ضمن برنامجها الشهري، احتفت مؤسسة محمود درويش للإبداع، في مقرها القائم في كفر ياسيف، مساء يوم الثلاثاء 3/9/2013 بابن قرية الرامة الجليلية الأديب الناقد الدكتور نبيه القاسم، بمشاركة جمهور غفير من الكتاب والشعراء ومن اليهم من مبدعين ورجال علم وأصدقاء وأهالٍ، من رجال ونساء، ضمن امسية مميزة، بعنوان بين النقد والأدب، تولى عرافتها والتقديم لها الشاعر د.عناد جابر، مشيرا الى الدّور الادبي للمحتفى به ثم قام مدير مؤسسة درويش الكاتب عصام خوري بالترحيب بالحضور وبالخطباء: بروفيسور ابراهيم طه، د. راوية بربارة، والدكتور أليف فرانش والمحتفى به القاسم.
في مداخلته البروفسور ابراهيم طه تطرّق الى دور الادب الذي برز من خلاله الشعر والقصة والرواية والمقالة وما اليها من ابداع، ودور نبيه القاسم في إغنائها بما اصدره من كتب وما تناوله من ابحاث ومن تمحيص نقدي اغنى به المكتبة العربية والأدب بشكل عام.
أمّا الدكتورة الكاتبة راوية بربارة فتزودت بالكتب والقصص التي تناولتها في مداخلتها مشيرة الى مهمة النقد وصعوبته، ومن وجهة نظر نقدية اشارت بربارة الى بعض ما تناوله نبيه القاسم في كتاباته المختلفة.
أيضا د. اليف فرانش ، اشار الى الحركة الادبية ودورها الريادي، والى دور القاسم بنباهته النقدية في ازاحة اللثام عن بعضها في خضم الهم الادبي الثقافي الفلسطيني والعام.
من جانبه المحتفى به شكر مؤسسة درويش ومديرها الكاتب عصام خوري، على ودورهما في ترسيخ الوعي الثقافي الابداعي كما شكر القاسم الخطباء والحضور. هذا وتخلل الامسية تحيات قرأتها الاستاذة عُلا شحادة حنا ارسلت خصيصا للأمسية من الكتاب: ابراهيم نصرالله، يحيى يخلف، سحر خليفة ومحمد علي طه.
تحيّة إبراهيم نصر الله- عمّان
خمسة وأربعون عاما في الكتابة عُمْرٌ، وحين يكونُ عزيزُنا وصديقُنا الدكتور نبيه القاسم قد أمضى كلّ هذا الوقت في (معُايشة النمرة) على حدّ تَعبير كبيرنا جبرا إبراهيم جبرا في وَصْفه للكتابة، يكونُ لنا أنْ نتوقّفَ لنُحيّي مسيرةً أدبيّة حافلةً بالعَطاء وُلِدتْ في نهاية الستينات من القرن الماضي وواصلتْ تدفّقَها بغَزارة أكبر وصَفاء أكثر اتّساعا على مَرِّ السّنين.
عرفتُه قبل أن ألتَقيه، حين راحتْ بعض نُسَخ كُتُبِه تَتسلّلُ إلينا قبلَ أكثر من ثلاثين عاما، تأمّلاتُه في الرواية والشعر والقصة القصيرة والمسرح، تؤكدُ أنّه واحدٌ من قلّة قليلة منَ النّقّاد الذين تَلتقي الفنون في نَقْدهم، كما على الفنون أنْ تلتقي في كلّ إبْداع طليق يتحسّسُ الجَمالَ في كلّ نوع أدبي ويحتفي به.
فكلّ ما تحتضنه في هذا المجال الرّحْب يحتضنُ روحَك ويعلو بها.
هاجسُه الأوّل فلسطيني، في زمن كان الإبداع الفلسطيني يحتاجُ إلى مَنْ يُضيء مُحاولاته، ثم إنجازاته، وصولا إلى تجليّاته، ولكنّه كان يعملُ على الدّوام ببَصيرة النّاقد الذي يرى أنّ أدبَنا الفلسطيني إنْ لم يكن جزءا من أدبنا العربي فإنّه لن يستطيعَ أنْ يُقدّم شيئا لفلسطين أو الأدب.
