تربط الباحثة السودانية المرموقة في قراءتها لمآلات الربيع العربي، وتحليلها لانتفاضة الشعب المصري على فشل الإخوان وتخلفهم بين الكثير من القوي ومطامح كل منها في المنطقة وذلك بالعودة للتاريخ الكاشف عن جذور تلك المخططات، وللربط بين كل المشاريع باعتبارها مرايا كاشفة تتبدى على كل منها قبح الآخرين.

إحلال الخديعة مكان الصراع الطبقي

الاقتصاد السياسي للربيع العربي والخيبة: خيبة من؟

كيف تجعل أسلحة الخديعة الشاملة اعداد الشباب الزائدة عن الحاجة وقودا على جانبي الصراع

خديجة صفوت

ليس لأنك قد لا تعرف بعض حكايات الربيع العربي يعنى انها ليست موجودة Just because you do not know some of the stories they do not exist.

 

تمهيد: حذار من نبؤة قد تحقق نفسها
الدراسة التالية من ثلاث اجزاء احاول فيها مجادلة تعالق ظاهرة الربيع العربي ونبوءة أومخطط او حلم اسرائيل بتدمير القاهرة ودمشق وبغداد. فان يبدو ان كل ما تطلبه اسرائيل تحصل عليه what Israel wants she gets فيما يذري بالعرب وشئونهم واقدارهم ذراية ما بعدها ذراية.فقد قدمت اسرائيل-حسب نشرة اخبار الساعة الواحدة بعد ظهر 29 اغسطس 2013 على البي بي سي راديو 4- قدمت اسرائيل تقريرا يؤكد ان سوريا الدولة استخدمت السلاح الكيمائي في غوطة-ريف- دمشق منذ اسبوع. وليس ذلك وحسب وانما ذكرت احدى القنوات الفضائية مساء الاربعاء 28 اغسطس 2013 ان الاسلحة الكيمائية التي استخدمت في ريف دمشق مصنوعة في اسرائيل وكان خبر اخر ذكر الثلاثاء 27 أغسطس ان تلك الكيماويات مصنوعة في السعودية.

المهم فورا انه ان قد يدرك البعض أن النبؤة او المخطط اعلاه كان قد بدأ ببغداد ويوشك ان يحيق بدمشق فلعل المراكز العربية الثقافية الحضارية التاريخية الكبرى ستدمر تحت اي نظام. وقياسا فالدور على القاهرة. ذلك ان القاهرة تبقى تاج اي امبراطورية من تلك الامبراطوريات او بالاحرى الخلافات المتنافسة على المنطقة سواء الخلافة العربية بقيادة ال سعود- وقد نازعتهم عليها قطر وجيزا- أو الخلافة الاسلامية السياسية بقيادة مرشد الاخوان المسلمين، أو الخلافة العثمانية الجديدة بقيادة الطيب اردوغان، او الخلافة العبرية بقيادة بيبي نتانياهو او حتى أفيجور ليبرمان.

هذا فان تطبق الرأسمالية المالية-الصهيونية العالم على سوريا استجابة لما تريده اسرائيل، فقد يكون دور مصر قد اوشك على الحلول قياسا. وازعم ان تلك واحدة من أهم غايات الربيع العربي. الا ان مصر تنهض كالعنقاء من قلب الرماد، كما في كل مرة غب 40 عاما من التغابن. فمحض عام من حكم الاخوان المسلمين كان حريا يان يفرز ثورة 30 يونيو، فيما اكد الشعب المصري العظيم مجددا قدرته على الابداع في الحاضر وفى الواقع، وقد ادرك ان الابداع هو الايمان بشيء وجعله يحدث. ولعله من المفيد تذكر انه ليس الشعب المصري وحده. فقد راحت الشعوب-في المقياس المدرج- تستعيد وعيها الذى كان قد غيب طويلا لتقف متضامنة ازاء عنف الرأسمالية المالية-الصهيونية العالمية وبربريتها في كل مكان(1) فقد فقدت الشعوب كل شهية لعنف وبربرية حكوماتها المتعاقبة في كل مكان وبخاصة في الشرق الا وسط. ولم تنسى الشعوب العربية ما حاق بالعراق وافغانستان وليبيا.

