(نصوص الأشباح) هي المجموعة السادسة للقاص محمد أبو الدهب صادرة عن دار الناشر للنشر والتوزيع – 2010 م -، وأول ما يلفت انتباه القارئ في هذه المجموعة هو اهتمام القاص بما يسمي " النصوص الموازية "أو " عتبات الكتابة " ويقصد بها العنوان الرئيسي والمقدمة والإهداء والتصدير والعناوين الفرعية والحواشي وكل ما يحيط بالنص وهي ليست زوائد هامشية ولكنها مكونات جوهرية في النصوص الأدبية ويقول عنها "جيرار جنيت{ اٍنها خطاباً أساسياً، مساعداً، مسخراً لخدمة شيء آخر يثبت وجوده هو النص } وتختلف درجة الاهتمام بهذه " النصوص الموازية " أو " العتبات " من أديب لآخر ومن نص لآخر. وفي هذه المجموعة القصصية تؤدى "عتبات الكتابة " دوراً مهما في إغواء القارئ بالدخول في عالمها القصصي وتمثل الموجّه الأول لعملية القراءة وإنتاج الدلالات وأول "عتبة" تواجهنا هي العنوان الرئيسي المكتوب علي الغلاف الخارجي ويوجد أسفله العنوان التجنيسي " قصص" الذي يحدد النوع الأدبي وقد حدد جيرار جنيت وظائف العنوان في" التعيين والوصف والإغراء والإيحاء " ولا يشترط في كل عنوان أن يؤدى هذه الوظائف كاملة، وهذا العنوان " نصوص الأشباح " يعمل علي تسمية وتعيين هذه المجموعة وإغواء القارئ بقراءتها هذا إلي جانب الدور المهم الذي يؤديه في عملية الإيحاء حيث أن دلالات تشكل مدخلا دلالياً يفتح الطريق أمام القارئ ويحقق عبوره إلي أجواء العالم القصصي لهذه المجموعة، فهو عنوان إبداعي رمزي يتكون من مفردتين الأولي "نصوص" – جمع "نص" وهو الصيغة الكلامية التي وردت من المؤلف بالتحديد والعنوان التجنيسي "قصص" يوضح بشكل مباشر أن هذه النصوص هى القصص الموجودة في المجموعة وبناءاً علي ذلك فإن "الأشباح " هي الشخصيات، ومفردة أشباح جمع شبح وهو ظل الشيء أو الطيف كما أن هذه المفردة مشبعة بإيحاءات نفسية متعددة ترتبط بأجواء الموت والرعب أو الهزال الروحي أو الجسماني للإنسان المعاصر في عالم سيطرت فيه النفعية والمادية علي كل ما هو جمالي،والذي يحدد كنه مفردة الشبح – الشخصية- هو السياق القصصي لكل قصة
وبعد عتبة العنوان الرئيسي لهذه المجموعة القصصية " تأتي "عتبة المقدمة"ـ النص الذي يتموقع فى صدارة الكتاب ـ واللافت للانتباه أن المقدمة جاءت في شكل" قصة قصيرة جداً " تتوافر فيها مقومات هذا الفن السردي وهي القصصية والوحدة والتكثيف والقصر والمفارقة الموحية حيث يقول القاص {صدفة جمعتني برجل دين، ليس له أتباع / قلت: عندما نموت، ننام في الحديقة. /قال: عندما نموت، تموت الفكرة في صدرونا } ومن خلال هذه المقدمة – القصة القصيرة جداً- التي تمثل إضاءة خافتة علي أجواء العالم القصصي لهذه المجموعة يتعرف القارئ علي لغة القاص وأسلوبه الفني ويشتبك مع ما بها من رموز مثل ( الصدفة التي تجمعنا بمن ليس له أتباع)"، وهاجس الموت وعلاقته بالذات وتصورات الذات له وعلاقته بالآخر وتصورات الآخر له وطبيعة الموت نفسه ( موت يأتي بعد انتهاء العمر ) أم (موت الفكرة في صدرونا )موت معنوي"و بعد الموت هل (ننام في الحديقة) راحة بعد التعب ويربط القارئ بين هذه الرموز وبين القصص الموجودة في هذه المجموعة من حيث حضورها أو غيابها في هذه القصص ونوع العلاقات بينها من تضاد أو تناقض أو تضمن أو تقاطع، وبعد عتبة المقدمة تأتي عتبة الإهداء واللافت – أيضاً- أنه جاء علي شكل قصة قصيرة جداً مكثفة ومقتضبة يؤدى فيها الفعل "سيحملون " دوراً مهما لتحقيق مبدأ القصصية حيث أن الفعل يشير إلي الدور الذي تقوم به الشخصية وله أيضا جانب مهم هو البعد الزمني فالقصة القصيرة جداً بل كل الفنون السردية " فنون زمانية " لا يمكن إلغاء عنصر الزمن منها أو إخفاءه، كما أن كل فعل يمثل حركه والحركة يلزمها حيز مكاني يستوعبها ويقول القاص في هذا الإهداء القصة القصيرة جداـ
إلى
الأربعة الذين سيحملون نعشي
قريباً
لا تكونوا جادين أكثر من اللازم
ولا تشغّلوا هواجسكم.
