بضمير المخاطب الحميم يخاطبنا القاص السوري الذي وصف نفسه بالناشئ محاولاً فهم لغز غرفة الجيران التي أقفلت وبات لا يخرج منها أحدٌ إلا نادراً بعد أن كانت مثل غرف الناس في مبنى يرمز بهذا الشكل أو ذاك إلى ما يجري في أوطاننا من عنف وغياب للحريات.

الغرفة المغلقة

محمد حجو

اعذروني لإزعاجي لكم وإلحاحي المتواصل, و لكنًّ هذه الغرفة حيرتني وقضّت مضجعي فما عاد النوم يعرف طريقاً إلى جفوني المتعبة, وإن هداه الله السبيل, جاء مملوءاً بكوابيس عنها وعن قاطنيها...

لِأُحَدِّثَكُمْ عن الغرفة، يجب عليّ أولاً أن أخبركم بإيجاز عن بيتنا, هذا البيت الذي عانى أهله من طمع الكثيرين في اغتصابه أو سرقته أو شرائه وقد ظفروا ببعضٍ من ذلك بطريقةٍ أو بأخرى.  لكنْ لم يكن ذلك ما سلبني النوم – لاعتيادنا عليه –  بل كانت غرفة عائلة (أيسور) التي أصبحت شغلنا الشاغل في الأيام و الشهور الأخيرة وذلك لغرابة ما يحدث فيها.......

مضى على ذلك قرابة السنة, بدأ الأمر بأصواتٍ متفرقةٍ تعالت هنا و هناك, ثمَّ ما لبثت أن تحوَّلت إلى صرخاتٍ مدوِّيةَ عمَّت أرجاء منزلنا لِتَعُمَّ بعده أرجاء حارتنا.

- ما الذي يحدث في غرفة الجيران يا أبي؟

سألته في بداية الأمر محاولاً فهم ما يحدث, فأجابني وعلامات الأسى و الحزن تبدو جليَّةً في قسمات وجهه:

- العلم عند الله يا بني إنّ كبير (أيسور) يقول أنَّ هناك لصوصاً قد انتشروا في الغرفة وعاثوا فيها فساداً.

 فكّرت قليلاً مستغرباً وجود لصوصٍ في غرفة عائلة (أيسور) التي ما سمعنا عنها باطلاً وما عرفنا فيها إلا أكرم الناس و أنبلهم, وُلِدَ سؤالٌ في رأسي فألقيته على أبي بعفويةٍ أدهشتني:

- لِمَ لا يسمحون لنا بالدخول لمساعدتهم يا أبي؟!  و لماذا أغلقوا على أنفسهم الباب و ما عادوا يَصِلُونَنَا؟!

استمرَّ تَرَبُّعُ الأسى و الحزنِ على وجه والدي ثمَّ وضع ذقْنَهُ على كفه المضمومة ولم يجبني.

خلال الشهور اللاحقة تمكن بعض سكان (أيسور) من الخروج من الغرفة و قالوا لنا كلاماً عجيباً. قالوا أنَّ كبيرهم قد استبدَّ به الشر و الإجرام  كما حدث مع أبيه منذ ما يقرب الثلاثين عاماً  فلم ينجُ منه أحد, حتى الشيوخ و النساء و الأطفال.

سألتُ عن السبب فقيل لي أنني لن أفهم, قالوا أنّها أشياء "معنوية" و تحدَّثوا عن كلماتٍ لم أسمعها قبْلاً: كالمشاركة, و الرأي, و ... و الكلمة التي رددوها أكثر من غيرها و التي كان لها وقْعٌ مميز على أذني: الحرية.

ردَّاً على ذلك, قام بعض كُبَراءِ غرف بيتنا و آخرون من المنازل المجاورة في الحارة برفض تصرفات كبير (أيسور) و دعوته إلى تحكيم العقل, كما قام البعض بزيارته للتوصل إلى حلولٍ ترضي جميع الأطراف و لكن دون فائدةٍ تُذْكَرْ, بينما فضّل آخرون دعمه و حيّرنا قسمٌ بتبديل آرائهم بين الشدة و التأثر تارةً, و اللين و اللامبالاة تارةً أخرى.

سنةٌ انقضت و ما زال كبير (أيسور) يصرُّ على إغلاق بابه،  اللهم إلا أمام بعض الزيارات الرسمية ، واتهام لصوصٍ غامضين يحملون أسماءً و صفاتٍ عدة تتبدل بين الفينة و الأخرى حتى عجزنا عن حفظها, و ما زال أهل (أيسور) يجأرون بأصواتهم كلَّ يوم مطالبين بالأشياء "المعنوية".

أصبحتُ أتعمدُ المرور يومياً قرب غرفة (أيسور) فأشتمُّ رائحةً كريهة و أخرى عطرة وأرى الدماء تسيل من تحت الباب, بعضها نقيٌّ والبعض الآخر قاتم السواد فلا أملك إلا أن أقول:

- حسبي الله و نعم الوكيل.

أكتب إليكم هذه الرسالة علكم تشرحون لي ما يحدث فما عاد أحدٌ في البيت يدري ما العمل؟!