التنويعات الماثلة حولنا لو ابصرنا:
كنت قد كتبت بتاريخ 20 مارس 2011 بالقدس العربي ان "كيف يجأر عرابو الصهيونية العالمية امثال فرانسيس فوكوياما بغبطة طافحة: فوق شاشة (بي بي سي2) الاربعاء 24 شباط/فبراير ويتماهى معه سايمون شارما- احد كبار المؤرخين البريطانيين الصهاينة-مما يعلنه كل صباح- "ان احدا لم يكن يتصور انه سيعيش ليرى ثورة في اي مكان؟" وكيف يتقول المحافظون الجدد - حسب بعض المحللين الغربيين- انهم "وراء دفع العرب للثورة على الطغاة؟" ماذا يحدث؟ لماذا يحتفل الغرب بالثورات العربية؟ فان تركنا الرقاعة جانبا - وافهمها اليوم جيدا لأول مرة - فثمة سؤال ينبغي تأمله جيدا والتفكير في دواعيه وتداعياته الفكرية والتنظيمية. لماذا يتماهى بعضنا مع تحليلاتهم حول مستقبل الثورة ومستقبلنا. أليسوا هم الذين بقوا وما يبرحون يدربون ويرسلون قوات مكافحة الشغب وقوات حماية الامن الدولي- وقوات الانتشار السريع وغيرها من تنويعات قوى القمع الرهيب-وقد باتت بدورها مبرمجة او كائنات معدلة جينيا - لمواجهة السخط الشعبي في كل مكان حتى الامس؟

وكانت تلك التساؤلات المفحمة تحت عنوان كيف يفرح الكارهون للشعوب بانتصاراتها وكأنها انتصارتهم هم؟ واضيف ان ما الذي يدفع خصومنا ولم يخفوا كراهيتهم للشعوب يوما الى الاحتفال بثوراتنا الشعبية بل يطلقون عليها الربيع العربي ذلك المسمى الالق؟ ويا طلما تشائمت من تلك الكلمات الالقة وقد عهدتها غالبا ان لم يكن دائما تنويع على السم في العسل بامتياز؟

السودان دائما:
بقيت محبطة ومغلولة مرة، لان احدا لم يقل بما كان حريا ان يكون واضحا فخلفت ما كان وقتها يشارف نعيق البوم الى الاحتفال المتحفظ بالربيع العربي. ذلك ان بعضنا لم يكن ليجد في قلبه ان يجرؤ على القول بما قد يزاود على الاغلبية المحتفلة؛ والاهم كان ذلك التحفظ وفاءا لمصر فلم يجرؤ بعضنا على قول الحقيقية كما يعرفها منذ البدئ معظم السودانيين. ذلك ان تجربتنا مع الاسلام السياسي منذ ما يزيد عن ربع قرن اعتبار بسنوات الحكم العسكري الثاني فاتصالا الى الثالث وتباعا.

وكنا عانينا وحدنا ولم يقف معنا احد، وخرجنا من السودان الذى لم يعد يسعنا - ذلك الوطن الذي فاق شبه القارة الهندية قبل التقسيم. ذلك البلد الذى يسع الدنيا وما عليها ويسبق تاريخه كل تاريخ مكتوب حتى الآن. وقد تعرفنا على الرأسمالية المالية في اكثر اشكالها فطرة؛ اي الرأسمالية المالية الفطيرة وقد تمكنت الاخيرة من عصب الاقتصاد السوداني خصما على الرأسمالية المنتجة للسلع والخدمات وعلى المنتجين للفائض والثروة والحياة وعلى الطبقات الوسيطة. وكانت الاخيرة منوطة بالتنمية غير المشبوهة وبالديمقراطية ولو الليبرالية البرلمانية على الاقل حيث كان بعضنا يتطير من الديمقراطية ما بعد الليبرالية. وكنا نؤمن بالتحضير أو الحضرنة والتصنيع واللحاق وليس التطبيع وليس بالإصلاح الذي لم يكن سوى الاستثمار في الخراب وعارضنا الديون الخارجية والخصخصة وبيع القطاع العام بالجملة وانشاء سوق للمال والسندات والاوراق حيث يباع المال ويشترى كسلعه مما يخلق ما اسميه الاقتصاد الزائف False  economy او غير الحقيقي خصما على الاقتصاد الحقيقي Real economy الذى يخلق العمالة ويعيد التوزيع–التبادل –الاستهلاك –الانتاج الخ.

و قد بقيت تلك الجماعة الوطنية الشريفة عربية وقومية، فلم تتعامل تلك الجماعة مع اي من الانقلابات التي توالت على السودان صبيحة استقلاله حتى الآن، قياسا على نظائر له عرفت بالتمول والتسلق مما يلاحظه الناس في كل مكان في كافة المجتمعات. فقد الحقت بعض جماعات من الطبقات او الشرائح الوسيطة النغلة نفسها باكرا بالاستعمار وبالأنظمة العسكرية على مر تاريخ السودان الحديث وكان بعضها ايضا وما يبرح غير معني بالاستقلال الوطني ولا الاقتصادي.

