ودعنا مؤخرا المفكر المغربي الكبير سالم يفوت، ليستمر نزيف المشهد الفلسفي والفكري في المغربي خصوصا بعد رحيل نخبة من ألمع المفكرين العرب فيه {الجابري، الخطيبي}، تعيد (الكلمة) هنا نشر إحدى أهم دراسات الراحل حول فلسفة التواصل عند أبرز المفكرين الألمان المعاصرين إحياء لدوره واحتفاءً بإنجازه.

فلسفة التواصل عند هابرماس

سالم يفوت

مقدمة
أصبح مفهوم التواصل من المفاهيم المركزية المتداولة في الفلسفة المعاصرة. اذ لم يعد الاهتمام بالتواصل منحصرا في المجال التداولي المرتبط بتبادل المعلومات وتقنيات تبليغها وايصالها، بل أصبح يشكل نظرية علمية وفلسفية مستقلة بذاتها. وتعد مرجعية هابرماس الفلسفية دليلا على هذا التحول. انها مرجعية استفادت من نظريات العلوم الاجتماعية التي كانت سباقة الى التمهيد لذلك التحول عندما ركزت على أن الأنا أو الهوية الذاتية هي حصيلة تفاعل رمزي مع الآخرين.

سنسلط الضوء، في هذه الورقة، على مشروع هابرماس الرائد، في الفلسفة النقدية الالمانية المعاصرة من خلال التركيز على الهم الذي حرك الرجل وهو: كيف يكون الاندماج الاجتماعي ممكنا؟ باعتباره الإشكال الذي اعتزمت فلسفة التواصل لدى هابرماس الإجابة عنه. ولا ينبغي الاعتقاد من عنوان هذه الورقة ان هابرماس يتناول مسألة التواصل كما لو كانت موضوعا فلسفيا، بالمعنى الحرفي للكلمة. بل يتناولها من منظور السوسيولوجيا أو علم الاجتماع، بوصفها فعلا اجتماعيا، لا فعلا له صلة كلية بالوعي الانساني. وبهذا المعنى يصح القول: ان هابرماس ينتصر للنظرية الاجتماعية على حساب فلسفة الوعي. اذ ثمة فرق بين تناول التواصل من منظور الفاعل للتواصل، وبين تناوله كما لو كان فعل حوار او تحاور تتدخل فيه اطراف متعددة(1).

وبهذا الخصوص يعترف هابرماس بفضل علماء الاجتماع في بلورة هذا المنظور الجديد للتواصل قائلا: «ان تحول المنظور الذي انتقل من الفعل الغائي الى الفعل التواصلي بدأ مع ميد ودوركهام. فهؤلاء الى جانب ماكس فيبر ينتمون الى جيل المؤسسين للسوسيولوجيا الحديثة»(2). بهذا الخصوص، يحمل على نظريات اجتماعية يتهم تناولها للفعل التواصلي بالقصور والاحادية الجانب، ويقصد هنا: النظرية الوظيفية … فطرق تناول مسألة التواصل لدى هده النظرية وشبييهاتها، لا تقدم، حسب هابرماس، رؤية واضحة لانها ظلت سجينة التصور الفلسفي الارسطي لمفهوم الفعل الغائي، او الموجه بغاية، والذي يشكل احدى دعامات الفلسفية الارسطية.

ما المقصود بالفعل التواصلي لدى هابرماس؟
يحدد هابرماس الافعال التواصلية على النحو التالي: «هي تلك الافعال التي تكون فيها مستويات الفعل بالنسبة للفاعلين المنتمين الى العملية التواصلية غير مرتبطة(3) بحاجيات السياسة، بل مرتبطة بافعال التفاهم». ولا تفاهم بدون لغة؛ وهذا ما يبرر كلام المهتمين بهابرماس عن المنعطف اللساني لديه، والذي يشير اليه هو بنفسه. وهو ما دفعه الى ادخال اللغة كعامل لفهم العلاقات التواصلية. فلتعزيز تصوره للفعل التواصلي من اجل فهم افضل للعلاقات الاجتماعية داخل المجتمع ذهب الى ان الفعل التواصلي يتميز عن غيره من الافعال الاخرى بأنه لا يسعى للبحث عن الوسائل التي تمكنه من التأثير في الغير، بل يبحث عن كيفية التوصل الى تفاهم معه وتوافق متبادل دونما اكراه او قسر كيفما كان نوعهما.

