يسمي الناقد والروائي التونسي الموهوب هذا النص بأنه ندوة رقمية، لأنها ندوة ما كان لها أن تتحقق بدون الفضاء الإليكتروني الذي أتاح له طرح أسئلته في آن على عدد من الكاتبات من مصر وسورية والإمارات وتونس والمغرب والكويت.

كتابة الشهوة وشهوة الكتابة

ندوة رقمية

كمال الرياحي

تشير الروائية سلوى بكر في مقال لها بعنوان: "أفكار حول كتابة المرأة في العالم العربي" إلى أن كتابات المرأة، وعلى الرغم "من الحضور الكمي والكيفي الملحوظ " تتعرض للتهميش والرؤية النقدية الدونية والتقييم وفقا لمعايير تبتعد في معظم الأحيان عن المعايير الأدبية". ومن جهة ثانية تشير سلوى بكر خلال مقالها إلى ما سمته ب"فساد النظام النقدي في الثقافة العربية" الذي يسعى إلى تسطيح كتابات المرأة" وتعتقد أيضا أن هذا الحس الذكوري النقدي ساهم في تكريس عدد من المشتغلات بالكتابة على حساب المبدعات الحقيقيات وترجع ذلك إلى أسباب لا علاقة لها بالأدب والإبداع مثل الجمال والنفوذ السياسي أوالاجتماعي أوالمالي. والحق أن هذا الرأي يتبناه كثير من المتابعين للشأن الثقافي العربي، فكم من كاتبة مشهورة ليس لها من الإبداع سوى نص يرفع البغاء الورقي تيمة له أوهي في أحسن الأحوال خطابات نسوية تنادي بحرية المرأة وتحجيم سيطرة الرجل.
هذا الوضع غير الصحي للكتابة النسائية همّش التجارب الحقيقية للكاتبات والتفت النقد إلى بعض الشبيهات، نفتح هذا الملف حول أسئلة الكتابة النسائية والجنس وأشكال التعاطي مع الجسد الأنثوي في نصوص الكاتبات العربيات ومساهمة الناقد الرجل في أزمة الكتابة النسائية وانحرافاتها. حول مائدة رقمية تناقش راهن الكتابة النسائية ومآزقها دعونا عددا من المبدعات فكانت هذه الندوة..

1. نفتتح هذه الندوة بسؤال عام: كيف تكتبن الجسد الأنثوي في مؤلفاتكن؟

فاطمة ناعوت / شاعرة مصرية
ـ ماذا لوأن قصيدتي تحكي عن القلم الذي سوف تلتقطه أصابعي ليكتبَ كلمةً لحبيبي الغائب عن الوطن، أوعن عيني التي طفرت منها دمعةٌ حين أبصرت فراشةً تتألم، ماذا لوتكلمت قصيدتي عن ضرسي الذي خلعه الطبيب عنوة كي يفحص الورم الخبيث أسفله، أوعن كفِّ امرأة تنبت فوقها زهرةٌ كلما مات رجل، أوعن قدميّ اللتين أجهدهما السير في مسيرة الملح نحوالجمال، ماذا لوتكلمت عن شَعري الذي ابتلّ تحت غيمة أعرف أنها مرّت فوق رأس حبيبي البعيد، أوعن ظفري الذي انكسر فيما أحاول أن أرفع رصيف بيتنا القديم لأخبئَ أحلامي، ماذا لوأن أُذني قد تهتكت شِغافُها تحت صوت القذائف على لبنان! الإصبع والعين والضرس والقدم والشَّعر والأظافر والأذنان الخ كلها مفردات جسد. كلُّ محسوسٍ حولنا ندركُه بأداةٍ من أدوات الجسد. ولذلك فلا مناصَ لشاعرٍ عن أن يتناول جسدَه عبر كتاباته. لذلك فإجابتي أنني أكتب جسدي طوال الوقت. إذ هوأداة اتصالي بالعالم. لكن سؤالك الماكرَ أضاف لفظة "أنثويّ"، وهنا مضطرةٌ أنا عن البحث عما يمايز بين الأنثى والذكر حال الكلام عن الجسد. وبالتالي سنقع على "معجم" بعينه. معجم ضيق يضم فروقات جسد المرأة عن جسد الرجل، اعتادت بعض الكاتبات أن يتوسلنه حال الرغبة في لفت النظر إلى ما يكتبن. فهل سأخيّب ظنك لوأخبرتك أنني لست إحداهن؟ بالتأكيد لا، لأنك مبدعٌ وتعرف أن لكلِّ شاعرٍ لُعبتَه الخاصة وأدواتِه في اللعب وطرائقَه أيضًا. وأنا، مع تسليمي بأن الشعرَ الجيدَ يتأتى عن طريق "كيف" نكتب وليس "ماذا" نكتب، مع تسليمي بذلك أرى أن هذه هي الطريقة الأسهل في الكتابة، وأنا لا أحب الطريق السهلة.

سوزان خواتمي/ أديبة سورية
إن إحاطة الكتابة بقوالب جاهزة بمعنى تنميطها، أوإجبارها هوخروج عن الشرط الإبداعي لها، وهذا ينطبق أول ما ينطبق على محددات الكتابة خارج فنيتها وأعني بدقة هنا الكتابة الإبداعية. فالإبداع بشكل عام هواستنساخ الحياة، صورة أخرى عنها. ننبش حيواتنا وذاكرتنا، هواجسنا وأنواتنا لخلق حياة موازية شبيهة أومناقضة، حالمة أوأشد واقعية من الحياة ذاتها. الكتابة شهوة للحياة، وبالتالي يمكن اعتبارها إضافة عمر آخر لحياتنا المحدودة بحكم الموت القصري. وهكذا أجد الكتابة على أنها فعل هروب من الموت الفيزيولوجي للجسد الإنساني نحورغبة في الخلود. بشكل شخصي وككاتبة قصة قصيرة أغرق في تفاصيل الحياة التي ضمنها حكماً، ودون استدعاء بالإكراه ثيمة الجسد الإنساني برغباته ونوازعه. وليس عبر تجريده وعزله كشيء منفصل، إذ لا يمكن عزل الجسد الإنساني عن موضوع الإنسان أوالكتابة عنه بشكل مستقل، لأن أي فصل هوتعسف في المقام الأول ومن ثم هوعدم وعي بفطرية الحياة وشموليتها، وليس للكتابة وحسب.

باسمة يونس /الإمارات
لماذا بربك هذا التركيز الذكوري على الجسد الأنثوي ولماذا يتعمد الرجل دائما إهمال الفكر الأنثوي المبدع؟ أعتقد أن تساؤل كهذا يشرع الأبواب أمام تأكيد فكرة ارتباط الأنثى بالحس ويلغي تماما مجرد التفكير بتقريبها من عمق إنساني هي أكثر التصاقا به والتحاما معه. لماذا نفكر بخصوبة الأرض ولا نفكر بحنوها ودفئها ورغبتنا في الاحتماء بها من الخوف ومن الحزن ؟ ولماذا نفكر بكيفية إنجاب طفل بينما الأهم منه هوولادة الطفل نفسه؟ ولماذا ينظر إلى المرأة دائما على أنها جسد للمتعة وليست وعاء لاحتضان العالم وتخليصه من شوائب الآلام والمآسي؟ يمكننا دائما كمثقفين محاولة تجنيب المرأة مثل هذه الأفكار وإبعادها عن هذه النظرة الشهوانية المركزة على جسدها من خلال تعزيز ودعم تواجها الثقافي والحيوي في الفكر والرأي والمحافل التي تشجع وجودها الإنساني. أنا أكتب المرأة كعاطفة ووعاء وأرض وبذرة للمستقبل وأكتبها دائما كجزء مهم من المجتمع وكعطاء ورمز للاحتواء وللإنسانية الكاملة.

