يتناول الكاتب الفلسطيني قضية الإسلام في أمريكا من خلال قراءته لكتاب (ثورة هادئة) للباحثة ليلى أحمد، وهو كتاب يتميز بشموليته وقراءته لمعظم الإنتاج حول المرأة والإسلام بالإضافة إلى أن الباحثة شاهدة على التغيرات على مشهد العمل الإسلامي الأمريكي، واستطاعت أن تكشف خطورة الإعلام وقدرته على خداعنا.

الإسلام في أمريكا

زمن المحنة ومن الجيل القديم والجديد ومصير الحجاب

إبراهيم درويش

رحلة الحجاب إلى أمريكا مثيرة، فهي مثل كل قصص 'الحلم الامريكي' بدأت بالهجرة، ولكن الحجاب كانت امامه رحلة جبلية صعبة كان عليه صعودها، واهمية القصة الامريكية للحجاب انها تحمل معان كثيرة ليس عن الرؤية النمطية لقهر المرأة واستعبادها واستخدام الدين من اجل ذلك.
ولا لان الدين هو الازمة، بل من خلال قصة الحجاب يمكننا ان نقرأ تاريخ المسلمين المعاصر في امريكا، على الاقل في العقود الاربعة الماضية، فالقصة تبدأ مع الطلاب ومؤسساتهم ومشروعهم الاسلامي وتنتهي مرورا بأحلك فترة في تاريخ امريكا فيما يتعلق بالإسلام والمسلمين بجيل جديد يحمل نظرة جديدة ومختلفة عن الاسلام. وهؤلاء هم الذين باتوا يقودون الاسلام او يحركون النقاش حوله في امريكا. وقصة الحجاب في امريكا اي قصة الاسلام هي قصة عن التحيز والمواقف الجاهلة من الاسلام والمسلمين، كما انها قصة عن تكيف الحلم الاسلامي المشروع الاسلامي- مع الحلم الامريكي وفي النهاية ولادة حلم جديد، فالحركات الاسلامية العالمية النزعة عادة ما تتحول الى كيانات محلية تحمل كل منها رؤية محلية عن النزعة العالمية، هذا واضح في الفكر الإخواني الذي حولته فروع جماعته القطرية الى حركات منفصلة في الهدف والرؤية وباتت تعبر عن هموم اجتماعية ووطنية مختلفة، كما في السودان ومصر وفلسطين وغيرها. والقصة الأمريكية للإسلاميين لا تختلف عن هذا فهؤلاء اندفعوا او دفعتهم الاحداث والتغيرات التاريخية المفصلية لإعادة النظر في أولوياتهم. وعلى شاكلة ما حدث بين الاسلاميين في اوروبا في العقدين الاخيرين من القرن الماضي ففكرة 'توطين' الدعوة صارت محورية وهي في هذا الاطار صارت عنوانا غير مباشر عن اهمية 'المواطنة' في البلدان الاوروبية، وبخلاف ذلك فالنقطة المفصلية التي دفعت المسلمين الامريكيين لتأكيد هويتهم وتأصيل وجودهم في امريكا جاءت نتاجا لهجمات 9/11 التي وان اثرت على علاقات امريكا مع العالم الاسلامي بشكل كبير وقادت الى امبريالية امريكية متغطرسة الا ان المسلمين الامريكيين كانوا الاكثر تأُثرا ومعاناة منها ومن اثارها حربها على الارهاب، وفي معمعان الحرب هذه تم طحن المسلمين الذين قاتلوا وحاولوا اثبات وجودهم وولاءهم وتساوق حلمهم الاسلامي مع الحلم الامريكي من ناحية العدل والحرية والتسامح وحق كل انسان بالعيش والتعبير عن رأيه. إن مآلات الإسلام الأمريكي وليس 'الامريكاني' باللغة القطبية، هي مآلات من الكفاح والمجاهدة والابتلاء والتنزيل حسب لغة الترابي، وهي رحلة ظلت المرأة في قلبها وقالبها وجوهرها، سواء من ناحية الدور او كقضية عن حرية المرأة وحقها في النظرة الاسلامية، ومعها حمل الحجاب لغته الخاصة وتمثيلاته ورموزه التي وان تلاقت مع مفاهيم الحجاب العامة في زمن الصحوة الإسلامية إلا أنها اختلفت او حملت معها إعادة إنتاج كل النمطيات الامبريالية التي استخدمتها الامبريالية لفرض الهيمنة على العالم الاسلامي. واللافت للنظر أن حكاية لورد كرومر مع المرأة المصرية وتحريرها من اضطهاد الاسلام تم انتاجها مرة اخرى في المنطق الامريكي الجديد في مرحلة ما بعد ايلول/ سبتمبر، ولا بد من التذكير هنا ان كرومر ربط تخلف المرأة المصرية بالإسلام لكنه عارض تعليمها، وهو نفسه كان متخلفا ورجعيا عندما عارض حركة التحرر ومطالب المرأة بحقوقها في بريطانيا، مما يجعله منافقا. لكن في الخطاب الغربي وما يتعلق بالإسلام هناك درجة عالية من النفاق.