اذا كان التفاهم الغاية القصوى للفعل التواصلي، فانه لا يمكن تصوره بين الاطراف المتحاورة الا بشروط من اهمها عدم تأثير طرف على آخر لان ذلك لو حصل يِؤدي حتما الى فشل التواصل يقول هابرماس: «ان نشاط التفاهم المتبادل يخضع لشرط اساس به يحقق المعنيون مشروعا لا تفاقهم المشترك…فهم يسعون لتفادي خطرين: يتمثل اولهما في فشل التفاهم المتبادل وسوء الفهم؛ بينما يتمثل الثاني في فشل مشروع الفعل والاخفاق التام. فتنحية الخطر الاول شرط لابد منه لتلافي الثاني». شتان اذن ما بين الاتفاق الذي هو سليل التفاهم، والتأثير الدي هو سليل الاكراه والضغط، يتسم فيه الفعل التواصلي بالهيمنة. فالتفاهم صنو ورديف للفعل التواصلي من حيث انه يهدف الى تحقيق الاتفاق؛ وهو ما يطلق عليه هابرماس ايضا اسم الاجماع، اذ في ظل غياب هذا الاخير بين اطراف الفعل التواصلي، يفشل هذا الاخير. ثمة اذن شروط حجاج ومناظرة بدونها لا يتحقق الاجماع العقلاني. ذلك ان الاستعمال اللغوي اذا كان يتضمن حججا مبنية، فانه سيؤدي حتما الى تحقيق اتفاق مشترك. لان الهدف بالنسبة لهابرماس من الدخول في تحاجج، هو التوصل الى تواصل كامل.

عارض الفيلسوف الفرنسي المعاصر جون فرنسوا ليوطار J.F Lyotard مفهوم الاجماع لدى هابرماس معتقدا ان جوهر الامور هو الاختلاف والنزاع، ولا ابداع بدونهما، متهما في نفس الوقت هابرماس بانه يدافع عن مشروع الحداثة المؤسس على فكر الانواريين ويسعى الى بناء خطاب فلسفي يتخذ الاجماع هدفا له؛ بينما يعتبر ليوطار الحداثة خطابا متجاوزا تظل كل محاولة لرد الاعتبار له محاولة يائسة. ان جوهر الابداع والتطور، في اعتقاد ليوطار، هو الاختلاف وليس الاجماع(5).

أي دور للفلسفة في فعل التواصل؟
ما مهمة الفلسفة عند هابرمس، فيلسوف التواصل، في زمن التحولات الكبرى؛ على صعيد الفلسفة وعلى صعيد الخارطة الجيوسياسية العالمية عقب سقوط حائط برلين وانهيار الايديولوجيات الكبرى؟

حمل هابرمس حملة شعواء على الميتافيزيقا تستعيد تقليد مدرسة فرنكفورت بهذا الخصوص حيث التأكيد على انه ليس من شأن الفلسفة اليوم ان تتأمل في معرفة المطلق، بل عليها ان تقلع عن التفكير فيه. وهو يتهم التيارات الفلسفية المختلفة التي عاصرها بتفاوتها مع اللحظة التاريخية لألمانيا. وقد تبلور لديه، انطلاقا من ذلك، ما يمكن تسميته فكرا ما بعد ميتافيزيقيا. اعتقد هابرماس ان الفلسفة المطلقة كانت تشكل عائقا امام تطور العقلانية حين تصورت انها تمتلك الحقيقة والعقلانية التي يريدها هابرماس في المجتمع المعاصر، مجتمع ما بعد الحرب العالمية الثانية ليست عقلانية مطلقة، تدعى الفلسفة بناءها لوحدها بل عقلانية تواصلية نقدية اجرائية مندمجة في العالم المعيش. ولتوسيع هامش هده العقلانية الجديدة وبلورتها، انتقد الاتجاهات الوضعانية الجديدة المعجبة بالعلم الى حد تأليهه. وهو ما خصص له كتابين هما:

- العلم والتقنية كايديولوجيا؛

- المعرفة والمصلحة(6)

والملاحظ ان نقد الوضعانية تقليد متواتر لدى اعضاء مدرسة فرانكفورت. فقد سبق لهربرت ماركوزه أن خصص صفحان رائعة في كتابه (العقل والثورة) لمناقشة أوجست كونت ونقد الوضعانية الكلاسيكية؛ كما افرد كتاب (الانسان ذو البعد الواحد) لنقد التقنية والتيارات المعجبة بها وبالعلم.

يؤكد هابرماس ان الفلسفة لا يمكنها ان تكون علوما حقة مثلما يدعى الوضعانيون وما تأكيده المتكرر على خصوصية العلوم الانسانية سوى محاولة لابعاد شبح التطرف العلمي الوضعاني عنها؛ وسحب البساط من تحت اقدام العقل التقني بغية بلورة نظرية فلسفية نقدية تعمل على تحرير الأنسان وتحرير محيطه من هيمنة العلم والتقنية؛ انها نظرية تقرن النظر بالعمل؛ اذ في المصلحة التحريرية والانعتاقية للإنسان تجد الفلسفة مكانها، حسب هابرماس. فعلى الفلسفة مسؤولية التصدي لكل هيمنة تقنية تعمل على تشييئ الانسان وتحويله الى سلعة. بذلك ستسعى الفلسفة الى خلق حوار داخل مجتمع خال من الهيمنة، وتلعب دورا بارزا في ازالة كل الآثار التي شوهت الحوار الذي بإمكانه ان يوصل النوع البشري الى مستوى النضج والرشد ويعني هذا، من بين ما يعنيه ان مستقبل الفلسفة يظل رهينا بالممارسة السياسية(7). خصوصا وان الانسانية تعيش في ظل اوضاع تتسم بالتطور الاقتصادي والعلمي والتقني، اي نعيش في ظل اوضاع تتسم بتسييس العلم والتقنية وعلمية السياسة، ومنح صلاحية اتخاد القرارات الكبرى للتقنوقراط.