وبديهي ان يناصب الانقاذ السوداني أولئك الرجال والنساء الشرفاء العداء بعد ان عجز الاسلام السياسي عن غوايتهم فصادر ممتلكاتهم على قلتها ودفعهم الى المنافي في كل مكان حتى فاقت اعداد شتاتهم تلك على مر عشرات السنين 8 ملايين اي اعلى نسبة من المهاجرين في وجه التعقب والاستلاب بالنسبة لعدد السكان مقارنة مع تلك النسب في مجتمعات عربية اخرى. وكان الانقاذ اعلن اول حلوله في السلطة انه جاء من اجل الاهالي الغبش"(بضم الغين والباء) بمعنى ذوي اللون الاغبر ضنكا وبمغبة وعثاء الكد والسعي وراء الزرق او من يسميهم البعض أولئك الذين يلبسون جواب من تراب.

الا ان الاسلام السياسي السوداني تعين على احلال جماعات بديلة للطبقات الوسيطة تلك التي تدين له بالولاء. فان قضى الانقاذ على الطبقات الوسيطة او كاد فأزال احياء الطبقات المتوسطة الوسيطة التي كانت قد نشأت منذ الاستقلال من الوجود تقريبا، باهمال شوارعها فقد تحولت ومرافقها الى اشباه مشوه لما كانت عليه ومعها سكانها على غرار مشروع عولمي يصدر عن حفيظة الرأسمالية المالية - الصهيونية العالمي- على من تشتبه فيه اي شبهة من العلمانية بمعنى فصل الدين عن الدولة( وليس بما يلتبس من تعريف ذلك المفهوم الذى يبدو ان احدا لم يتعين على تعريفه اجرائيا اي في السياق بعد بصورة كافية.

فأمريكا الدولة المتدينة مثلا، واسرائيل الدولة التوراتية، تتطيران من كل ما من شأنه ان يباعد بين حياة الناس والدين، بصورة يصعب لهما معها التحكم في حياة أغلبيات الناس العاديين مما قد أنافشه في مكان آخر. المهم فورا يلاحظ الناس في كل مكان كيف أن الاديان المسيسة ما تنفك-فور حلولها في السلطة-ان تسارع الى اعادة تشكيل المجتمع حتى ليكاد ينقلب على نفسه كمثل ظهر الجورب فلا يشبه المجتمع نفسه بل يغدو صورة مشوهة من نفسه السابقة.

المهم كانت احياء الطبقات الوسيطة الوسيطة والوسيطة الدنيا القديمة وحتى احياء الطبقات الحضرية الدنيا زاهرة بالعمران والحياة والنشاط الفكري والسياسي والادبي والفنى وعامرة بالامل في مستقبل كانت جديره بان تحققه وقتها. الا ان الانقاذ خلق شرط خروج بل سهل خروج المهنيين كل حسب تعريفة تدل على تصنيف مهنى معين للمهندس كذا والطبيب كذا والاكاديمي كذا. وقد خرج من الاخيرين بروفيسورات في الفيزياء والرياضيات للعمل رعاة في الخيلج. وبالمقابل احل الانقاذ محلهم جماعات بديلة تدين له بالولاء. قوامها ذلك التقي الامين الذي ظهر بليل واثرى بليل فانتشرت الفيلات والاحياء الى تشبه المحميات تحوطها الاسوار والعيون المكهربة والحدائق والمرافق الخاصة والحراس.

ولعل تلك التحورات الدورية للمجتمع السوداني وطبقاته وتراتباته ترجع صدى احداث في تاريح السودان بما يشارف التنويع المنوالي. فقد ورث التجار الصوفيون الطبقات الفونجية شبه الوسيطة ما بين التاجر وصاحب الاحتكار السلطاني لتجارة قوافل السلطان الفونجى المقيم في سنار المحروسة ما ان اسلمت سلطنة الفونج في القرن السادس عشر. ذلك اصحاب راس المال الخاص والتجار الفونجيين لم ينفكوا ان راحوا يتحورون Mutate الى تنويعات مشوهة على انفسهم باكرا مع حلول التجار الصوفيين. وكان التاجر وصاحب المال الفونجى قد فقد ملكة في الارض وقد غدت أوقافا خيرية على الصوفيين-وتبدلت معظم تراتبات ومراكز وادوار السلطة السنارية من سيد القوم الى التاحر الحضري فالسبطان لحساب الصوفيين المهاجرين. فما ان احتكر الاخيرون ادارة العدالة –بمعنى تطبيق الشريعة على طريقتهم فقد احتكروا السوق جميعا.