هكذا رأيناه يمضي لقراءة قامَتَين عربيتين كبيرتين: نجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف ، لتكونا جزءا من ثقافتنا وهو يتأملُ إبْداعَهُما ببصيرة النّاقد الأكاديمي وحُريّة الفنان. كما يذهب لقراءة أعمال نزار قباني ويوسف القعيد وكوليت خوري ولويس عوض وعبلة الرّويني وعباس محمود العقاد، ويُوحّد الإبْداعَ الفلسطيني في الداخل والمنافي بقراءات نَقْديّة تتحدّى قَسْوةَ جغرافيا الشتات الفلسطينية، مُدْركا أنّ الحلمَ الفلسطيني لا يتجزأ، والرّوحَ الفلسطينية لا تتجزأ، وحاضنَهما الإبداعيّ لا يتجزأ.
حاورَ المثقف ودورَه، وغاصَ في التراث والعَلاقة الشائكة بين الثقافة والسياسة، وظلّ في ذلك كلّه الباحثَ المُحب، يقظَ القلب والعَقل دائما.
فله التحيّة من قَبل ومن بعد.. وما بينهما!
إبراهيم نصر الله
تحيّة سحر خليفة - عمّان
نبيه القاسم، صديقٌ عزيزٌ، وناقدٌ ذوّاقة متمرّسٌ بأصول النّقد ومَدارسه وأساليبه. تعلّمتُ منه الكثيرَ. بل تعلّمنا منه الكثير. فعلى مدى أربعين سنة أو أكثر، قرأنا له، بعدَ أنْ قرأ لنا، مئات الدراسات والأبحاث والمقالات القصيرة والطويلة، تناولَ فيها إبداعاتنا وأفكارَنا وخَواطرَنا، فأبدعَ في تحليل مَعانيها، فكّكَها، وفسّرَها، وقَوّمَها، ولفَتَ نظرَنا إلى المخبوء والغامض، وجعلها أسهلَ هضْما، وأكثرَ تأثيرا وانتشارا. وهذا بالفعل ما نحتاجُ اليه، سَواء كأدباء، أو كقُرّاء. فنحن الكتّاب، أحيانا، نتوه في أروقة المرتبك والغامض، أو المستور والمتلكىء، فيجيء الناقدُ الذوّاقةُ المتمرّسُ ليشرّحَها ويشرحَ ما فيها من مَدْفون أو مُبْهَم، أو يُنَبّه الكاتبَ لعَجْز في الفكر أو التعبير فيلفت نظرَه. وهذا ما فعله نبيه القاسم كناقد محترف ومُعلّم مُلتزم على مَدى سنوات طوال، تناولَ فيها بالنّقد والتّشريح والتّوضيح مُعظمَ ما كتبتُ، بل معظمَ ما كتبَ زملائي من الروائيين والشعراء وقادة الفكر والسّياسة، وكان معلما نَقديّا بارزا، ومُحَرّكا ناشطا للفكر والتثقيف ونشر الكلمة، فنقل نقدَنا التقليدي من صيغة الانطباعيّة والعَشْوائيّة في إصدار الأحكام التي تصل أحيانا حَدَّ التّجْريح والتّقبيح الى مستوى أرقى وأرفَع.
فالنّقْدُ علمٌ، وفنٌّ، وتذوّق، وتمرّسٌ في تَطبيق مَناهج النّقد الحديث وأساليبه. وقد اجتمعَتْ لدى نبيه القاسم كناقد، وكاتب، ومفكر، كافّةُ العَناصر الفنيّة والفكريّة والأكاديميّة، وكان علامة فارقة في نَقدنا الأدبي وحَراكنا الفكري ونضالنا الوطني. فله منّي، وله منّا، جزيل الشكر، والعرفان، والاحترام، والمودّة.