هكذا يتبين ان نظرية التواصل عند هابرماس انبنت على موقف جديد من الفلسفة، يعيد تحديد مهامها واهدافها بحيث تندمج في افق نقدي جديد فتلعب دورا ايجابيا وفعالا ضمن مباحث اخرى كعلم الاجتماع ومجمل العلوم الانسانية في اطار تكاملي، وليس في اطار الهيمنة على تلك العلوم. وبذلك ابتعد هابرماس عن كنط وهيغل وهذا ما عنيناه في البداية بابتعاده عن فلسفة الوعي.

عندما ترجم كتابه العمدة (نظرية الفعل التواصلي) الى الفرنسية، وضع له مقدمة اعلن فيها انه لا يريد صياغة نظرية جامعة مانعة، بل سيكتفي باقتراح العناصر النظرية الضرورية التي تساعد الفلسفة على اعادة النظر في ذاتها وفهم ذاتها وذلك بالدخول في تعاون مع العلوم الاجتماعية على قاعدة الاهمية التي تحظى بها هذه الاخيرة في النظرية النقدية. بذلك اطلق هابرماس الفلسفة من عقالها الميتافيزيقي واخرجها الى الفضاء العمومي. وهذا الاخير مفهوم جديد اهتم به هابرماس في كتاباته الفلسفية كرديف ومرادف للممارسة اي التأثير الذي يمكن ان تقوم به الفلسفة في الفضاء العام والمجتمع المعاصر لانها مطالبة بان تلعب ادوارا مخالفة لتلك التي لعبتها في المجتمعات السابقة. لم يعد بمقدور الفلسفة ادعاء الشمولية او التأسيس (هيغل – كانط)؛ بل هي ملزمة بان تنخرط في هموم المجتمع كالديمقراطية اذ لا فضاء عمومي سليم لا تعمه الديمقراطية واخلاقيات الحوار ويتمتع بحقوق الانسان كما ينبذ العنف.

من هذا المنظور قام هابرماس بمحاورة ابرز الفلسفات الالمانية التي عاصرها. وفي هذا السياق قام بما اسماه اعادة البناء النقدي للمادية التاريخية مستلهما في ذلك التراث النقدي لمدرسة فرانكفورت، وتراث عصر الانوار. وقد ضمن تلك العملية كتابا سماه: (ما بعد ماركس)(8) اكد فيه ان الماركسية لم تستنفد كل طاقاتها وامكاناتها التحفيزية بوصفها فلسفة تحررية؛ والمطلوب، في اعتقاده، هو جعلها تساير عصرها ولا تتخلف عنه. ان هذا الامر يعني بالنسبة لهابرماس اعادة تأهيل الماركسية لكي تساير متطلبات المجتمع الالماني ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ وهو ما اقتضى تطعيمها بعدة مفاهيم مستقاة من نظرية الفعل التواصلي يقول: «رغم ان نظرية التواصل وظيفة حل المسائل ذات الطابع الفلسفي والتي تهم ابستمولوجيا العلوم الاجتماعية واسسها فاني ارى لها علاقة وثيقة جدا بالمسائل التي تطرحها نظرية التطورالاجتماعي»(9).

في هذا السياق تساءل هابرماس: كيف يكون الفعل الاجتماعي التواصلي ممكنا؟ اشرنا آنفا الى ما يسمى في تطور هابرماس الفكري بالمنعطف اللساني؛ نشير الى انه حصل بتأثير من غادمير H.G. Gadmer عليه خصوصا في الاعتقاد بان منطق العقلانية الاجتماعية يتجلى في اللغة اليومية الطبيعية، ان هذه الاخيرة هي عماد كل تفاعل اجتماعي سيتحول اهتمامه عندئذ نحو مبحث اللغة والتداول الذي ظل الغائب الاكبر في النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، مع جيلها الاول. وهذا ما قاده الي تحويل علم الاجتماع ونظريته الاجتماعية الى فلسفة للتواصل(10). لهذا تبنى الاطروحة التداولية في اللغة لكل من اوستين وفتغنشتين. وبذلك انتقل من فلسفة المعرفة بمعناها الكلاسيكي الى فلسفة التواصل. وهو انتقال حصل بتزامن مع انعطافه اللساني؛ تجلى واضحا مع صدور كتابه (المعرفة والمصلحة) في مطلع السبعينات، اضافة الى مجموعة مقالات نشرها مجتمعة بعد صدور كتابه (نظرية الفعل التواصلي) 1981، وكان ذلك سنة 1984.