أترون ان شيئا لا يأت من فراغ الا اننا لا نتأمل تاريخنا؟ والا سوأ اننا لم نكتبه اصلا. المهم فورا فقد تركت تلك التحولات في المجتمع لك الفونجي البرجوازي الصغير-البازغ- ان صح التعبير - بل حتى السلطان مفقرين لكل من السلطة والثروة. فقد اصبح الفونجي البرجوازي الصغيرو لم يجد سوى السير في الاسواق وقد تلفع مجبرا بعباءة التقوى الالزامية وقد عقد سيفا كبيرا على هيئة صليب خلف ظهره (2)

وقياسا شهدت تلك المرحلة من نكوص سلطنة الفونج الى مجتمع الخلاوي القروي البدوي شهدت تلك المرحلة نهايات المدن الفونجية. وكان ذلك وظيفة اخلاء الأخيرة مكانها لبلدات وقرى الخلأوى. فقد كان التجار الصوفيون المهاجرون والاعراب قد استباحوا مدن الفونج حتى غدت سنار على أواخر ايامها وقد خلت من ابهة البلاط السنارى ورحل الخيالة أو افقروا. وقياسا رفيت المدن السودانية على عهد الاسلامالسياسي وباتت الخرطوم قرية كبيرة. الا ان احد لم يرفع اصبعا ولا نطق حرفا. المهم فورا لم يكن كثيرون يدركون وقتها ان مشروع الاسلام السياسي مشروع عولمي يفضي الى مشروع خلافة وان مشروع القومية العربية تهمة فالقومية تجديف والاوطان الوطنية خيانة للاسلام السياسي والسيادة الوطنية خراقة. فالوطن يمكن تمزيقه في شأن الله وثوابا في الله وبامر الله. فما يهم المشروع الاسلامي السياسي هو ما وراء كل ذلك. فالمشروع الاسلامي السياسي يرنو الى الوراء بلا انتقاء.

الاسلام السياسي والجماعات الغامضة
كان مشروع الاسلام السياسي في السودان قد قيض (مبني للمجهول) متمأسسا فوق جماعة بعينها خصما على كل من عداها فهي جماعة لا تؤمن بمشروع قومي ولا بحكومة قومية ولا بتشارك السلطة ناهيك عن اعادة توزيع الثروة. وليس ثمة غرابة فقد كانت الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية قد اوكلت باكرا للنسووقراط وللاديان المسيسة مهمة احلال تلك الجماعات مكان المكونات الاساسية للمجتمع في مكان بغاية احلال الصراعات الفئوية والمنظمات غير الحكومية وامثالها-مما انافشه ادناه-احلت الاخيرة مكان الطبقات الاقتصادية الاجتماعية. وتروح امثال تلك الجماعات تعمل نيابة عن السلطة في استرضاء بعض من يرتضى الوقوف على تخوم السلطة أو عند حوافها من المستشارين للرئيس وغير ذلك. ومن المفيد تذكر ان الرأسمالية الفطيرة حتى الرأسمالية المالية-الصهيونية العالمية في تطورها فنشوئها-أو نكوصها-المتسارع-حتى بعد ان تمأسست الاخيرة فوق وسائل انتاج تتطور بمعدلات غير مسبوقة- تتوفر الرأسمالية بهذا الوصف على خلق شرط نشوء أو/ونكوص جماعات بعينها توكل لها مهمة التعين على ادارة عملية المراكمة الرأسمالية-المشروع الصهيونى العالمي.

وقد تعينت-على مر تاريخ الرأسمالية المالية غير المكتوب- جماعات وجماعات على التناوب على مهمة المراكمة المالية تلك من الاقطاعيين الغربيين والشرقيين واصحاب الاراضي والفرسان واحزاب الملك الى الطبقات الوسيطة والمتوسطة والمثقفين وخاصة النخب وكلهم في مواجهة الجماهير ومنتجي الفائض والثروة والحياة. ويقول البعض ان الانقاذ بدون (يعنى عمل على بدونة) السودان. والواقع ان السودان كان مبدونا سلفا وقبل الانقاذ وان تفاوتت النسب. الا ان الانقاذ لم يكن يوما معنيا بتنمية السودان سواء بدويا أو احضريا لا شمالا ولا جنوبا مما يجزم كثيرون بان انقسام السودان الى شمال وجنوب والبقية تأت كان وراءه تخلف الجنوب الشديد مقارنة مع الشمال الخ.

واجادل ان الاسلام السياسي السوداني لم يكن معنيا بالجنوب منذ حصول الاخوان المسلمين لأول مرة على بضعة كراسي ابان حكم جعفر النميري 1969- 1985الذى تشاركوا واياه اواخر ايام الحكم العسكري الثاني. وكان الاخوان المسلمون يصرحون- في اتحاد الطلاب وكنا طلابا بالخارج- علنا وباكرا بان الجنوب عبئ اذ تكبد الحرب البلد 2 مليون دولار وقتها. وترون كيف تخلص الشمال من الجنوب عن طيب خاطر مقابل وعود برفع الحصار الاقتصادي وغيرها مما لم يوف به وما كانت الرأسمالية المالية لتوف بالطبع والتطبع. وقياسا فقد وافق محمد مرسى ما بين خميس وجمعة قضاهما بالخرطوم في الصيف الماضي عن منطقة حلايت. ذلك ان المشروع الاسلامي السياسى كما قلت لا يكترث للحدود القومية ولا للسيادة القومية طالما كرس مشروع الخلافة عابر الحدود القومية الفائق للسيادة القومية.

