ولكن. بدأ هناك نشاط بديل _ان صح التعبير_ بالظهور مقابل الانحسار في النشاط الفني التقليدي، واشير هنا الى التوجه المتاخر للفنانين بتصميم مواقع فنية لهم على شبكة الانترنيت في محاولة للتعويض عن النقص الاعلاني عن نشاطهم عبر المعارض الفنية في بغداد، حيث عمد الكثير من الفنانين بمختلف اجيالهم الفنية الى المكاتب والدور المتخصصة في مجال تصميم مواقع الفنية ومنها على سبيل المثال لا الحصر مكتب اينانا لخدمات الانترنيت مصمم موقع www.iraqiart.com ووزارة الثقافة العراقية من خلال موسوعة الفن العراقي www.iraqifinearts.com وموقع الفنان العراقي www.iraqiartist.com . حيث تشير الرسائل الاخبارية التي تبثها بعض هذه المواقع الى تزايد الاقبال على تصميم مواقع شخصية للفنانين العراقيين اضافة للمؤسسات الفنية، فقد تم اطلاق موقع جمعمية التشكيليين العراقيية الالكتروني الرسمي على شبكة الانترنت بتاريخ 15/4/2007 وهو يقدم الخلاصة التعريفية لمنجزها الابداعي في الحركة التشكيلية العراقية من العام 1952 وللعام الحالي.. كما يقدم الخطى التأسيسية لروادها العراقيين معززة بصور تذكارية ونادرة لمعارض قام بتنظيمها النخبة الرائدة التشكيلية العراقية .. كما يقدم ايضا نخبة كبيرة من الفنانين العراقيين من مختلف الاجيال يجتمعون في صفحة بأسم (تراتيل ملونة) . للموقع اهداف كثيرة اهمها اعادة ربط الاواصر بين فنانين الداخل والخارج والاطلاع على منجزهم الابداعي من خلال لغة الحوار والاتصال وتعزيز العلاقات الثقافية والفنية ) وعنوان الموقع هو http://www.iraqitashkeel.com/
كذلك تم اطلاق صفحة خاصة بقاعة مدارات في الوزيرية في موقع موسوعة الفن العراقي
لم يكن الفنانون معنيين في البدء بالاهتمام باطلاق المواقع الفنية الشخصية او الجماعية على شبكة المعلومات، ورب ضارة نافعة اذ يمكن ان يمنح هذا التوجه الفرصة للانتشار والتعريف بنشاطهم بصورة اكبر، مما تتيحه اقامة المعارض في مدينة يشوبها الاضطراب الامني .
هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فقد لجا الكثير من الفنانين الى تقديم اعمالهم في معارض فنية خارج العراق وخصوصا في عمان وفي قاعاتها الفنية ومنها قاعة الاورفلي التي نقلت نشاطها من بغداد الى عمان وساهمت في احتضان المعارض الفنية العراقية (اذ يقيم فيها الفنان التشكيلي سيروان باران معرضه الشخصي بعنوان (شعارات فقط) يوم الاربعاء المصادف 28/7/2007 (كذلك القاهرة (حيث اقامت الفنانة رؤى البارزكان معرضها الشخصي في مصر- القاهرة/ على قاعة (سلام جاليري) وذلك يوم السبت المصادف 10 مارس) ودبي كما هو الحال في المعرض الذي تقيمه الفنانة العراقية فيان سورا حاليا)، اضافة الى اسطنبول وبيروت وبعض العواصم الاوربية.
اما فيما يخص المحافظات العراقية الباقية فلا بد من الاشارة الى ان لفناني كردستان نشاط تشكيلي متميز وقد عبر هذا النشاط عن نفسه بشكل واضح في المعارض الفنية في مدن كردستان العراق المستقرة امنيا، وفيما يخص المحافظات الجنوبية وهي تعيش وضعا امنيا مستقرا الى حد ما فان النشاطات التشكيلية تعلن عن نفسها بين الحين والاخر رغم كون النشاط التشكيلي فيها خجول كما ونوعا . ولكنه يؤسس لاستقلالية في الرؤية التشكيلية في محاولة التخلص من حالة التهميش الذي عاشته لعقود. وقد تم الاعلان مؤخرا عن قرب افتتاح قاعة عرض فنية في البصرة (خلال آيار القادم باسم (كاليري مينا)، في موقع مميز على كورنيش شطّ العرب، بمواصفات تلبّي متطلبات العرض السليم للأعمال الفنيّة، هذه المتطلبات الضروريّة التي ظلّ التشكيل في البصرة يفتقر إليها طيلة السنوات السابقة).
