يقدم لنا الباحث الكردي هنا عرضه لواحدة من ملاحم العشق الكردية عبر حدود الأديان والرؤى والعقائد، ويسعى إلى التعرف على المستوي الصوفي والإشراقي وراء تجليات السرد الحسي والمادي في تلك الملحمة التي يموضعها الباحث في سياقات الأدب الصوفي من ناحية، والأدبين الكردي والفارسي من ناحية أخرى.

ملحمة «الشيخ سنعان»

تراتيل صوفي عاشق يبحث عن التعبد في وادي الكفر!

جـمـعة الجـباري

التدوين التاريخي، سواء كان شعراً او دراسة؛ انقذ الكثير من تراث الكرد الزاخر الموغل في القدم من الضياع؛ بسبب التقادم الزمني الطويل وتطور الحضارة واستشراء كارثة نسيان الاجيال الجديدة لموروثاتهم القومية الثمينة من الفولكلور والادب الكردي الرفيع، الذي هو ثروتنا الثقافية التي نفتخر بها اينما ذهبنا.

وعلى هذا الاساس، قبل الحديث عن تدوين ملحمة (الشيخ سنعان) أو نبحث فيما اذا كانت الملحمة من تأليف شاعرنا الكبير (فقي تيران) أم لا، لابد لنا من القول: ان قصة الحب الخالدة بين الشيخ سنعان والفتاة المسيحية كانت معروفة بين اوساط المجتمع الكردي كقصة حب عذرية حقيقية. وعرف الشيخ سنعان الذي خلد ذكره كعاشق متيم بين الكرد  قبل ذلك التدوين الفلسفي للشاعر فقي تيران.

وفي مقطع شعري لمعاصر فقي تيران الشاعر الكبير ملا جزيري، يذكر فيه حقيقة العشق عند الشيخ سنعان على انه عشق إلاهي، اذ يقول حسب شرح المعنى الذي ترجمناه:

"لم يجرع الشيخ سنعان الخمر بالخطأ

ولم يذهب إلى أرمنستان بالخطأ

بل قد رأى طلعتك مثل موسى

والذي يراك؛ اين اذن خطأه؟"

كذلك ذكر الشاعر احمد خاني الذي جاء بعدهما، ان كل حب عذري مؤثر وكل عاشقين عذريين؛ صفاتهما يتقارب من صفات الرب، وهذا توجه فلسفي للموضوع يؤكد ما ذهب اليه استاذه ملا جزيري، وهو كما يقول عن الشيخ سنعان والفتاة المسيحية:

"شيخ زار بيت الله خمسين مرة

جننته انتِ

لماذا ايتها المسيحية؟»

اذن؛ ما هو متبع ومشهور بين الكرد ان فقي تيران هو الذي كتب ملحمة العشق هذه، وهي كما ذكرنا حقيقية. وكما يروى: فأن الشيخ سنعان كان شيخاً كبيراً وقديراً، يحيط به حوالي خمسمائة من مريديه، وكان عمره يناهز الثمانين عاماً، بيد انه ما ان رأى فتاة مسيحية في احدى جولاته، حتى فقد رشده وهام بها من شدة جمالها وفتنتها ودلالها، وفي النهاية، ينفد صبره؛ فيترك سواكه وعمامته ومريديه ويتبع الفتاة المسيحية ودينها، كي تقبل به كزوج لها فتشترط عليه الفتاة، عدى ترك دينه واعتناق المسيحية، ان يكون راعياً لخنازيرهم، ومن كثر وله الشيخ بالفتاة؛ يقبل بكل شروطها دون نقاش، رغم أن مريديه حاولوا معه جاهداً ان يرجع عن قراره ويعود اليهم، إلا ان العشق أعمى بصيرته ولم يكن يرى في الوجود غير تلك الفتاة المغناجة المسيحية.