يعتقد هابرماس ان الفكر ما بعد الميتافيزيقي هو مفتاح الانعطاف نحو الاهتمام باللغة والتواصل كما ان التحول من فلسفة المعرفة الى فلسفة التواصل ينطوي على تجاوز لفلسفة الذات والوعي بمختلف اشكالها ووجوهها رغبة في بناء فلسفة تواصلية مؤسسة على مبدأ البينذاتية INTERSUBJECTIVITE الذي تعد اللغة احد مكوناته الاساسية؛ وفي هذا السياق كان اهتمام هابرماس بالتداولية ونظريات الافعال اللغوية. ان المدخل الى فلسفة التواصل لدى هابرماس هو نقد فلسفة الذاتية، وهو نقد اتخذ طابعا راديكاليا حينما انفتح على رؤوس الفلسفة التحللية امثال فتغنشتين واوستين وسورل … فقد اعتبر ان التقليد الديكارتي طبع تاريخ الفلسفة بان حول المعرفة الى عملية تتم بين ذات وموضوع (11). ان المذهب الذي يقترحه هابرماس بديلا لفلسفة الذات هو الفلسفة العقلانية التواصلية نظرا لأنها تقوم على العلاقة بين الذوات كما تسعى الى ضبط علاقة الفرد بالغير واخضاع العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل المجتمع الى اخلاقيات النقاش والحوار بوصفه مدخلا لكل تعاقد اجتماعي يحتكم اليه الجميع لذا وبعيدا عن كل استحضار لعقل خالص، يسعى هابرماس الى تأسيس عقلانية تواصلية لا صلة لها بالميتافيزيقا. ان كل عقل هو عقل بيذاتي اي حصيلة تفاعل بين الذوات داخل المجتمع. بسبب الدور الذي لعبته الاتجاهات التحليلية في الفلسفة، وبسبب ما اتت به النظرية التداولية، فرضت هذه الاخيرة نفسها كبعد ثالث مكمل للتركيب والدلالة. وفي هذا الصدد ساهمت اعمال اوستين في كشف الغطاء عن الابعاد التداولية للغة؛ وبذلك تحولت التداولية الى مبحث جديد يولي عناية كبرى للشروط خارج اللغوية، المتعلقة بالسياق والاعراف التفاهمية ومقاصد المتكلمين.

هابرماس مدين لهذا المبحث في تحوله الى فلسفة التواصل وفي هجرانه لنظرية المعرفة والايديولوجيا. لقد املى هذا الانفتاح على التداولية، مشروع هابرماس الرامي الى بناء عقلانية في المجتمع المعاصر؛ وهو امر لا يتحقق دون ضمان شروط التفاهم باعتبارها تضمن نجاح الممارسة التواصلية اليومية. وتتمثل أهمية التداولية، بالنسبة لهابرماس، في ابراز الشروط الممكنة للتفاهم او ما سماه بالفعل التواصلي. ولتحقيق التفاهم كان انعطاف هابرماس اللساني باعتبار اللغة وسيطا بين الذوات عبره يتحقق التفاهم داخل المجتمع وعلى هذا الاساس اهتم بالأفعال الكلامية على طريقة اوستين وسورل وسعيا لبلوغ هذا المرمى، حدد هابرماس للتداولية المهام التالية:

1 - وصف الاشياء بواسطة اللغة؛

2 - التعبير عن مقاصد المتكلم؛

3 - تأسيس علاقات بيذاتية بين المتكلمين المتحاورين.

وكل عملية تواصلية لا تقوم لها قائمة، في تصور هابرماس، دون توفر هذه الشروط – الدعاوى والالتزام بها؛ بذلك تتم العملية الحوارية من دون اكراه أو ضغط. وفي هذا الصدد يقول في منطق العلوم الاجتماعية: «يتعين على كل متكلم ان يختار تعبيرا مفهوما واضحا لكي يتمكن المتكلم والمستمع من التفاهم فيما بينهما، اذ يجب على المتكلم ان يكون لديه قصد تبليغ مضمون قضوي حقيقي لكي يتمكن المستمع من مشاطرته معرفته، كما عليه ايضا ان يفصح عن مقاصده لكي يتمكن المخاطب من تصديق اقواله. وأخيرا يتعين على المتكلم اختيار عبارات صحيحة تلتزم حدود المعايير والمقاييس الجاري بها العمل لكي يتمكن المخاطب من قبول تلك العبارات بكيفية تجعل المتكلم والمخاطب في وضعية تؤهلهما للاتفاق»(12).

