تَراكُماتٌ بلا جسَدٍ تَرْتديهْ
(1)
مِنْ مُومياءِ الذَّاتِ
يَخْرُجُ صوْتٌ مَرْقومٌ على نَغَماتٍ وألْحانْ
يَبْحَثُ عَنْ مُسمَّى
وعنْ وِعاءٍ
يَحْفَظُهُ
وَيكونُ لهُ عُنْوانْ
يُناديني..يَسْتجْديني
منْ وراءِ المرايا
يَشُقُ مسامعي
ويتسلَّلُ من مسامات شكِّي
أقْراصَ ضَيْمٍ تَرْتدي كُلَّ الألوانْ
أيُّ صَيْفٍ..
يُنْجيهِ من شِتاءٍ يرْتَديهْ...!!
وأيُّ لونٍ..!
وأيُّ ضَوْءٍ يَسْتُرُ عَتَمَتَهُ!
وأيُّ حُضْنٍ يُرضيهْ.. ؟
تتَداولُ عليَّ شَكْواهْ
حَطَبَ نارَ هائِمٍ في خلاءِ شِتاهْ
وَمطَري عانسٌ جاوزَتْ ربْوة العُمرِ
تَدَحْرجَتْ كُرة ثَلْجٍ على صدري
حينَ تَراءى لي في مرمَاهْ.
أنا حَرْفي الثَّائِرُ منْذُ أوَّلِ وِلادَة شَمْسٍ
أتساقَطُ زَهْرَ لوْزٍ على ثَراهْ
وَاَنْشُدُ خلاصَ زُهْدي
ورَسْمي يَتَكِئُ على حصير الرُّوحِ
في عباءَتِهِ الباليَّةِ يُناغي شَطْرَ قَمرٍ
منْ كوَّةِ مَنْفاهْ.
أنا الوَطَنُ المُباحْ...
خريفيَّ الفصولِ والحقولِ..
ذاتَ خَريفٍ عَصَفَ بأوراقهِ على كَفِ الرِّياحْ
****
(2)
الشِّتاءُ
لمْ يَدَّعِ أَنَّهُ سَيّدُ الفُصُولِ
تَرْتاحُ على شُرُفاتِهِ أصابِعُ الثَّلج..
ولمْ يَدَّعِ أنَّ لَيْلَهُ قَبْوٌ لاَ حُضْنَ فيهْ..
أنا المُتشرِدُ..!!
كأعْمى..
أَتَوَكَّأ عَكَاكِيزَ لَيْلي
مُتلعْثِمَ الخُطى.. أصطاَدُ حَظي من حَدَائِقَ اليأسِ..
وشيطانُ كلماتي يَجُرُّ أَسْراَبَ حَرْفِي..
يرتعُ في خِيامِ إحْرامي
وَيَنْبُشُ قُبورَ أحْلامي...
أنا المُتشرِدُ..!!
أَقْتَاتُ منْ نُوقِ صَبْري..
وأتوسَّلُ على عتباتِ موَاجِعَ الوَطَنِ..
.."كِتاب حُبٍ"
وأسْتَجْدي السَّماءْ..
علَّ الصُّبحَ يُخْطِئُ يَوْمًا
وَينْثُرُ على جَبِيني شُعاعًا وضِياءْ.
****
قَلْبي معي..
في رِحْلَةِ دَهْشَتي.. كأنِّي طائِرٌ قُرْمزيّ مُغامِرْ
أَحْشو وسادة أحْلامي صَمْتَ ثائِرْ
قَلِبي معي..
وزادي نَظْرةٌ وشالْ
وبقايا رسم صبيةٍ عُذريةَ الأحلام..
...ربما تفارقنا على خَطِ المنافي
أو تواعدنا على خط الانتظارِ.. ! !
يا لقَلْبي.. !
شَرِبْتَ حدَّ النُّهى والثُّمالة كأسَ عُمْري
ومازِلْتَ تَرتدي حُلمَ الطُّفولةِ وتُقامِرْ
يا وطني الغائِب.. !
عنْ أعيادِ ميلادِ صِغاري..
وعنْ دفاتِرَ أشْعاري..
كمْ أخطَأ قَلمي..
حينَ زَهْوٍ رَسَمْتُكَ على حَدِّ الأمواجِ
خَريطةً خَريفيّةَ الألوانِ تناثَرَتْ معَ أوراقِ الأشجارِ !
كمْ أخْطأ شِعْري..