وبعد كل هذا يبقى ان نقول ان النشاط الفني التشكيلي العراقي رغم ما يحاصره من اوضاع تربك المتابع وتمنعه من الادعاء بانه قادر على ان يعطي صورة واضحة للمشهد التشكيلي العراقي الان ، الا انه يجب القول ان مساحة التجريب والتعبير الواثقة مازالت قوية وشاخصة في نشاطات الفنانين العراقيين في مختلف اجيالهم الفنية بل ان الواقع منحهم امكانات تعبيرية واسعة وزخما في رفد تجاربهم التشكيلية بكل ما هو مبدع وخلاق مما يبعث على الامل ومما يفتح الشهية لقراءات نقدية متعددة وعميقة. ويبقى كل ذلك مرهون بتحسن الوضع الامني والقدرة على المتابعة الدقيقة للنشاطات المتنوعة التي نامل ان تعود الى الواجهة من جديد.
عندما نقارن الواقع التشكيلي الان مع حقبة التسعينات يمكن ان نشير الى حقيقة ان الفن التشكيلي في التسعينات كان اسير الواقع الاقتصادي المرير الذي فرضه الحصار الاقتصادي مما جعل من الصعوبة بمكان على الفنان التشكيلي ان يحصل على المواد والاصباف الضرورية لعمله بسبب شحتها من ناحية ومن ناحية اخرى لغلائها كما ان النشاط التجاري الفني انحسر الى نطاق اللوحات التي تحاكي لوحات المستشرقين او التي تهتم بالخيول العربية او مناظر الازقة والشناشيل وغيرها مما يبحث عنه السائح فكانت هذه الممارسة رغم كونها ذات تاثير سلبي على النشاط التشكيلي بمعناه الابداعي والتجريبي، هي المتنفس الوحيد للعديد من الفنانين وخصوصا الشباب لكسب رزقهم. كما ان النشاط الفني كان في بدايات الحصار يكاد يكون محصورا بالنشاطات الرسمية التي ترعاها الدولة وكانت تخص مناسبات وطنية ورسمية في اغلب الاحيان، مما ساعد على خلق توجه فني معني اكثر بالمباشرة والتقريرية مع محاولات للخروج من المقاربات الرسمية من خلال اتباع الفنانين الاساليب التجريدية والتعبيرية التي تمكنها من الابتعاد عن المساءلة والمتابعة. وقد بدا بعض الفنانين باختيار المنفى بعيدا عن الرقابة والضغط واستقروا في هولندا والولايات المتحدة والدول الاسكندنافية، اضافة الى بعض الدول العربية ومنها الاردن وقد مهد لهذا الاختيار قيام هؤلاء الفنانين باقامة المعارض الفنية في عمان مما ساعدهم على اكتشاف مساحة قابلة لاحتضانهم وفنهم وقد كثرت محاولات الفنانين على مدار عقد التسعينيات في نشر اعمالهم والقيام بمعارض جماعية وفردية في مختلف الدول العربية والاوربية. مقابل شحة واضحة في قيام المعارض الفنية المستقلة في الداخل وان حدث بعض الحراك في اواخر العقد التسعيني وبداية القرن الواحد والعشرين عندما بدا النشاط يدب في الصالات الفنية الخاصة مثل قاعة حوار التي استطاعت ان تجذب العديد من النشاطات الفنية والادبية كذلك قاعة الاورفلي كما شهدت بغداد افتتاح بعض الصالات الفنية في شارع ابي نواس والكرادة.
لكن ذلك لم يكن مصحوبا بظهور الجماعات الفنية او المنظمات غير الرسمية الراعية للفن وقد كانت جمعية الفنانين التشكيلية من ضمن المظلات الرسمية المعنية بالابداع بمعنى انها لم تكن لها القدرة على النشاط المستقل بعيدا عن السياسة العامة للدولة. لقد شهدت السنتان اللتان تلتا نهاية الحرب الاخيرة نشاطا فنيا محموما وعلى اكثر من صعيد كما اشرت في بداية المقال وكانت تبشر بحركة فنية متنوعة لولا التدهور الامني الذي اعاد الوضع الفني الى اسوء مما كان من قبل.
المصادر:
1- متابعات شخصية
2- الرسائل الاخبارية لموقع موسوعة الفن العراقي www.iraqifinearts.com
3- الرسائل الاخبارية لموقع الفن العراقي www.iraqiart.com
فائز يعقوب الحمداني/ بغداد