حياة الرايس / كاتبة تونسية
الكتابة ليست شهوة وشبقا بالمفهوم الايروتيكي والجسد لا يتثنى ويتغنج في اللغة في حركة مفصولة عن الروح (بالمعني الصوفي للكلمة). الكتابة هي علاقة حب وعشق بين الذات واللغة. وكما في الحب تماما أنا لا اعرف كيف افصل بين روحي وجسدي كذلك في الكتابة أيضا فانا لا اعرف كيف اكتب بروحي مفصولة عن جسدي ولا بجسدي مفصولا عن روحي وأنا لا أعي ذاتي إلا من خلال النص . فانا اكتب بفكري وعقلي وقلبي روحي وحواسي ووجداني وذاكرتي وخيالي وانفعالي وجسدي بكل نبض فيه ولا استطيع أن افصل بين كل ذلك. وبذلك يكون النص المكتوب هوامتداد وجودي لذاتي كامرأة
وعلاقة النص بالجسد عموما تضع الذات الأنثوية الكاتبة في مواجهة مع الأشياء وتفاصيل الحياة والعالم والآخر والرجل وتكثيفا لأشياء أخرى تتجاوزها. سؤال كتابة الجسد يعود بنا إلى تلك الثنائية التي أقرتها الفلسفة الأفلاطونية وكرستها الأديان فيما بعد وهي فصل الروح عن الجسد واحتقار هذا الأخير والتي شطرت الذات إلى شطرين متصدعين كان على عاتق الفلسفة الحديثة أن ترمم ما تكسر وتشظي من هذه الذات المشروخة وخاصة الجسد المعطوب المجروح في كبريائه بسبب ما لحقه من احتقار أمام تعالي الروح وسموها في الفلسفات الشرقية القديمة خاصة والآن نبالغ في رد الاعتبار للجسد حد التعالي عن الروح. أنا شخصيا لا اعرف الفصل بينهما. يحقق الجسد في النص دلالات متعددة كما الفكر تماما و" النص هومسكن تخييلي للجسد فيه يتجسد ويحقق وجوده المتخيل " كما اللغة هي سكن الكاتب. والذات تدخل في علاقة حميمية مع النص وقت الكتابة تلخص رغبتها في الحياة وقد تمتزج روحها بجسدها حد التماهي والالتحام والتمازج حتى تكون شيئا مرغوبا فيه من طرف الآخر (الرجل). وإذا قيل "لا شيء أكثر حميمية من الحب" أقول أيضا انه لا شيء أكثر حميمية من الأدب. وانه يحتاج إلى طريق ومغامرة ومأوى كفعل الحب تماما وارى أيضا أن الكتابة عزلة (عزلة الروح والجسد ) تبحث عن ذات أخرى تؤويها. والملجأ هوالنص.

أمنية طلعت / كاتبة مصرية
في الحقيقة هذا السؤال بالنسبة إلي صعب الإجابة، لأنني لا أضع جسدي أوالجسد الأنثوي ضمن أولوياتي في الكتابة، فأنا عندما تلح علي الكتابة تكون بشكل عام محاولة للخلاص من فكرة تؤرقني وتعذبني ولا سبيل للخلاص سوى بالتعبير عنها، ودائما تؤرقني فكرة الإنسان في حد ذاته داخل مجتمع عربي يقسوعلى أعضائه سواء كانوا ذكورا أوإناثا، ربما عندما أعبر عن هموم الإنسان العربي تأتي في صيغة امرأة منهكة داخل مجتمعها، لكن في الأساس أنا لا أقصد المرأة نفسها وإنما الإنسان بشكل عام الذي يحتوي المرأة كجزء منه، لا اعتقد أنني اهتم بالجسد وإنما بالروح المعذبة داخل نسيج مجتمع معبئ بالقيود والتابوهات التي تستهدف المرأة ويحملها الكثير من معاني الشرف والعفة والطهر، بينما هي مجرد إنسان يذل ويخطأ ويتوه في دوامة الحياة، من هذا المنطلق تأتي المرأة لدي كمعبرة عن مجتمع قاس على الجميع فتزداد قسوته على العضوالأضعف وهوالمرأة للأسف.

غالية خوجة / أديبة سورية
بداية، لا أفكر كيف أكتب أوسأكتب. ومن تجربتي، وحين يدخل جسد الغيب أوالغيم أوالاحتمال في نصوصي، لنا أن نتبين كيف يتجسد كحالة متناغمة مع بقية العناصر. وكذا الجسد الأنثوي فيما لو تواجد فهو يحضر كرموز وأرواح ومعاناة وجراح وحساسية وتحولات برزخية نفسية ومجتمعية وحلمية. أنا أعتبر الجسد لا سيما الأنثوي مقدساً. وهذا يعني أني لا أفصل القيم عن الكتابة، الروح عن الجسد، العقل والمخيلة والوجدان كفراغات عن الكتلة، وليس بوسعي أن أستوعب أدباً بلا أدب! ولا أخلاق! ولا قضية كبرى أوصغرى! أنا ضد الابتذال واستغلال الأبجدية لغايات دونية.. ألا توافقونني بأن الأبجدية مقدسة، مقدسة، ومقدسة.. منذ أول ترتيلة كهنوتية وستظل إلى آخر نص إبداعي حقيقي؟ ألا توافقوني بأن ملحمة هوميروس أوجلجامش أوالخرافات أوأساطير الخلق لم تكن ضد الزمان والمكان، ولم تظل في الأبدية، إلا لأنها تعاملت مع الأبجدية والجسد بقداسة من نوع ما؟

مالكة عسّال / كاتبة مغربية
دعني أسألك، هل الكتابة لها كمنطلق جسد أنثوي أوجسد ذكوري؟ هل يمكن أن ننسبها إلى ما يحاصرها؟ فإن فعلنا قد لا يعد كتابة ولا إبداعا بالمرة. فالكتابة لها دواع شتى خارجة عن الجسد ذكوريا كان أوأنثويا، هي قدرة على القرب من الهم الإنساني، ونبض الحياة، سواء تمثل ذلك في شخص امرأة أورجل، بعيدة كل البعد عن الجسد، كإطار بيولوجي فزيولوجي، ولها منطلقات ذهنية، وعقلية ومجتمعية ونفسية. وأنا حين أكتب لا أتمثل جسدي الأنثوي، بقدر ما تتملكني هموم إنسانية أوسع:التهميش، البطالة، قضايا الحروب، الانتهاكات، القتل، التدمير، الخراب، الاغتصاب، فانطلاقا من ذاتي كإنسانة لها دور اجتماعي أنسى تماما أنني أنثى.

بثينة العيسى / روائية كويتية
أكتب اللحم لا البلاستيك، الدم لا السليكون! أحتفي بالعطب والنقص وأشيرِ إليه، إلى الدمّل بين الشفتين، إلى البثور تحت "كريم الأساس"، أحتفل بكل خصائص الجسد البشريّ وحدوده لأنه حقيقتنا الأولى. أكتب عن كوننا نصبح في كلّ يومٍ أكثر هوساً "بالباربي" وأخواتها، بالمقاسات المسماة للخصور والأفخاذ والأردافِ والصدورِ، بأننا حنطنا الجمال في براويز وخبأناه هناك، في المكانِ الآخر، وأصبح الجسد "هنا" جميلاً كلما قارب الجمال المحنّط "هناك"، حتى صارت المرأة تعتبر أنه أمرٌ معيب أن "يعرف العالم" أن ما يسيل في شرايينها دمٌ وليس عسلاً، حقيقة أنها إنسان وليست دمية!

صفاء النجار/ روائية مصرية
الجسد الأنثوي في كتاباتي هو فضاء المرأة الأول الذي يتم من خلاله التعبير عن قوتها أواستلابها ومن خلاله ينعكس مدى وعي شخصيات أعمالي بكينونة المرأة وموقعها في هذا الكون وأيضا مدى غياب هذا الوعي ومحاولة الآخر طمسه، وهذا الآخر قد يكون الرجل أوالمجتمع أوالمرأة نفسها. والجسد الأنثوي يعبر عن حاله في كل الأحوال وحتى النساء اللاتي ليس لديهن وعي بجسدهن أواللاتي يقمعن جسدهن ويخضعنه لشروط الآخر، نجد أن هذا الجسد يعاندهن، ويتمرد عليهن ويعبر عن حاله بالألم.

2. كيف تكتب المرأة الجسد الأنثوي؟

فاطمة ناعوت
هذا سؤال ضلَّ طريقه. لكني سأجتهد أن أجيب. أعتقد أنهن يكتبن ـ شان كلّ كاتب ـ همومهن. بعضن يكتبن أجسادهن بوصفها قنوات تواصُلهن مع الحياة. وبعضهن يكتبنه كلون من ألوان "القصاص" من الرجل والمجتمع، أليس يكتبن ويعرين ما يجهد الرجلُ والمجتمع أن يخفيه ويهمشه؟ لون من المقاومة والثأر ربما. وبعضهن قد يكتبنها لأنها الكارت المضمون في اجتذاب النظر. جسدُ المرأة بقلم المرأةِ هوصكٌّ مضمونُ النتيجة في مجتمعات منغلقة مثل مجتمعاتنا. سيما إذا ضاق الوعي الجمعيّ حتى ليختصرَ الشرفَ في نصاعة الجسد وطهره. وهذا مفهوم ضيق جدا للفضيلة. حيث الفضيلة محلُّها الدماغ والوعي وطريقة النظر للعالم وللآخر وليس في الساق والنهد.