كُنْتُ أخاطِبُ قَدَري:
" سيَجيءُ يوْمٌ يَرْبو فيهِ وطني..
عمَّا قَليلٍ، حينَ يَنْتَفِضُ البَحْرُ
ومِنْ لهفي يَفْرَغُ انفجاري"
كمْ أخطَأَ قَدَري..
حِينَ شَوْقٍ اسْتَنَدتُ إلى جِدارٍ تَهاوى إلى الانكسارِ!
***
سِتَّةُ أسْئِلَةٍ وَجَوابْ..
(1)
كَأَنِي لَا أَرَى..!!
أمْتَطِي عُكاَّزي الخَشَبيّ
وَطَرِيقِي مِنْ غَيْرِ رَفِيقٍ،
طَوِيلُ...
زَادِي لُغَتي وَشيْءٌ مِنْ تَمْرِ الذَّاكِرَةِ
أَنَا-وَمَا أشْقى الأَنايَا- يَهْجُرُني
وَسَبيلي عَلَى رَاحِلَةِ الأَمْسِ ..!!
يَسْألُني:
أيْنَ نَحْنُ..؟
(2)
في قهوةِ الصَّباحِ؛ وطَنٌ وخَيْبة
أحتسيها -سَريعَةً- علَى مِنْضَدَةِ القَصيدة
-كامِلَ أيامِ الأسبوعِ-
...
و ككُلّ يَوْمِ أحدْ..
أَحْتَسِي مُرَّ قَهْوَتي عَلَى مَهلْ...
أَبحثُ في رَصيفِ وَطني عمّنْ يُحبْ..!!
(3)
الحُزْنُ ك "ظلّي" يَتْبَعُ رَسمْي..
تَغيبُ الشَّمْسُ.. أَنَامُ بِلاَ رَاحَةِ بالٍ تُصَوِّبُني
وَلاَ يُوَدِعُني.. !!
سَأُقَاطِع الأَنَايَا..
أَوْ أَصِيرُ أَنَا غَيرِْي..
علَّه يتركني،
أَوْ إِنْ أَعْطَيتُهُ نِسْبةً مِنْ أَجْرِي الشَّهْرِي المُؤَجَلِ تَرَكِني،
وَانْصَرَفَ عَنيِّ..
مَا شأنُهُ بي بلاَ هدَفٍ يَتْبَعُني..!؟
ألمْ يَتْعب ويَسأمْ منْ خَرَسِي..!!؟
(4)
يا صاحبي..!
هلْ رأيتَ يومًا حمارًا يقودُ ثورةً ولهُ أسْفار؟!!
يا صاحبي..!
مازلْتُ أُومِنُ بعدكَ أنَّ الوَطَنَ لا يرحَلُ عن طُقوسِ الأَحِبة ِ
إلاَ إذا أخذتنا الأحلامُ مِنَّا...
أيها الوَطَنُ البعيد.. !
أين خبّأتكَ الأَحْلاَمُ مِنَّا..؟
(5)
لِأني والمَوْت لاَ نُجيدُ الاخْتِيارَ
فَتَحْنا ذِرَاعينا لِنَحْتَضِنَ المَّارة...
فكُنْتَ يا سيء الحَظ أوَّل المارَّة
كَمْ منْ عُبورٍ يُسَجِلني سالِبًا..!!
ووَجُودِي مِنْ بَعْدِكَ بلاَ موجِبٍ.
(6)
هذا زمنُ الغَبَاِء العَرَبي يَنْدَلِقُ منْ ثُقْبِ مِسَلَّةِ التَّارِيخ
مِدْرارًا...
وَذَاكَ الشَّاعِرُ/العَاشِقُ يَحِيكُ ثُقْبَ مِعْطَفِ القَصيدَةِ
لِشِتَاءٍ آخَرَ في طَريقِ المَرارَة...
*
رَصْدٌ لِمَشْهَدٍ مِنْ عَلى شُرْفَةِ المَوْتِ..
عِنْدَ جِذْعِ النَّخْلَةِ لَهيبٌ
يَصَّعَدَهُ خيْطُ دُخان..
والتَّمْرُ الأَخْضَرُ يسَّاقَطُ
نُقْطَةَ مِلْحٍ..منْ جِباهِ الكادِحينَ
ومِنْ عُيُونِ الفُقراءِ يَرَقَةَ حُلُمٍ
تَزْحَفُ سَحابَةً على خُدودِ الصَّبايا
إلى بِرْكَةِ دِماءْ...
