بتطلّعاتٍ سماويّةٍ وآمالَ خضراءَ تتبرعمُ الأرواحُ سنابلَ حياة، لا تهزمُها الجدرانُ ولا الحدودُ، ومن تحتِ الردم والحصار تتفتقُ الجهودُ الفلسطينيّة، وتتعنقُ نحو عشّ الشمس والنورِ مُسالمةً، تطرحُ غلالَها على بيادر السلام، وتطرحُ خارجًا حبوبَ الحروبِ والزوان، تمدّ هاماتها وأكفّها عاليًا، تُحيّي حضارةً فلسطينيّة أزليّةِ سرمديّة، ما تآكلت ولا طالها هوان، بل اشرأبّتْ أعناقُها تتلمّسُ أنفاسَ الضوءِ والحياة، وبكلّ فخرٍ واعتزاز تُصرُّ وتسعى إلى بناء جسر متينٍ، لا يَجسرُ على هدمِهِ كانَ مَن كان، هو الفلسطينيّ الحُرّ حاضرٌ دائمًا وأبدًا، هو الإنسانُ والكيانُ والبنيان، يأبى إلّا توثيقَ الروابط الحضاريّة بين الإخوة الفلسطينيين، من خلال تعزيز العلاقاتِ المشتركةِ، وتجذير التعاون الحثيث بين أبناء الشعب الفلسطينيّ الواحد في قضيّته الوطنيّة الإنسانيّة، وعلى جميع الأصعدة الثقافيّة، والمستويات الفنيّة والإبداعيّة السلميّة العادلة، والاجتماعيّة البنّاءة.
افتتحت بلدية طولكرم، ومكتب وزارة الثقافة محافظة طولكرم، ورابطة الفنانين التشكيليين "إبداع، معرضًا تشكيليّا مشتركًا بين عدد من فناني جمعية إبداع وعدد آخر من فناني محافظة طولكرم تحت عنوان "تواصل"، وذلك بتاريخ 23-9-2013 في قاعة منتزه بلدية طولكرم، بحضور كبير من الأدباء والشعراء والفنانين والذواقين المهتمين بالفن، وقد افتتح المعرض التشكيلي "تواصل" في طولكرم كل من:
وزير الثقافة د. أنور أبوعيشة، ومدير أعمال محافظة طولكرم السيد جمال سعيد، ورئيس بلدية طولكرم المهندس إياد الجلاد، وعدد من الشخصيات الرسمية والأدبية والفنية.
وقد تمحورت مواضيع اللوحات الفنية المعروضة حول واقع فلسطين، والتهجير، ومعاناة الإنسان الفلسطينيّ، من جراء التقسيم، واحتلال الأرض ومصادرتها، وهدم البيوت، وبناء المستوطنات واقتلاع الأشجار، وتوثيق الحصار والجدار من أجل التوسع.
شارك بمعرض "تواصل" كلّ من الفنانين:-
الفنان عماد خوري من أبو سنان- الجليل، شارك بلوحة عنوانها "ولادة حرية".
الفنان إيليا بعيني من أبو سنان- الجليل، شارك بلوحة "بيتي أنا".
الفنانة جهينة حبيبي قندلفت من الناصرة. الفنان وديع عوض من جت المثلث.
الفنانة ريّا سعيد من طمرة الجليلية. الفنانة رندة مجادلة من المثلث. الفنانة ليخيا متاني من قلنسوة المثلث. والفنان لؤي دوخي من الرامة- الجليل.
الفنانة ماجدة غنيم من الناصرة- الأردن شاركت بلوحتين بعنوان "الخط الأخضر"، خط وهميّ لا يفصل بين الشعب الواحد والقضيّة المشتركة.
الفنانة خزيمة حامد من الناصرة، شاركت بلوحات بعنوان "من عبق الماضي".
الفنانة جوليا أبو عرب من شعب، شاركت بلوحة "حنين لك يا فلسطين"، ولوحة "الهجرة".