زمن المحنة
عانى المسلمون في امريكا من تبعات حرب الارهاب، على صعيد المعاملة القتل- التحرش والسب والقذف- وعانوا من النظرة الدونية اليهم وعانوا من تكميم حريتهم واعتقالهم وعانوا من التجسس والمراقبة والتفتيش في المطارات، ففي قصة بنت مسلمة امريكية وصلت المطار وطلب منها مفتش الهجرة ان تخلع حجابها، وعندما سألت عن السبب وجدت نفسها محاطة بثلة من الجنود المدججين بالسلاح 'وهنا خلعت حجابها'. كانت بوتقة ايلول/ سبتمبر مصهرا صهرت فيه الهوية الاسلامية، فقد اصبح المسلمون مركز القهر والعداء والكراهية والتنديد والشك وفي اتجاه اخر اصبح اسلامهم ايضا مثارا للانتباه والبحث والتعرف عن تعاليمه، ففي المرحلة هذه لم تكن ' البيوت المفتوحة' في المساجد التي فتحتها الجمعيات الإسلامية لتعريف الأمريكيين بالإسلام لم تكن قادرة على استيعاب القادمين، وكانت الكنائس والكنس تفتح ابوابها لتخفيف حدة الضغط على المساجد. اهم ما برز في مرحلة ما بعد الهجمات ان المنظمات الاسلامية التي كان اهتمامها مركزا في الماضي على هموم 'الوطن الاسلامي' وقضاياه وتجمع المال لدعمها وترسل المتطوعين للمساعدة اخذت تتلفت بشكل كامل لهموم المسلمين ومخاوفهم في امريكا، فلم تعد فلسطين او كشمير حاضرتين في النقاش ولم يعد انتقاد السياسة الخارجية الامريكية مركز انتباه المنظمين للتجمعات السنوية الاسلامية بل ترك الامر للضيوف غير المسلمين، ولم يكن للمسلمين مجال للنقد لانهم في مركز اهتمام الاعلام فاصبح بناء 'مدرسة' او استخدام كلمة جهاد مثارا للانتباه والعرائض والشجب، كما حدث في محاضرة شاب امريكي مسلم- يزيد ياسين عندما القى محاضرة في هارفارد بعنوان 'جهادي الامريكي'، بل باتت خلافات المسلمين في المساجد اشكالية تهم الصحافة الوطنية التي اخذت تعد التقارير والافلام الوثائقية عن خلافات المسلمين في خدمة واضحة للحرب على الارهاب. لقد غير اسامة بن لادن وقاعدته امريكا وجعلها تدوس قيمها ومثلها التي يتغنى بها الساسة حتى الان، حتى عندما قتل اوباما مهندس الهجمات قبل شهر. ماذا يفعل المسلمون وكيف ينظمون استراتيجيات للبقاء والتأكيد على هويتهم وولائهم، كان هذا مثار حوار الاسلاميين انفسهم الذين قادوا الفعل والعمل الاسلامي وحملوا معهم الجهاد وظلوا اي الرجال الممثلين للمرأة وحجابها، فقد اجبروا او اجبرتهم الظروف