يذوب معهن كل ليلة ورغباته تهطل بتدفق شلال.. وماؤه الآسن يكاد يغرق غرفته المظلمة وما فيها..
أحيانا من حرارة رغباته المنصهرة يتوه كليا مع تلك المشاهد الفاضحة لنساء عاريات.. فيلعقهن بمحجريه كأنهن في أحضانه وبين فخذيه، هكذا تنوس لياليه بين القنوات المشفرة والصور المتلاحقة في شبكة الانترنت وأشرطة الفيديو..
وفي صباح يغادر بكسل إلى (دوامه) ورأسه دائخة من لياليه الحمراء وعيناه مرهقتان في غيمة من هالات سوداء أشبه بمتعاطي الهيروين، يتصاعد تثاؤبه لاعنا في نفسه: "عليك لعنة الله يا محمود، كل هذا بسببك"..
محمود الموظف الذي اشتهر بترويج أشرطة فيديو الإباحية ومفاتيح القنوات المشفرة والمواقع التي تتعرى صورا فاضحة.. لطالما أغراه: "صدقني يا يحيى ستقضي أجمل لياليك مع أي امرأة يرغب بها مزاجك.. أمريكيات.. فلبينيات.. لبنانيات.. كل ما تشتهيه مخيلتك موجود.. ما عليك سوى كبسة زر"..
وهاهو يقضي سهراته في البيت إما جامدا أمام التلفاز أو ساكنا أمام الانترنت.. وأمه المسكينة تعتقد أنه أصبح رزينا ولا يسهر خارج المنزل مع (شلته) الفاسدة تلك، كم بعثرت نصائحها في وجهه، وكم بصقت حسرتها في تعديل سلوكه، لكن كبسة الزر السحرية جعلته طوع عيني أمه التي لا تعي ما يفعل في غرفته المظلمة دوما..
يذكر أنها منذ أسبوع في يوم عيد ميلاده الثالث والثلاثون كم أهرقت دموعا وهي تستجديه أن يتزوج ؛ كي تسمع غطيط أحفادها الصغار وهم يلاعبونها وينادونها جدتي..
منذ ذلك اليوم وسيرة الزواج تخاتل في ذهنه، تحفر أخدودا في فراغ قابع في ذاته يستشعر معها أنه بحاجة إلى امرأة حقيقية يعجنها بين يديه، يقبلها، يعانقنها، وأن تلك المواقع والصور الفاضحة قد همدت روحه وجسده وعمره..
"نعم، يجب أن أتزوج.."
هكذا عزم.. وقرر أن يفاجئ أمه المسكينة التي لا تملك في الدنيا غيره..
ولما توجه إلى المنزل.. دفق خجلا في وجه أمه برغبته في الزواج، لم تصدق في بادر الأمر، وهي التي كانت لسنوات تناشده ذلك، وسرعان ما ارتفع زغرودتها نشوة به..
* * *
قرر أن يتخلى عن أشرطة الفيديو وأن يلغي الانترنت نهائيا من حياته، وغيّر موجة القمر الصناعي الذي كان يعرض قنواتٍ إباحية واستبدلها بقنوات دينية و ثقافية وفكرية..
وذهب مع أمه والسعادة لا تسعه لخطبة ابنة عمه.. فأمه دوما تقول: "ابن العم لبنت العم".. ولما فاتحوا العم وابنته بالموضوع، ضربا قاعدة بنت العم لابن العم عرض الحائط.. بحجة أن حظه من التعليم لا يتكافأ مع ابنة العم حاملة شهادة دكتوراه بينما هو دون المستوى المطلوب، خرج من بيت عمه وتعاسة تجره جرا، لكن أمه سرعان ما بددت تلك الغيوم السوداء بأن الفتيات يملأن المنطقة كلها وما له سوى أن يشير كي تسجد إحداهن جارية تحت قدميه..
فذهبوا إلى منزل جارتهم أم سناء، لديها بنات كثر كالنمل، ولابد أنهم سيرحبون به.. ويهللون لقدومه، وقع اختيارهم على إحداهن، ولكنها ألقت سياط رفضها في وجهه قائلة أنه أكبر منها بكثير فهي ما تزال في طالبة في مقاعد الدراسة، ولما جاوزا الطلب لأي واحدة من أخواتها، زعقن رفضا بأنه اختار أختهن السابقة دونهن في البداية..
غادرهم وموجة من الغضب تموج في داخله: "إنهن فعلا ناقصات عقل ودين"..
* * *
استفحل به شبح اليأس.. شهور وهو يدور مع أمه من بيت إلى بيت ومن منطقة إلى منطقة، بل لم يتركوا بقعة واحدة من المناطق المجاورة، والأبواب توصد في وجهه، منهن من تقول أنه بدين، وأخرى ترى أنه طويل أكثر من اللازم، وبنت فلان تنعته بالجاهل، وأخرى تطلب مهرا يقصم الظهر، وفتيات المناطق الأخرى رفضن بحجة رفض فتيات منطقته الذي ترعرع معهن في سنن الطفولة، حتى أمه المسكينة ما عادت تهرق دمعها طلبا لغطيط الأحفاد..
غير أن بصيصا من النور ومض في داخله عندما اقترح عليه أحد أصحابه أن يتزوج من أجنبية، فهن أرخص ولا يسببن وجع الرأس كبنات البلد..
ولما توجه للجهات المختصة طلبا للإذن، قذف العامل معاملته في وجهه وهو يذعن: "سنك القانوني لا يسمح بذلك، عد عندما تكون مخرفا وإحدى رجليك في القبر وأخرى في الحياة".. !