على هذا النحو تستطيع الذوات المتفاعلة تحقيق التفاهم. وقد اعتبر هابرماس ان نظرية الافعال اللغوية واعدة في هذا الصدد. خصوصا وان هابرماس ينظر الى اللغة لا في بعدها المعرفي كما يفعل تشومسكي، بل في بعدها التواصلي والاستعمالي التداولي متسائلا عن شروط الممارسة الاجتماعية القائمة على التداول السليم لشروط التداول المثالي للغة. وجدها برماس في نظرية الافعال اللغوية سندا ودعما لنظريته في الفعل التواصلي، فاذا كان اوستين قد ربط اللغة والمعنى بالبسياق، فان هابرماس سيدمج آراء اوستين وسورل في نظرية الفعل التواصلي، معتبرا انه ما دام الفعل التواصلي موجها نحو التفاهم، فان الفعل الكلامي ينبغي الحكم عليه باعتباره حكما مقبولا عندما- يحصل ذلك التفاهم(13).

ما المقصود بالعقلانية التواصلية؟
يعتبرها برماس هذه العقلانية سمة من سمات الفكر ما بعد الميتافيزيقي؛ ويطلق عليها أحيانا العقلانية الاجرائية، أي المتجسدة في الممارسة الحجاجية. هذا ويخلص هابرماس الى التمييز بين فعل تواصلي قوي، وفعل تواصلي ضعيف، وهو تمييز أتى في كتابه (الحقيقة والتبرير)(14). ويستنتج من مجمل التفصيلات التي قدمها بخصوص الفرق بينهما انه استثمر مباشرة نظرية الافعال اللغوية في نظرية الفعل التواصلي، حيث انه ربط الفعل التواصلي القوي بشكل كبير بالفعل الانجازي وبالاستخدام التواصلي للغة المتصل مباشرة بالعالم الاجتماعي المرتكز الى العالم المعيش والمتكون من القيم والمعايير المشتركة بين الفاعلين في المجتمع. وعليه فان هذا النموذج العقلاني التواصلي يسعى الى تحقيق التفاهم والاتفاق بين افراد الجماعة التواصلية بخصوص قضايا معينة، لان تحقيق هذا التفاهم يعد احد تجليات نجاح الفعل الكلامي عند هابرماس. لذا فجوهر الفعل التواصلي العقلاني هو الفعل التواصلي القوي باعتبار هذا الاخير محايثا للعقلانية التواصلية والتي يكون المشتركون فيها متوفرين على فرصة امكانية النقد، نقد لادعاءات مخاطبيهم عكس ما في الفعل التواصلي الضعيف.

من خلال هذه الاهمية التي اضحت للتخاطب في الدراسات اللسانية المعاصرة المهتمة بالتواصل، ارتبطت العقلانية التواصلية في الفكر ما بعد الميتافيزيقي، لدى هابرماس، بالتواصل الى حد انه تم الربط بين العقلانية والمستوى التواصلي في الكلام. في هذا السياق، انشغل هابرماس بسؤال الاخلاق، لكن لا في بعده الميتافيزيقي، بل في بعده التواصلي، اذ معه سيدشن ما اصطلح عليه اخلاقيات النقاش. ويشكل ذلك منعطفا بارزا في تفكيره، ضمنه كتابه الوعي الاخلاقي والفعل التواصلي(15) بين فيه ان هدفه هو توظيف منطق نظرية الفعل التواصلي قصد بلورة نظرية الفعل التواصلي انطلاقا من اخلاقيات النقاش او الحجاج. DISKURSETHIK تقليد فلسفي الماني، يعدها برهامس وكارل اوتو آبل KARL OTTO APEL اخلاقيات النقاش من ابرز ممثليه. لكنه يضرب بجذوره ايضا في الفكر الانجلوسكسوني عند R. RORTY رتشارد رورتي والامريكي بالذات مع جون رولزJ.RWALS. اخلاقيات المناقشة. لا ينظر اليه هابرماس على انه موضوع للتنظيم بل يعتبره منهجا او اجراء يسمح بتحديد معايير عادلة لزاوية النظر الاخلاقية. لذا لم يدع هابرماس الى وضع معايير لاخلاقيات النقاش، تكون نابعة من الذات عل نحو ما فعل كنط والتقليد الفلسفى عامة؛ انه سعى الى جعلهت نظرية تبحث في الطرق والاجراءات السلمية التي تمكن الذات المتفاعلة فيما بينها من التواصل عبر الحوار الى صياغة تلك المعايير الاخلاقية (16).

هذا ما جعل بعض المهتمين بافكار هابرماس، يذهبون الى اعتبار اخلاقيات النقاش تأسيسا للمجتمع المدني؛ جان كوهان، على سبيل المثال، يذهب الى ان تلك الاخلاقيات تمثل نظرية سياسية تعمل على التأسيس لمجتمع ديمقراطي مدني يستوعب التعدد ويكرس الحوار (17). رفض هابرماس هذا الاختزال السياسي لأخلاقيات النقاش معتقدا انها نظرية في التواصل،على وجه العموم، وقد يكون البعد السياسي أحد ابعادها. ان السؤال الاساسي لتلك الاخلاقيات هو على اي مرتكز يمكن تأسيس المعايير والاوامر؟ المعايير الاخلاقية هي تلك التي يقبلها اعضاء الجماعة التواصلية المعنيون بها بحيث تراعي مصالحهم المشتركة ويكون لها طابع كوني(18).