باسمة يونس
كل امرأة تكتب ما تشاء تماما كما يشاء كل رجل أن يكتب ما يريد لأن الكتابة المحاصرة لا تعني أكثر من تحولها إلى مادة نثرية لا تصلح لأكثر من تحبير الورق ومن ثم إلقاءه في سلة المهملات. وأعتقد بأننا لا نستطيع تقييد جموح خيال الكاتبة لمجرد فكرة الخوف من اقترابها من الشهوة والجسد وما قد يعنيه بالنسبة للكاتب أوالكاتبة. ولكنني أؤكد على أن الكتابة في هذا الموضوع بقصدية بيع الورق عبر استثارة الحس وإثارة الانتباه لكاتبه فقط يمكن أن يحول العمل برمته إلى نفاية وأن يجعل من صاحبه أدنى من أقل جاهل. وهناك حاجة في بعض الأحيان للإشارة إلى موضوع الجسد حينما يكون المضمون متكاملا معه وهذه الحاجة لا تنفي رقي العمل ولا تنقص من قيمته إن كانت مدروسة ولها اعتبار في سياقه.

أمنية طلعت
لا ادري كيف تكتبه، لكن بشكل عام جسد المرأة في موروثنا العربي يحمل الكثير من الرموز والمعاني المحرمة، فهوعورة يجب تغطيته. وهوحرام في مجمله. وهوغير قادر على التعبير عن مشاعره وانفعالاته لأنه غير مسموح له بذلك. وفقا لموروث ديني ومجتمعي، يعتبره فتنه وأشبه بشيطان يغوي، كل هذا يجعل من جسد المرأة لغزا لدى معظم الذكور، وبالتالي انتقل إلى المرأة نفسها لتصبح لغزا وصعب فهمها، وتحميلها كافة أخطاء وانهيارات مجتمعاتنا، فإذا حدثت مشكلة للرجال تكون بسبب فتنة المرأة أوبإهمال الأم لبيتها أوبسبب عدم مراعاة الزوجة لزوجها وما إلى ذلك، لا يحاول أحد من المفكرين العرب العظماء أن يحلل أسباب التفكك المجتمعي مثلا بشكل متعادل بين الرجل والمرأة كشريكين أساسيين في الحياة، أنا لا أتعامل مع جسدي على أنه عورة ولا أنظر لنفسي على أنني امرأة لغز بالنسبة للذكور ولا أدخل في مناورات ومداورات النساء مع الرجال لكسب معركة ذكورية أنثوية، أنا أتعامل مع نفسي وبالتالي جسدي بشفافية شديدة وبالتالي لا أجد سببا لأن أكتب جسدي وأدور حوله في كتاباتي، فأنا أمنية الجسد والعقل بدون الجسد لا أحيا تماما كما هوالحال بدون العقل...الجسد هوأداة للتعبير عما يدور في الداخل (العقل ) فقط لا غير.

مالكة العسال
هذا يتوقف على طبيعة المرأة، ومواهبها الكامنة، ومدى قدرتها على تحطيم التسلط الذكوري، وخروجها من دائرة
التهميش والإقصاء. قدرتها على توسيع الخيال، وتمرين وتمرير أفقها المعرفي، والطموح. لكن هذا لا يمنع من وجود نقط تقاطع بين الكتابات النسائية: كشجب ظلم المجتمع لها بشدة.
- التنديد ضد الأسباب العرفية المسببة في تخلفها، والتي ضيعت عليها عبر التاريخ فرصا ثمينة، لتكون متألقة إلى جانب الرجل مهاجمة التسلط الذكوري، الذي يحجب دورها الفعال ليس في الكتابة فحسب، بل في جميع مناحي الحياة.
- انتفاضتها ضد حصر دورها في خدمة الرجل والبيت، والإنجاب، الشيء الذي يؤكد أن الطبيعة بريئة تماما من تقسيم الأدوار بين الرجل والمرأة.
- المطالبة بالحرية والاستقلالية وبعض الحقوق المهضومة. وأغلب هذه الكتابات موسومة بالحب والحزن والهروب من الواقع.

غالية خوجة
ما يتراكم في مشهدنا المدعو(ثقافياً) أرى بأن المرأة تظل مرأة في الكتابة سواء في كتابة الجسد الأنثوي أوسواه. ونادراً ما نجد كتابات امرأة ترقى إلى الإبداع المختلف. لماذا ؟ لذلك أسباب كثيرة: تربوية ونفسية واجتماعية وتعليمية وتثقيفية والخ. ما يهمني هنا، أن من النساء من تكتبن بأجسادهن، وهناك من تكتب بثقافة واعية متمردة على كل القوالب مبتغية من ذلك البديهة الإنسانية بحيث لا تركز على الجسد الأنثوي أوالذكوري بقدر تركيزها على الكشف عن المثالب والمفعولية السالبة لتصل إلى الفاعلية الموجبة التي على المرأة والرجل أن يسلكاها كخطوة نحوإنسانية كل منهما، إنسانية الآخر، وبالتالي، إنسانية التواجد في هذا الكون ومتضاداته التي أوجدها الخالق لتتكامل وتتحاور وتتفاعل لا لتتناقض وتتصارع وتتقاتل. ويؤسفني أن وسطنا العربي متخم بأولئك النساء أوالذكور الهاجسين مرضياً بالجسد. وليتهم يهجسون بالمعنى الأرفع للجسد، وأقصد حين يكون شهيداً من أجل الوطن، مثلا ً، أوشهيداً، برمزية ما، من أجل الكشوف المتعالية.

صفاء النجار
المرأة حين تكتب جسدها فهي تكتب ما تعرفه وتعيشه.المشكلة الحقيقة أن الرجال لا يعرفون أجساد النساء. ومن ثم تفاجئهم هذه الكتابة، فيهاجمونها أويستخفون بدعوى أنها كتابة ضيقة الأفق أوكتابة لا تشتمل على الهموم الإنسانية وهم يستندون إلى التعريف الذي وضعه الرجال لما هومهم وما هوتافه وهذه التعريفات تحتاج إلى مراجعة، فالمرأة نصف الكون وما يهمها بالقطع هومهم، وتجاهل ما تكتبه النساء وتهميشه لن يؤدي إلى استقرار الرجل بل سيؤدي إلى مزيد من الهوة بين النساء والرجال،الرجال منزعجون من سماع صوت الآخر لأن وجود هذا الصوت يتطلب من الرجل أن يعيد النظر في أفكاره وتصوراته عن المرأة وبالتالي إعادة النظر في شكل العلاقة بينهما،والرجل لا يريد ذلك فهويستند إلى ميراث بطريركي يعطيه كافة الحقوق، ولا يمكن للسيد النزول من قلعته والتنازل عن هذا الإرث ببساطة.لكن هذا سيحدث شاء الرجال أم أبوا لأن النساء لن يصمتن.

سوزان خواتمي
كون الجسد الأنثوي أصبح ثيمة لدى الكتاب (ذكورا وإناثاً) فهونزوع نحوالمسكوت عنه، نحوالمخفي نحوالملتبس، قد يكون هذا مبرراً.. بل قد يكون مفهوما أن تعبر المرأة عن إحباطات جسدها أوعما يشكله لها جسدها كعائق أمام الحياة في مجتمع يسلعه ويعلبه ويفصله عن حياة الكائن. بل وقد يكون مفهوما أيضاً أن يكتب رجل عن الجسد الأنثوي من منطلق أن هذه الأنثى هي شريكته في الحياة وجسدها لا ينفصل عن حقيقة حضورها المادي في لعبة الحياة وهوأي جسدها جزء من وجودها.. لكن الذي يحدث أن هناك رغبة تسويقية تجر البعض ذكورا وإناثا نحوالكتابة عن الجسد وليس منه أوفيه. للأسف هذا النمط الكتابي يحقق حضورا سريعاً لكنه لا يدوم، كفقاعات الهواء، تلفت النظر ثم تتلاشى أما الكتابات الأنثوية والذكورية وأقصد هنا بأقلام كتاب أوكاتبات، التي تملّت الجسد الأنثوي بإمعان، سابرة أغواره وعلاقته بتركيبة النفس، فهي الكتابات التي تدوم وتؤثر وتبقى. أما لماذا هذه وليست تلك، فأيضاً للأسف ما من مقياس جاهز لسوية الإبداع بما لا يقبل الشك أوالنقض، وما من وصفة جاهزة لطريقة تناول الجسد في الكتابة، فربما ما أراه في بعض النصوص توسل الإثارة يراه غيري جزءاً أساسياً من النص، وهذا يحدث حسب زاوية النظر إلى الأشياء لكل منا وبحسب تشكلاتنا الحياتية والمعرفية.