الفنانة سيرين غنايم من سخنين، شاركت بلوحتين تحت عنوان "أمل عودة"، تتحدث عن الوضع الموجود بالوسط العربيّ، ولوحة بعنوان "تواصل"، لها ألوانها المختلفة بتواصلها مع الحياة والعالم.
الفنانة سمر بدران من البعنة- الجليل، شاركت بلوحة بعنوان "الغضب"، تعبر عن غضب صارخ من احتلال القدس، ولوحة بعنوان "أوراق الخريف"، وتجسد فيها الاحتلال والقيود وسقوط شهداء الوطن.
الفنانة ناريمان عمري من المقيبلة- جنين.
الفنانة تغريد حبيب من دير حنا، شاركت بلوحة "العودة"، تعبّر بها عن عودة إنسان بعد عمر طويل إلى بيته الذي أجبر على هجره، والزيتونة تعبّر عن الصمود والبقاء، ولوحة أخرى بعنوان "وكانت دموعه قطرات دم"، تظهر فيها السيد المسيح الذي داست بطون أقدامه بطون الأراضي المقدسة، فعلّ الله يُجيزه عن الشعب الفلسطينيّ، وعن جميع الشعوب المسحوقة.
والفنانة سناء توما- شاركت بلوحتين، لوحة لشجرة منحية وحيطان مهدمة حجارتها مبعثرة، ولوحة لقرية سومرية مُهجّرة.
بعد انتهاء افتتاح "معرض تواصل"، والتقاط الصور التذكارية، تناول الضيوف الغداء مع الجهة المضيفة المنظمة، ومع وزير الثقافة د. أنور أبوعيشة، ومدير أعمال محافظة طولكرم السيد جمال سعيد، ورئيس بلدية طولكرم المهندس إياد الجلاد، وعدد من الشخصيات الرسمية والمنظمة.
في طريق الوفد الجليلي رابطة إبداع الى معرض تواصل، توجهت الى جامعة الخضوري بطولكرم، حيث استقبلهم بحفاوة جمة الأستاذ عمر جودة، مدير العلاقات الدولية في جامعة الخضوري بطولكرم، ليتجولوا في رحاب جامعة الخضوري، وليعرفهم على تاريخ ونشاطات وفروع جامعة الخضوري، من خلال عرض فيلم قصير، وشرح وافٍ عن فروع التدريس. وقد رافق الإعلاميّ هاني سرحان، مدير شبكة راديو وتلفزيون بلاد بطولكرم رابطة إبداع، موثقا تحرّكاتها في طولكرم، ومواكبًا جولتها الاستكشافيّة الإبداعيّة من بدايتها حتى نهايتها في طولكرم، في محطة جامعة الخضوري، ومحطة "معرض تواصل" في قاعة منتزه بلدية طولكرم. وفي طريق العودة الى الجليل، استضافت الفنانة ليخيا متاني الوفد في بيتها العامر في قلنسوة، لاستراحة قصيرة، ولتهديه من كرمها الأخضر صناديقَ جوّافة، ولتبقى الانطباعات بهذا اليوم فوّاحةً بفلسطين والوطنيّة والآمال العتيدة بالاستقلال والحرية؛ فكرًا ووطنًا وشعبًا واحدًا مُتماسكًا رغم كل الرغم.