اخيراً؛ لا يجد مريدو الشيخ سوى ان يلجؤوا إلى كبير شيوخ زمانهم، وهو كما يسمى (الشيخ عطار) فيعقد الشيخ الكبير على التوجه إلى الشيخ سنعان ليرده إلى جادة الصواب، ويزيل عنه تلك الغمامة التي اعمت بصيرة شيخ كبير مثله، وعندما يسمع الشيخ سنعان بقدوم الشيخ عطار اليه؛ يخجل على نفسه كثيراً ويتمنى من الرب ان يأخذ روحه قبل وصول الشيخ عطار اليه، وبما انه كان عابداً كبيراً، فان دعاءه يستجاب من الباري، وهو على فراش الموت كان يتبادل حديث العين مع زوجته المسيحية ويقول لها: ها أنا ذا اودعك متوجها إلى ديوان الباري كافراً ولا ادري ماذا يكون مصيري بينما كنت قبل ان القاكِ شيخاً يعتد به، ويسمع صوته في كل الارجاء، وهذا كله من اجلك، فارحمي بحالي واعتقيني من اسر جمالك… وفي هذه الاثناء دخل إلى صدر الفتاة المسيحية شيء من النور، وانشرح صدرها وعرفت بما فعلت من ذنب، بأن جردت هذا الشيخ الكبير من حقيقته ودينه السليم، فاستكفرت وعزمت على الدخول في الاسلام فعادا معاً إلى دين الاسلام وماتا معاً على ذات الفراش.

هكذا يروى، وغيرها من الروايات المتقاربة إلى بعضها.

هناك كتابات عديدة ايضاً لمستشرقين اهتموا كثيرا بهذه الملحمة، لما لها من ابعاد فلسفية كبيرة، تقول المستشرقة الروسية (م. رودينكو): «ان قصة العشق بين الشيخ سنعان والفتاة المسيحية منتشرة بشكل واسع في الشرق الاوسط وبلاد القفقاس. ومن الصعب تحديد مكان وزمان ظهور هذه الملحمة ومتابعة مصدرها، فقط نستطيع القول ان هذه الملحمة ظهرت بين جماعة تلهج اللغة الايرانية في عصر الفقهاء». هي قد اخذت هذه المعلومة من المستشرق الروسي الشهير (بيرتلس) الذي يقول: «لملحمة الشيخ سنعان أهمية كبيرة جداً، فهي عدا جمالية فورمها؛ اساس مصغر واختزال دقيق للصوفية"»

يقول د. عزالدين مصطفى رسول في كتابه (الشعر الكردي .. حياة ونتاج شعرائه /القسم الاول) : «يرى الدكتور احمد ناجي القيسي اربعة عناصر اساسية في ملحمة عطار:

1.  الانشغال بعبادة الرب لمدة طويلة والوصول إلى الغايات في العبادة ودرجاتها.

2. عشق الفتاة المسيحية.

3. التحول إلى المسيحية من أجل هذا العشق.

4. العودة إلى الاسلام.

وهذه النقاط الاربع تنسحب ايضاً على ملحمة فقي تيران رغم ان هناك اختلافات طفيفة في السرد مع فريد الدين العطار(1119- 1193م) في كتابه (منطق الطير).

وفي معرض اصرار الشيخ في البداية على تمسكه بعشقه للفتاة المسيحية يقال في سرد فولكلوري ان الشيخ يقول لمريديه: «سأذهب انا بنفسي إلى الشيخ عطار لأقول له، ان هذه المدينة مثل بستان بالنسبة لي والفتاة رمانة فيها وهي ملكي».

ويمكن القول ان مكان وقوع الحدث هو قرب بلاد الشام، كما ان فقي تيران هو من أهالي مدينة هكاري. ولا نشك ان الشاعر فقي تيران قد ادخل في ملحمته الشعرية فلسفته الصوفية وحفظ لنا في هذه الدراما الانسانية فولكلورنا القومي.