سحر خليفة
تحيّة يحيى يخلف
السيدات والسادة
الاخوة والاخوات
اود ان احييكم اصدق تحية وانتم تحتفون في هذه الامسية الطيبة بالاديب نبيه القاسم احد رموز الثقافة الوطنية الفلسطينية، وتكرمونه هذا التكريم المبهج الذي يليق به، وبمسيرته الثقافية والوطنية، وفاءً منكم ومن مؤسسة محمود درويش للمبدعين الفلسطينين في الداخل والخارج وفي كل مواقع الشتات والمهاجر.
ان تكريم د. نبيه القاسم هو تكريم للكلمة الناصعة والفكر المستنير، والانتماء الوطني.
لقد ساهم اديبنا المكرّم في اثراء الحياة الادبية والفكرية داخل الخط الاخضر على امتداد عقود، وواكب كفاح شعبنا دفاعاً عن الارض وعن المساواة، كما واكب كفاح منظمة التحرير في كل التطورات والمنعطفات التي مرت بها القضية الفلسطينية، وكان الى جانبها مدافعاً شجاعاً عن الحرية والاستقلال والسلام العادل.
اتسمت مسيرة نبيه القاسم بالغنى والتنوع، فهو القاص الذي يغمس ريشته بمداد كفاح شعبه، وهو الناقد ذو الرؤية المضيئة التي تضيء النص وتتعامل معه بكل امانة وموضوعية.
وهو الاكاديمي الذي ينشر ويعمم المعرفة في اوساط الطلبة العرب، ويمنحهم كل ما يعزز الهوية، وكل ما يعزز الذائقة المعرفية.
لا تستطيع كلماتي في هذه التحية للمحتفي والمحتفى به ان تلم بمسيرة ومشوار عمر، فعالم نبيه القاسم الادبي والنقدي يحتاج الى وقفات طويلة من الدراسات والتأمل، اذ انه اعطى فأجزل العطاء، وشغل مساحة واسعة في لوحة الثقافة الفلسطينية، وحصل على جوائز واقيمت له حفلات تكريم، وحطي بالاعجاب والثناء تقديراً له على عطاء متصل لاينضب ولا يمحوه الزمن.
اوجه للصديق الكاتب والقاص والناقد والاكاديمي نبيه القاسم تحية صادقة وحارة باسمي، وباسم المثقفين الفلسطينين في دولة فلسطين، وارسل له عن بعد تلويحة محبة وتقدير واعجاب.
دمتم بخير والسلام عليكم
يحيى يخلف
تحيّة محمد علي طه
الأخ العزيز الكاتب الكبير د. نبيه القاسم
كان يُسعدُني أنْ أكونَ حاضرا في هذه الأمسية الأدبيّة التي أنتَ فارسها وعريسها. أيّها الصّديق الوفيّ في زمن ندرَ فيه الوفاء. وأيّها الناقد الكبير الذي يحترم كلمته، لا يُراعي ولا يُرائي ولا يُنافق ولا يُناكف، لأنّ الكلمة عنده تحمل أبعاداً متعدّدة مثل": الصدق والذوق والعمق وغير ذلك. ولكن ارتباطا عائليّا حال بيني وبين الأمسية، فاعذرني أيّها الكريم!!
منذ أربعة عقود والنّاقد المتمرّس الذّوّاقة الأصيل أبو فريد نبيه القاسم يُتابع النتاج الأدبيّ في هذا الوطن، قصّة ورواية وقصيدة ومقالة ومسرحيّة، يُحلّل ويُوجّه بجرأة ودراية، جرأة فيها الشّجاعة الأدبيّة والصّدق، ودراية فيها عُمق المثّقف المتمكّن من أدواته.
ومنذ أربعة عقود والنّاقد النّبيه والكاتب الفريد يقفُ في طليعة حركتنا النقديّة الجادّة حاملا رسالتَه كمَن يحمل صليبَه فقدّم دراسات أدبيّة نقديّة هامّة وعميقة ورائعة على المستويين المحلّي والعربي. نبيه القاسم مثال أصيل للصداقة والوفاء وحُسن الأخلاق والسّيرة الحسَنة، ومثال رائع للكاتب الذي يحترم كلمته ولا يميل مع الهوا والهوى.
