صباح أول أيام عيد الفطر (8 أغسطس 2013) غابت في العاصمة الإسبانية مدريد شمس من شموس ثقافتنا العربية التي طالما طلعت على الغرب أيضًا كما سطعت علينا هنا في الشرق.
في أول أيام العيد.. فاضت روح شيخي وأستاذي وصديقي العلامة الكبير الدكتور محمود علي مكي (1929-2013)، أستاذ الأدبين العربي والإسباني، عضو الأكاديمية الإسبانية ومجمع الخالدين، حائز وسام الاستحقاق المدني من ملك إسبانيا، وجائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي، وجائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في مجال تحقيق التراث عن كتاب "المقتبس"، عضو أول مجلس لأمناء مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، وعضو هيئة أول معجم للشعراء العرب المعاصرين، صاحب الإسهام القوي في إقناع جامعة قرطبة بإنشاء كرسي للغة العربية بعد نجاح دورة ابن زيدون وولادة بنت المستكفي التي أسهمت في مد جسور الحوار المتحضر بين مثقفي إسبانيا ومثقفينا على أرض الأندلس.
لا أعلم، بالضبط، متى عرفتُ هذه الشمس المنيرة.. ربما كان ذلك قبل نحو ثلاثين عامًا ارتحلت خلالها مع الراحل شرقًا وغربًا، من فاس إلى الجزائر ودمشق وبيروت والكويت والرياض وشيراز وطهران وابوظبي والمنامة.
وجبنا معًا ربوع مصر من قنا؛ مسقط رأسه، إلى الإسكندرية التي تعرض أثناء مشاركته في أحد مؤتمرات مركز المخطوطات بمكتبتها العريقة، إلى أزمة قلبية ألجأته إلى السفر إلى إسبانيا للعلاج، وهناك ظل حتى فاضت روحه إلى بارئها، ودفن في ثراها.
ولطالما لفتتني هذه الحفاوة التي كان يُستقبل بها الدكتور مكي في هذه البلاد قاطبة على المستويين الثقافي والسياسي، وما كان يتمتع به من تواضع جم، ومعرفة كونية تحيط بالعلوم والفنون والمعارف المختلفة؛ القديم منها والمعاصر، العربي منها والإفرنجي، فضلًا عن تمتعه بلسان فصيح بالعربية، مبين بغيرها من اللغات وفي مقدمتها الإسبانية التي يرجع إليه الفضل في تأسيس أول قسم لتدريسها بجامعة القاهرة، ولا نكاد نجد مجالًا من مجالات الإبداع الأدبي والنقدي أو المقارن أو تحقيق التراث العربي القديم إلا وله فيه إسهام بارز، وحتى المدائح النبوية ألف فيها كتابًا أصبح مرجعًا للمتخصصين، وكما أنه ضرب بسهم وافر في مجال المسرح فترجم، إلى العربية، نصوصًا لأعلام مؤلفي الدراما الإسبانية أو الأيبرو أميركية.
ولا يمكن أن تغيب عني موهبته في الإرتجال، وذاكرته الفوتوغرافية التي حفرت فيها أحداث التاريح وسير الخالدين؛ وقلما رأيته يحاضر وهو يقرأ من نص أعده سلفًا، فكان خطيبًا مفوهًا، مرتب الذهن، حاضر البديهة، قادراً على امتلاك لُب من يستمع إليه.
وفي اجتماعات مجالس المؤسسات الثقافية العربية، كانت كلمته هي العليا دائمًا رغم هدوئه وتواضعه.
وقد نجح الراحل الدكتور محمود على مكي، في صنع امتداد له يتمثل في تلاميذه الذين درّس لهم في مختلف الجامعات العربية والإسبانية أيضًا، أو أشرف على رسائلهم لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه أو ناقشهم فيها.