بثينة العيسى
المرأة تستحيل في كل يوم إلى كائن أكثر ذكورية من الرجل، لأنها خجلة من حقيقتها، من حقيقة كونها بشراً وليست حورية عين، وأعتقد بأن تهميشها وهامشيّتها مصدرهما جملة الاعتقادات البلاستيكية المضحكة التي عبأت رأسها بفضلِ الأنساق الذكورية، هذه الحساسية المضاعفة التي تخص جسدها المكتوب هي ما يجعلها تنحازُ للجميلِ والخرافيّ والكامل (وفق المعايير المسيّدة للجمال)، لأن العالم يستطيع التسامح مع جميع العيوب، إلا مع وجهاً دميماً لامرأة! (اسألوا الفضائيات إن شئتم). وبما أن النصوص النسائية أكثر عرضة وملائمة لتهم الذاتية، وبما أن أي شخصية تكتبها المرأة ينظر إليها على أنها المرأة نفسها (لأنها امرأة!) يصبحُ الطعن في بطلة النص طعنٌ في الكاتبة، وتصبح المرأة أكثر عجزاً عن تجاوز ذاتها لحظة الكتابة، ليس بالضرورة لأنها تفتقر إلى الموهبة، بل لأنها رازحة تحت وطأة الأنساق الذكورية من حيث لا تشعر، والأسوأ، أنها في الغالب تعتقد بأنها تحارب النسق الذكوريّ عن طريق الكتابات " الجريئة " إن صحت التسمية، لأنها " تعتقد " بأنّها تتحدى سلطته، ولكن الواقع أن الإيقاع صوتٌ وصمت، وأن الانتقال من أحدهما إلى الآخر ليس كسرا للقيد ولا تجاوزاً له، بل هومزيدٌ من التكريس للذهنية الذكورية في ثقافتنا، لأن الكتابات الجريئة في الغالب لا تهدف إلى تحسس وجه جديد للحقيقة، أوإلى اكتشاف أصوات جديدة "مغيبة " عن آذاننا، أوإلى اكتشاف " جغرافيا " غير مأهولة " تزيد سعة الأرض"، نحن نصبح في كل يوم أكثر ميلاً إلى سماع الشيء نفسه من فم آخر ( وتخيلوا كم هوشائق ومثير أن تلفظ تلك الكلمات من فم امرأة! ).. وهكذا، نحن لا نبحث في الحقيقة عن الجديد والمغاير بقدرِ ما نكرّس النسق الذكوري نفسه، وأعتقد بأن د.عبدالله الغذامي قد فضحنا على نحوجيدٍ جداً في " النقد الثقافي ".. إننا - ببساطة شديدة - ننمسخ.

3. هل سقطت المرأة في الكتابة ذات الحس الذكوري؟

أمنية طلعت
لا أفهم ما تقصده بالضبط، لكن إن كنت تقصد أن المرأة تكتب ما يثير الرجل كي يدخل في عالمها ويقرأه وتحصل هي على الشهرة، فنعم لجأت الكثير من الكاتبات إلى هذه المنطقة، ولكن هناك كاتبات أخريات كتبن أعمالا جادة ومهمة لا تستخدم الجسد إلا في المناطق الدرامية التي تتطلب ذلك تماما مثل المبدع الرجل، للأسف لا أدري لماذا نجري وراء تلك الأشياء ولماذا تم تصنيف الأديبات ككاتبات أنثويات أويكتبن الفيمينزم، لا أنكر أن هناك موجة جامحة غزت السوق الإبداعي العربي تشتغل على منطقة الجسد وللأسف جرت ورائها دور النشر وتم الترويج لها بشكل واسع وبالتالي تمت ترجمة أعمالها بشكل هستيري، لكن المحصلة في النهاية صفر، من يتذكر ما كتبته أي واحدة منهن ؟ لا أحد يتذكر كتبابتهن وتحولن إلى مجرد وجوه إعلامية يتم استهلاكها في أي موضوع والحديث في الثرثرات الإعلامية العربية التي لا تنفع ولا تضر...كل واحدة منهن تحاول أن تصل بالأفكار التي تقدمها إلى أبعد ما يمكن أن يستوعبه العقل من الشاذ والمستنكر عربيا فقط كي تثور حولها البروباجندا ويتحدث عنها الناس، في رأيي هذه ليست أكثر من فرقعات إعلامية لا تحقق شيئا ولا تصمد عبر الزمن لأنها هاوية ومجوفة في الأساس.

مالكة العسال
وهذا أيضا يتوقف على جرأة المرأة،ومدى قدرتها على تكسير القيود المحاصرة لها،ومدى دوس الموروثات مكرسة التزام المرأة بالحشمة والحياء. على العموم رحم الكتابة أنجب كاتبات لا أقول لهن حس ذكوري فحسب، بل أنوثة بازغة تأتي مُعادِلة للإنسانية في التصوير الغرامي، وتراسل الخواطر، والبوح، والتعبير عن الرغبات المكبوتة، الشيء الذي لا نلمسه في الكتابة الذكورية نفسها. فالمرأة أعلنت دهشتها بالصراخ، والتمرد، والعمل على نزع الأغلفة، وتمزيق الأحجبة،منطلقة من مكبوتاتها،من ذاتها الباطنية،والهذيان الداخلي للتعبير بكل حرية، متحدية كل الإكراهات، رافضة، متمردة، معرية، فاضحة، مواكبة مما يؤكد أن كتابتهن منطلقة من وعي ناضج وبأدوات العصر.

صفاء النجار
الكتابة ذات الحس الذكوري هي التي تخضع العالم بما فيه جسد المرأة لمفهومها وهومفهوم قاصر على منفعة واستفادة الذكر من هذا الجسد الأنثوي. والجسد وفقا للحس الذكوري عليه أن يخضع لشرطين إما التعرية وهي هنا بمعني خلع الملابس عنه وليس بمعنى كشف مكنونه للتواصل معه. وبالتالي يصبح جسد المرأة أداة للتخلص من توتر تسببه الرغبة الجنسية أوبمعني أدق مجرد مبولة. وهودور يمكن أن تؤدية أي دمية بلاستكية. والشرط الثاني هوالتغطية والحجب لنفس الهدف وهوصيانة أداة المتعة وإبعادها عن أعين الذكور الآخرين، وإحكام الإحساس بالسيطرة والتملك. وفي كلتا الحالتين التعرية أوالتغطية فان الذكر لا يريد أن يجهد نفسه ويتعرف على حقيقة المرأة. بل يهدف إلى نفيها وحجب طبيعتها عنه وعنها. مستخدما شعارات التحرر أوالتدين. وأي كتابة تعلى من شأن نفي المرأة وتشويه طبيعتها هي كتابة ذات حس ذكوري سواء كتبتها امرأة أورجل.

باسمة يونس
إن كنت تريد الإشارة إلى الكتابة بشكل عام على أنها سقطة فأنا أرفض الإجابة على هذا السؤال وأتبرأ من الفكرة بحد ذاتها. الكتابة التي تعد سقطة هي الكتابة الساذجة التائهة في سطحية اللامضمون والذي لا ينتمي للعمل الأدبي أوالفكري أساسا ولا ينحاز لمستوى جيد. ولا أرى مانعا بأن تكتب المرأة عبر مخيلة أوجسد رجل، فهناك رجال كتبوا عبر ذاكرة نسوية وبحس أنثوي كامل. وهذا لم يكن ولا يشكل عائقا للكاتب، لأن الأديب بشكل خاص هوالمبدع المتخيل وهوالذي يجتهد ليصنع عالما جديدا مبتكرا، فكيف برأيك سيكون الحال إن ظلت الكتابة الأدبية مجرد نقل حرفي للواقع؟ المرأة تتحرر من واقعيتها حينما تعانق بقلمها الواقع الذكوري والرجل ينتمي أكثر للأرض التي توحي له بالمرأة. فدعونا نترك للقلم حريته ودعونا لا نحاول تقييد العقول التي تريد أن تنطلق خارج الجماجم الصلبة.