الجديدة على تغيير آليات العمل وخطابهم، فإضافة إلى مهمة التركيز على الهوية، فتحت المنظمات الاسلامية الباب لكل الخطابات ووجهات النظر، بل بات المتحدثون غير المسلمين فيها اكثر من المسلمين، وصعدت المرأة مركز القيادة وتولت قيادة دفة السفينة، كما طالبت بإلغاء نظام عدم الاختلاط، وتسامحت المؤتمرات مع غير المتحجبات في مؤتمراتها العامة، بل سمحت لمفكرين واكاديميين اسلاميين جدليين للظهور على منصتها وهي المنصة التي ظلت حتى وقت قريب حكرا على القادمين من الهند والباكستان والعالم العربي، وبات المسلمون الامريكيون السود يشكلون جزءا مهما في اجندة المؤتمرات. والتطور الاهم هو ان الاصوات الجديدة في مرحلة ما بعد 'المحنة' وجدت مساحة للتعبير فلم تعد مجموعة من المنظمات تسيطر او تمثل المسلمين ووجهة نظرهم.
أيتها العميلات اخرجن
فالأصوات الجديدة من العشرة مليون مسلم او يزيد هم اليوم من يقودون الاسلام الامريكي الى رحلة جديدة وحلم امريكي جديد، وهم على تنوعات ما يطرحون، ويقومون به، اعادة قراءة النص الاسلامي، دمقرطة الاسلام، والتأكيد على مبدأ العدل في الاسلام الذي يرفض اضطهاد المرأة واستبعادها من الدور في الحياة العامة، ما يميز هذا الجيل انه ابن الثقافة الامريكية ويعمل على تجذير فهمه وعلمه بالثقافة التقليدية المسلمة، فهو في النهاية نتاج ثقافتين ومدرستين معرفيتين، اسلامية وغربية وعليه يجد في الاطار الديمقراطي مساحة لنقد الخطاب الاسلامي وطرح الاسئلة الاشكالية والمثيرة، دون تردد، وفي الوقت نفسه التأكيد على التزامه بإسلامه وليست رفضه. اهمية هذه الخطابات الاسلامية في امريكا اليوم انها انهت الاصوات 'العميلة' التي استخدمها المحافظون الجدد من اجل تشويه الاسلام من مسلمات 'حبة قليلة' او مسلمات 'سابقات' كما تدعي بعضهن، هاته النساء تلقفهن اليمين المحافظ واغدق عليهن المال والرعاية واصبحن نجمات باسم اسلام يقلن انه 'شرس ومتطرف وكاره للأديان والمرأة' بصورة لا تقارن بدين اخر او اعتقاد. كل هذا على الرغم من كذبهن وتزويرهن للحقيقة، وقصة اعيان حرسي 'التي تريد اصلاح الاسلام 'ونورما خوري، وازار نفيسي وارشاد مانجا وغيرهن حاضرة فكلهن كن اما يقبضن من ليز تشيني او تم تبنيهن من دانيال بابيس الذي جعل نفس رقيبا على الحرية في الجامعات باسم اسرائيل ومحاربة ' الفاشية الاسلامية'.