نجد في هذه الومضة القصصية الموجزة نوعاً من البوح الملغز والتكثيف واللغة المراوغة ذات المسحة الشعرية والمفارقة الموحية التي تدهش القارئ وتربك توقعاته فيربط بين العنوان الرئيسي والمقدمة والإهداء وأجواء العالم القصصي لهذه المجموعة، والإهداء ممارسة اجتماعية في الحياة الأدبية ويمثل علاقة ذات خصوصية بين المهدي والمهدى إليه ومن وظائف الإهداء غاية أخلاقية أو غاية فكرية وغاية البوح وتتداخل في هذا الإهداء –القصة القصيرة جداً-الغاية الأخلاقية "وصية الميت " بالغاية الفكرية "إرسال برقية ملغزه لحاملي النعش " وتأتي خصوصية المهدى إليهم في أنهم آخر من يودعون الميت، ولم يستخدم القاص من علامات الترقيم في هذا الإهداء – القصة القصيرة جداً- سوى النقطة (.) التي جاءت في النهاية علي عكس المقدمة – القصة القصيرة جداً-التي استخدم فيها الفاصله (،)،مرتين في السطر الأول ومرة في السطر الثاني والثالث والنقطة في نهاية كل سطر ويرجع ذلك إلي رغبة القاص في سرعة التدفق السردي الذي قد تعطله الفواصل حيث أن هذا الإهداء – القصة القصيرة جداً- دفقة واحدة وقد جاء الفضاء البصري ويقصد به المساحات المسودة علي الصفحة البيضاء لهذا الإهداء- القصة القصيرة جداً- علي شكل الفضاء البصري لقصيدة النثر لإضفاء المسحة الشعرية علي هذا الإهداء إلي جانب التكثيف وهى خصيصة شعرية أيضاً لكي يلفت انتباه القارئ لإحداث نوع من التطابق بين المؤلف والراوي الذى هو شخصية من شخصيات القصة وعنصر من مكوناتها وقناع يرتديه المؤلف ليعبر به عن رؤيته الفنية، وبعد عتبة الإهداء يدخل القارئ في المجموعة القصصية التي قسمها القاص إلي أربعة أجزاء لكل جزء عنوان خاص به ولكل قصة عنوان.
وعنوان الجزء الأول " للذكرى الخالدة " يحيل إلي ممارسة ثقافية في البيئة المحلية وكثيراًما نجدها مكتوبة علي جدران المباني في الأماكن العامة أو يكتبها شخص علي صورة يهديها لإنسان تربطه به مشاعر خاصة وهذه الممارسة لها وظائف الإعلام والبوح والذاتية إلي جانب تخليد الذكرى وتتحدد وظائف ودلالاتها هذا العنوان حسب السياق القصصي لكل قصة في هذا الجزء فمثلاً في قصة " مبنى نظيف للحزاني "عندما يذهب بطل القصة لزيارة صديقه بكر في( مستشفي معهد ناصر ) يتذكر "سهيلة " زوجته التي طلبت أن ترحل عنه بعد حادثه وقوعها في بئر الأسانسير من الدور الخامس في هذه المستشفي واستخدم تقنية تداخل الأزمنة عبر الاسترجاع" الفلاش باك " لما حدث " لسهيلة "وربطه بما يحدث لبكر – مريض القلب – ومع أن السرد بضمير " الأنا الفنية" نقل لنا القاص واقعة سقوط "سهيلة" من خلال حوار بين امرأتين من عاملات المغسلة بالمستشفي وسأل نفسه{ هل فاتني أن أبكي لهما – بحرقة – حين خرجتا} وربما بهذا السؤال يشير الراوي إلي إنه كان يريد أن يجعل بكاءه بحرقة مشهد ختامي للحكاية التي ترويها عاملات المغسلة كنوع من تخليد الذكرى، وفي قصة " مقهى للموت " تزداد مساحة البوح حيث تصل مساحة القصة إلي 9 صفحات تتشعب فيها الأحداث وتقترب في صياغتها من النفس الروائي والمفارقة هنا أن الذكرى التي يخلدها الراوي ترتبط بالموت والرحيل والحزن والوحدة والخوف من القادم حتى في لحظة اللقاء مع حبيبته التي هرب معاها وتزوجها يقول { لماذا نبدو أيتاما إلي هذا الحد؟! }.
