وقفتْ على خشبة المسرح، وأمام قاعة تغصّ بالمشاهدين مزّقتْ شريحة من الورق زرقاء اللون، ثم رمت ِالمِـزَقَ في الهواء فانقلبتْ إلى سرب من الببغاوات الزرقاء الصغيرة ملأتْ جوَّ المسرح بأصواتها، قبل أن تطير إلى نافذة عليا فيه فتخرج منها تِباعاً وتختفي عن الأنظار تماماً. بعد ذلك طلبتْ من أحد الحضور أن يضع يدَه في جيب بنطاله ليكتشف أن مِزَقَ الورقة الزرقاء موجودة فيه. سألتـْهُ الحضورَ إلى خشبة المسرح وطلبتْ منه أن يضع المِزَقَ في قفص للطيور أعطته إياه. وحين فرغ من ذلك، طلبتْ منه أن يغلق باب القفص، وللتوّ تحوّلتِ المِزَقُ الزرقاء داخل القفص إلى ببغاوات زرقاء لم تلبث أن طفقتْ تصدر أصواتاً وترفرف محاولة الخروج منه. غطـّت ِالقفص بقطعة من القماش الأسود فكفـّت ِ الببغاوات عن الضجيج. طلبتْ منه أن يحملَ القفص ويطوفَ به في أركان خشبة المسرح ليراه الجمهور من جميع الزوايا، وحين انتهى طلبتْ منه أن يرفع القماشة السوداء عن القفص ليكتشف هو والجمهور، وسط عاصفة من التصفيق الحادّ، أن كلّ ما هو موجود داخل القفص شريحة ُ ورق ٍ زرقاء اللون.
بعد ذلك مدّتْ يدها اليمنى إلى قاعة المشاهدين مُبقية ً راحة َ كفـّها نحو الأسفل وقالتْ لهم:
- لا تخشوا شيئاً فأنتم في أمان ٍ تامّ.
وأمالتْ يدها قليلا ً نحو اليمين فمالت أرضُ القاعة ِ بهم متماشية ً مع حركة يدها على نحو ملحوظ ٍ فيما بقيتْ خشبة ُ المسرح التي كانت تقف عليها ثابتة. وانطلقتْ صيحاتُ الهلع والارتباك من كلّ جانب. ابتسمتْ وأمالتْ يدها نحو اليسار فمالت أرضُ القاعة ِ بالمشاهدين وفقاً لمـَيَلان ِ حركة يدها وبقيتْ خشبة ُ المسرح التي كانت تقف عليها ثابتة. ومرّة أخرى انطلقتْ صيحاتُ الهلع والارتباك من كل جانب. ابتسمتْ ووازنتْ راحة َيدها بحيث صارت أفقية، فعادت القاعة ُ إلى وضعها الأصلي، ثم قالت للجمهور:
- أعتذر عن الهلع الذي أصابكم، ولكنني أؤكد لكم أنكم لم تميلوا ولم تمِـل ِ الأرضُ بكم قيد أنملة. ولكنني أقنعتـُكُم بذلك بقوّة الإيحاء التي يتمتع بها ذهني.
ووسط تصفيق الجمهور المأخوذ بمهاراتها أحسّتْ بالدُّوار ينتابها، وبدأتْ خشبة ُ المسرح تميل بها هي هذه المرّة ذات اليمين وذات اليسار قبل أن تتهاوى على الأرض جثة هامدة دون حراك.
ـ قاصة من سورية تقيم في إنكلترا.