يقربنا الباحث المصري من كتاب صدر حديثا يحاول التفكير في راهن "المسرح الشعري" واستقصاء آفاقه، ويمثل موضوع الكتاب انشغالا خاصا بالنسبة للباحث مصطفى عبدالغني، ومن خلاله أمكننا أن نفهم أحد أسرار أزمة المثقف والثقافة العربية اليوم..

المسرح الشعري مجددا!

السيد نجم

يبدو أن الكاتب د. مصطفى عبدالغني كان محقا أن جعل غياب المسرح الشعري العربي الآن، هو الشاهد العملي عن أزمة المثقف والثقافة العربية، واعتبر بغيابه يجب أن تثار قضية حال المسرح من حيث علاقته بالأدب وبالفرجة، وبالتالي علاقته بالناس ثم الهوية أولا وأخيرا.

في ضوء تلك الرؤية النقدية البانورامية، عرض الكاتب فكرته مستعينا بالمنهج التحليلي، حيث قدم رؤية رأسية في الزمان.. وعرض لتاريخ المسرح العربي منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى الآن. وكذا من خلال خط أفقي في المكان بتحليل بعض العروض أو النصوص المسرحية حتى الوقت القريب.

ويبدو أن موضوع المسرح عموما والمسرح الشعري خصوصا، من الموضوعات التي انشغل بها الكاتب طوال مراحل رحلته النقدية والإبداعية، حيث كتب عنه خلال وقفة سابقة خلال الثمانينيات من القرن الماضي، وها هو مجددا ينشر الكتاب: المسرح الشعري (الأزمة والمستقبل).. عن طريق سلسلة "عالم المعرفة" التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت (العدد 402 يوليو 2013}.

لقد قدم المسرح قديما الأساطير بصياغة شعرية، كما بدت الدراما القديمة المصرية والهندية والآشورية والصينية وغيرها، وقد صيغت شعرا. ويمكن القول جزما أن التراجيديا الشعرية العربية الآن تعد تعبيرا حادا عن الهوية.

وهناك العديد من المؤثرات التي أثرت على هذا الفن المسرحي.. حيث تغلبت الفرجة على روح النصوص والعروض المسرحية.. كذلك تطور مفهوم التطور الدرامي، الذي لم يعد مقتصرا على معطيات النص التقليدية، بل ربما عن طريق الموسيقى أو مشاركة الجمهور سواء في القاعات أو غرف الويب على الشبكة العنكبوتية.. بل وقد قدمت اليابان تجارب مشاركة الإنسان الآلي في التمثيل.

أوضح الكاتب أنه بنهاية القرن العشرين الميلادي، ومع البحث الدقيق على النص الدرامي المسرحي الشعري، أصيب بخيبة الأمل، وهو ما أرجعه بداية بسبب كل المتغيرات اللاهثة التي توالت مع بدايات القرن الواحد والعشرين، سواء بسبب غلبة مظاهر العولمة، ثم أضاف سببا آخر في تقديره وهو الربيع العربي.

وهو ما برر له البحث في المنتج التاريخي للنصوص المسرحية والشعرية منها، منذ البدايات مع جوق سليم النقاش في لبنان ومصر عام 1876. وأوضح أنه بالتسلسل التاريخي للأعمال مع استخدام المنهج التحليلي، سوف يكشف عن البعد السسيولوجي في النصوص، عبر البحث عن "الهوية".

وقد رصد "عبدالغني" نص "مارون النقاش" أول من قدم نصا مسرحيا شعريا في مصر عام 1848، بعد عرضه في بيروت، ومن مصر انتقل إلى المغرب العربي.

في مقابل ما أطلق عليه بزمن أزمة المسرح الشعري الآن، وان لم يفقد الأمل تماما مع البحث على بصيص من الضوء هنا وهناك. ذلك من أجل فحص الحالة وتشخيص الداء، من أجل العلاج الناجع.

وفي إشارة سريعة يمكن أن يلمح المتابع أن نقص الصلة الواجبة بين المسرح والأدب، هو نقص المسرح الشعري.. يكفي أنه خلال العشر سنوات الأخيرة لم تنتج مسرحية شعرية، إلا من واحدة ببغداد، ولم تعرض على الجمهور!