ألف تحيّة عطرة لك وللسيّدة أم الفريد وللأبناء الأحباب.
وتحيّة للمتحدّثين والحاضرين.
أخوك
محمد علي طه
كلمة د. راوية بربارة: نبيه القاسم مُنَبّه الحركة الثقافيّة الأدبيّة المحليّة
أن تكون كاتبًا يعني أن تُحوّلَ الأحلامَ كلماتٍ، وأنْ تُحوّلَ الفكرة نبوءةً، وأن تُحوّلَ الواقعَ مشروعَ بحثٍ وتغيير. أن تكون كاتبًا يعني أنْ تجمحَ فوقَ صهوةِ اللّغةِ لتصهلَ الفكرةُ قاطعةً حواجزَ المعقولِ والمتعارفِ عليه. أن تكونَ كاتبًا يعني أن تكتبَ النّصَّ وترحلَ عنه بعيدًا تاركًا بيتَ القصيدِ للقارئ يُشكّلُهُ حسب ثقافتِهِ وتجارِبِهِ، تاركًا النّصّ تحتَ عين الرقيبِ وتحتَ سطوةِ الحبرِ السابرِ أغوار المباني والمعاني واللّغةِ والمضمونِ والأسلوبِ.
أمّا أن تكون ناقدًا فيقول نبيه القاسم بسخرية حادّة من الذين يُهاجمونه: "أن تكون ناقدًا ، عليكَ ألّا تُصرّحُ برأيكَ. وأنْ تُوَزّع مدائحَكَ على الجميع، وتشير إلى كلّ واحدٍ بجميعِ أصابِعِ يديكَ. فأنتَ الناقدُ المعتَرَف بكَ من قِبَل الجميع والمقبول على الجميع. أمّا إنِ اتّخذتَ موقفًا واتّبعتَ أسلوبًا، وطرحتَ نهجًا وأبديتَ رأيًا، فأنتَ الناقدُ الموجَّهُ (بفتح الجيم) وأنت الكاتب العاجز، وأنتَ الذي لا يحقُّ لكَ مَسك اليراع. (نبيه القاسم، مواقف ومواجهات في حال الحركة الثقافيّة. ص.44، 2011).
فمَنْ مَهمّتُهُ أصعبُ؟ ذاكَ الذي كتبَ وتركَ كلماتِهِ في مَهبِّ التحليلِ والنقدِ، والأخذِ والردِّ، والمدحِ واللذعِ والذّمِ، أم ذاكَ الذي عليهِ أن يحملَ سيفَ النقدِ ملوّحًا بممارساتِهِ السلطويّةِ على نصٍّ لا حولَ له ولا قوّةَ، لابسًا درعًا من المحاباةِ والمجاملةِ كي لا يكسِرَ عصاتِهِ من أولى غزواتهِ ويلمَّ حولَهُ الأعداءَ المكشّرينَ عن نيّاتِهم من صفعةِ نقدِهِ؟
وماذا عن نبيه القاسم؟ أهو الناقدُ أم الكاتبُ؟ لن أسألَهُ أينَ يجدُ نفسَهُ لأنّني زرتُهُ وسيوفُ النقدِ مغمدَةٌ، وقد نظرتُ إليهِ والسيوفُ دمُ، فكانَ نبيهٌ مُنَبّهَ الحركةِ الثقافيّةِ المحليّةِ الفلسطينيّةِ من سباتِها، فهو الناقدُ الذي حملَ الهمَّ الثقافيَّ صليبًا على كتفِ أيّامِهِ، فكتبَ عن القصّةِ الفلسطينيّة في مواجهةِ حزيران، معلنًا حزيران موتيفًا موحِّدًا لبعضِ القصِّ الفلسطينيّ، باعثًا في ذلك روحَ النقدِ العلميّ المنهجيّ، مسلّطًا "إضاءةً نقديّةً على الشّعرِ الفلسطينيّ المحليّ"، منتقلًا إلى جانر آخر وهو الإبداع المسرحيُّ المحليّ، مقارنًا بين النصوصِ المكتوبةِ والممسرَحَةِ، مبديًا رأيَهُ في مدى نجاحِ "رياض مصاروة" في مسرحةِ مشهدٍ معيّنٍ، ومدى اتقانِ ممثّلٍ آخر لدورِهِ، باثًّا روحَ الحوارِ بينه وبينَ صانعي العملِ، وبينه وبين القرّاءِ والمشاهدين، مبديًا رأيَهُ الصريحَ في مدى نجاحِ تجربةِ "فؤاد عوض" في مسرحيّة "أغنية مشوّه حرب من الوحدة أ"، حين قرّرَ المخرج فؤاد عوض أن يوزّعَ قبل العرض للمشاهدين نشرةً تشرحُ الرموزَ والأحداث، فحدَّ من إمكانيّةِ التواصلِ والتلقّي والتخيُّلِ والإبداعِ، مشكّكًا في قدرة المُشاهِد التحليليّة.