فاطمة ناعوت
المرأة كانت دومًا "مادةً" للكتابة. محض موضوع وملهمة للشعراء وأول أسباب الحروب. هيلينا كانت سبب حرب طروادة، وحواء سبب حرب الله مع الإنسان، والمثل الفرنسي يخبرك أن تبحث عن المرأة خلف كل كارثة،Cherchez la Femme. المرأة دوما محورٌ للكتابة وليست فاعلا ضالعًا في فعل الكتابة. وهذا ما دعا فرجينيا وولف للمطالبة بحقوق أساسية للكاتبة الأنثى من أجل بناء منجزٍ كتابيّ بقلمها خلومن هيمنة الرجل. كان هذا في أوائل القرن الماضي. لكننا من أسف نرى أن المرأة حتى الآن مازالت تكتب عن الرجل وللرجل، حتى حين تكتب عن نفسها، تكتب من خلال عيني الرجل. كلامي غير إطلاقي بطبيعة الحال. لكنني أتكلم عن السواد الأعظم. تلك مفاهيمُ استوردناها من الغرب وكما نحن دومًا نفسد المفاهيم. المفاهيم لا تُستورّد. لكنها تنبت نتيجة احتياج. الأنثوية، النسوية. نخلط بينهما كل الخلط. هنا نتكلم عن الأنثوية، وهي مصطلح فلسفيّ يعالج فكرة الانتصار للجمال والنبالة والعدالة في الوجود. فكيف تسمح المرأةُ أن تسقط في شرك الكتابة الذكورية بينما هي منبع الجمال والرقيّ في هذا الكون؟

غالية خوجة
دقيقة كلمة السقوط هنا. البعض الغالب، سقط في الكتابة ذات الحس الذكوري رجالا ً ونساء. سواء في طريقة التفكير، أوطريقة الكتابة، أوطريقة الحياة. وهذا بشكل أوبآخر يعكس استمرارية الإرث البطرياركي الذي يزيد من حدة السقوط في هاوية الجسد إرضاء للطرف الآخر الذي يمتلك الإشهار. هكذا يحسبون .. ولا أعرف لماذا لا يدركون بأن الشمس تنتقي دائماً أشعتها لتغني لفجر جديد؟

حياة الرايس
علميا المرأة والرجل يكتبان بما لديهما من هرمونات أنثوية. بمعنى أن هرمون الأنوثة هوالمسؤول عن الإبداع في كلا الجنسين. بقي أن هناك نساء يكتبن بحس ذكوري بمعني أن تستبطن المرأة خطاب الذكر في المجتمعات التقليدية المحافظة لكي لا تتهم بالـ"شذوذ "عن القاعدة. وتقربا وتزلفا أيضا للرجل حتى يرضى عن كتاباتها ويقبلها في الوسط الأدبي ويعترف بها إنها نوع من الرشوة تقدم مقايضة بالاعتراف بها من قبل الرجل / السلطة النقدية والمرجعية المستترة في ميدان الأدب

سوزان خواتمي
كون الكتابة انعكاس الذات تلك التي هي صنيعة مجتمعها، سواء أدركت ذلك أم لا، فإن انعكاس النظرة السلوكية ومن ثم الكتابية سيتبنى بعض أوكلها وجهات نظر هذا المجتمع. وأحياناً برفضه على الإطلاق، في كلا الحالين القبول الأعمى أوالتشدد الأقصى، هوتخبط انفعالي. إن التعبير عن وعي ثقافي مستقل خارج القوالب التشييئية وبصوته الخاص هوما يحتاجه الحضور الإبداعي النسائي. وبالمقابل فإن البنية النقدية الذكورية حين تكون بعيدة عن المنهجية، وفي مقاربات مسطحة انطباعية، فإنها تخذل تجربة المرأة الكتابية، وتعوق نموها التراكمي.

بثينة العيسى
الفهم الذكوري للفلسفة الأنثوية أكثر شيوعاً من الفهم الأنثوي للأنثوية! خاصة من حيث ربطها بالجنوسة واعتبارها قضية خاصة بالأنثى، ومن ثمّ تحويل الأمر إلى نوع من "الندية " للذكر (بالمعنى الجنساني) وليس للذكورية (بصفتها فكراً مصادراً)، فالأنثوية كفلسفة ما بعد حداثية تهدف إلى إعادة الاعتبار لجملة المبادئ التي تم تهميشها من قبل النسق الفحولي، دون أن تلغي الاحتمالات الأخرى، لأنها تنظر إليها على أنها احتمالات واردة وليست أجوبة نهائية. رحابة الفكر الأنثوي تتشوه عندما يحارب الإلغاء بالإلغاء وتتحول الفلسفة الدافئة إلى مؤسسة تكرس جهودها لحرب جانبية وعابثة، فهم الأنثوية كفلسفة أمر ضروري وحيوي لتطورنا رجالاً ونساءً، على المستوى الإنساني والأخلاقي، ولا أعتقد أننا نملك فرصة للتقدم بدون أن نملك الجرأة على تعرّف الجانب المقصيّ منا، الجانب الذي نفيناهُ وهمشناهُ بسبب ذهنية ومصادرة تهيمن على ثقافاتنا، وتصادرالاعتراف بوجوده.

4. هل استغلت المرأة الكاتبة فضول القارئ الرجل حتى تحقق شهرتها بترويج الجسد الأنثوي المعطوب؟

فاطمة ناعوت
لم أفهم معنى "الجسد الأنثوي المعطوب". لماذا حكمت عليه بالعطب؟ وصلني العطبُ هنا بالدلالة الفلسفية لا المعجمية. أي أنه محتكرٌ من قِبل الرجل باعتباره إحدى ملكياته الشرعية بحكم الدين والمجتمع. فجسد البنت ليس لها في يوم من الأيام بل هوفي قوامة ذكر ما منذ مولدها. في البدء الأب والأخ وبعد ذلك الزوج، وصولا إلى الحانوتيّ والقبر. فلوكنتَ تعني ذلك فأظن أن إجابتي ستكون: نعم. الحال أن بعض الشاعرات (والشعراء) يجدن/ ويجدون في كتابة الجسد قطارًا إكسبريس نحوالشهرة، على أنني أظنها الشهرةَ الطارئة غيرَ المقيمة.

أمنية طلعت
كما ذكرت من قبل نعم بعض الكاتبات قمن بذلك، ولكن هذا لا ينفي وجود كاتبات مهمات لم يلجأن إلى هذه الأدوات خذ عندك مثالا لطيفة الزيات ورضوى عاشوى وهدى بركات وأهداف سويف اللائي عبرن عن أوطانهن ومشاكل مجتمعاتهن بشكل شديد الأهمية لا يقل أبدا عن المبدعين من الرجال، ولا أدري لماذا تبحثون باستمرار عن كاتبات الجسد كي تعمموا تجاربهن على كل الإبداع الذي تنتجه نساء..أما مسألة الجسد الأنثوي المعطوب، فاسمحلي هوتعبير شديد القسوة، وأعتبره تعبيرا ذكوريا بحتا، فمن ذا الذي يحدد إذا كان جسدا ما معطوبا أوسليما؟....ثم إن كان هناك تابوهات تحوم حول جسد المرأة فمن صنعها رجال ومن يتعامل معها ويفرضها على المجتمع رجال، والمرأة لا تفعل سوى إما الرضوخ أوالتمرد على قوانين الرجال...يا سيدي جسدي ليس معطوبا بل إني أجزم أن جسدي استطاع منذ أن ولدت وحتى الآن أن يعبر عن كل ما يعتمل داخلي من أفكار ومشاعر ومعاني ولم يخذلني يوما كي أتهمه بالعطب، أعتقد أن المشكلة هنا أساسها رجل وليس امرأة فلماذا لا تريحون أنفسكم من التفكير في أجسادنا والدوران حولها؟

غالية خوجة
بكل تأكيد، وللأسف، فعلت المرأة ذلك ـ كما فعل الرجل بجسد المرأة ـ فسلـّعت جسدها كما يحدث في هذا العصر. والقارئ الرجل أوالكاتب الرجل، سقط في ذات المكمن التسليعي حين أقبل (قراءة أوكتابة) على تشجيع أمثال هذه النصوص المكتوبة بالأجساد المبتذلة المعطوبة. وبذلك تحول الاثنان (المرأة + الرجل) إلى سلعة وليس إلى نص.

باسمة يونس
عفوا، لا تصلح كلمة معطوب للإشارة إلى جسد الأنثى التي تعني الأم أوالمرأة التي تعطي من خصبها مجتمعات وأجيال،وربما علينا تحديد أي جسد نعني قبل أن نطعن في أطهر ما خلق الله.وبالنسبة لكلمة استغلال المرأة لفضول الرجل، فانا أرى فكرة الاستغلال بحد ذاتها مضحكة لأن المفروض أن يكون القارئ الرجل ذاهب بإرادته لقراءة ما يعجبه وما يختاره ليشبع به فضوله أوليكمل به منظومة ثقافته وليس هناك من يمكن أن يستغله أويحاول إجباره على القيام بعمل على غير إرادته. ومن ناحية ثانية فكما قلت سابقا يحق للكاتب أن يكتب ما يريد في إطار العمل الأدبي واحترامه وفي النهاية فإننا قادرون على تمحيص من يستحق أن يشار إليه على أساس أنه كاتب مبدع ومن لا يحق له أن ينعت بهذه الصفة.