وتدليلاً على هذا أسوق لك، عزيزي القارئ، هذه الدفقة الشعورية التي وصلتني من الناقد العراقي الدكتور صالح هويدي، أستاذ النظرية النقدية المساعد، فهو بمجرد أن قرأ سطرًا واحداً كتبته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قلت فيه: "أنعي إليكم العلامة الدكتور محمود علي مكي الذي رحل في العاصمة الإسبانية"، حتى أرسل إليّ هذه السطور التي تحاول أن تفي الفقيد بعض ما يستحقه: "كان الراحل الحلقة العلمية المضيئة التي قدمت للقارىء العربي والأجنبي معاً، خطاباً بحثياً على قدر من الموضوعية والرصانة، فكان بذلك مكملاً، بل ومعمقاً لجهود علميْن مصريين هما: الدكتور حسين مؤنس والدكتور عبدالعزيز الأهواني؛ فكلاهما كانا ذوي اجتهاد علمي مميز.
إن ما يميز الدكتور محود مكي هو العقل الموسوعي والمنهج الذي جمع بين الإحاطة التاريخية والتحليل العلمي للوقائع والمقولات التي تناولها من خلال خطاب موضوعي، بعيدًا عن الروح الانطباعية أو الانسياق للشائع من الروايات.
وهو الأمر الذي جعل القارىء والباحث العربي والأجنبي يحفل به ويحلّه المكانة اللائقة. وأنا شخصيًا تتلمذت على بعض كتبه في المرحلة الجامعية في العراق، وفي الماجستير في دار العلوم بجامعة القاهرة، وحتى في تخصصي الضيق في الأدب الحديث ونقده، ظلت مؤلفاته مرجعًا في الأندلس وتاريخها للتوثيق أو الاستئناس".. رحم الله العلامة محمود مكي الذي نذر نفسه للعلم بحب وإخلاص، وقدم إضاءة سيظل الباحثون يقبسون منها نتائج ومنهجاً حداثياً، حقبة طويلة، ليضيفوا جديداً إليها يكمل مسيرته.
مكيّ الشجرة والصياد!
وعن رحيل الدكتور مكي يقول الباحث والناقد حسن مجاهد: "إنني أموت بصمتٍ لكني كالأشجار أموت واقفة" هذا ما قالته العجوز في رائعة أليخاندرو كاسونا تلك المسرحيّة التي ترجمها مبكراً وعرّف بصاحبها الراحل الدكتور محمود علي مكي، ونشرت في نهاية الستينيات، وكان من ذي قبل قد أنجز ترجمة لمسرحية أخرى لكاسونا هي "مركب بلا صيّاد".
نقرأُ كاسونا فيتملكنا الإحساس بالإحباط الشديد واليأس، وهو إحساس مشوب بنبرة التفاؤل وإرادة الحياة؛ الانسان عند كاسونا شجرة، والحياة مركب، لا تقتلع الريح جذور الشجرة ، ولا يخطف الإعصار الصياد الغائب.
تلك حكمة كاسونا التي قدمها لنا مكيّ عبر ترجمة شعريّة رائعة، مكي.. الشجرة والصياد.
وقد أعلمني قبل قليل المترجم ماهر البطوطيّ برحيل البرفيسور الدكتور محمود عليّ مكي، مكي المولود عام (1929) عمل في الاكاديميّة التاريخيّة في مدريد، وشغل منصب نائب مدير المعهد المصريّ للدراسات الاسلاميّة بمدريد، سيرة حافلة لأستاذ ظلّ بعيداً عن الأضواء، يؤمن بقيمة الكلمة، وجد مبكراً في الأدب الأندلسيّ نافذة للقاء الحضارة فتخصص فيه عله يجد مكانًا آخر للنهوض والانبعاث الفكري لأمة ظلت خارج التاريخ، وألف في ذلك كتابه "مدريد العربيّة".. المدينة التي عاش فيها الحاضر وقرأ ماضيها المشرق، وقد ترجم عن الإسبانية نصوصاً أدبيّة خالدة عُرِفَ بها مترجماً من الطبقة الأولى لآثار لوركا، ومنها مسرحية "بيت برناردا البا"، ومسرحية "العرس الدامي" التي نشرتها وزارة الإعلام الكويتية 1976، ومن ثم أصدر المجلس الأعلى للثقافة في مصر ترجمته العربية لأعمال لوركا الشعرية الكاملة في نهايات التسعينيات من القرن العشرين في طبعة أنيقة قدَّم لها مكيّ وهو يتمثل الارث المسرحيّ والشعريّ لشاعر أغتيل على يد الفاشية.