ومع ذلك لم تكن معالم المشروع الا سلامي السياسي الحقيقية الموضوعية قد اتضحت حتى قال مرشد الاخوان بمصر أنه "هو مش فاصي لمصر" يعنى انه مشغول عنها بمهام اهم، ولديه غايات أبعد من مصر. هذا فقد صرح مرشدهم السابق محمد مهدي عاكف بأن "طظ في مصر" وما معناه انه هو ذلك الشخص وامثاله لا يكترثون ان حكم مصر رجل من ماليزيا". تصوروا هل هناك اهم ولا ابعد من مصر؟ ولكنها الاساطير والميثولوجيا وانصاف الحقائق.

ولقد تكشف غب الربيع العربي واحتلال الاسلام السياسي سدة السلطة في تونس ومصر خاصة ان الأخير مشغول بما هو قائق على المشروع القومي. ذلك فيما لم يكن الاسلام السياسي السوداني قد اسفر عن كنهه على نحو واضح، جراء طبيعة السودان وتراتباته وبخاصة انه جاء على خلفية الطوائف الدينية في السودان. فقد قيض ذلك للاسلام السياسي تجنيد القواعد الطائفية الريفية والبدوية الرعوية. ورغم ان الاسلام السياسي حضري بتاريخه وربما بطبيعته. الا ان حقيقة ان اعداد معتبرة من قواعد الطوائف السودانية-الانصار في غرب السودان والميرغنية شمال وشرق- كانت حرية بان تتحضرن بمحض النزوح العنيف الى المدن الكبرى وعواصم الاقاليم جراء التصحر والجفاف والانحطاط البيئي لسنين. وقياسا فقد هاجر الفلاحون والرعاة من كل مكان الى كل مكان واستقر معظمهم باطراف المدن فكان ان الفوا تنويع رث على الطبقات العاملة الدينا في مشاريع البناء والتعمير التي كانت تحويلات ومدخرات العاملين في سوق العمل الخليجى قد قيضتها منذ سبعينات القرن العشرين وتباعا.

وقياسا فقد تكشف من تجربة الربيع العربي التونسي والمصري كيف ان الاسلام السياسي مشغول بما بعد المشروع القومي. ذلك ان انشغال الاسلام السياسي المصري بتنظيم جماعة الاخوان المسلمين العالمي خصما على المشروع القومي المصري اتضخ بصورة مدهشة. ولمالا؟ فالاسلام السياسي اممى مثله مثل المشروع الافانجلي الانجلو امريكي ومثلما كان المشروع الشيوعي ومثلما ما يبرح المشروع العبري الذى لا يأبه بحدوده وللا يرغب في تحديد حدود للدولة العبرية فيصر على حدود " Boundaries وليس "الحدود The boundaries لان حدود الكيان الاسرائيلي لم تكتمل بعد كون الدولة العبرية تسع كل ما وطأته اقدام بعض طوائف بنى اسرائيل. وكذا فالمشروع الاسلامي السياسي مثله كمثل المشروع الرأسمالي المالي.

كوابيس واشباح وراء الكواليس:

وحيث تتنازع العالم اليوم مشاريع تتقاطع وتتقابل وتتحاور كل يتنافس فضاءات ذات الاقاليم والثروات المتناهية فانك واجد ان مشروع الرأسمالية عابرة الحدود والمشروع العبري الفائق لحدود دولة الكيان الصهيوني، ومشروع الخلافة العثمانية الجديدة وقد مد بصره نحو حدود الخلافة العثمانية القديمة، ومشروع الخلافة الاسلامية السياسية، ومشروع الخلافة العربية السعودية كلها تتنافس على ما يسمى الشرق الاوسط الجديد. وتراود ال سعود احلام الخلافة منذ ان هزم الملك عبد العزيز ال سعود الشريف حسين امير مكة-1858- 1931 في الطائف غب سقوط الخلافة العثمانية. وكان ماكماهون قد وعد الشريف حسين شريف ملكة مقابل القتال في صفوف الحلفاء خصما على الخلافة العثمانية، وعده امبراطورية عربية تشمل مصر والسودان وايران والساحل السوري، وهي تقريبا نفس المناطق التي ينازع ال سعود عليها قطر واسرائيل، تحقيقا للخلافة العربية التي كانت قد وعدت لشريف ملكة في 1916. وحيث قاد الشريف حسين ما يسمى الثورة العربية الكبرى بالتحالف مع لورانس العرب والانجليز في 1916 على الأستانة بغاية إقامة خلافة للعرب خصما علي العثمانيين الا ان الغايات الحقيقية للثورة بقيت خافية على شريف مكة كونها كانت قد حسبت مسبقا لال سعود. فقد هزم الوهابيون وحلفاء ابن سعود الشريف بالطائف في مارس 1924 وطردوه من الحجاز، فخرج الشريف حسين ليعلن من الاردن تخلية عن الخلافة العربية تاركا ابنه علي بن حسين شريفا على مكة. وحيث كانت الأستانة قد سقطت في 1924 للحلفاء، قد كان الشريف حسين اخر الهاشميين الذين عينهم العثمانيون على الحجاز.