رحم الله حافظ الشيرازي، اذ كان يرى أن العالم المرئي هو (معرض السر) وأية ذرة منه نابع من جمال ذلك المحيا الأعلى المطلق .. هذا التوجه الفلسفي الديني؛ ينسحب على كثير من شعراء الكرد، الذين سلكوا طريق التصوف الشعري مثل الشعراء: مولوي البلخي، مولوي تاوكوزي، محوي، ملا الجزيري، ملا فتاح الجباري، عيل بك الجاف، ومن يدور في فلكهم … هؤلاء كانوا يبحثون في ثنايا جمال الدنيا الفانية عن (الحقيقة)، بل كانوا في الذروة من إدراك الحقيقة بمعناها المطلق والنسبي.

يقول العلامة المرحوم شكور مصطفى حول هذا الموضوع الشائك: «أما في (البشرفت) الالهي لسمفونية خاني الخالد الذكر في مم وزين، ينحو الشاعر إلى الحقيقة العليا ولا يرضى عنها بديلا، ومن هنا جسد فكرته هذه في شخص (مم) الذي انسلخ في نهاية تجربته العشقية عن (فردانيته وناسوتيته) في الصوب الاخر للأشياء .. أما (محوي) فيرى الأشياء بحراً للفتن، والانسان حرياً بأن يفر بجلده إلى الصوب الاخر لأشياء هذه الدنيا؛ لان من كان شاغله الحقيقة العليا المطلقة؛ استغنى عن السفينة والسفان في خضم التفاهة والابتذال»

«أنت الذي تجذب القلوب

انت المطلق، المفيد والمستفاد

انت المريد بلا شبهة والمراد

جوهرك مستور في طلسم الوجود

وكنزك شاخص من اسم آدم

هذا العالم والانسان والمشهود

هذا الممكن وما سوى الموجود»

بهذه الابيات المستقاة يستعرض (خاني) في انجيله الكردي (مَم و زين) كوامن الصوفية المتجذرة في داخله، وحسبه يرى جمال الطبيعة الظاهرة؛ تجلِّ من تجليات سيماء تلك الحقيقة المطلقة، ومواضعة قياسية كي يتحقق بها العشق.. ان ضياء الجمال، ماهو الا رمز من المحيا المطلق… وبعد ان غضب الرب على آدم انزله إلى السماء الدنيا وجرد عقله من كل المعرفة التي منها عليه، الا شيئاً واحداً وهو غريزة اكتشاف الاشياء من جديد، لذا؛ فأن الانسان وحده دون سواه يستطيع ان يستكنه الوجود الحقيقي خلف نور او ضياء، ولكن ليس كل انسان يستطيع فعل ذلك، فأنى لإنسان لم يتجاوز عقدة وجوده ولم تطأ قدماه ساحة الحياة؛ ان يستكنه ذلك الوجود الحقيقي، بل ان هذه الحاسة الالهية تتأتى عن طريق رياضة الروح والجسد لتراتيل صوفية عميقة الاثر وطويلة المدى، الغرض منها تنظيف الجسد والروح من شوائب الحياة الزائفة بغية الوصول إلى (النيرفانا)؛ ثم بعد ذلك تتجلى الحقيقة المطلقة امام ناظر، انقشعت عنها الغشاوة وانكشفت إلى صاحبها الحجب، وبات يرى ما لا يراه الاخرون

يقول فقى تيران:

«لم يجرع الشيخ سنعان

الخمر بالخطأ

ولم يذهب إلى أرمنستان

بالخطأ

بل قد رأى طلعتك مثل موسى

والذي يراك؛ اين اذن خطأه ؟»