حياة الرايس
نعم هنالك هذا الاستغلال بتواطئ مع الرجل لكن هناك مشكلة أخرى أن القارئ الرجل لا يقرؤنا نحن النساء بعين محايدة أبدا هويقرا بعين بوليسية تنقب في إدراج خزانات ملابسنا الداخلية تبحث عن المحرم والممنوع والحميمي والسريّ وقد قال احد المتصوفة قديما وهوابن عربي " يظل الإنسان مستورا حتى يصبح كاتبا " فما بالك بالمرأة التي كانت لغزا بالنسبة إلى الرجل وموضوعا محرما ومهمشا ولكنه في نفس الوقت موضوعا للرغبة لارتباطه بالجمال والإغراء والإثارة يرفض الرجل جسد المرأة في العلانية ولكنه يظل مهووسا به في سره وبالرغبة فيه بفعل غيابه ذاته ومن المفارقات الغريبة أن هذا الجسد المرفوض علنيا هوجسد محتفى به في السرّ

صفاء النجار
أولا أنا لا أفهم معنى الجسد الأنثوي المعطوب ؟وماذا تقصدون به ومعطوب بالنسبة إلى من وما تصوركم عن الجسد الفاعل في مقابل المعطوب ثانيا: فضول الرجل يمكن أن يتحقق عبر آليات أخرى كالفيديوكليب أوالمجلات المصورة العارية أوحتى أفلام البورنووعروض الاستربتيز.ومن ثم لا أتصور أن القارئ الرجل يجلس ليقرأ رواية من أجل مشهد تقدم فيه كاتبة وصفا لجسد بطلاتها. والكاتبات الواعيات يدركن ذلك.

سوزان خواتمي
النموذج موجود لكن اسمح لي أن السؤال هنا منقوص، لأن هناك الرجل الكاتب الذي حقق شهرته بترويج الجسد. وكلاهما امرأة ورجل/ كاتبة وكاتب، كنموذجين مقصودين يسلعان التجربة الكتابية. السقوط وارد أما في حال النجاح فسيبقى آنيا. لست بصدد محاصرة الإبداع بتقييد حرية متناولاته، لكن أريد أن أذكر أن تاريخ الإبداع لم يحفظ لنا سوى النصوص التي خلدت نفسها بخاصية تميزها وليس بناء على آليات ترويجها آنذاك..

مالكة العسال
أولا لماذا كلمة * معطوب* ؟ فالجسد لم تنسه الطبيعة بمنحه كل الخصائص، شأنه شأن جسد الرجل، وأن سمة الضعف والعطب فرضتهما التربية والتنشئة، والميراث الثقافي والاجتماعي، وما لهذه العوامل من أثر بالغ في النفخ في دور الرجل، وتعظيم صورته، على حساب تحجيم دور المرأة وتهوين شأنها. أما مسألة ترويج الجسد للشهرة من طرف البعض،فأنا لا أنفي ذلك،لكن الشهرة من هذا النوع سرعان ما ينطفي فتيلها بسرعة، وحكاية تثبيت اللقب بالرذالة هذه يلجأ إليها أيضا بعض الرجال،عن طريق الصداقة والزبونية والانتماء الحزبي، ولكن هذا النوع من الكتاب، لا يعطي لتاريخ الأدب إلا سجلا من فقاعات هواء، وبالتالي ينصب أمامه جسرا مغلقا نحوالاستمرارية، والقارئ اليوم لم يعد بتلك البساطة والعفوية، بل أصبح هوالآخر يتلمس في الكتابات مدى تفعيل الكاتب دوره في حل المشكلات المطروحة، وإلى أي حد استطاع البحث فيها، وماهي درجة حيرته وقلقه، وإلى أي حد هي كتابة صادقة وتبعث الأثر. يعني أن القارئ أصبح طرفا مشاركا، فإذا وجد المحتوى فارغا من الخصائص السالفة الذكر، ألقي به على الفور في سلة المهملات.

5. لماذا يدافع النقّاد الرجال عن كتابات نسائية متواضعة فنّيا بدعوى أنها جريئة؟

فاطمة ناعوت
لأنهم متعطشون لمثل هكذا كتابات. بزعمي أن الكتابة التي تلتقط الشعرية من مناهل بعيدة عن المطروقات السهلة مثل الجسد هي الأكثر جرأة ووعورة. ما أسهل أن تتكلم امرأة/ أورجل عن تجربة أيروتيكية. لكن المحكّ في أن تكون الشعريةُ جديدةً غيرَ مألوفةٍ ولا مباشرة ولا ممجوجة. وهوما تخفق كثير من الكتابات في مراوحته. في مجتمعات ظلامية كتلك التي نتعايش معها يكون كسر التابوهوالمأتى الأسهل للوصول إلى "الآخر" تحت زعم الكتابة الجريئة. هل تصدق أن ناقدًا اتهمني بالتقصير كون قصائدي تخلومن الجسد؟ لكن في ذات الوقت كثيرا من النقاد أشادوا بكون قصائدي لم تَلُكِ الجسدَانيةَ وتعبّ منها كمنبع يسير رخيص مبذول للكتابة السهلة. ثمة نقّاد شرفاء رغم اليباب النقديّ الذي نحياه الآن.

مالكة العسال
ربما لزحزحة النصوص الرجالية التي تؤكد دونية النساء، أوإعادة الاعتبار للنص النسائي الذي تسببت في ركوده آليات المجتمع المتخلفة. أوقد يكون فعلا للنصوص النسائية جمالية فنية جريئة. يبقى هذا السؤال حكرا على النقاد وحدهم، نظرا لتعدد تجاربهم وتناميها في هذا الجانب، وباعتباري أنا لست ناقدة.

باسمة يونس
في هذا الأمر أتفق معك تماما على أن هناك بعض الرجال ممن يدافعون عن بعض الكتابات النسائية ومثل هذا الرجل الذي يدافع عن أية كتابات متواضعة فنية سواء أكانت نسائية أوغيرها بدعوى جرأتها هومتناقض وغير واضح بل ويفتقر لمعالم النقد وملامح الحس النقدي. والسبب الذي يدعوني لمثل هذا الرأي أن هذا الرجل ولن اسميه الناقد ترفعا عن تشبيهه بالنقاد والذي يدعي إعجابه بالجرأة سوف تجده أكثر الناس تزمتا وقمعا لأسرته ولزوجته بشكل خاص. وهذا الضعيف الذي يكذب على نفسه ويزيف آرائه يجب أن تكشف أقنعته وأن تتم الإشارة إلى ما يدور في الخفاء أسفل غطاء رأيه المتناقض كي لا يكون مثالا يحتذى لغيره وإبعادا للشبهات عن النقد الأدبي الراقي.

سوزان خواتمي
الكتابة شأن شخصي مثلها مثل كل مفاصل حياتنا، ومادمنا في الكتابة ومهما كان الموضوع الذي تتناوله أرى أن الفنية هي المعيار الأساسي للحكم الناضج على النصوص بغض النظر عن الموضوع. فلا يمكن لي أن أمجد الجرأة إذا جاءت بشكل مترهل فنيا.. كما يمكن لي أن أمجد وأدافع عن كتابة نافية عنها صفة الابتذال مهما كان طرحها إذا كانت ذات سوية فنية عالية. السؤال من الذي يحدد ذلك في ظل اختلاط الحابل بالنابل وغياب الناقد الموضوعي، الواضح والجريء في آن؟ هنا سيكون معياري شخصي وألجأ إلى ذائقتي التي شكلتها عبر قراءتي وعبر رؤيتي للحياة. بشكل عام أنا أثق بالقارئ وبقدرته الفطرية على الفرز، حتى حين يدفعه الفضول إلى الاطلاع على أعمال (جريئة ) فهورغم قراءته لهذه الأعمال - وهذا ما يبرر تحقيقها مبيعات عالية- إلا أنه يطلق في النهاية توصيفاً حقيقياً ومختصراً لما قرأ. أما الناقد فلديه اعتبارات كثيرة، منها ما هوداخل النص، ومنها ما هوخارجه، ومنها اعتبارات تخص الوسط (الثقافي)، وعدم رغبة أحد في كسب عداوات، كونه أصبح وسطا مغلقاً حاله يشبه حال جلسات النميمة وأعتقد أن الانفصال عن المؤثرات التي خارج النص أصبح أصعب الآن في ظل آليات الاتصال الحديثة. لذلك تجد من يدافع عن أعمال رديئة ليس فقط لجرأتها بل لاعتبارات شتى وكثير منها أوأغلبها خارج النص..

صفاء النجار
وإن كنت أعتقد أن هؤلاء النقاد لايفهمون المرأة ولا يعرفون جسدها ولكن هاجسهم الذكوري هوالذي يدفعهم إلى تمجيد بعض الأعمال الرديئة،وكأنهم يتصايحون: "هذا أفضل ما لديهن،هذا هوالمستوى الأفضل..رفقا بالقوارير".وكأننا في سوق للدلالة. هؤلاء يعرفون أن الكتابات الجيدة يمكنها أن تؤدي إلى حدوث تغيير تراكمي في تلقي القارئ لكتابة المبدعات وبالتالي التأثر بها وتغيير طريقة تفكيره ونمووعيه، ومن ثم يسعون للترويج للبيض الفاسد الذي يتفق وحسهم الذكوري.