وتقول روايات اخرى ان الشريف حسين هرب الى قبرص ليموت في 1931. ويختلف المؤرخون لكل شئ الا ان تتحول مصر الى خندق المقاومة: حيث تبقى مصر جوهرة تاج اي امبراطورية من تلك الامبراطوريات، او بالاحرى الخلافات المتنافسة على المنطقة سواء الخلافة العربية بقيادة ال سعود، أو الخلافة الاسلامية السياسية بقادة مرشد الاخوان المسلمين، أو الخلافة العثمانية الجديدة بقيادة الطيب اردوغان، او الخلافة العبرية بقيادة بيبي نتانياهو او حتى افيجور ليبرمان- فان مصر وقد نهضت كالعنقاء من قلب الرماد، كما في كل مرة - وكان ما راح يحيق بها جراء محض عام من حكم الاخوان المسلمين قد افزعها، فقد تكون مصر بذلك قد احبط مساعي بعضهم. فان يتفق كثيرون على ان الفريق اول عبد الفتاح السيسي عبد الناصر الجديد، وحيث يقف معظم شعب مصر وراء عبد الفتاح السيسي فلعل مصر قد تقف حجر عثرة في سبيل واحدة او اخرى من تلك الخلافات. وكان الشعب قد ارتضى عبد الفتاح السيسي قائدا في الاسبوع الاخير من شهر يونيو 2013، ولتظاهرة 30 يونيو 2013 غير المسبوقة في التاريخ كافة. ولعل ذلك التحول كان حريا بان يحبط مخطط ايكال تقطيع اوصال مصر للإخوان.

ولعل المخطط كان بحيث ان تكون مصر قد ركعت هوانا فوق ركبتيها، ومن وراء مصر امة العرب والمسلمين، بمعية سلطة الاخوان المسلمين، فهنا فقط يندفع واحد أو اخر من خصوم مصر لنجدتها من الإخوان، بشروط الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية طبعا. الا أنه لا الإخوان ولا الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية، نجحت في الوقت الحاضر ونسأل الله والشعب المصري ان يخيب امل كافة اعداء وخصوم مصر والعرب والمسلمين. ذلك أنه وقد استعاد الشعب المصري العبقري تاريخه مجددا كما في كل مرة، الا ان الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية المراوغة ما تنفك تحاول كما في كل مرة توظيف ما يسمى الحرب الناعمة، ذلك ان التعامل مع "الضربة" التي منى بها المخطط قد لا يقيض التامل من تلك الضربة بالمواجهة السافرة. فان كانت المواجهة السافرة قد نجحت مع شعوب عربية اخرى كليبيا، وتتم محاولتها مع سوريا تباعا، الا ان المواجهة السافرة ما كانت لتنجح مع الشعب المصري.

فقد ادرك الشعب المصري ان الإبداع هو ان تملك شئيا لا يمكن ان ينازعك فيه أحد، هو الوعي الحقيقي وانك به تملك حاضرك ومستقبلك وتاريخك جميعا. وبالمقابل تندفع السعودية ودول الخليج وتوابعهما كالأردن، بوصفها دول الاعتدال الاسلامي صبيحة 30 يونيو التاريخي الى مناصرة مصر، بل والشعب المصري، والدفاع عن حريته في اختياره. فقد وقفت السعودية- الامير بندر بن سلطان - 1949 الامين العام لمجلس الامن الوطني والمدير العام لوكالة للاستخبارات السعودية من 2012 -بصورة تدعو للدهشة حقا امام امريكا والاتحاد الاوربي والسعودية هى التي نعرف موقفها من ودورها في سوريا وليبيا قبلها ومن الشعبين الليبي والسوري بقدر ما فبركت معارضات خارجية لهما كما نعرف موقف "الحلفاء" من تغيير النظام بجيوش مرتزقة في ثورة مضادة بديلا عن الثورة السورية الموضوعية. ونعرف ارتضاء الاخوان المسلمين السوريين تكتيكيا والمعارضة السورية الخارجية بدائلا للحكم السوري. فقد بقي واضحا كيف يزيين النصر في المعارك اليومية على الارض السورية وقياسا يتضح استباق النصر في المعركة النهائية بوصفها معنية بعقد النصر بكل واي طريقة للمعارضة الخارجية والأحرى للجهاديين والقاعدة بكل ما بيد امريكا والمجموعة الاوربية والجامعة العربية ووراء الاخيرين اسرائيل من قوة.