أما عنوان الجزء الثانى من هذه المجموعة هو "أراهم دائما" استخدام القاص لفعل الرؤية أرى يعمل علي استقطاب المخيلة البصرية للقارئ ويغرية بالدخول في القصص ليرى من يراهم الراوي كل يوم وقصص هذا الجزء من المجموعة –قصة قصيرة جداً- عنونها القاص / محمد أبو الدهب بأسماء شخصيات مثل "شيماء"، "فاطمة"، " أيمن " مع أن التنكير سمة شائعة في القصة القصيرة جداً ويرجع رأى النقاد الذين يؤكدون علي أهمية التنكير في القصة القصيرة جدا إلي أن الكثير من الروايات والقصص القصيرة تحمل شخصياتها أسماء محددة تعبر عن ذوات إنسانية لها ملامح نفسية واجتماعية وفكرية وأخلاقية أما القصة القصيرة جداً فتخلصت من الأسماء وأصبحت شخصيتها نكره بلا تحديد مثلما أصبح الإنسان ممزق وبلا هوية فضلا عن التوحد بين الذات المبدعة والذات الموجودة في القصة القصيرة ولكن القاص محمد أبو الدهب استغني عن " التنكير" وعنون قصص هذا الجزء بأسماء الشخصيات لكي يضفي نوعاً من الواقعية علي القصص ويؤسس تواصلا بين القارئ والشخصية القصصية حتي يظن أنه يمكن أن يقابلها صدفة في شارع ما وهذا بالإضافة أن الراوى شخصية مشاركة في الأحداث وله علاقة بهذه الشخصيات ولا يدّعي أنه عالم ببواطنها فمثلا في قصة شيماء التي تقارب مساحتها ثلثي الصفحة يقول(اللهم ـ رغم كل شئ ـ لاتحرمنى من عاصفة دخولها "غرفة الأخصائي" كل صباح) ويقدم السمات الرئيسية لهذه الشخصية عن طريق رصد تصرفاتها وأفعالها من خلال رؤيته لها وعلاقته بها فى شكل ثنائيات ضديه مثل البحة المثيرة بصوتها فى مقابل الثرثرة والحديث المكرركل يوم وإعجابه بالجيبة الجينزالسوداء الضيقة التى ترتديها مرة كل أسبوع فى مقابل خوفه من النظر فى عدستى عينيها الزرقاويتين وفى نهاية القصة يقول(واجعلني أسمع أن أحدا خطبها ـ تموت هى فى سبيل أن تجد نفسها مخطوبة ـ حتى أشعر بالشفاء والتشفي).
أما الجزء الثالث من هذه المجموعة القصصية فعنوانه "البحر لا يعرف عدوه من حبيبه"جملة ذات مسحة شعرية فيها" أنسنة البحر" وربطه "بالمثل القائل لا يعرف عدوه من حبيبه "كنوع من الوصف الاستنكاري ومفردات هذا العنوان المشحونة بالإيحاءات العاطفية الغنائية تشير إلى حضور البحر كرمز متعدد الدلالات وأنه البؤرة التى تتمحور حولها القصص ويلى هذا العنوان اٍهداءا خاصا "إلى الإسكندرية...لماذا لا يأخذها البحر؟"يشير اٍلى حضورها الرمزى ويؤدى وظيفة المكاشفة والبوح،وبعد هذا الاٍهداء يأتى تصديرا خاصا لهذا الجزء من قصص المجموعة عبارة عن مقتطف من قصة للأديب المجرى سلفستر أوردوف يقو ل " مافائدة رؤيتنا للبحر؟ اٍنه مجرد مياه./ لماذا نبحلق فى المياه؟)والدور الذى يؤديه التصدير للنصوص الأدبية هو الاٍضاءة عليها وكشف مابها من غموض أو للتأكيد على على قضية أو رؤية ما وينطلق القارئ من أسئلة التصدير باحثا عن اٍجابات مقترحة فى القصص فيعو د محملا بمشاعر الراوي الملتبسة تجاه البحر وأسئلته الجديدة التى يطرحها وهو جالس على رمال الشاطئ الشعبى كما فى قصة "الذى فات"عندما أحس أنه أصبح كبيرا جدا فى السن وفكر فى من يغافله ويغير نظام جسده وأن الذى فات لن يستعاد وقال {هل لذلك علاقة بأنني صرت ـ مؤخراـأعطى ظهري للبحر كلما زرته} والاستشهاد بأسئلة "سلفستر أوردوف"على الأسئلة التى تطرحها القصص هو نوعا من التأكيد على أن الأدب يهتم بطرح ألأسئلة أكثر من اٍقتراح الاٍجابات وأن هناك ذواتا إنسانية كل علاقاتها بالبحر علامات استفهام وربما أن البحر هو مرآة للذات ترى فيها جانبها اللاشعوري الذي لا تستطيع فك طلاسمه.