الحرب على الارهاب باسم المرأة
لقد منح الإعلام الامريكي الذي تأدلج هذه الأصوات الناقدة الحاقدة والكارهة لنفسها فرصة ادعاء تمثيل الاسلام وعذابات المرأة المسلمة. ان موضوع المرأة المسلمة في الحرب على الارهاب تحول لشماعة من اجل تبرير الحرب على الارهاب، فالطائرات التي كانت تدمر العراق وافغانستان وغزة وتقتل الاطفال والنساء لم تستدع من الاعلام او الناشطات النسويات 'المدعيات' حملة دولية للدفاع عن المرأة العراقية او الافغانية، لكن مجرد صدور كتاب يشير لقصة اضطهاد امرأة مسلمة كان يجد تغطية اعلامية ويتحول الى 'اكثر المبيعات في العالم' قصص من مثل كارمن بن لادن وخوري وحرسي تم تلقيها من الرأي العام ودور النشر دون النظر في محتوياتها بل عندما تم فضح كتاب خوري عن جرائم الشرف في الاردن، قيل للناشر عن السبب الذي منعه من التحقق من معلوماته فأجاب آن بعد هجمات ايلول/ سبتمبر كانت شهية العالم لكل ما هو اسلامي ومسلمة لا تقاوم. بل في اجواء العداء والنمطية لم يقم احد بالدعوة الى انقاذ المرأة المسيحية وتحريرها في مجتمعات نامية او قمعية في افريقيا واسيا بل وتلك الخارجة من الستارة الحديدية. لقد قاد الجو القاتم وموقف الاعلام وتآمره مع المحافظين الجدد، والسياسة الامريكية، الى احكام الخناق على الاصوات النسوية التي عملت حياتها كلها من اجل قضايا المرأة العربية والمسلمة وفتح الباب امامها للمطالبة بحقها الى التفكير بالتوقف عن البحث او التوقف قليلا لان الجو العبثي الذي آلت اليه الاحوال في امريكا كان مرثيا. قصة الحجاب والاسلام في امريكا، لا تنفصل عن مواقف الادارة الامريكية وافعالها، فظهور جورج بوش في مسجد واشنطن لم يكن سوى مظهر اعلامي وقيل انه محاولة من الرئيس لدعوة الدول الاسلامية كي تدعمه في الحرب على الارهاب، والحرب هذه شملت المرأة، كما ورد في خطاب السيدة الاولى في حينه لورا بوش، التي قالت ان الحرب في افغانستان ليست موجهة ضد ارهاب القاعدة بل من اجل كرامة المرأة وشرفها، مما يعني ان تحريرها يحتاج الى حشد الجيوش والطائرات الاساطيل. وصار كل تقرير من الجبهة يشير الى امرأة خلعت حجابها للترحيب بالفاتحين او صورة عن فتاة لم تزل تلبس البرقع في افغانستان. لا مجال للشك ان الهجمات انتجت فضاء مفتوحا لكل من يكره الاسلام ان يكرهه امام عين الاعلام وبحصانة بل وبدعم من الاعلام كما شاهدنا في قصة القس 'المجنون' الذي حرق القرآن وتحولت قصته الى حدث عالمي، في وقت كان الاعلام يتجاهل كل صوت يدعو للحكمة من المسلمين او حتى البيانات التي صدرت عن المسلمين في مساجدهم تؤكد على ان ابناءها مواطنون خلص وليسوا دعاة فتنة.
قصة العمل الاسلامي
هذه المعلومات هي التي توردها الاكاديمية ليلى احمد في دراستها عن الحجاب ورحلته لامريكا، وهي ترصد في الجزء الثاني من كتابها 'ثورة هادئة' قصته من خلال قصة الطلاب المسلمين الذين هاجروا للدراسة وبقوا هناك اضافة للمهاجرين الذين استفادوا من قانون الهجرة في بداية الستينات من القرن الماضي. والكاتبة هنا تقرأـ قصة الاسلام عبر مؤسساته وتجلياته الحركية والاسلامية السياسية، مع انها تقول الغالبية من المسلمين الامريكيين لم يكونوا ملتزمين اسلاميا- اي ناشطين، لكن بذرة النشاط الاسلامي بدأت من خلال جمعية الطلبة المسلمين في امريكا، التي