وقياسا فان تدافعت دول الاعتدال فيما يشارف الضغث على ابانة ومجبر اخاك لا بطل حتى لا تميل مصر الى خندق المقاومة فقد ضمن وقوف مصر بعيدا عن مجموعة المقاومة والا .. و لعل موقف السعودية ليس سوى تاكتيك يزوّق ما يسمى الاعتدال والاحرى الميل الواضح نحو اليمين المحافظ او اقسى يمين الوسط من حيث السياسات الغربية في المنطقة.

منازعة السعودية للرأسمالية المالية يوما:
من المهم والمفيد تذكر ان السعودية لم تكن لتبخل على المجتمعات العربية وغير العربية المفقرة بل كانت السعودية ودول الخليج تنفق على التنمية ما لم ينفقه غيرهم مجتمعين. الا ان ذلك لم يناسب الرأسمالية المالية-الصهيونية العالمية فلم تنفك الاخيرة أن اجبرت السعودية ودول الخليج على التراجع عن كل ذلك وعملت على تبديد فائض ريع النفط في الحرب العراقية الايرانية التي استمرت 9 سنوات. وكانت الرأسمالية المالية-الصهيونية العالمية قد اغتالت الملك فيصل عقابا له على سياسات خالف فيها امريكا الصهيونية العالمية فبعثت الاخيرة بذلك رسالة لا يمكن اغفال مضمونها لكل حاكم سعودي وخليجى من بعد ثم نهبت ذهب السعودية ومال الاجيال القادمة مما كان مودعا بفورت نوكس فيما اخذت في نفس الوقت تحي حلم الخلافة في قلب القادة السعوديين.

هل تتفق المشاريع المتصارعة على شعوب المنطقة؟
كانت امريكا قد وعدت بضمان الهيمنة على مقادير العرب والمسلمين للسعودية منذ لقاء الملك عبد العزيز ال سعود والرئيس الامريكى روزفيلت على متن البارجة كوينسي Quincy مسافران من ميناء جدة الى البحيرة المرة بقناة السويس. وكان اللقاء قد تم وقوات الحلفاء تقصف مدينة دريزدين التاريخية في فبراير 1945 وتعود دريزدين الى عصر الباروك Barroc Achitecture الا ان قوات الحلفاء ساوتها بالأرض عشية نهاية الحرب العالمية الثانية، وايلولة الاستعمار التوسعي الاستيطاني الى الولايات المتحدة من بريطانيا العظمة وفرنسا والمانيا وايطاليا بموجب ديون الحرب، وتكاليف اعادة اعمار اوروبا جراء الحرب، وفوق كل شيء بمشروع مارشال. وكان حاصل جمع تداعيات ما تقدم حريا بان يسلم اوروبا الغربية الى مصير بقي يشارف المستعمرات او التوسعات الامريكية فيما وراء البحار.

وفي ذلك اللقاء بين الملك عبد العزيز والرئيس، اتفقا على ان يترك روزفلت للملك سعود شئون العرب، ويضمن له الحماية، كما تقوم امريكا في السعودية بمشاريع الاعمار والانشاء والتعليم والامن، مقابل ان تشترى السعودية الطائرات والسلاح والتكنولوجيا الحديثة. اي ما يسمى النوهاو Know How . وتحتكر امريكا من جانبها شراء نفط السعودية. وقد ناسب سراب المنفعة  Mirage of Convenience ذاك أو زواج المتعة أو المصلحة Marriage of convenience الجانبين(3)  ذلك ان سراب الاماني والنفعية من اكثر ما ينتشر بين حنايا تاريخ الاستعمار والاستكبار والرأسمالية المالية الصهيونية العالمية. فان كانت الاخيرة قد غوت الامير حسين شريف مكة بقتال الخلافة العثمانية مقابل امبراطوية عربية واغوت محمد علي باشا بمنافسة الأستانة على حدودها في الشام والحجاز مقابل اطلاق يده في الشام الحجاز والسودان واغوت انور السادات بمكانة اسرائيل لدى امريكا مقابل الانسحاب من سيناء فانتقاص سيادة مصر عليها وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد. فلعلها تفي بوعدها لال سعود بخلافة عربية.