أما الجزء الرابع من هذه المجموعة القصصية فعنوانه" أفيشات ناقصة"ويشبه عنوان الجزء الثانى من هذه المجموعة فى أنه يثير المخيلة البصرية للقارئ ويحيلها اٍلى ـالفرجةـ المشاهدة حيث أن الأفيش عبارة عن لوحة دعائية تظهرفيها صور أبطال الفيلم وكل قصة فى هذا الجزء "أفيش ناقص" فمثلا" فى قصة "القلعة"يقول الراوى {سأظل ألف وأدور هكذا حول القلعة،مثل جنود الملك المكلفين بالحراسة./سأزعم أنى أبحث عن زاوية مختلفة للتصوير./ولن أراود نفسى عن دخولها } وهذا "الأفيش الناقص" تتوسطه صورة القلعة والراوى يلف ويدور حولها معلنا رغبته فى عدم الدخول حيث يقول {أعرف أن بداخلها تفاصيل كثيرةماتت،/ولم يصل اٍليها أى مؤرخ، أو ساحر.لهذا لن أدفع ثمن التذكرة./مقابل أسرار لم ولن أعرفها.} ٍٍوربما أن الجزء الناقص فى الأفيش هو عدم دخوله القلعة ولكن هل رغبته التى أعلنها بعدم الدخول ناتجة عن قناعة حقيقية أم أنها حيلة دفاعية يبرربها قبوله لدوره ووضعه الراهن؟
وهناك ملمح جوهرى يتعلق بمعمارية النصوص (نظام تجريدى يحدد الخصائص البنيوية والشكلية للجنس الأدبى) فى هذه المجموعة القصصية " نصوص الأشباح " هوأن القصة القصيرة جدا تشكل غالبية هذه المجموعة القصصية فى الجزء الثانى والثالث بالكامل والجزء الرابع فيماعدا قصة "السطر" وتتنوع القصص القصيرة جدا فى هذه المجموعة من حيث الحجم فهناك قصص تقل عن خمسة أسطرأو تزيد قليلا وقصص آخرى تقارب نصف صفحة اوتزيد قليلاوهناك قصتى "أيمن"و"البربرى" كل قصة منهنّا تقارب مساحة صفحة،وتقترب في صياغتها من نفس القصة القصيرة.