كان نبيه القاسم جريئًا في كلّ تلك الطروحاتِ، لكنّني أجد جرأتَهُ قد تجلّت حين قرّر أن يخوض النقدَ على كلّ ألوانِهِ، وأن يناقشَ كلّ نصٍّ أدبيّ وكلّ عملٍ ثقافيّ حضاريّ محليّ وعربيّ على تعدّدِ أنواعِهِ، فطال بأبحاثِهِ الفنّ الروائيَّ عند عبد الرحمن منيف، وعند ليانة بدر وعند سحر خليفة وغيرهم.
عرفَ نبيه أيّ أبوابٍ يجبُ طرقُها "فملأ فراغًا وشغلَ الناس". والأهمّ، في رأيي، هو فتيل الميتا نقد/ النقد على النقد الذي أشعَلَهُ عبر "مواقف صريحة ومواجهات"، فحين كتبَ "سلام يا عرب" سنة 1987، فتح باب النقاش على مصراعيْهِ ودعا الشّعراءَ والكتّابَ الدخولَ في لجّةِ التحليلِ والردِّ (ن.م. الصحافة بين الطرح والاستيعاب، شفيق حبيب. ص. 74-79)، وحين كتبَ مقالَهُ "أن تكونَ شاعرًا يعني أن تموتَ قابضًا على حجر"، فجّرَ على حدِّ قولِ ناجي ظاهر "نقاشًا لم ينتَهِ، وقد لا ينتهي في فترةٍ قريبةٍ" إذ ركّزَ الضوءَ على ثلاثةِ أو أربعةِ شعراء وتجاهلَ عشراتِ الشّعراءِ الآخرين (ن.م. ص. 85)، وقد ناقشَهُ على مقالتِهِ هذه فاروق مواسي وجورج نجيب خليل وأنطوان شلحت وغيرهم.
إنّ هذا النقدَ الذي يثيرُ نقدًا إنّما يُنبّهُ الحركةَ الأدبيّةَ من سباتِها ويدفعها نحو إعطاءِ الأفضلِ، هذا الميتا نقد وجّهَ رسالةً لكلِّ مبدعٍ مطالِبًا إيّاهُ الإجادةَ والإبداعَ الحقّ، فللفلسطينيِّ ذائقةٌ أدبيّةٌ غرباليّةٌ تُذرّي الحبَّ من القشورِ
تشهدُ الحركةُ الأدبيّةُ لنبيه القاسم بهذا الحِراكِ النقديِّ الذي حفّزَ على الإبداعِ والمقارنةِ والمواجهةِ والمجابهةِ.
