مع الدخول السياسي والاجتماعي يطالعنا حدثان رئيسان يلخصان مبدأي التناول الجمعوي للمسألة الأمازيغية: المظلومية والاستئساد بالخارج.
فقد اختار منظمو مهرجان السينما الأمازيغية بأكادير في نقدهم للدعم المقدم من طرف وزارة الاتصال والمركز السينمائي ولجنة دعم المهرجانات الحديث عن المقاربة الإقصائية للثقافة الأمازيغية وللجنوب المغربي بدل البحث عن الأسباب الحقيقية التي دفعت اللجنة المسؤولة إلى تخصيص هذا الدعم "الهزيل" والذي وصل إلى 50 ألف درهم بعد أن كان لا يتجاوز 10 آلاف درهم. فكيفما كان موقفنا من اللجنة، فالأكيد أن المقارنة بين المهرجانات الممولة من طرف الدولة ستجعل مهرجان أكادير يخسر فنيا وتنظيميا وإن اختار تيمة الأمازيغية، لذا لم يخرج بيان اللجنة عن طابع المظلومية المؤسس للهوية الانغلاقية والذي يسم عادة خطاب الفعاليات الأمازيغية في محاولة لتوجيه النقاش عن مساره الحقيقي. فالأمر لا يتعلق بالأمازيغية وإنما بقدرات اللجنة في تنظيم مهرجان سينمائي. ويمكن أن نتذكر في نفس المنحى بيان تاماينوت حول حادثة خنيفرة الذي حاول توجيه الحدث من هجوم على ملك عمومي كما شهدها الرأي العام المحلي إلى تحميل السلطات مسؤولية الاعتداء على السكان الأصليين. هو مسار لاستغلال النقاش الثقافي وتحريفه عن مساره الحقيقي.
الحدث الثاني ما تداولته الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي من صور لاجتماع ضم وفدا من طلبة وأساتذة إسرائيليين، إلى جانب نشطاء أمازيغ مغاربة. وبالرغم من محاولة بعضهم التهرب من الاعتراف باللقاء وتصوير ذلك على أنه لقاء علمي دون معرفة سابقة بالجنسيات، فالأمر يثبت التوجه الاسئسادي بمراكز القوى الصهيونية في مسألة وطنية. وهو توجه قديم وليس جديدا يمكننا تذكر بعض محطاته على سبيل التمثيل حتى لا ننسى: زيارة بعض النشطاء الأمازيغ في 2009، لــ"معهد ياد فاشيم الدولي للدراسات حول الهولوكوست"، من أجل المشاركة في حلقة دراسية حول المحرقة اليهودية. وفي 2010 أصدر''مركز موشي دايان'' التابع لجامعة تل أبيب دراسة أفصح فيها عن مخطط إسرائيلي لاختراق الحركة الأمازيغية واستثمارها لتسريع عملية التطبيع في دول اتحاد المغرب العربي. لذا فالأمر ليس جديدا ضمن مسار متنام.
بين المظلومية والاستعانة بالخارج دارت رحى المسألة الأمازيغية وتداولتها أقلام إعلامية ومدنية عدة تحت يافطات مختلفة كالدفاع عن الخصوصية القطرية والشعوب الأصيلة والحقوق الثقافية. وإذا كان البعض يحاول أدلجة الأمازيغية وتقديمها على أنها تيمة الشعب المظلوم وعنوان القهر الثقافي والسياسي ومدخل الحداثة المأمولة، والبعض الآخر يستعملها كورقة سياسية (أنظر استعمالها من قبل بعض الأحزاب في الضغط على الحكومة) أو من أجل مصلحة مادية فإن الصياغة الدستورية الأخيرة قد حسمت في الانتماء المشترك للمغاربة وحقهم الجماعي في هذا الرصيد دون وصاية من أحد أو من مؤسسة. لذا آن الأوان لفتح حوار وطني حقيقي حول الأمازيغية ضمن مشروع مجتمعي تشارك فيه أطياف المجتمع المغربي المختلفة.
فمن المعلوم أن الموضوع الأمازيغي قد ارتهن بين طرفين: خيارات السلطة التي حكمتها مبادئ التوازنات الاجتماعية والسياسية والعلاقة مع الخارج، والنخبة الجمعوية التي اعتمدت رهاني المظلومية والاستقواء بالخارج في الدفاع عن مسمى الحقوق الثقافية. وبين الطرفين ضاعت حقوق الأمازيغ البسطاء وانتماؤهم الأصيل للثقافة الإسلامية ودفاعهم عن وطنيتهم. ولعل مبررات الحوار المنشود كثيرة نبسط منها الآتي:
1 الرهان على القانون لا يحل الإشكال ولا يهب الأمازيغية حقوقها المنشودة بل القوانين هي أطر مرجعية لتنفيذ الإرادة المجتمعية. فقبل الدستور دارت رحى معركة الترسيم، وبعد الترسيم بدأ الجدل حول التنزيل والقوانين التنظيمية، وحين تصدر القوانين سنحتاج لمتاهات ومساطر أخرى. فلكي ينزل القانون بشكل سليم ينبغي أن يبنى على توافق مجتمعي وليس على نتيجة الصراع والغلبة.
2 التعويل على السلطة في قضايا المجتمع يثبت ضعف الأطروحة لأن خطاب السلطة مؤسس في جوهره على الالتزامات الخارجية والتوازنات الداخلية، ومن ثمة تغيب الأبعاد الاستراتيجية لكل القضايا. ويكفي أن نمثل بقضية اختيار الحرف التي استبعد فيها الفضاء الأكاديمي والمدني لتستند للتحكيم الملكي.
3 كثيرة هي اللقاءات والندوات الرسمية والتربوية التي تتحدث على ضرورة الارتقاء بتدريس اللغة الأمازيغية والعمل على تعميمها في كل المسارات الدراسية، وعن أهمية تدريس هذه اللغة باعتبارها لغة وثقافة ومكونا رئيسيا للهوية الوطنية. لكن واقع الحال يثبت اجترارا للفشل في إدماج الأمازيغية داخل المنظومة التربوية وباقي القطاعات. أين الخلل إذن؟ تتعدد التوصيفات ومساحيق المعالجة لكنها تبقى عرضية ولا تصل إلى جوهر الإشكال. الجوهر هو عدم إشراك كل مكونات المجتمع في هذا الورش الوطني مما سيجعل مسارها محفوفا بالعراقيل والالتفافات، مادام القرار فوقيا وليس وطنيا.
قد تكفي هذه الملامح للتأكيد على ضرورة الشروع في حوار وطني شامل حول الأمازيغية وفق مقومات ثلاثة: السيادة الوطنية والتعدد الهوياتي والانتماء الحضاري. فمنطق المظلومية الذي سوقت به الأمازيغية داخليا وخارجيا، وحاول البعض الاستناد إليه لتحقيق مطالب ومكاسب معينة، لن يستطيع القفز على قصور النموذج الحالي لإدماجها في مختلف القطاعات، وفي علاقتها بباقي المكونات الهوياتية الأخرى، كما أن التصور المستأسد بالآخر ضدا على الشعور الوطني والقيم الدينية سيضع الأمازيغية في موضع تساؤل دائم.