والرهان الرئيسى للقصة القصيرة جدا هو اعتمادها على المنمنمة والومضة فى تأسيس كتابة جديدة تمتزج فيها اللغة الشعرية المراوغة بالشعورى والهاجسى فى نصوص سردية تتخذ مشروعيتها من تصفية وتقطير التجربة الإنسانية فى بنية لغوية تقوم على التكثيف والتركيز والمفارقة الموحية والترميز وفى هذا الصدد يقول القاص /محمد أبو الدهب فى قصة "فصال"{قال البقال:أربعة.صمم الزبون ألاّ يدفع غير ثلاثة./بعد جدل طويل،وافق البقال وابتسم.لم يعرف الزبون/ أن البقال رآهما ـ فجأة، ومثل حلم ـ هامدين،بعد عمر قصير،/على شط الترعة القديمة، فى قبرين متقابلين .. فمضى يباهى الذين /لم يعرفوا ـ مثله ـ بشطارته بالفصال} وتظهر المقومات الفنية والشكلية للقصة القصيرة جداً كفن من فنون السرد في هذه المجموعة القصصية " نصوص الأشباح" ويوظفها القاص /محمد أبو الدهب بأسلوبه ولغته ورؤيته الخاصة للآخر والحياه والموت والعالم المحيط به،الرؤية النابعة من أعماق الذات يرى بها الواقع ويتخيَّل ما وراءه ويصوره – في قصصه باستخدام تقنيات التصوير الشعري مثل التشبيه المستطرف والاستعارة والمشهد البصري كما في قصة قبر عادى {عندما يصل القطار، سأعتبر أني أنزل في قبرى، وسأقدم كشف حساب لأول الموجودين } وفي قصة " علبة فارغة " وهو جالس علي شاطئ البحر أمام القلعة القديمة { الناس الكثيرون الذين سيلقون قشر اللب، ويلتقطون صوراً علي الموبايل قد أظهر فى ـ خلفيتها كشاهد قبر – ويعودون مراراً قبل أن يموتوا، دون أن يلقوا عليّ أى تحية }، وعنصر التركيز من المقومات الجوهرية للقصة القصيرة جداً يحققه القاص عن طريق انتقاء المفردات اللغوية الأساسية الخادمة للقصة واستخدام تقنية الإضمار الضمنى وهى حذف لأحداث أو فترات زمنية دون الإشارة إليها صراحة لعمل تداخل فى الأزمنة ويكتفي بوضع نقاط متجاورة (....) بدلا منها ليعرف القارئ ويقوم بالربط بين السابق واللاحق ويرتبط التركيز بالتكثيف الذى يعتبر خصيصة شعرية تتحقق عن طريق شحن المفردات بالطاقة الإيحائية بحيث تتحول إلي رموز سابحة في فضاءات النصوص كما في قصة قبر آخر عادى {لأني تحت، في الفجوة العميقة، بين الصخور الشاطئ، ولأن أى أحد سيكون فوقي لو أطل بوجهه سأراه مثل ملك مستبد، وسأعرف في نظرته الاستعلاء والغطرسة والرغبة الدفينة في سد الفجوة.. وحتى بعدما ينتهي صديقي من التقاط الصورة، وينادى بزهو: اصعد لترى. سأصعد، وسأرى أتباع الملك المدججين بالسلاح، وقد حاصروا قبري } وفي نهاية هذه القصة القصيرة جداً يتضح عنصر المفارقة والانحراف بالحدث عن المسار الذي يتوقعه القارئ ومفاجئته وإدهاشه وتعمل المفارقة الموحية علي توليد وأنتاج الدلالات الجديدة في ذهن القارئ.
أما عن الراوى في هذه المجموعة القصصية " نصوص الأشباح "فهو سارد/ حاضر اٍما مشارك في الأحداث مع باقى الشخصيات أو يتحدث عن نفسه وفى كلتا الحالتين يتم السرد باستخدام " ضمير الأنا الفنية" فى القصص فبما عدا قصة "فصال "والسرد بضمير الغائب فى هذه القصة لا يشعر معه القارئ بأنه يختلف عن السرد بضمير "الأنا الفنية"، والطريقة التي يتصور بها الراوي أحداث القصص هي " الرؤية المصاحبة " حيث لا يعرف أكثر مما تعرفه الشخصيات إلاَّ في حالة السرد عن " الذات "، و"صيغة السرد " ـ الطريقة التي يقدم بها الراوى الأحداث ـ الأكثر استعمالا في هذه المجموعة القصصية هى صيغة الخطاب المسرود المحكي ويقدم بها الراوى تصرفات الشخصيات لا أقوالها وتظهر صيغة الخطاب المنقول التى تنقل حديث الشخصيات بلغتها عندما يكون حديث الشخصية مؤثرا في تشكيل الحدث أو معبراً عن هاجس ذاتي لهذه الشخصية مثل شخصية " البربري " نزيل المستشفي النفسي في القصة المسماة باسمه عندما يقول لكل شخص يلقاه لأول مرة {نفسي لما أخرج من المستشفي أقعد في أوضه لوحدى، وأقفل الشباك والباب، وأحط قطن في وداني، وأطفي النور، أعيش !} ولم يقدم لنا الراوي تفسيراً لمقولة الشخصية بوصفه عارفاً ببواطن الأمور ولكنه لم يفعل ذلك وفضل أن يشرك القارئ في تفسير ما قاله " البربري "و علق الراوي قائلا{لم أسأله أبداً عن السبب، ربما لأن عندي تأويلاً سطحياً (البربرى يحب العزلة)}.