وكان من عناية الدكتور مكي بالأدب الاندلسيّ أن حقق ديوان "ابن دراج القسطليّ"، وله في هذا الحقل دراسات كثر.
رحم الله مكيّ الباحث والإنسان، والعزاء لعائلته وطلبته ولصديقه المترجم ماهر البطوطيّ الذي نقل إلي نبأ رحيله.
أما الدكتور خالد سالم، التلميذ الوفي للراحل الدكتور مكي، الذي عايشه سنوات طوال في إسبانيا فكتب يقول: برحيل عالم الأندلسيات محمود علي مكي، أول أيام عيد الفطر، تفقد هذه الساحة أحد أعمدتها الصلدة التي وضعها طه حسين في خمسينيات القرن العشرين لتنمو على أكتافها نبتات عدة، صارت اليوم أشجارًا هرمة، في دنيا الدراسات الأندلسية في مصر وفي أرجاء الوطن العربي، وفي إسبانيا وأمريكا اللاتينية.
أصر على أن يرحل عن دنيانا من الأرض التي عشقها عشقًا جماً.. من مدريد، أو "مجريط" العربية، التي أمضى فيها شبابه وأبدع أحسن ما لديه من نتاج علمي، طوال سني الدراسة في جامعتها المركزية وشغله لمنصب نائب مدير المعهد المصري لسنوات تربو على العقد، تحت إمرة قامة علمية أخرى في عالم التاريخ والأندلسيات هي الدكتور حسين مؤنس. ونحن عهدنا الدكتور مكي موسوعة متنقلة منذ تعرفنا إليه هو وزوجته الإسبانية "ماريا لويسا" عند مرورهما بكلية الألسن والمركز الثقافي الإسباني بالقاهرة.
وقد أصاب أحد تلامذته عندما وصفه بأنه المكتبة الوطنية الإسبانية – دار الكتب - المتنقلة، وذلك بفضل ذاكرته الحديدية في عالم الأندلسيات.
تعرف إليه جيلي والأجيال التالية، فدهشنا علمه الغزير ودماثة خلقه وتواضعه.
لم أره طوال ما يقرب من عقدين يخرج عن السياق رغم مروره ببعض لحظات الضيق والغيظ من تلسين أحدهم عليه وعلى ذويه، توهم أنه يصارعه على منصب إداري في آداب القاهرة، إلا أن الدكتور مكي، كما كنا نطلق عليه جميعًا، ترفع عن هذه الترهات وآثر الصمت وغادر المكان.
ظل حجة في الدراسات الأندلسية على المستويين العربي والإسباني، فلم يكد يطرح جديد في هذا الحقل دون الرجوع إليه.
كان من بين أول دفعة بعث بها الدكتور طه حسين إلى إسبانيا لدراسة التراث الأندلسي، وعاد ليثري المكتبة الأندلسية في عدد من الجامعات العربية ببحوثه. كما أثرى اللغة العربية من خلال عضويته بمجمع الخالدين. وانتخب عضواً مراسلاً في مجامع: الرباط، ودمشق، وبرشلونة، وقرطبة، والمجمع الملكي للتاريخ بمدريد. وامتدت دراساته لتشمل أدب أميركا اللاتينية والأدب الإسباني القديم والمعاصر، إلى جانب الأدب المغربي والأندلسي الذي كان يقوم بتدريسه في آداب القاهرة.
عاش الراحل متنقلاً بين القاهرة ومدريد محاضراً ومشاركاً في مؤتمرات وبرامج تلفزيونية إلى أن حاصره المرض والشيخوخة فاستقر في إسبانيا. وكان من العرب القلائل المعروفين في أميركا اللاتينية، إذ كان يتردد عليها محاضراً في جامعاتها ومشاركاً في الكثير من الفعاليات الثقافية.
أما الأوسمة والجوائز التي نالها من دول العالم فعديدة؛ من بينها وسام ألفونصو العاشر الحكيم، والوشاح الأكبر للإستحقاق المدني بلقب فارس، من إسبانيا، وجائزة الدولة التشجيعية للترجمة وجائزة الدولة التقديرية في الآداب من مصر. وجائزة الملك فيصل العالمية.