بهذا المعنى يغدو النقاش العملي اداة ذات مكانة جوهرية في سن المعايير وتبريرها، لان التبرير عملية بيذاتية تداولية غير منفصلة عن الاجتماع؛ كما انه وسيلة ملائمة لتأسيس تصور مجتمع حداثي في عصرنا هذا، عصر تراجع دور التقليد والعادات في شد اواصر العلاقات الاجتماعية؛ عصر تعدد المعتقدات والاعراف والتجمعات داخل نفس المجتمع؛ عصر تصاعد النزاعات الدولية مما يهدد الاستقرار والسلم العالميين؛عصر تصاعد المصالح التجارية والاقتصادية؛ عصر الاستغلال المفرط للبيئة وتفاقم الاحتباس الحراري الكوني. من هنا تأتي اهمية اخلاقيات النقاش والحوار، فمعاييرهما هي ما قد يكفل التوازن الدولي ويدعم تنمية المجتمعات. ذاك هو رهان اخلاقيات النقاش شريطة اجماع الكل على قواعد ومعايير وضوابط يلتزم بها المتحاورون في اطار فعل تواصلي.

هذا وقد دعم هابرماس اطروحته هذه بالنظرية الحجاجية فاستمد منها القواعد الصورية التي يجب على المتحاورين الالتزام بها قصد تحقيق الاجماع او اتفاق العقول. وبانفتاحه على النظريات الحجاجية، كان هابرماس يهدف الى تأسيس مبدأ استدلالي في اخلاقيات النقاش، يتشبه بذلك الموجود في العلوم الحقة(19).

والقواعد التي اقترحها هابرماس هي التالية:

1- لكل من هو قادر على الكلام والفعل نصيب كامل في النقاش؛

2- لكل الحق في اثارة اي اشكال او اعتراض على أي تأكيد كيفما كان؛ يندرج ضمن هذا الحق حق الاعتقاد في آراء ما والتعبير عنها؛

3- لا يحق منع اي كان منن المتحاورين من النقاش ولا استعمال اسلوب الاكراه عليه (20).

تفترض جميع هذه القواعد المشاركة والندية بين المتحاورين: لكل الحق في ان يدلي بدلوه ويفصح عما عنده دون تضييق او مضايقة قصد تحقيق الاجماع.

اضافة الى القواعد السالفة، زاد قاعدتين اخريين في صيغة افتراضيين مفادهما ان الدعاوى المعيارية للصلاحية تتضمن معنى معرفيا ويجوز التعامل معها بوصفها دعاوى للحقيقة؛ لذا ضرورة الدخول في نقاش حقيقي لتأسيس المعايير والاوامر اعتمادا على العقل المتواصل المتحاور وليس على العقل الفردي(21). وتعني صفة المعرفية ان الشيء قابل للقبول أو الرفض خلال عملية الحوار التي هي اخذ ورد. ان التركيز في اخلاقيات النقاش على اهمية الحجة والحجج في صياغة المعايير الاخلاقية والاجتماعية دفع البعض الى القول بان اخلاقيات النقاش ما هي، في حقيقة امرها، سوى تداولية فلسفية صيغت على شكل منعطف لساني تداولي اساسه التشديد على اهمية القوة غير القسرية للحجة الاقوى.

يبدو ان اخلاقيات النقاش عند هابرماس تهتم بالمعايير، معايير الفعل التواصلي، وهو امر لن يتم، بالنسبة لهابرماس الا في اطار الدولة الدستورية، حيث يكون بامكان المواطنين المشاركين في سياسة تشاورية ان يصلوا الى تأسيس معايير تحظى باحترام الجميع وقبولهم (22). فالمعايير ليست قرارات شخصية، بل هي مؤسسة على امكانية تبريرها تبريرا عقلانيا اعتمادا على عملية حوارية حجاجية (23). لذا فخلافا للتمييز اللفظي الشهيلر بين العقل الخالص والعقل العملي، يعمد هابرماس الى دمجهما في بعضهما؛ اي ان صلاحية المعايير الاخلاقية يحكمها تصور عملي ذو صلة بممارسة النقاش والحجاج اي تقوم في الواقع على الاعتراف بالمعيار في اطار نقاش يعترف ضمنيا به وتقبله جميع اطراف الحوار ثم ان ما يهم هابرماس هو سن معايير كونية قادرة على حل المشكلات التي فيها تتخبط البشرية وتعمق ثقافة السلام بين الامم والشعوب.