وأسألُ كلّ من دعا نبيه أن يتخلّى عن نقدِ نوعٍ أدبيّ معيّنٍ، مَنْ نصّبَكَ مسؤولاً عن سيوفِ النقدِ المسلولةِ؟ وإذا كان نبيه القاسم قابضًا ناصيةَ النقدِ على اختلافِ الأنواعِ الأدبيّةِ، فلمَ نحِدُّهُ؟
وسؤالي الأصعب: لماذا يتقبّلُ العالمُ الغربيُّ النقدَ ويسعى إليهِ حتّى لو كانَ سلبيًّا، ليطوّرَ أدواتِهِ ويتركَ للآخرينَ رؤيةَ العملِ الأدبيِّ من مناظيرَ مختلفةٍ، بينما تأبى "عزّتنا العربيّةُ" تقبُّلَ النقدِ الصريحِ، على اعتبارِ قدراتِنا التي لا تُضاهى وأدبنا الذي به نتباهى، غيرَ ملتفتينَ إلى ذاكَ النبيه وغيرِهِ ممّن يملكونَ أدواتٍ ومجاسَّ للتقويمِ حتّى نضطرَّهُم أن يكتبوا نقدَهُم تلميحًا لا تصريحًا على حدّ قول نبيه القاسم في كتابه "مواقف ومواجهات" (ن.م. ص. 66. 2011)
وأقول: نبيه القاسم دون منازع هو محيي الأدب الفلسطينيّ المحليّ وباعث الروح فيه، وعليه ألاّ يفقدَ البوصلة، وأن يكون ناقدًا لا يجامل، خوفًا على مشروعنا الثقافيّ الحضاريّ، وعلى واقعنا الأدبيّ المحليّ، فإذا أخطأ أحدهم كنْ أنتَ بوصلة النقد التي تعيد الدفّة إلى مسارها الصحيح.
لكَ منّي كلّ التقدير على مواقفك، خاصّةً الشخصيّة معي والتي أذكر منها:
اتّصالك الأوّل: تلقيّتُ في بداية مشروعي الكتابي محادثةً لن أنساها، فتحتْ أمامي الطريق، وتلك كانت محادثتك لتشجيعي على العطاء وعلى الكتابة، وأعترف لكَ أنّ كلّ كاتبٍ ناشئ إذا تلقّى مثل هذا التشجيعِ من ناقدٍ كبير، لا بدّ أن يسعى وأن يطوّر كتابته، لأنّه أصبح على درايةٍ بأنّ هناك من يقرأه ويهتمّ، وهناك من، ربّما، سينتقده يومًا، فدمتَ لأنّك كنتَ من مشجّعي بدايتي.
شقائق الأسيل: كانت مجموعتي الأولى التي أصدرتُها "شقائق الأسيل" تحت نظركَ، وفي الندوة التي أقيمت في أبو سنان احتفاء بالإصدار الأوّل، كنتَ من المتحدّثين، وقد بدأتَ كلمتكَ متسائلًا: "كيف تجرّأَت راوية بربارة واستبدلت الرجل، الملك النعمان بالأسيل؟ بالخدّ الناعم؟ بالمرأة؟ وكم كنتَ لمّاحًا، وكم كنت ذكيًّا كعادتك أيّها الناقد.
في دار المعلّمين: حين دعوتَني لاحتساء القهوة في مكتبكَ، وقفتُ أمام مكتبتك أقرأ عناوين الكتب، وحينها قلتَ لي خذي منهم كلّ كتابٍ ليس بحوزتك، فحملتُ أكثر من خمسة عشر كتابًا من كتبكَ، استغرب أحدهم من تصرّفك وقال لكَ: لم تُبقِ لكَ شيئًا على الرّفّ! فأجبتَهُ على الفور: على الأقلّ أعطيتهم لمن ستقرأ.
وأخيرًا، المسرح: أتذكُرُ أستاذي نبيه حين كتبتَ نقدك عن مسرحيّتي "أغنية مشوّه حرب من الوحدة أ" و "الأعمى والأطرش"، أتذكُرُ تلك الفتاة ابنة الستة عشر ربيعًا التي مثّلت دورًا ثانويًّا، تلك كانت أنا، ومن هناك كان لقاؤنا الأوّل دون أن ندري كيف ومتى وأين ستجمعنا الأيّام.
دمتَ للنقدِ بوصلةً تعيد واقعَنا الأدبيّ نحو مسارات صحيحة.
راوية جرجورة