والحديث عن الدكتور مكي، والذكريات المدريدية يطول، لهذا آثرت أنيتعرف القارئ على الراحل العلامة من خلال هذا الحوار الذي كنت قد أجريته معه:
* نظراً لأنك عائد من العاصمة الفنزويلية، كاراكاس بعد مشاركتك في الحوار العربي - الأميركي اللاتيني عبر إسبانيا والبرتغال، فما هي أهداف هذا الحوار؟
- هذا الحوار جزء من البرنامج الذي تقوم بتنفيذه منظمة اليونسكو في إطار الحوار بين الثقافات المختلفة. وبطبيعة الحال كان من أكثر الثقافات إلتقاءً هي الثقافة العربية والثقافة الإسبانية بدلالتها الواسعة، أي بلاد شبه جزيرة أيبريا، إسبانيا والبرتغال، ثم البلاد التي انحدرت من صلب هاتين الدولتين، وهي بلاد أميركا اللاتينية التي تتكلم الإسبانية، من المكسيك في الشمال إلى الأرجنتين وشيلي في الجنوب، بإستثناء البرازيل التي تتكلم البرتغالية.
من الواضح أن الثقافتين العربية والإيبرية هما أكثر الثقافات إتصالاً، وذلك بفضل الوجود العربي الذي إستمر على شبه جزيرة أيبريا على مدى أكثر من ثمانية قرون، ولهذا فقد كانت هناك حاجة ملحة لعقد هذا الحوار بين ثقافتين إلتقيتا على مدى طويل، ومن المعروف مدى تأثير الثقافة العربية الإسلامية في نشأة وتكوين الثقافة العربية والبرتغالية.
ثم إن الفاتحين الإسبان والبرتغاليين، الذين استكشفوا قارة أميركا اللاتينية، حملوا معهم كثيراً من هذه الرواسب العربية التي كانوا قد تشبعوا بها خلال المدة السابقة، ذلك لأنه الصدفة الغريبة هي أن نهاية الوجود العربي الإسلامي سياسياً وعسكرياً في شبه جزيرة أيبريا تمت في مطلع سنة 1492 حينما سقطت غرناطة، آخر معاقل المسلمين في الأندلس، في أيدي الملكين الكاثوليكيين، وفي آخر هذه السنة وصل كريستوفر كولومبس إلى شواطئ القارة الأميركية، لتبدأ صفحة جديدة من تاريخ هذه البلاد بالوجود الإسباني البرتغالي عليها.
وتجددت هذه العلاقة بين العرب وأميركا اللاتينية إبتداءً من آواخر القرن التاسع عشر بتيارات الهجرة التي توجهت من البلاد العربية، ولا سيما من بلاد الشام؛ سورية ولبنان وفلسطين، إلى بلاد أميركا اللاتينية.
والآن يقدر عدد هؤلاء المهاجرين العرب في أنحاء أميركا اللاتينية بما يزيد على ثلاثين مليون من البشر.
لهذا رأت اليونسكو ومعها المثقفون الذين يهتمون بثقافة الآخر أن يكون هذا اللقاء بين الثقافتين اللتين جمعت بينهما أواصر كثيرة على الرغم من بعد المسافة الجغرافية، وكانت بداية هذه الملتقيات في يونيو/حزيران 1992، وذلك في المؤتمر التحضيري الذي عقد في أوبورتو بالبرتغال، وجمع بين عدد من المتخصصين في الدراسات، لا على أساس الدول المشتركة، وإنما على مستوى الدراسات والتخصصات. وكان الذين تقدموا بأول مقترح لعقد هذا الحوار العربي الأميركي اللاتيني ممثلي اليمن والمغرب وموريتانيا في اليونسكو نيابةً عن جميع الدول العربية، فرحبت بلاد أميركا اللاتينية بذلك على أن تكون حلقة الصلة ما بين الثقافتين هي إسبانيا والبرتغال، وهذا أمر طبيعي فإسبانيا والبرتغال هما التان نقلتا التأثيرات الحضارية العربية منذ البداية وشاركتا في نقل الكثير من عناصر هذه الثقافة إلى القارة الجديدة.