غالية خوجة
لأنهم يريدون أن يحددوا مساراً معيناً للكتابات النسائية كي يبقى الرجل هوالمعلم الأول، أولأن سقف هؤلاء المدعوون (نقاداً) لا يتعدى هذه الكتابات المتواضعة، أولأن عقدة النقص الرجالية ما زالت حاضرة لتشجيع المرأة على الوقاحة وليس الجرأة. وذلك بغية استغلال جسدها. والفارق بيّـن بين الوقاحة التي تكتب بالجسد ومن أجل الجسد، والجرأة الراغبة في الغوص أكثر في عملية التثقيف والأبعاد الجمالية والإبداعية.. فلوكانت هذه المرأة التي تقبل هكذا تشجيعاً جريئة لما قبلت بهذه الآراء الرجالية المزيفة، ولعرفت كيف تخترق الكتابة وتبدع أسلوبها الخاص وهي بغنى عن الكثير من الآراء التي تسيء ولا تقدم أي حيز لنفحة تطور بسيطة. وقد تجتمع الأسباب الثلاثة السابقة مع غيرها في الرجل، فتصيبنا بما تصيبنا به من واقع ثقافي عربي فاجع مفجع.

حياة الرايس
كثير من الرجال مسؤولون عن رداءة ما تكتبه المرأة. كثيرا ما نرى احتفاء مبالغا فيه بنص المرأة باسم تشجيع الأدب النسائي (هذا المصطلح المقيت) أوما تكتبه المرأة، فنرى نفخا ومدحا وتطبيلا يصل إلى حد الريبة ويبعث على الشك وهناك نصوص رديئة جدا وتافهة كتبتها المرأة ـ كما يحدث للرجل تماما ـ وقع استقبالها والاحتفاء بها والدعاية لها وكتبت حولها عشرات المقالات بشكل يدعوإلى التساؤل: هل أن المحتفى به هوالنص أم صاحبة النص ؟

6. هل يكون مثال نوال السعداوي نموذجا صحيا لكتابة المرأة؟ وهل سجنت قضية التحرر كتابة المرأة في حلقة مفرغة؟

باسمة يونس
ولم لا ؟ نوال السعداوي كتبت عن المرأة التي تراها وتعيش معها والتي سمعت مشكلاتها ورأت معاناتها، فلم لا تكون ناقلة لواقع صحيح تعايشه ؟ ولماذا نريد أن نحصر كتابات النساء كلها في بوتقة واحدة ؟ هناك امرأة تكتب مثل نوال وأخرى تكتب مثل نجيب محفوظ وثالثة تكتب مثل مي زيادة وغيرهن. وأعني هنا أننا بحاجة إلى مثل كتابات نوال السعداوي كي ننظر إلى الأمر من مختلف الزوايا ولسنا بحاجة إلى مئات الكاتبات اللواتي يشبهن نجيب محفوظ فقط. وبالنسبة لي شخصيا قرأت الكثير لنوال السعداوي وكانت لها بعض الآراء التي تغلغلت في عمق الواقع بجرأة وصراحة كاملة وهذا يجب أن لا يلغي أبدا قدراتها الكتابية وأسلوبها القصصي الممتع وحسها المرهف في التنقيب عن القضايا النسائية التي تحتاج فضح كي يمكن البدء بعلاجها. وبالنسبة لقضية التحرر، فهي حتى الآن تشبه قضية الثقافة ومعناها، فالكثير من الناس لا يفقهون معنى التحرر المطلوب وخصوصا فئة معينة من النساء اللواتي يستخدمن شعار التحرر ويرفعنه بهدف تحقيق مآرب ساذجة لسنا بحاجة لها ولا نطلبها كنساء.التحرر الذي يجب أن نركز عليه ونشجعه ونعززه هوالتحرر من الكثير من المواجهات الشائكة التي تشبه شيئا من هذه الأسئلة والتي تحاول بشكل أوبآخر التقليل من شأن المرأة ومن فكرها المتطور وإعادتها إلى قفص الجسد رغبة في تشويه طهارته وتحويلها إلى مومس بغض النظر عن كينونتها. وربما علينا الآن الدعوة للابتعاد عن جسد المرأة وعدم التفكير به كمتعة لأن المرأة أنهكت بالفعل جسديا وفكريا ولم تصل حتى الآن إلى جزيرة الراحة التي تجعل من جسدها أرضا لأمان الرجل وظلا يمكن أن يتفيأ به.

أمنية طلعت
نوال السعداوي باحثة هامة جدا ولها مؤلفات مهمة ولكن أن تكون نموذجا أم لا فهذا أمر لم أفكر فيه حيث أنني لا آخذ نماذجا في الحياة أحاكيها كي أعبر عما بداخلي، أنا لي شخصيتي المستقلة وأنا النموذج الوحيد الذي أحاكيه..أنا نفسي يا سيدي ولكن هذا لا ينفي احترامي للكثير مما قدمت نوال السعداوي من أفكار وإن كنت لا أوافقها على كثير مما قدمته أيضا، لكنها في النهاية قدمت ما لديها من أفكار أوتجارب نتفق أونختلف عليها لكن لا يمكن أن نختلف على أنها باحثة مهمة ومبدعة جيدة. أما موضوع قضية التحرر والسجن، فأنا أرى حرية المرأة مرتبطة بحرية الرجل أوالمجتمع كله، نحن نعيش يا سيدي في مجتمع سجين وأسير أفكار وتابوهات ومثلثات برمودا كثيرة جدا، علينا أن نحطم أوهام مجتمعنا ككل كي نفك قيود المجتمع كله ونحرره، فإذا ما تحرر مجتمعنا تحررت المرأة بالتبعية، لكني لا أتعامل مع المرأة على إنها مقيدة أومقهورة، فلدينا من القوانين ما يسمح لأي امرأة بالانطلاق بشكل صحي في المجتمع، لكنها لا تستخدمها وتبقى أسيرة داخل أعراف وعادات وقوانين المجتمع، إذا هي تتحمل جزء من بقائها مقيدة...بالنسبة لي أنا فأنا لست متحدثة رسمية باسم المرأة أوالكاتبات العربيات، فأنا لا أعيش في سجن كمبدعة، بدليل كتاباتي، أفكاري وما أعبر عنه إنساني بحت ويعبر عن مشاكل مجتمع بشكل عام، وفي روايتي الجديدة( تحت الطبع حاليا ضمن روايات الهلال) أتحدث عن مشكلة جيل كامل ذكورا وإناثا من عام 1990 وحتى 2003 أي تنتهي الرواية مع سقوط بغداد..لا يوجد فيها أي شيء أنثوي أوذكوري ولا يوجد فيها أجساد معطوبة أومقهورة وإنما يوجد فيها مأساة جيل عربي عاش حلم الحرية فلم يجد سوى الضياع.

مالكة العسال
الدكتورة نوال السعداوي كاتبة عظيمة، وأنا أقدرها، وأقف لها إجلالا لجرأتها في الوقوف على بعض الظواهر الإنسانية والنسائية بالخصوص، أبى من أبى وكره من كره، وخَصّتها بالتحليل المتين، والشجب، والنقد لبعضها، انطلاقا من قناعتها في توعية ليس القارئ فحسب،بل الإنسان عامة. وقد كانت في نصوصها: الطبيبة النفسانية، والمحللة الاجتماعية، والقاضية والمحامية إلى كونها كاتبة، فهي إذن ليست نموذجا للمرأة فقط، بل للذكر أيضا وللإنسان عموما. ومن لم يقرأ للكاتبة للدكتورة نوال السعداوي فأنا أستثنيه من الوجود في هذا المجال. أما الشطر الثاني من السؤال: أساس الكتابة يا سيدي هو التحرر والحرية والاستقلالية: معناه إفساح المجال للقدرة على التعبير، وإطلاق عنان الخيال للتأمل، واستبصار ما هومطروح في الواقع المعيش، ولا يمكن أن تسقط في حلقات مفرغة إطلاقا. إلا من طرف مَن هم متمسكين بتلابيب الماضي، وأعني بهم مَن عقليتهم متحجرة على قيم وأعراف تقليدية، ومفاهيم فكرية مؤسسة على سلسلة من الثوابت الدينية والاجتماعية والنفسية.