جاء مؤسسوها من ارضيات اخوانية او من ابناء الجماعة الاسلامية الباكستانية، وظل المدرستان هاتان تسيطران على الفعل الاسلامي حتى الهجمات مع وجود عدد اخر من التنوعات الاسلامية من جماعة التبليغ واخرى صوفية، اهمها النقشبندنية التي أثارت شهادة مسؤولها هشام قباني، في الخارجية ضجة كبيرة عندما اتهم المنظمات الاسلامية الامريكية بالتطرف والاصولية مما ادى الى شجب عام له، واعتبرت تصريحاته تصب في الصف المعادي للإسلام وخدمته. كانت جمعية الطلبة المسلمين هي البذرة التي ادت لولادة الجمعية الاسلامية لشمال امريكا (اسنا) وهي المنظمة التي اخذت الكاتبة تشارك في مؤتمراتها السنوية وترصد ما يحدث فيها كحالة للدراسة والتغييرات خاصة على صعيد المواقف ودور المرأة وفي الكتاب نقرأ قصة 'اسنا' قبل الهجمات وما بعد الهجمات، ففي المرحلة الاولى استطاعت الجمعية ادارة شؤون الفعل الاسلامي، ففي الثمانينات من القرن الماضي كان لديها اكثر من 310 فروع واكثر من 30 الف عضو. وكانت الجمعية كما سابقتها تعتمد على الدعم الخارجي من الدول النفطية ومن رابطة العالم الاسلامي ولهذا تلاحظ ان عددا من المثقفين ممن ارتبطوا بها كانوا متأثرين بالحركة السلفية الوهابية، وعلى العموم فان تطور الحركة وخطابها كما تشير كان مرتبطا بهموم الخارج، وكان الحجاب علامة والفصل جزءا هاما من شكلها، كما ان الذين كانوا يشاركون في مؤتمرها السنوي وممن يشدون الرحال اليها من المدن الامريكية وكندا وغير ذلك كانوا يأتون للقاءات الاجتماعية والبحث عن ازواج لبناتهن والاستماع للمحاضرين القادمين من الباكستان وبريطانيا والعالم العربي، وكانت البازارات والدعوات للتبرع موجهة لدعم قضايا مسلمة في كل انحاء العالم.
كيف تغيرت 'اسنا'
وتقول احمد انها منذ ان بدأت تحضر مؤتمرات اسنا في التسعينات كانت تحضر معها حجابها لانها كانت الوحيدة بين بحر من المتحجبات. المشهد تغير في مرحلة ما بعد الهجمات، على صعيد الاجندة والقضايا، والحضور والجو المريح المفتوح، والاصوات النسائية التي بدأت تثبت حضورها في جلسات المؤتمر، وكذا تشير الكاتبة الى اختفاء او تراجع في جمع التبرعات مقابل التركيز على هموم المسلمين الامريكيين ومشاكلهم وكذا النقاش بين الاباء- الاسلاميين الذين بدأوا يطالبون بالاستماع اليهم م ومشاكلهم ويتساءلون عن سياسة الفصل خاصة ان الكثيرات يتحجبن للمناسبة وفي الخارج بدون حجاب، وكما اشرنا اعلاه فان الهجمات والمناخ العام ادى الى تغيرات في المواقف والاهداف، مما ادى الى غياب التأثير الخارجي التي تقول انه بدأ في الحقيقة بعد حرب الخليج، حيث اصبحت منظمات اسلامية ترفض الدعم من دول النفط لان دعمها لم يكن بدون شروط. ليلى احمد في تاريخها لاسنا وقراءتها لسيرة الحجاب من خلاله تقرأ كيف تطور العمل المؤسساتي وتوسع وهو التوسع الذي وسع وعدد اهتمامات العمل الاسلامي في بداياته، ولان اسنا وبعدها مجلس العلاقات الامريكية الاسلامية 'كير' كانا من بين عدد من المؤسسات البارزة فقد تحولت الى مرجعية سواء للمؤسسة الرسمية والاعلامية مما ادى الى ظهور اصوات ناقدة من مثل قباني الذي ذكرناه واكاديميين انتقدوا الناشطين باعتبارهم غير عالمين بالإسلام، ومن النقاد خالد ابو الفضل، الاكاديمي ومؤلف كتاب 'السطو الاعظم' ومن 'يتحدث باسم الاسلام'.