بهذه الطريقة رأى الشيخ سنعان جمال الفتاة المسيحية ووقع في حبها. ولكن مريديه لم يفهموه جيداً. فهو شيخ كبير المقام عند مريديه، وعالي الدرجة عند ربه؛ أيعقل ان يترك الجبة والعمامة وكل هذه المسؤوليات الدينية الجمة؛ من اجل نظرة مفتونة من فتاة فاتنة، لا بل يتحول ايضاً من شيخ عابد مسلم حج إلى بيت الله الحرام (50) مرة وله من المريدين اكثر من (500) مريد وناهز في العمر الثمانون؛ يتحول من عشق عابر دنيوي من دين الاسلام الحق إلى ديانة المسيحية بهذه السهولة والبساطة؟! هل من المعقول ان شيخاً مثل الشيخ سنعان، العابد الغيور على دينه والفاهم لدنياه الزائلة، ان يحيد عن الحقيقة بهذه السهولة من اجل نزوة عشق دنيوية ويخسر الاخرة الأبدية؟!

لا يمكن لأي عاقل في مثل مكانته الدينية، ان يتعقل حدوث هذه الحادثة الغريبة. الا ان الذي حدث دليل على جرأة الشيخ سنعان في ابداء عمل لم يقم به احد قبله، ولا اتصور ان قام به احد بعده، الا ان الشيخ كان يعرف ما يفعله (حسب رايي) انه قام بإرضاء الفتاة المسيحية في دنياه وفي ذات الوقت قام بإرضاء الله في آخرته. كيف ذلك؟

باعتقادي ان الشيخ لم يكن ساذجاً إلى هذه الدرجة بأن ينجر وراء نزوات فتاة جميلة عابرة، ولكنه اثبت بذكائه السياسي، ان القناعات الاثنية قابلة للتغيير، اذا استخدمت معها المسايسة. لم يترك الشيخ ديانته كما ذكر، بل ظل في قلبه وروحه يتعبد إلى الله، ويجري مع ذاته طقوسه الدينية المعتادة، وقد تحول ظاهرياً عن دينه، لإرضاء غرور الفتاة التي احبها حباً جماً، وطاول الحبل معها حتى يعرف إلى اين سيؤدي بهما المآل، وكل يوم كان يعطي بتصرفاته الصوفية ايحاءات بانها على خطأ وان عليها الرجوع إلى دين الاسلام، وقد باتت الفتاة على قناعة بصحة ايحاءات الشيخ، ولكن غرورها وعنادها لم يدعاها تذعن لرغبته. ولاشك ان الشيخ لما رأى الفتاة واحبها ثم عرف انها مسيحية، قرر في قرارة نفسه ان يسحب من يحب إلى جادة الصواب، ودعاها إلى الاسلام، ولما رآها انها عنيدة؛ آثر ان يتحول هو إلى دينها حتى يرضي غرورها وكبرياءها، وبما أن الشمس لا تحجب بالغربال؛ فان حقيقة الاسلام ايضاً لا تحجب بالأوهام، وهذا ما تؤكده نهاية الملحمة حين يكون الشيخ على فراش الموت، ويدعوها مرة اخرى إلى الاسلام، فتنزل الفتاة إلى رغبة الشيخ بكل قناعة، وتسلم امامه فيطمئن الشيخ على نفسه وعلى حبيبته، ويموتان معاً على ذات الفراش.

وجانب آخر يجب أن نذكره، وهو مهم جداً، وقد ذكرناه آنفاً يخص النظرة الصوفية لحقيقة الاشياء والموجودات الدنيوية، اذ أن الشيخ سنعان لم يكن ينظر إلى جمال الفتاة على انها حقيقة الشيء وإنما كان يرى قبساً من نور إلاهي كامن خلف هذا الجمال الدنيوي، فهو صوفي عابد، يرى مالا يراه الاخرون، ويعشق الحقيقة الأزلية للأشياء، وليس الزائفة الزائلة، لهذا مشى في هذا الدرب للوصول إلى الحقيقة المطلقة التي يؤمن هو بها. وقد أفلح في النهاية وكسب الدنيا والاخرة معاً. رحم الله حافظ الشيرازي، إذ كان يرى ان العالم المرئي هو (معرض السر)، وأية ذرة منه نابعة من جمال ذلك المحيا الاعلى المطلق .. هذا التوجه الفلسفي الديني؛ ينسحب على كثير من شعراء الكرد، الذين سلكوا طريق التصوف الشعري مثل الشعراء: مولوي البلخي، مولوي تاوكوزي، محوي، ملا الجزيري، ملا فتاح الجباري، عيل بك الجاف، ومن يدور في فلكهم ... هؤلاء كانوا يبحثون في ثنايا جمال الدنيا الفانية عن (الحقيقة)، بل كانوا في الذروة من إدراك الحقيقة بمعناها المطلق والنسبي.