شق قدميه الثقيلتين بينما تناهى إلى أذنيه وهو يغادر بجسده صوت العامل وهو يضرب كفا بكف مع زملائه في المكتب قائلا: "لا حول ولا قوة إلا بالله، بنات البلد مكدسات كالذباب في الوطن وهو يفتش في خارجه.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. اللهم ثبت عقول الشباب..!"
* * *
قلّب الهاتف بين يديه.. وعزم على الاتصال بمحمود كي يأخذ منه أشرطة الفيديو ومفاتيح دخول القنوات والمواقع الإباحية، وينسف فكرة الزواج نهائيا من حياته..
قهقه محمود الذي رحب به وبطلبه، واتفقا أن يستلم ما طلبه منه في العمل..
وعندما أطبق على أنفاس هاتفه النقال.. رأى أنه منتصب كالنخلة أمام إحدى محلات لبيع أقمشة نسائية، كان محلا فاخرا يكتظ بالنساء من أشكال وأحجام مختلفة، قذف لعاناته في سره لهن وهو ينعتنهن بالبغايا، غير أن منظر إحداهن على الواجهة المحل كان غريبا.. كانت تحدق فيه بابتسامة مغرية يشق شفتيها العليا والسفلى كرزتين مضمختين بحمرة قرنفلية ويسفر عن أسنان لؤلئية داخ معها بأحلامه وهو يجاريها بابتسامة أكبر..
قرر أن يتجرأ ويقترب منها، دفع الباب.. توجه نحوها مباشرة.. رغم أن صفا من النساء تكتلن حولها، وكلهن غانيات.. غير أنها هي من خفق قلبه لها من أول نظرة، كانت ترتدي بنطالا من الجينز مع قميص وردي مقلم باللون الذهبي اللامع..
"يااااأالاه.. على تلك الجبال الشامخة في مقدمة صدريتها المكشوفة.."
رأى أن ابتسامتها مشجعة على الاقتراب أكثر، فاقترب منها حتى كادت أنفاسه تلامس وجهها الغض ببياض الزنبق النقي..
هل يضع يده السمراء على يدها البيضاء، سرعان ما تراجع عن هذه الفكرة الشيطانية.. خصوصا أن أنظار المارة الكاشفة بدأت تلتهمهما..
وودعها حيث هي، بعد أن تأكد أنها مرابطة في هذا المحل دوما..
* * *
كل يوم وهو يرابط عند بوابة المحل الزجاجي اللامع والابتسامة الساحرة ذاتها تشرق بين شفتيها منفرجتين لذة، مرة يراها بالجينز الأزرق الضيق ممزق عند حواف الكوعين يعلوه قميص من الشيفون الأحمر بلا أكمام تزين صدريتها حبات من الفصوص الفضية البراقة.. ومرة أبصرها في فستان ذهبي تتمايل فيها كخصر أفعى رشيقة، يرتفع بانسيابية كنك يستر عنقها الطويل ممشوق البياض وينفرج بفتحة ضيقة بين النهدين الضاجين في حبسهما السافر..
* * *
تعشش في داخلها ودارت أمانيه حولها غير قادر أن يتنفس امرأة أخرى، ظلت لليال وهي تذرع في مخيلته بابتسامتها الطاغية، وقرر أخيرا أن يمتلكها..
جرى إلى أمه ليزف لها خبره، ولما أخبر أمه لم تصدق أذنيها، وظلت تهاجمه بسيل أسئلتها عن أهلها وفصلها ومن أي منطقة قطفها..
خرج من عندها وهو يردد بحبور: "ستعرفين كل ذلك لاحقا"..
* * *
جهزت أمه كل تفاصيل الحفل، بعد أن بعثت بطاقات الدعوة لكل الناس..
بينما توجه هو إليها، وأقعدها إلى جانبه، حتى أن مهرها لم يكلفها كثيرا، وأخذا يجوبان معا المحلات التجارية لشراء مستلزمات الزواج من قمصان النوم والملابس الداخلية والأحذية والحقائب اليدوية.. إلخ..
ولما عانق جسدها ثوب الزفاف لم يصدق عيناه، وظل يلقي على مسمعها وبيلا من كلمات الغزل..
حتى وصلا إلى صالة الأفراح، والناس تجمهروا من كل حدب وصوب، ليتعرفوا على العروس الفاتنة، هاتف أمه أنه وصل مع عروسه وأخبرها أنهما سينزلان معا..
كانت القاعة مظلمة.. وأضواء الملونة الوامضة تتراقص بخفوت سافر، وارتفع صوت موسيقى الزفة يفترش القاعة كلها في سكون هامد، بينما الأعين كلها منتصبة على منصة النزول، والبوابة تشرع كما الصدفة بهدوء يستفز فضول الحاضرين.. أمه بدأت تزغرد وتبكي في آن..
دخلا معا.. والابتسامة الساحرة إياها على شفتيها المغريتين بحمرة، والناس بعضهن شهقن وبعضهن غرقن في ضحكن متواصل، وأخرى تحوقل بعجب الدنيا والناس..
بينما هو يجر دمية (المنيكان) بابتسامتها الساحرة خلف وميض من أضواء الملونة الراقصة..
من خلال المفارقة الدالة التي تنبني عليها قصة الكاتبة العمانية تتضح العقبات التي يعاني منها الشباب العربي في مجتمعاتهم والتحديات التي يواجهونها في ظل ثورة الاتصالات الحديثة وكيف زجت مواضعاتها بالشباب إلى سراديب عالم افتراضي غريب، لايستطيعون منه فكاكا، إلا بالجنون وحده!
صاحبة الابتسامة الساحرة