وعليه فان اخلاقيات النقاش، هي في العمق، اخلاقيات المسؤولية؛ وهذا ما اكد عليه زميل هابرماس و. والحقيقة ان اخلاقيات المسؤولية تحولت في  KARL OTTO APEL رفيقه في الدرب كارل اوتو آبل

الآونة الاخيرة الى تقليد فلسفي في ألمانيا؛ وهي من ابداع الفيلسوف الالماني هانز يوناش HANS JONAS في كتاب شهير له يدعى (مبدأ المسؤولية) له عنوان فرعي هو: اخلاقيات الحضارة التكنولوجية(24). يريد صاحب هذا الكتاب بهذه الاخلاقيات ان تكون بديلا للاخلاقيات التقليدية الميتافيزيقية وان تكون أخلاق المستقبل نظرا للتحديات التي افرزها العلم في الآونة الراهنة التي لم تعد فيها البشرية منكبة على حل مشكلاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فحسب، بل انضافت لها مشكلات البيئة والتلوث والانحباس الحراري…. اي ما انتبه الية تقرير نادي روما لسنة 1972. لذا سيعمل كارل اوتو ابل على دعم اخلاقيات النقاش بما ورد في مبدأ المسؤولية، في اطارحواري تواصلي يدعو الى تجند جميع الاطراف للتفاهم حول سبل مواجهة الخطر المحيق بالبشرية(25).

يمثل الارتباط الذي اقامه ابل بين النقاش والمسؤولية تصورا مخالفا لتصور يوناش الذي يربط المسؤولية بالذات على الطريقة الكنطية؛ بينما يجعل ابل المسؤولية عبر النقاش مسؤولية جماعية مشتركة؛ اي ان كل عضو في جماعة التواصل يتحمل جانبا من المسؤولية فيما يحدث حالا او مآلا ولا يستثني احد من المسؤولية، فالأمر يتعلق اليوم، حسب ابل، «بتنظيم، وفي اطار نقاش عملي، تنظيم مسؤولية للتضامن ازاء الافعال الجماعية»(26). ثمة، اذن، بعد سياسي لا ينكر في نظرية هابرماس وزميله كارل اوتو ابل لاخلاقيات النقاش خصوصا حينما ربطاها بمبدأ المسؤولية. بمعنى ان الجميع مطالب بان يتحمل مسؤوليته التاريخية في وضعية عالمية لم تعهدها البشرية من قبل كما لا يمكن تصور نتائجها على الاجيال المقبلة (27). وليس الهاجس،هنا، هاجسا فلسفيا او ميتافيزيقيا، بل هو هاجس تواصلي؛ وقد اوضح هابرماس ذلك بصيغة لا لبس فيها حينما قال:” لقد شرعنا في السنين الاخيرة، انا وزميلي كارل اوتو ابل في محاولة اعادة صياغة ما نسميه تأسيس المعايير،اي الاخلاق الكنطية، اعتمادا على وسائل مستمدة من نظرية التواصل” (28). ذلك ان المشاركين في النقاش او المتناظرين هم اناس واقعيون تختلف رغباتهم ودوافعهم ومصالحهم مما يعطى للنقاش قيمته.

خاتمة
يمكننا ان نستشف من افكار هابرماس بخصوص اخلاقيات النقاش، والفعل التواصلي انهما مبحثان مترابطان استند فيهما الى معطيات المنعطف اللساني وكذا الى النزعة الليبرالية للفيلسوف الامريكي رولز؛ ان انهما مبحثان لهما امتداد في الحقل السياسي. فنظرية الديمقراطية التشاورية التي كرس لها هابرماس اعماله المتأخرة، ابتداء من التسعينات، تعد اهم انجاز في ميدان الفلسفة السياسية المعاصرة. وتعد نظرية الديمقراطية التشاورية توسيعا لمجال الفعل التواصلي؛ اذ لا يمكن فصل التشاور عن هذا الفعل التواصلي الذي نظر له هابرماس قبل اخلاقيات النقاش.

بعد كتاب نظرية (الفعل التواصلي) 1981 ثم بعد الانشغال باخلاقيات النقاش سيصدر هابرماس كتاب الديمقراطية التشاورية وقد اراد منه ان يكون بديلا للديمقراطية الليبرالية التي دافع عنها رولز في كتاب نظرية العدالة. ان الفكرة المحورية لمشروع هابرماس في كتابه هي تأسيس الديمقراطية على اساس جماعة متواصلة خالية من اية هيمنة عدا هيمنة افضل حجة.كما ان مفهوم التشاور المرتبط باخلاقيات يعد مفهوما مركزيا لديه. ففي التشاور يعطى لكل عضو في الجماعة الحق في الكلام والفعل بخصوص القضايا السياسية و…المطروحة في الفضاء العمومي. وفي ظل ذلك النقاش العقلاني المؤسس يتشكل الرأي العام والارادة السياسية العامة للمواطنين في المجتمع الديمقراطي الذي يلعب فيه التشاور دورا مركزيا. هكذا تمثل مساهمات هابرماس في مجال الفلسفة السياسية وخاصة في نظرية الديمقراطية التشاورية مساهمة نوعية تندرج في اطار نقد اشكال الانظمة الكليانية كالنازية.