يمكن الإشارة إلى عدة أسئلة، حاول بها الكاتب الإجابة على سؤاله الأساسي أو موضوع الكتاب "المسرح الشعري العربي: تاريخه ومستقبله"

أين المسرح الشعري العربي؟
وهو الذي جاء مع بدايات القرن الواحد والعشرين، بعد أن شهدت المنطقة البدايات الخجلة، ثم رواجا في الخمسينيات والستينيات، ثم كانت جملة النكسات الشعبية بعد الثمانينيات، حيث هزيمة الخليج الثانية (1990-1991)، انتكاسة الانتفاضة وصولا إلى "سقوط" بغداد
.

بالتالي وجبت الأسئلة: هل استطاعت التراجيديا التعبير عن الواقع المعاش؟ وبالتحديد ماذا عن المسرح الشعري؟ وتحديدا هل عبر المسرح الشعري عن الهوية؟ ويرى بقصورها.

ويمكن القفز بين صفحات الكتاب لالتقاط ما يمكن إيجاز الإجابات الواجبة التي ضمنها الكاتب في240صفحة.. لما كان وجود المسرح يلزم معه أربعة عناصر: النص – الخشبة – الممثل - المتفرج، اعتبرت مسرحية "البخيل" لمارون النقاش أول مسرحية عربية.

هناك بعض الأسباب التي حالت بين وجود المسرح وربما رواجه في العالم العربي: حياة الترحال التي تعيشها المنطقة.. تحريم الإسلام تصوير الوجوه البشرية على حد تعبير أصحاب هذا الرأي.. عدم مشاركة المرأة في التمثيل.. عدم ملاءمة المجتمع العربي للصراع، وهو الصراع العمودي الذي يعني صراع الفرد ضد النظام العلوي، الصراع الأفقي الذي يعني تمرد الفرد على قوانين المجتمع، الصراع الداخلي حيث يكون الفرد القاضي والجلاد كما في "أوديب".. والصراع الديناميكي الذي ينتج عن تمرد الفرد والاستسلام للمصير.

كما أن هناك بعض التجليات المسرحية في التراث العربي: الأسواق في الجاهلية (حيث إلقاء الشعر في سوق عكاظ مثلا).. المظاهر الاحتفالية لخروج الخليفة لصلاة الجمعة منذ عصر الرشيد.. مظاهر احتفالية جمعية كما في عاشوراء.. ويرى البعض نصوص "المقامات".. كما أضاف البعض مسرح خيال الظل.

مر المسرح الشعري بثلاث مراحل: حالة المد الأولى بين عامي 1847 و1918.. مرحلة المد بين عامي 1940 و1967.. مرحلة بين المد والجزر بين عامي 1960 و1980.

يتوقف الكاتب مع العديد من النصوص المسرحية الشعرية، نتخير منها الكاتب المسرحي من المرحلة الأخيرة، هو "محمد عبدالعزيز شنب"، حيث نشر أعماله المسرحية فى التسعينيات من القرن الماضي، من أهمها: ليالي قطر الندى1995 - بعيدا عن كرسي الحكم 1999.

تقع مسرحية "ليالي قطر الندى" في فصلين، وتتناول سرد قصة الأميرة المصرية "قطر الندى" التي تذهب إلى بغداد للزواج من الخليفة، على الرغم مما تحمله من الحب لابنه، لكنها تدرك أهمية موقعها الجديد في قصر الخلافة، وتعمل على التقريب بين بغداد والقاهرة.

أصوات الجوقة تكرر دوما: ستائر الأحزان/ في القصر والحديقة/ ماذا يقول الزمان/ وأين وجه الحقيقة/ ستائر الأحزان.

وقد أوجز الكاتب رأيه النقدي بايغال الكاتب المسرحي في الغنائية، حتى أنه يختتم النص بقوله: الآن هذا الحب ضاع/ الآن قد مضى الشراع/ لا زاد يبقى ولا المتاع.

انتهى الكاتب بعدد من الملاحظات، بانت له بعد تأمل جدول "النصوص المسرحية الشعرية"، وهي: غياب الهوية مقابل التاريخ، حيث النصوص عن التراث الشعبي قليلة.. الإحالة إلى السياسي في مرآة التاريخ لنقد الحالي.. تماما كما عمد الكاتب إلى توظيف التراثي لخدمة السياسي.. بدت الغنائية غالبة في أغلب النصوص على حساب الدراما.. استخدام تراكيب شعبية على حساب الشعرية.. على الرغم من كل المنجز التقني للمسرح فإن الإقبال الجماهيري ضعيف.

يعد هذا الكتاب وقفة فاحصة للمسرح الشعري العربي، وقد وضحت عنده آليات الباحث والناقد والكاتب للمسرحية أيضا.

 

كاتب من مصر