ترسم القاصة المغربية ثلاث حالات مختلفة عن علاقة الرجل بالمرأة في محاولة للتوغل في أفكار الرجال وشهواتهم وكيفية التفكير بالأنثى في لحظات اللقاء وفي أمكنة ثلاثة مختلفة الأولى نكشف أنها حلم، والثانية يقعان في قبضة السلطات، والثالثة نكتشف سوء فهم، لتحطم في تعليق مستقل مقتضب المشاهد الثلاثة مما يمنح النص أبعاد أخرى.

على نار هادئة

مريم بن بخثة

مشهد 1
والتفت الساق على الساق، تشابكت العيون يلتهمها وهج الشهوة، والأنفاس تتسارع في الاتجاهين، تحركت يده نحو يدها المرتعشة، جذبها نحوه بعنف شبقي ترددت، حاولت أن تسحب يدها من يده لكن قوة تمسكه بها  لم تمنحها فرصة لذلك فاستكانت، أرادت  أن تعدل من هيئتها المبعثرة، لكنها استسلمت أخيرا تحت تأثير نظراته الملتهبة، فتح ذارعيه ليحضن فرحتها الأولى، تباطأ وهو يتأمل إطلالتها المنيرة كبدر متألق يغازل سواد الليل،  قامت من قربه وابتعدت قليلا، كانت ثيابها الشفافة تعكس أنوثتها البكر، ظل  ينظر إليها ملتهما كل تقاطيعها الصغيرة وهو نشوان بحظيته هذه الليلة التي تمناها طويلا، زفر زفرة بث فيها صبره الطويل وأطلت من بين شفتيه ابتسامة المنتصر الذي استطاع أخيرا أن يقطف أول ثمار شهده، مد يده داعيا إياها إلى حضن خالدٍ، هكذا كان يريدها أن تراه فلا ملاذ لها سوى حضنه الدافئ المشبع بالرغبة القوية، رماها فوق سرير المتعة الذي جعل حلمه الجميل واقعا. ارتمى عليها، فإذا به يهوى على الأرض مبللا كحلمه، كانت برودة المكان كافية أن تعيده إلى زنزانة الواقع، وصوت أنثوي قريب منه ينادي عليه:

- ما بك يا محمد كل مرة تسقط مثل الأطفال على الأرض وأنت نائم؟!

 

مشهد 2
كان الغروب يعانق الظلال المترامية وحمرته منحت المكان رونقا خلابا، وهدير مياه البحر بين مده وجزره سيمفونية تفوق برقتها وعذوبتها سيمفونية بتهوفن، على الرمال كان هناك ظلان يتهاديان في مشية مسترخية، كأنهما بخطوهما البطيء يمددان جمال المكان وبهائه، تشابكت أيديهما بنعومة لتوحد نبضهما الصاخب، كانت أفكاره تركض بعيدا أمامه تستبق اللحظات المشتعلة التي ستضيء ليلهما في هذا المكان الذي سيكون جنتهما الأولى. نظر إليها بعينين تصنع فيهما العشق والهيام عساها تنجذب بشعاع الرغبة المتوهجة، حاولت أن تتملص من سطوة توهجه تحركت بعيدا عنه، ركضت وكأنها تقول له لست فرسا مروضة كي تمتطيني من أول وهلة، ظل للحظة يتأمل قوامها الممشوق الذي يسلب اللب، تفحصه كما يتفحص الجواهري قطعة ماس مميزة، تقاطيعها الصغيرة، سيقانها البان، عودها الممشوق، شعرها الأسود الكثيف المنسدل على ظهرها، لم يكن في حاجة إلى رؤية أعمق من ذلك فلباس البحر الذي كانت ترتديه كشف عن المستور، ازدادت رغبته، اشتعلت بنيران الشهوة ركض إليها، كفارس يصطاد فريسته، احتضنتها ذراعاه، هويا على الرمال التي مازالت تحمل دفئ يوم مشمس، كانا يلهثان من شدة الركض وأشياء أخرى أغمضا عينيهما يستمتعان باللحظة، هو مازالت أفكاره تسبقه بلحظات شبقية مجنونة، ازداد نبضه، أخذت يده تتلمس طريقها بشكل عبثي ...

ساعتها أحس بعصا غليظة تلمس كتفه المتعرقة ويد تقودهما إلى سيارة الشرطة.

 

المشهد 3
كانت قاعة السينما شبه فارغة إلا من بعض عشاق الأفلام الرومانسية، جلسا جنب بعض ظلت تحدثه طوال الوقت قبل ولوجهما صالة العرض، وهو كان مشدودا إليها كوليد بحبله السري، يشرب كلماتها ويغوص في ذاتها منتشيا، كلما تحركت يمينا أو شمالا، حين تلوي بعنقها إلى الخلف لم يكن يشتهي سوى أن يطبع قبلة محمومة عليه، فكر حينها أن صالة العرض والإنارة غير متاحة ستفي له بالغرض، ابتسم سعيدا بهذه الفكرة، لم يكن صمته إلا غيابا في لحظات شبقية مجنونة كانت تراود مخيلته، ازداد ت رغبته في عناقها أكثر، في التعرف على تقاطيعها المختفية تحت ملابسها الضيقة.

هل كانت تدرك ذلك، وحدها كانت تتكلم، ووحدها كانت تسأل وتجيب وهو بعينين مشبعتين بعوالم أخرى كان ينظر إليها، لحظة إدراكها بمدى تفحصه لجسدها البض كانت تضربه على يده بدلال وغنج، يشيان بتتبعها لكل حركاته .

يبدأ الفيلم الرومانسي وما أحلاها الرومانسية بين أن تشاهدها على الشاشة أو تلامسها على الواقع، وحده كان يعرف الفرق، تردد قليلا، بعد بدء الفيلم توهجت أحداثه، عاشا أبطاله لحظات ساخنة، جعلته غير قادر على أن يتأملها من بعيد، قرر هتك الحاجز ليباشر معها فيلما رومانسيا على أرض الواقع، لم يجد منها إلا صفعة مدوية على وجهه تعلمه، أن بين الواقع والخيال مسافات ضوئية لم يقطعها بعد.

 

هامش
 بين المشاهد الثلاث كان الكاتب قد احتسى عشرة فناجين قهوة سوداء بدون سكر، ودخن خلالها ثلاثة علب سجائر وسرق من زمن عمره ساعات طوال.

 ثلاث مشاهد مجنونة لم تكف الكاتب ليكشف عن أفكاره الإيروتيكية بعد. قام فمزق كل الأوراق التي دون فيها مشاهده لأنه اكتشف في نهاية المطاف أن العيب فيه لا في مشاهدة بطله كيف يخترق فواصل الممنوع.

تأكد لديه وحده دون علم قراءه، أنه لا يجيد فن الغواية والمتعة.