما مداخلة الناقد والقاص مصطفى جباري الموسومة ب"النافذة والداخل" الذي قرأها بالنيابة عنه الشاعر الخليل الوافي تساءل في بدايتها عن النافذة أو من أين تأتي القصة معتبرا أن هذه المجموعة تجعل قارئها يحس أنها امتداد لكتابة بوزفور السابقة، خاصة من حيث التيمات... لكن في هذه المجموعة يلتقي القارئ باختيارات جمالية كأنما تحاول الكتابة الذهاب بها إلى أقصاها. ذلك أن القصة تنبثق أو "يخلِّصُها" القارئ من رهان. عناصر هذا الرهان ثلاث ثنائيات يسري جدلها في نسيج هذه القصص: الأولى ترتبط بالسرد والمعرفة النصية في حين تتصل الثانية بين الأنا والذات. أما الثنائية الثالثة: النص الشذرة والنص الكل. منبها جباري إلى أن النافذة التي نطل منها على الداخل جدل مستمر بين عناصر هذه الثنائيات. والقصة التي نقرأها تتلمس مسعاها على سراط رهيف بين الشعر والسرد، وبين النص الشذرة والنص الكل، وبين "الأنا" و"الذات"...
أما كلمة المحتفى به القاص أحمد بوزفور الذي شكر الهيئات الثقافية المنظمة للقاء، والحضور فقد رأى في ما يراه العارف بالقصة القصيرة أن يترك الكلمة للقارئ كي يصغي إليه؛ ذلك أن القارئ هو من سيرسم أفق المستقبل الذي يطمح إليه إذا كان له مستقبل بتعبير صاحب "ديوان السندباد". يضيف-أنا ابن القصاصين المغاربة، أنا أستفيد منهم، أنا أحاول أن أبى في هذه الساحة من خلال هضم تقنياتهم. في الكتابة لا يوجد رواد بل يوجد إخوة. مؤكدا على ضرورة القراءة التي من دونها لا يمكن أن تكون كتابة. يقول عن هجرة القصاصين إلى الرواية: أنا آسف جداً، أنا أحب الرواية، أحب أن أقرأها. هناك كتاب قصة يهربون إلى الرواية، وأنا ليس لدي أي اعتراض. ما أخشاه أن يكتب القاص رواية كي يحس أنه كاتب. أنت كاتب عندما تكتب شيئا جميلا". ليقرأ بطريقة شاعرية نصا من نافذة على الداخل"الحب. لتعقبه قراءات قصصية سيرتها بشاعرية الشاعرة عائشة بلحاج لكل من زوليخا موساوي الأخضري، وزهير الخراز، وحسن يارتي.