عقد المؤتمر الأول، بعد التحضيري، في نواكشوط، سنة 1993، وعقد المؤتمر الثاني في غرناطة في مارس/آذار 1994، وهذا هو الملتقى الثالث لهذا الحوار وعقد في كاراكاس في غضون هذا الشهر، يونيو/حزيران 1995. وكان قد تم الإتفاق على أن يعقد الملتقى مرةً في إحدى بلدي شبه جزيرة أيبريا، ثم في بلد أميركي لاتيني ثم في بلد عربي، وتتكرر الدورة على هذا النهج.
وفي ملتقى كاراكاس قدمت أبحاث من الخبراء الذين يعملون في هذا الميدان، وعلى هامش المؤتمر قدمت محاضرات، كما أقيم معرض للفن الإسلامي في الأندلس، وهو ما يسمي بمعرض التراث الأندلسي، وكان يقوم على عدد من الموضوعات وشرائط الفيديو التي تصور الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس.
كان القائم على هذا المعرض ماوريتثيو باستور الذي أشرف على المجلدات التسعة التي صدرت في غرناطة في هذه السنة حول الثرات الفني الإسلامي في الأندلس، وكان لي شرف المشاركة في أولها إذ أنني كلفت بالكتابة عن تاريخ دولة بني نصر، إذ أن معظم عناصر المعرض هي الفن الإسلامي في غرناطة.
أما الأبحاث التي قدمت فكانت متنوعةً تنوعاً كبيراً، منها موضوعات طريفة لم يتطرق إليها الباحثون من قبل، على سبيل المثال الحديث عن الحصان العربي والحصان البربري ونقله عن طريق إسبانيا إلى أميركا اللاتينية، والحديث عن المنتجات الزراعية التي كان للعرب فضل نقلها إلى إسبانيا، ومنها نقلها الإسبان إلى العالم الجديد، مثل قصب السكر، على سبيل المثال، وطرق الري والزراعة التي تحدث عنها المتخصص الأمريكي توماس غلينك، وقد دار بحثه حول وسائل الري وإستخدام المياه في شبه جزيرة أيبريا ونقلت هذه النظم إلى أميركا اللاتينية.
والفن المدجن، وهو الفن المعماري الذي إبتكره المسلمون الذين عاشوا في ظل السيادة المسيحية، وتوجد لهذا الفن شواهد كثيرة في إسبانيا مثل تلك التي نجدها في طليطلة وتيرويل والبراثين، أي سهل بني رزين، وانتقل هذا الفن إلى كل بلاد أمريكا اللاتينية حيث نراه منتشراً من المكسيك إلى الأرجنتين وشيلي، بل إننا نراه منتشراً في الكثير من الولايات الجنوبية في الولايات المتحدة الأميركية التي كانت في وقت من الأوقات في بداية الفتح تابعة لإسبانيا.
وعلى هامش هذا المؤتمر كانت هناك أنشطة أخرى، من بينها عرض موسيقي فولكلوري قام به الفنزويلي رفائيل سلثار الذي قدم بحثاً طريفاً حول الموسيقى والغناء العربي في الأندلس ونقل الكثير من عناصره إلى أمريكا اللاتينية، مركزاً على بلده فنزويلا بالذات إذ أن هناك لوناً من الرقص والموسيقى يطلق عليه "خروبو" وهو متطور عن الفندانغو الإسباني الذي يحمل كثيراً من بصمات الموسيقى العربية القديمة.
وقد قدم هذا العرض غلى أحد المسارح الكبرى في العاصمة الفنزويلية. ودار حول هذا الموضوع نقاش دام ساعتين في التلفزيون الفنزويلي، كان لي شرف المشاركة فيه حيث تحدثت عن بعض التأثيرات العربية في الثقافة الإسبانية التي حملت إلى أميركا اللاتينية، وهو موضوع المحاضرة التي ألقيتها في الملتقى، ودار حولها أيضاً حوار في التلفزيون الفنزويلي.
كانت هناك أيضاً لقاءات وإحتفالات بهذه المناسبة، شاركت فيها بعض السفارات العربية وكان للسفارة المصرية ولسفارة الكويت حضور واضح في هذا الملتقى. كما قام كثير من المثقفين ذوي الأصول العربية، من الفنزويليين، بالمشاركة في أعمال الملتقى أخص منهم بالذكر الدكتور خلدون نويهض، إبن العلامة المجاهد العربي عجاج نويهض، رئيس المؤتمر، وكان لي شرف أن أكون نائب رئيس المؤتمر.