يقوم نموذج الديمقراطية التشاورية على الرغبة في تجاوز الليبرالية المتوحشة والنزعات الكليانية. فالتضامن هو اساس الاندماج الاجتماعي في الدمقراطية التشاورية بصفة اعضاء المجتمع مواطنين في الدولة اي اصحاب الحق الاحرار المتساوين امام القانون. فالنموذج التشاوري للديمقراطية، هو في اعتقاد هابرماس نموذج تواصلي. في هذا المنظور مفهوم السلطة. فاذا كان في كتاباته الاولى نحا على السلطة باللائمة معتبرا اياها مرادفا للهيمنة باعتبار ركيزتها هي المال والاعلام؛ وهي كلها عوائق امام تحقيق التواصل الشفاف في المجتمع، فانه في اعماله COMMUNICATIVE POWER المتأخرة عدل موقفه بان تحدث عن السلطة التواصلية التي اصبحت مفهوما متداولا في ارائه بخصوص الديمقراطية التشاورية. ان السلطة التواصلية سلطة غير قمعية وغير قهرية؛ ليس قوامها الاكراه والهيمنة، لانها نابعة من الفعل الجماعي. انها التواصل السياسي عندما يغدو مؤسسات في دولة الحق والقانون(29).

يعكس مفهوم السلطة التواصلية محاولة من هابرماس لاعادة صياغة وتحديد نظرية التعاقد الاجتماعي عندل روسو بجعل العلاقة بين السلطة والمواطنين علاقة افقية بدل ان تكون عمودية، معتقدا بذلك ان هذا القلب هو ما يضمن ان تكون السيادة للفعل فعلا. هكذا نلاحظ التحول الكبير الذي حصل في فلسفة التواصل لدى هابرماس من تأسيس التواصل على اللغة الى تأسيسه سياسيا؛ وهو تحول آتى في مطلع التسعينات من القرن المنصرم.

 

هوامش

1- بهذا الصدد انظر: مانفريد فرانك، حدود التواصل، ترجمة عز العرب الحكيم بناني، الدارالبيضاء،2002، ص 15

2- J.Habermas, Theorie de l’agir communicationnel, Trad.JM. Ferry, Paris, 1987, T.1, p.9

 3-Ibid, p.10

4- Ibid, p.417

5- مانفريد فرانك، حدود التواصل، مصدر آنف، ص 76 و54 M.Franck, La condition post moderne, Paris, 1979.

6- J.Habermas, La science et la technique comme idiologie, Trad.J.Ladmiral, Paris, 1973; J.Habermas, Connaissance et intérêt, Trad. J.Ladmiral, Paris, 1976.

7- J.Habermas, Profils philosophiques et politiques , Trad.J.Ladmiral, Paris, 1974, p.45.

8- ترجمة محمد ميلاد، دار الحوار، اللاذقية، 2002.

9- J.Habermas, Après Marx , Trad.J.Ladmiral, Paris, 1985, p.26-27.

10- M.Pusey, Jurgen Habermas, London, 1987, p.64.

11- J.Habermas, La science et la technique comme idiologie, p.167.

12- J.Habermas, La logique des sciences sociales , Trad.Rochitz, Paris, 1987, p.331.

13-Ibid, p.430.

14- J.Habermas, Verité et justification, Trad.Rainer Roschlitz, Paris, 2001, p. 56.

15- J.Habermas, Morale et communication , Paris, 1986. (ed.Flammarion)

16- J.Habermas, L’Ethique de la discussion , Trad. M.Hungadi, Paris, 1992, p.35-36.

17- J.Cohen, Discourse ethics and civil society , in, civil society and political theory, London, 1999, p.219.

18- Davis, FJ, Discourse ethics and ethical realism, p.244.

19-J.Habermas, Morale et communication, p.108-110.

20- J.Habermas, Morale et communication, p.111.

21- نور الدين افاية، الحداثة والتواصل، بيروت- الدارالبيضاء، 1991، ص.206

22- J.Habermas, Verité et justification, Trad.R. Rochlitz, Paris, 2001, p. 206.

23-Ibid, p.206

24-H.Jonas, Principe de responsabilité: une éthique pour la civilisation technologique, Trad. J. Greich, Paris, 1990.

25- K.otto Apel, Discussion et responsabilité: l’ethique après Kant, 1996.

26- Ibid, p.30.

27- K.otto Apel, Discussion et responsabilité, Paris, 1998, p.39-56.

28- J.Habermas, Ethique de la discussion, op.cit, p.15.

29- J.Habermas, Droit et democratie, Trad.R. Rochlitz, Paris, 1997, p. 189.