صراع الاخوة الاعداء على الخلافة:
يمكن فهم الصراعات الشخصية والتنافس على الحيازات الباكرة مما يدار خلف كواليس وبين دهاليز سياسة المنطفة العربية والغربية والاسرائيلية فما يين الرياض وابو ظبي وعمان وواشنطن وباريس ولندن وتل أبيت. ذلك ان أحفاد الملك عبد العزيز ال سعود ما يبرحون وحلم الخلافة العربية يراودهم فيصارعون يمينا ويسارا لتحققها مما يشتد هاجسه ويخفت حسب الظروف ما يحيق بالمنطقة العربية من مخططات. ومن جديد تشتد الصراعات تباعا في مناخ ما يسمى الربيع العربي. حيث راحت قطر تنتابها احلام يقظة دفعتها مؤخرا الى منازعة ال سعود على الخلافة، ذلك انه ان بات كل شيء يباع ويشترى بالمال فـ"ما فيش حد احسن من حد". إلا انه ومن المفيد تذكر ان السعودية قد يزعجها فيما يزعجها صغر حجم قطر الى حداثة عهد الاخيرة بالسياسة الدولية الى مغازلة قطر للإخوان المسلمين زيادة على تمثل حضور ودور نساء الاخيرة في السلطة، بصورة لا يمكن التغافل عنها، مهما حاولت السعودية ودول الخليج هذا. بغض النظر عن مضمون ذلك الحضور والدور. فقد جأر احد المتمولين بان احدى تلك النساء تقف نموذجا للمرأة العربية، ما يكون قد زاد من حفيظة السعوديين وغير السعوديين.

فان قد بقى هاجس الخلافة وغيره يعبر عن نفسه كواحد من الغضاضات التي كانت قد بقيت تعتمل في قلب الصراع والتدافع والتنافس من اجل انتزاع احشاء المنطقة باي وسيلة وكل وسيلة فمرة بإشعال الحروب الاهلية حتى وان اودت الحروب الماثلة والاتية –ربما- على مكونات المنطقة الاصلية التي تدل عليها وعلى ملامحها التاريخية والحضارية والفكرية والانسانية جميعا ومرة بالمهادنة والتاكتيك، ومرة بمال النفط في منطقة يتفاقم افقار شعوبها بانتظام وتقصد لحساب حكامها واسيادهم الاوليجاركيات الرأسمالية المالية-الصهيونية العالمية. فان بات معظم حكام العرب والمسلمين صهاينة بدورهم أي أولئك الذين اعرفهم بالصهاينة العرب والمسلمين، فقد بات دور الاخيرين قياسا معنيا بالقضاء على هوية شعوبهم بالمجاعات المادية والثقافية والفكرية وبالترويع التنظيمي و السياسي وبالتعقب الاستخباراتي باسم الامن القومي والامن الملكي والجمهوري والرئاسي والامن العام، بمعرفة وسيطرة الاستخبارات الدولية على الجماهير الشعبية في كل مكان في المقياس المدرج.

وقد باتت الحروب معنية في المحل الاول وبالضرورة والنتيجة بتكريس اللا هوية بغاية محو ملامح وثقافة شعوب المنطقة مما بقي وما يبرح يقض مضجع الرأسمالية المالية- الصهيونية العالمية قبل ان يثير حفيظة أهل النفط والغاز مجتمعين. ففيما تسعى الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية وكانت قد سعت منذ بعض ابناء يعقوب الى ادعاء كل ما وطأته بطون اقدام الاخيرين او-و محو-العرب والمسلمين من فوق البسيطة فإلحاقهم بالأمم البائدة فان دول النفط والغاز تجأر بدورها مع الرأسمالية المالية - الصهيونية العالمية بان لن يهدأ لها بال، حتى تقضي على القاهرة ودمشق وبغداد - أي عواصم العرب والمسلمين التاريخية الحضارية.

 

هوامش
(1) يقول كريستيان بلنت النائب البرلماني البريطاني غب هزيمة اقتراح باشتراك بريطانيا في العدوان على سوريا بغاية اصابة النظام في محسنة To attack the regime in its bowels على حد قول باراك اوباما -و لكم ان تلاحظوا ان الغرب لا يملك سوى ان يهجس باعضاء خصومه التناسلية كما فر كل مرة مما اشرت اليه من قبل-.قال ذلك النائب ان على بريطانيا ان تتخلى عن ادعاء انها قوة لها وزن بعد في العالم وان تعترف بان للشعوب حقها في ان تقرر لنفسها ما تريد.

(2) Such an individual is described as; "achieving a well-to-do status with a middle class style of life, clean and robust, clad in white and bearing on the back a great straight sword in the form of a cross, well nourished. c". It is interesting how these individuals seem to reappear, with a well-to-do status and all, but their overhead is admittedly "nil”. Their profits are very small but their sobriety is provincial and...they achieve an honest well-to-do status. Very rarely wealth". see O'Fahey and Spaulding J.: 1974:Kingdoms of The Sudan London: pp: 44-45

Thomas Lippman’s “Inside the Mirage: America’s Fragile Partnership with Saudi Arabia.”