أبناء وبنات الإسلاميين
كما تغير المشهد العام في امريكا بعد الهجمات فقد تغير المشهد الاسلامي، وتغيرت اسنا، ومعها ظهرت منظمات جديدة كانت على الهامش واصوات جديدة تعبر عن تواريخ نساء وناشطات بتن ينظرن للتجربة الاسلامية والهوية ويتعاملن معها كأمريكيات، وبات فكرة الوطن الامريكي حاضرة وسائدة في خطابات 'الاسلاميين' في اسنا وغيرها، ومع انفتاح الاخيرة وتغيرها، فقد تغيرت الأفكار العامة، حيث تحولت فكرة الحجاب والمرأة الى قضية 'عدالة'. مشهد الحجاب في امريكا تغير نتيجة لجهود عدد من الناشطات ممن انخرطن في العمل المدني والاكاديمي وحقوق الانسان، وحوار الاديان، وبعضهن مررن برحلة من الشك الى الايمان. ومما اغنى المشهد الثقافي الاسلامي ظهور اكاديميات يمثلن التنوع الاسلامي: من اصول افريقية، امينة ودود، وجديدات ' اعتنقن الإسلام': انغريدماتسون وأخريات من أصول اسيوية: خديجة خفاجي. وقد انشغلت هذه الاوساط بالنص وقراءته من منظور المرأة وما يميز هذا الجيل من الاكاديميات والباحثات والناشطات هو انهن ينقدن ويعدن قراءة الاسلام من داخله، فلم يرفضن هويتهن. هناك غنى في المشهد الاسلامي الامريكي من ناحية التعبير الادبي والفني والسينما، وجماعات تقدمية اسلامية واخرى تطرح ما كان ممنوعا من النقاش، من شاذين مسلمين وغيرها. لقد حدثت قفزة في وضع المرأة المسلمة من جيل زينب الغزالي الى جيل المسلمات الامريكيات. والحقيقة ان ما يحدث في امريكا يصدق على اوروبا وامريكا بل نجد تنوعات من هذا في دول عربية واسلامية وان جاءت اقل ليبرالية. ما تتوصل اليه ليلى احمد هو التالي: ان ابناء الاسلاميين هم من يحددون الان معالم الاسلام خطابه ووجهته في امريكا، ولان الحجاب وفكرته- لغته ورمزيته- ترتبط في التاريخ بأكثر من تفسير- نهضوي مع انها متحفظة حول قاسم أمين، استعماري كرومر واخوانه من الأمريكيين، اسلامي، الحركات الاسلامية، موضة ورمز جديد للباس ـ لون وجمال، واخيرا مرتبط بالعدالة كما يطرح الان بين المسلمات الامريكيات، فهي تقول ان درجة الوعي بهذه الفكرة وعلاقتها بالنزوع نحو الحجاب تجعل من الحجاب كفكرة وتوجه قابلا للاختفاء خاصة انها امام حالات وقصص عن محجبات ومن تخلين عنه مما يجعل من تشخيص البرت حوراني في منتصف القرن الماضي صحيحا ولا زال قائما، فهل الحجاب اذا موجة ستنتهي ام انه توجه قائم وسيظل موجودا، وجزءا من الفضاء الغربي، هذه الاسئلة نتركها للزمن القادم، الكاتبة تعترف انه بنتائجها قد تثير غضب الاسلاميين، بالتأكيد ليلى احمد مصيبة في القول ان من يقود الفعل الاسلامي في امريكا والغرب عامة هم ابناء الاسلاميين، ولكن نتائجها حول مصير الحجاب تظل مطروحة على المحك. واخيرا فما يهم في هذه الدراسة هي شموليتها وقراءتها لمعظم الانتاج الشعبي والاكاديمي حول المرأة والاسلام وكونها وهذا هو المهم شاهدة على التغيرات على مشهد العمل الاسلامي الامريكي، ولعل الفصول عن مرحلة ما بعد 9/ 11 مخيفة في تفاصيلها مع اننا نعرفها ولكن الكاتبة تضعها في سياقها التحليلي والمفاهيمي وتضعنا أمام خطورة الإعلام وقدرته على خداعنا.