فاطمة ناعوت
أحبُّ أن أضع نوال السعداوي في مرتبة أخرى غير "الروائية". أراها مناضلةً نسوية وحقوقية تسعى لبث وعي مضاد للوعي السائد المنهزم تحت أسنّة القمع السلطويّ البطريركي في مصر وغيرها من بلدان العرب. القمع الواقع فوق هامة المرأة والرجل على السواء. من يطّلع على نشاطاتها عن كثب، مثلي، يستطيع أن يرى ذلك بجلاء. لا أستطيع أن أعتبرها روائية وإن كان منجزُها من الروايات والسرديات الكثير. هي في مرتبة أعلى من الكاتبة. لأن قارئ رواياتها ومسرحياتها سوف يلمس رأسًا أن ثمة رسالةً تعبوية مخبأة تحت طيات السرد. رسالة ضِدُّ للعسف والقهر اللذين تخور المرأة أمامهما. أحيلك إلى مسرحيتها "إيزيس" التي كتبتُ عنها دراسةً، نُشرت في مجلة نزوى، في مقارنتها بمسرحية "إيزيس" لتوفيق الحكيم. والفرق جليٌّ بين الكاتبين في شأن موقف كل منهما من المرأة. عدوالمرأة الأشهر في مقابل ناشطة حقوقية فيمينيستية عتيدة! حاولت نوال السعداوي أن تكرّس حتمية عودة المجتمع الماطريركي النبيل في مواجهة المجتمع الباطريركي الشرس الراهن الذي أغرقنا في الحروب والفساد. نوال السعداوي طبيبة نساء وتوليد في الأساس، وبحكم عملها واجهت العديد من انهزامات المرأة وأحزانها بمعرفة الرجال. تكلمت عن الختان لأنها عانت من مذبحته بنفسها وشقيقتها ثم مريضاتها البائسات. لم تكتف بدورها كطبيبة تعالج النساء عضويًّا، بل حاولت أن تعالج الأهم، وعيهن المُخرَّب. السعداوي تكسر تابووالجسد ليس من أجل أية شهرة، لأنها نائلةٌ هذه الشهرة بالفعل في بلادها وبلاد الغرب. ومثلها لا تعبأ بتلك الأمور. نوال السعداوي صاحبةُ رسالة حقيقية حتى وإن تجنّت عليها بلادُها. كتاباتُها تعبويةٌ أكثر منها إبداعية.

غالية خوجة
لنترك نوال السعداوي نموذجاً خاصاً. ومتى تم تقليد النموذج، ابتلينا بالنسخ المشوهة. ثانياً، لا أريد أن أقيّـم تجربة السعداوي بكلمتين عابرتين في جواب عن سؤال. ثالثاً، أرى بأن الحلقة المفرغة هي الفهم الخاطئ لمفهوم التحرر. وبرأيي، ليتم التحرر لا بد من تحرير عقلية الرجل من ظلامها أيضاً.. فهؤلاء الذين يشجعون مثلاً كتابات المرأة الهابطة لمجرد أنها تحتفي بالجسد العاكس لغرائزهم، أ ليسوا سجناء ؟ وهذه المرأة الكاتبة أ ليست مسجونة معهم أيضاً ؟
باختصار، ومن تجربتي في الكتابة والحياة، أراني متماهية مع رؤياي بعيداً عن كل ما هومتداول ومألوف، فننكتب، وبلا أي نموذج مسبق، وإلا فما فائدة أن نكتب إذا لم نكتشف ما يخالف حتى الاختلاف؟! وإذا كان من سقوط واستغلال للمرأة وجسدها، فذلك دالّ على سقوط الرجل قبلها وبعدها، ودالّ على أنه غارق في الاستغلال المثنوي في ذات الآن كونه (مستغلاً، بفتح الغين ) أولا ً، ثم (مستغلاً ـ بكسر الغين)، وكلا الصفتين الواقعتين خبراً تدل على إنسانية ناقصة تآلف معها الرجل وطبع بها المرأة ـ طبعاً إلا ّ الفاعلات الممتلكات للوعي المضيء الخلاق، وآنها، ويلهنّ من هول المعاناة ـ وهذه هي التهلكة التي سقط وسقط وسقط في مطبها أوهاويتها التي لا رجعة منها الرجل بهيئتيه( الذكر) و(الأنثى) المصنوعة كنسخة عنه، وهوالمصنوع كنسخة مشوهة عن كل ظلام وظلم ورثه من نماذج سابقة. وفقط، عندما تتعامل الكتابة مع نفسها كحالة إبداعية كما أعني تماماً وأحيا، تجد أنها تدخل في أفلاك الإنسانية الغائبة عن ساكني الأرض، الحاضرة في الذات كونية المتجسدة قصيدة مثلا ً.. وهذا التجسد هوميتافيزيقي، متحول، لا يثبت حتى في كلماته، وبالمقابل، لهذه التحولات روح خلاقة وليس جسداً أنثوياً.. وهذه الروح كلما اتسعت، ضاق عليها الجسد والكون واللغات.

صفاء النجار
د.نوال السعداوي لديها العديد من الكتابات الفكرية التي أحرص أشد الحرص على قراءتها. وكتبها من أهم الكتب المؤثرة في تكويني وتكوين وعيي نحوجسدي ووعي بالمأزق الذي تعيشه المرأة نتيجة استجابتها لشروط المجتمع وتجاهلها لمقومات قوتها الطبيعة.وسقوطها في فخ الشعور بالدونية. وأيضا أدركت من خلال قراءتي لكتب نوال السعداوي التناقض الذي يعيشه الرجل بين طاووسيته الظاهرة وهشاشته الداخلية. وهي كتب تكشف زيف ادعاءات الرجل والمرأة أيضا والصور القاصرة والمغلوطة لكل منهما عن الآخر فكتابات مثل: الأنثى هي الأصل، ومذكرات طبيبة. كتابات نموذجية لكشف زيف المجتمع من خلال عرض الحقائق العلمية وتحليل الوقائع الاجتماعية. أما كتابات د.نوال السعدواي الأدبية فهي روايات تتسم المباشرة والنبرة العالية غير الفنية والأفكار أعلى فيها من البناء والشخصيات، لذا أقرأ روايات نوال السعداوي للعلم بالشيء. لكنها ليست نموذج متميز لكتابات المرأة الأدبية.
فيما يتعلق بقضية التحرر. كل كاتبة تعبر في كتابتها عن مفهومها الخاص للتحرر وهومفهوم ينموويتطور مع نموشخصية الكاتبة ونمووعيها بذاتها وبالآخر، والكتابة عن تحرير المرأة تتضمن بصورة أعمق الكتابة عن تحرير الرجل من أوهامه عن نفسه وعن المرأة وبالتالي تحرير المجتمع كله. فالتحرر يشكل هم إنساني، تختلف درجته من مجتمع إلى آخر ومن شخص إلى آخر وقد يصل إلى التجرد وذوبان الذات في الذات الإلهية كما في التصوف.

سوزان خواتمي
أحيي تجربة نوال السعدواي على صعيد التميز والتفرد.. قد لا أتفق مع كل أفكارها، وهذا أمر إيجابي للتنوع الفكري والانفتاح على مطلق الأفكار دون تبنيها بآلية الببغاوات، لكني أقدر تجربتها الكتابية كنموذج قادر على أن يطرح خياراته وتحدياته في عمق مجتمع مغلق ورافض لأسباب التغيير جملة وتفصيلاً، كما أن لتحليلها المنهجي والعلمي أثره في دراسة خصوصية المجتمع المصري ومشاكله. ومما هوخارج النص أيضا القضية الحامل، أرى أن سجن كتابات المرأة في قضية تحررها هوظلم للكتابة، كما هوظلم لهذه القضية أيضا، ف (تحرر المرأة) ليس قضية منفصلة عن قضايا المجتمع الأخرى حتى يتم التعامل معها على نحوخاص. إن المرأة جزء من هذا المجتمع وهي لاعتبارات تخص التخلف الذي نعيشه تعاني كما يعاني الآخرون. إن حل مشكل المجتمع بكليتها (التنمية - البطالة - التعليم - الديمقراطية - حقوق الإنسان) سيعني ضمناً حل قضية المرأة كونها موزعة داخل هذه القضايا، دون انفصال، وبالرغم من الأشياء/ الضغوط التي تخص المرأة بوصفها نوع نعم.. لكن حتى هذه لا يمكن النظر إليها بمعزل عن قضايا المجتمع. فكيف نطالب بحرية المرأة في مجتمع مقموع بمجمله؟ وكيف للمرأة أن تنجوبنفسها من قضايا المجتمع، وتقيم جزيرتها المعزولة عن المجتمع تبني فيها تحررها؟ أنا أنظر إلى الحياة بشكل كلي وجمعي، وهذا يعني أن المرأة قبل كل اعتبار آخر هي إنسان مثلها مثل الرجل توحدهما هذه الصفة الجامعة.