1- سياسة الأطفال:
اختفت، هذه الوجوه السياسية إلى الأبد!، التي اكتفت بمراكمة حلقات التفاهة. لم نعد نفتح، حواسنا صباحاً على حكايات مقززة تستحضر العصر الحجري، ينتجها بشر، حيث لا ماء في الوجه، ولا دم في الشرايين، ولا روح في الروح، ولا جسد في الجسد، ولا حواس في الجسد، ولا جسد في الحواس. سياسة تجاوزت هراء واحتقاراً لعقل الآخر، حمولة تلك المسلسلات الميكسيكية والتركية، ولما لا الجامايكية حتى، التي يسقطها علينا سخاء حكوماتنا الموقرة والمبجلة، كما تسقط أحياناً الأمطار بالضفادع، وتستوردها لا محالة بعملة نادرة تصعب على أصحاب الضمائر. نادرة حقاً، اسمها الاستهزاء من كينونة شعب بأكمله. سياسة صبيانية، تنهض على أفعال تلصصية فطرية، كأننا في حضانة للأطفال: دخل، خرج، أكل، نام، ارتدى، فرح، غضب، دخل ولم يخرج، خرج ولم يدخل، لم يدخل ولم يخرج، تحالف لم يتحالف، يميني حيث هو يساري، لا يساري ولا يميني، تخلفنا كثيراً عن التاريخ ثم ننام. فهذا السياسي يشتم ذاك السياسي حتى أخمص قدميه، ثم يعتذر،لأنه لم يشتمه حقيقة، لكنه توخى بشكل من الأشكال شتمه. رفض "إكس" الجلوس مع "ك". الأخير، يستنكر رفض"إكس"، مدعياً بأنه أحسن العالمين، وطني ابن وطني، من عائلة أكلت الوطن أبا عن جد، ومشبها "ك" بالهاربين من مستشفى الأمراض العقلية. يرد "ك" مهدداً "إكس"، بتحطيم الرمانة وكشف المستور، لأنه يتوفر تحت يديه على وثائق مهمة ستلقي بـ"إكس" وشرذمته من المنافقين المتملقين إلى قارة لا عهد لهم بها، فهو لص ابن لص ينحدر من عائلة لا تعرف من العالم إلا اللصوصية. يستدرك "إكس"، بأنه أراد فقط اختبار صبر "ك" على درجات تحمله للمزاح الثقيل أو مزاح البنائين، كما يقول المثل الشعبي، ثم تعانقا فرحاً بما كسبت مسرحياتهم من جمهور متسامح. "إكس" و"ك"، لم يكونا قبل قليل شيئاً يذكر، ثم أضحيا زعماء من فراغ، في زمن يعز عليه أن يخرج من بطنه زعماء من لحم ودم.
متى ننتهي من هذا؟ فتستعيد السياسة رشدها باعتبارها قيمة مبدعة يتجاذبها سجالياً، أطراف منظومة قطبية، تتموضع وفق منظومة تقوم على حدين اثنين كبيرين، يمؤسسان ويهيكلان ويعقلنان، هذا اللانهائي السرطاني الذي قد تتلبسه التجربة الحزبية، إذا غابت عنها المرجعية السياسية، وسقطت في السياسوية والديماغوجية: قطب يميني وقور وجاد، ببرنامجه الدءوب مرحلياً ومستقبلياً. قطب يساري، معقول وصائب وصبور، بجدول أعماله الممكنة والمحتملة. السياسة تبني مجتمعاً بتفعيل منظم للتعدد الذي يسكنه، هي ليست بشمولية صنمية، ولا تفتيت مائع للقيم الصميمية، كي تتقزم إلى مجرد تفاصيل شخصية، لا تهمنا في شيء، لا من قريب أو بعيد، حيث دوامة الميكانيكا المرضية لأفعال غرائزية على طريقة: صرح، ابتسم، زمجر، قال، شدد، لم يقل؟ لم يشدد؟ .. نريد منظومة وجماعة سياسية، يخوضان في قضايا العصر، أفراد لهم من العلم والحُلم والحِلم والأهلية والمؤهلات الفكرية والسيكولوجية والكفاف والعفاف والغنى عن الصغائر، ما يخول لهم حقا جدارة أن يكونوا طبقة سياسية وليس جوقة من المهرطقين.
2 –برلمان حلويات أكتوبر:
يزدرد برلماننا ميزانية فلكية، كي يضحكنا مرتين في الأسبوع، إنه الممثل المغربي والعربي، الأعلى أجراً، لكن في الغالب الأعم، قد يكون إضحاكه لنا، رتيباً ومضجراً، يفتقد لحس الكوميديا الهادفة والذكية التي تضحكك بالبكاء وتبكيك بالضحك ومن الضحك. والحال كذلك، ستغنينا في رأيي أشرطة "شابلن" ولما لا "المستر بن" وأمثالهما، بدريهمات قليلة فقط، عن كل هاته التكلفة التي تتطلبها شتائم في شكل أسئلة وأجوبة ولغط وكلام زائد وتنابز بالألقاب، وعربية لا هي بالعربية ولا بغير العربية، ووزراء يتبرمون من هكذا جلوس، ونواب يتصببون عرقاً لمجرد هنيهات من الوقوف، فالجسم السياسي مريض، ثم هذا يشق بطنه والآخر يلطم خدوده، وثالث غير مبال لأنه مأخوذ بصنيع هاتفه المحمول، ومابينهما يغط في سبات عميق.