يقول العلامة المرحوم شكور مصطفى حول هذا الموضوع الشائك:" أما في (البشرفت) الالهي لسمفونية خاني الخالد الذكر في مم وزين، ينحو الشاعر إلى الحقيقة العليا ولايرضى عنها بديلا، ومن هنا جسد فكرته هذه في شخص (مم) الذي انسلخ في نهاية تجربته العشقية عن (فردانيته و ناسوتيته) في الصوب الاخر للاشياء.. أما (محوي) فيرى الاشياء بحراً للفتن والانسان حرياً بأن يفر بجلده إلى الصوب الاخر لاشياء هذه الدنيا؛ لان من كان شاغله الحقيقة العليا المطلقة؛ استغنى عن السفينة والسفان في خضم التفاهة والابتذال...".

"انت الذي تجذب القلوب

انت المطلق، المفيد والمستفاد

انت المريد بلاشبهة والمراد

جوهرك مستور في طلسم الوجود

وكنزك شاخص من اسم آدم

هذا العالم والانسان والمشهود

هذا الممكن وما سوى الموجود"

بهذه الابيات المستقاة يستعرض (خاني) في انجيله الكردي (مَم و زين) كوامن الصوفية المتجذرة في داخله، وحسبه يرى جمال الطبيعة الظاهرة؛ تجلِّ من تجليات سيماء تلك الحقيقة المطلقة، ومواضعة قياسية كي يتحقق بها العشق.. ان ضياء الجمال، ماهو الا رمز من المحيا المطلق... وبعد ان غضب الرب على آدم انزله إلى السماء الدنيا وجرد عقله من كل المعرفة التي منها عليه، الا شيئاً واحداً وهو غريزة اكتشاف الاشياء من جديد، لذا؛ فأن الانسان وحده دون سواه يستطيع ان يستكنه الوجود الحقيقي خلف نور او ضياء، ولكن ليس كل انسان يستطيع فعل ذلك، فأنى لانسان لم يتجاوز عقدة وجوده ولم تطأ قدماه ساحة الحياة؛ ان يستكنه ذلك الوجود الحقيقي، بل ان هذه الحاسة الالهية تتأتى عن طريق رياضة الروح والجسد لتراتيل صوفية عميقة الاثر وطويلة المدى، الغرض منها تنظيف الجسد والروح من شوائب الحياة الزائفة بغية الوصول إلى (النيرفانا)؛ ثم بعد ذلك تتجلى الحقيقة المطلقة امام ناظر، انقشعت عنها الغشاوة وانكشفت إلى صاحبها الحجب، وبات يرى ما لا يراه الاخرون...