تَحَمَّمَ الرَّصيفُ نِعالَ المَّارة
وبكى يَمامتَانِ تَقْتسِمانِ
قُبْلَةً كُلَّ مَساءْ..!!
قِطَطٌ مُلْتَهِبةٌ بالعَويلِ
أَنْشَدَتْ رِثَاءَةَ وَجَعٍ
على لَيْلِ/وطَني - من غير أملٍ - يستجدي صباحْ!!
كَأنَّ المَوْتَ صيَّادٌ يَرْمي شِباكَهُ
وَمِنْ غَيْرِ تَعَبٍ ولا انْتِظارٍ
يَجُرُّ خَلْفَهُ زَهَرات عُمرٍ
ولُعابُهُ يَسِيلُ على جَعْجَعَةِ بَراميلَ منْ نارْ !
يَرْفُضُ الصَّلاةَ ..
نَبِيٌّ منْ لُزاجَةِ مِن غَيْرِ طِينٍ
يَتَوضأ بَكارَةَ أمةٍ تَحْتَرِفُ لُعبةَ الهزائِمِ والنِّسْيانْ!!
نُوفَمبر حَلَّ بِلَهيبٍ هَذَهِ المَرَّة
يُوزِعُ أكياسَ رَعْوَنَةٍ
وَقَواريرَ "مولوتوف"
وأوراق نقديةٍ صالحة لشِّراءْ !
مَازالَتْ يرقاتُ قصَائدي الخَضْراءْ
تَرْبو على كَتِفي زَيْتونةً شَرْقيةً
وَمازِلْتُ منْ لَذاذَةِ حَرْفٍ
أكَوِّرُ نَهدا حبيبتي طينًا
لِميلادِ صَلاَةٍ..
وَنَثِيرَةً لصَّائِمينَ العائِدينَ
مِنْ رِحْلَةِ صَيْدِ دُعاةِ الوَلايَةِ
والإمارة (الأتْقياءْ) !!
*
رَصَاصَةٌ طائِشَة..
..!!
الشَّاعِرُ فَارِسٌ..
يَرْبُو عَلى صَهْوَةِ الحَرْفِ
مِنْ عَلى قَنْطَرَةِ الخَيال يَفْضَحُ سِرَّ الضَّحية..
ومازال..مازال لِقصيدتِهِ بقية..!
آخِرَ اللَّيْلِ يَشْتَعِلُ لَيْمونَةً وَحَرَّ دُخانْ
ويَشْرَبُ بَقَايَا ضَوْءَ قَمَرٍ يَتَسَلَلُ مِنْ كُوَّة النِسْيانْ
...
قَتِيلٌ..
في وَادي المُتْعَةِ..
يُوقِدُ قَنَادِيلَ تَوْبَتِهِ
قَصَائِدَ نَثْرٍ لِعَتَمَتِهِ..
وَ يُزَرِّر قَمِيصًا لِحَبيبَتِهِ-أَبْقَاها الله-
**
الشِّعْرُ رصَاصَةٌ طَائِشَةٌ
تَرْتَاحُ في قَرَارَةِ النَّفْسِ
وتُرَابِطُ في خَيْمَةِ مُعانَقَةِ الرُّوحِ
**
القَصِيدَةُ.. !!
سَأخْبِرُكم عَنْ تَفَاصيلِ مُحاكَمَتِها
أما الآن فَفي المَلاَهي اللَّيْلِيَّةِ
غَانِيةً تَجْثو على رُكْبَتَيْها..
**
الكِتابُ الذِّي بِيَمِينِي
- أهداني إيَّاهُ رَسولَ النُّورِ –
لاَ أُجيدُ قِراءَتَهُ ولا يُجيبُ عَنْ أسْئِلَتي..!!
مَنْ يَعْبُرُ معي صراطَ دُخانَ ليلي
إلى لَحْنِ القَوْلِ..؟!!
**
مَلِكٌ أنا..
وتَاجي زينَةٌ منْ لُغَتي..،
وَحاشِيَتي.. أَحْرُفٌ مِنْ نَارٍ
وفَرَاشاتٌ منْ نورٍ تُراوِدُني عنْ خَاطِرتي
**
قَتيلٌ أنا..
نَعْشي فارِغٌ منِّي...
حَولي تَحلَّق جَمعٌ منَ المُقَربِينَ
يُلْقُونَ عليَّ سورة من النَّثر..
وحَبيبَتي تُحَاوِلُ التَّقَوْقُعَ لِتَدَثَّر نَعشي..
**
شاعر من تونس