البرلمان فضاء ديمقراطي، ومؤسسة المؤسسات الفاعلة التي تشكل لب وقوام الثقافة السياسية الجادة، التي تنتقل بالمنظومة المجتمعية إلى مسارات أكثر تقدماً وزخماً، يعكس عبر كل الوجوه سلباً أم إيجاباً، حقيقة ما يعتمل داخل المجتمع، بالتالي، يكفيك أن تتابع جلسة برلمانية واحدة كي تستشف بأسهل مما يكون، المستوى الذي بلغه عقل البلد سياسياً. البرلمان، مساءلة المجتمع الدائمة لنفسه، والسؤال هو الوجود، فإلى أي حد تؤمن جماعتنا بوجودها؟
3-مدرسة تٌغتصب:
مدرستنا، بئيسة ومسكينة، بمدرسين مقهورين اجتماعياً، ومنخورين ومترهلين بيروقراطيا.فريق كبيرمنهم، لا علاقة له بالمدرسة ومفهوم التدريس كما كرسته لا أقول التقاليد الطليعية، بل مجرد ألفبائيات التلقين، إلا الجفاء والنفور والاغتراب، ولأننا في الدول المتخلفة، لا يسمح لنا حقيقة الوضع بالمرة كي نصنع بأنفسنا مانشاء ومن تم نختار بكل حرية المهنة التي نريدها، بغير قهر ولا استلاب، فأغلبنا مسير لا مخير. لذا، فكم من مدرس أخطأه القدر، وبدا من الأجدر، أن يكون طبالاً! وكم من رقاص ظلمته الحياة فأضلته السبل عن شرف التدريس! أي المساهمة في إعادة إنتاج العقول، كي تفكر.
ماهو المشهد المميز حالياً للمدرسة المغربية؟ رجل تعليم متعب، غير متحمس،غير آبه، منشغل بهموم معيشية ثانية لا علاقة لها بنبل التدريس. مدرسة، بمعطيات لوجيستيكية وبشرية متآكلة، أكل عليها الدهر وشرب وتثاءب وتمدد. متعلمون، يبتغون من العالم كل حكاياه، إلا أن يتعلموا. إذن،مدرسة لا تثير، مدرسون نمطيون منفرون لا يلهمون، متمدرسون لا يستوعبون أساساً لماذا عليهم الانخراط بكل جوارحهم، والتعامل بجدية مع قواعد لعبة فاشلة أساساً، بناء على الشروط القائمة أعلاه؟ فتاهت المدرسة وسط سراديب، بلا خريطة، لأرقام وكميات وهندسات، تتحصن بمنطق حشوي، يستخدم مكر اللغة بغية إعادة تأثيث نفس المقدمات الخاطئة أصلاً، باستعارات منمقة.
المدرسة، منطلق الشعوب ومنتهاها، الارتقاء بالمعرفي الذي لا ينتهي نحو مدارج الكمال. لذلك، فالشعوب التي تتعامل مع هاته المدرسة بنوع من الغمز واللمز، منتهية لا محالة إلى مزبلة التعفن.
4-جامعة مع وقف التنفيذ:
من يتأمل حاضراً، وضعية الجامعة المغربية، سيجدها مثل أطلال يتعالى من داخلها عواء ذئاب متعطشة للجاه والسلطان. لا أظن، أنه قد تنتمي اليوم جامعة إلى العالم المتمدن، ولازال أستاذ داخلها ينعت بالدكتور الكريم، والأستاذ الفاضل، وهو لا يملك من الأستاذية غير تراث أطروحة يتيمة أو بيضة الديك كما سماها أحد السوسيولوجيين، ثم حمولة طويلة وعريضة من الألقاب المطروحة في الطريق، وإشراف دونكيشوتي على ما أضحى موضة جارية "مراكز للبحث"، لا نعرف عن مباحثها شيئا اللهم الادعاء. والأسوأ ربما، تتبع منسوب صبيب مالي بارد خليجي أو غربي. نعم، مراكز بيافطات عريضة، تحيط بها قصور من سراب. أيضا، ونحن في القرن الواحد والعشرين، والعالم قد صار مسألة علمية بحثة، لا تقديم ولا تأخير،لازال بعض ممن تبوأ قيادة الجامعة، تهزمه من الجولة الأولى، حيواناته المنوية، فتلفه جنسية هيستيرية، داخل قاعة الدرس، أمام أي طيف أنثوي، كي يختبر فحولة منطقته السفلى، بقضيب التنقيط الشهير. جريمة، بكل المقاييس؟ لذا، أتساءل ماهي الحدود المتداخلة بين التنديد الأكاديمي بدعارة نسائنا في الخليج مثلاً، ثم أن تجبر فتاة أيها المربي، على تدشينها ولوج عالم البغاء المدنس، وياللحسرة، انطلاقاً من عتبات فضاء الجامعة المقدس؟ ويحك، ألا تنتهي هاته عند ذاك؟
(المغرب)