يقول فقى تيران:

"لم يجرع الشيخ سنعان

الخمر بالخطأ

ولم يذهب إلى ارمنستان

بالخطأ

بل قد رأى طلعتك مثل موسى

والذي يراك؛ اين اذن خطأه ؟"

بهذه الطريقة رأى الشيخ سنعان جمال الفتاة المسيحية ووقع في حبها. ولكن مريديه لم يفهموه جيداً. فهو شيخ كبير المقام عند مريديه وعالي الدرجة عند ربه؛ أيعقل ان يترك الجبة والعمامة وكل هذه المسؤوليات الدينية الجمة؛ من اجل نظرة مفتونة من فتاة فاتنة، لا بل يتحول ايضاً من شيخ عابد مسلم حج إلى بيت الله الحرام (50) مرة وله من المريدين اكثر من (500) مريد وناهز في العمر الثمانون؛ يتحول من عشق عابر دنيوي من دين الاسلام الحق إلى ديانة المسيحية بهذه السهولة والبساطة ؟! هل من المعقول ان شيخاً مثل الشيخ سنعان، العابد الغيور على دينه والفاهم لدنياه الزائلة، ان يحيد عن الحقيقة بهذه السهولة من اجل نزوة عشق دنيوية ويخسر الاخرة الابدية ؟!

لا يمكن لاي عاقل في مثل مكانته الدينية، ان يتعقل حدوث هذه الحادثة الغريبة. الا ان الذي حدث دليل على جرأة الشيخ سنعان في ابداء عمل لم يقم به احد قبله، ولا اتصور ان قام به احد بعده، الا ان الشيخ كان يعرف ما يفعله (حسب رايي) انه قام بأرضاء الفتاة المسيحية في دنياه وفي ذات الوقت قام بارضاء الله في آخرته. كيف ذلك ؟

باعتقادي ان الشيخ لم يكن ساذجاً إلى هذه الدرجة بان ينجر وراء نزوات فتاة جميلة عابرة، ولكنه اثبت بذكائه السياسي، ان القناعات الاثنية قابلة للتغيير، اذا استخدمت معها المسايسة.  لم يترك الشيخ ديانته كما ذكر بل ظل في قلبه وروحه يتعبد إلى الله، ويجري مع ذاته طقوسه الدينية المعتادة، وقد تحول ظاهرياً عن دينه، لارضاء غرور الفتاة التي احبها حباً جماً، وطاول الحبل معها حتى يعرف إلى اين سيؤدي بهما المآل، وكل يوم كان يعطي بتصرفاته الصوفية ايحاءات بانها على خطأ وان عليها الرجوع إلى دين الاسلام، وقد باتت الفتاة على قناعة بصحة ايحاءات الشيخ ولكن غرورها وعنادها لم يدعاها تذعن لرغبته. ولاشك ان الشيخ لما رأى الفتاة واحبها ثم عرف انها مسيحية، قرر في قرارة نفسه ان يسحب من يحب إلى جادة الصواب ودعاها إلى الاسلام، ولما راها انها عنيدة؛ آثر ان يتحول هو إلى دينها حتى يرضي غرورها وكبرياءها، وبما ان الشمس لا تحجب بالغربال؛ فان حقيقة الاسلام ايضاً لاتحجب بالاوهام، وهذا ما تؤكده نهاية الملحمة حين يكون الشيخ على فراش الموت ويدعوها مرة اخرى إلى الاسلام، فتنزل الفتاة إلى رغبة الشيخ بكل قناعة وتسلم امامه فيطمئن الشيخ على نفسه وعلى حبيبته، ويموتان معاً على ذات الفراش.

وجانب آخر يجب ان نذكره، وهو مهم جداً، وقد ذكرناه آنفاً يخص النظرة الصوفية لحقيقة الاشياء والموجودات الدنيوية، اذ ان الشيخ سنعان لم يكن ينظر إلى جمال الفتاة على انها حقيقة الشىء وأنما كان يرى قبساً من نور الاهي كامن خلف هذا الجمال الدنيوي، فهو صوفي عابد يرى مالا يراه الاخرون، ويعشق الحقيقة الازلية للاشياء وليس الزائفة الزائلة، لهذا مشى في هذا الدرب للوصول إلى الحقيقة المطلقة التي يؤمن هو بها. وقد افلح في النهاية وكسب الدنيا والاخرة معاً.

ونترك تكملة الحديث لمن يريد التعقيب.

 

Xadang2003@yahoo.com