وكتب د. بطرس دلة: الفن التشكيليّ هو واحد من الفنون الجميلة التي يلجأ إليها الإنسان، من أجل الوصول إلى الجمال، فمنذ القدم عَرف الإنسان الرسم، حتّى قبل أن يكتشف اللغة، فكانت الرسومات على جدران المغائر، تعبيرا عما أراد ذلك الإنسان قوله قبل الكلام، ولكن مع تطور اللغة، باتت الكلمات تعبر بشكل قلت معه الحاجة الى الرسم، فباتت الكلمات هي الرسم، ولكن بدون فن أوّلُا، ثم تطورت الكتابة وتعددت اللغات والحروف، وتعددت طرق الكتابة، كما تنوع الرسم، ليصبح تعبيرًا عمّا يجيش في الصدور من أفكار دون الكلمات. هكذا جاء الفن التشكيلي وسيلة تعبير عن الذات أوعن الفكرة بأشكال مختلفة، وظهرت آلة التصوير العجيبة. أما الفن الحقيقي في الرسم التشكيلي فلا يصور كما الكاميرا أو آلة التصوير، بل ينطلق الفنان الفنان ليعمر الامتداد بين القديم والجديد، تضاف الى ذلك الحركة في اللوحة التشكيلية، حيث تسير بين الأفقي والعمودي، الأمر الذي يشير الى اللانهائي. فإذا ما أراد الفنان التشكيلي أن يرسم منظرًا عن قرية أو مدينة، ولجأ إلى رسم البيوت المكتظة، فإنه إنما يعبّرعن الطابع الفردي الذي يميزهذه المدينة أو تلك القرية.
عندما يصل خيال الفنان حد الغرابة، يكون من المؤمنين بتحرر الفكر تحررا شاملا، وقد يكون سوريالي النزعة، وذلك عندما يحاول إطلاع المشاهدين للوحاته على شيء لا يوفره الواقع، لذا فإنه يمعن في الخيال، وعندئذ يفقد ذلك الفنان حقه في تفسير لوحته، لأنها ستصبح حينئذ ملكا لجمهور المشاهدين. فإذا رسم الفنان الفلسطيني بيتا قديما مهدوما مثلا، يكون كمن يحاول توضيح دور الزمن في مخلوطة الألوان، فيتخذ أشكالا طائرة فوق البيت مثلا، بحيث تكون زاهية الألوان، يوظفها الفنان كموتيف لإبراز جذورنا العربية في مثل هذه الحالة. هكذا يكون عندما نرسم الصبار والتين في محاولة لقلب الواقع المر الى واقع حياتي، فيه شيء من الحلاوة. وإذا ما اجتهدنا في تفسير بعض اللوحات، فقد نرى الحركة الحيوية والفانتازيا، حتى عندما نرسم البحر أو الصخور أو الحجارة، فتأتي اللوحة كثيرة الحركة ليس فيهاهدوء، كما قد يكون البحر هادئا، أما إذا كان البحر متحركا متلاطمَ الأمواج، فإنما يرمز ذلك إلى الثورة وإلى فكرة التجديد، لأنه كما قال الشاعر: الحب الذي لا يتجدّد في كلّ يوم وليلة، ينقلب إلى نوع من العبادة! أي تكرار نفس الكلمات أثناء الصلاة، أو أثناء التواصل مع مَن نحب، أي بدون تجديد!
كل فنان يحاول فيما يرسم إثارة دهشة المشاهدين للوحاته، خاصة إذا ما ابتعد عن النمطية النموذجية في عرض الفكرة، وهذا هو نهج السوريالية، فالسوريالية كمدرسة في الفن تسعى الى اقتلاع الحواجز الاصطناعية من الواقع من أجل خلق عالم جديد، تكون فيه للرغبة الكلمة الأولى والأخيرة. وإذا ما ذكرنا أن الفن لدى السورياليين ليس غاية بحد ذاته، وليس مجرد إبداع لوحة بقدر ما هو تعبير مؤقت عن موقف معين، لذلك نجد أن الفنان الحقيقي لا يتجاوز الواقع إلى ما هو أبعد منه، إلى ما يريده هو ويريده جمهوره، وإرادة الجمهور اذا كان فلسطينيا، تكمن في الثوابت الفلسطينية أولا وأخيرا، وهي الأمور التي لا نزاع أو خلاف عليها، كحق العودة، وحق تقرير المصير... الخ. لذلك نرى ان الفنانين الحقيقيين يحلقون في الترميز، عندما يرسمون شجرة مثلا أو بيتا متصدع الجدران، والشجرة من فوقه تحميه من السقوط، أو توفر له المظلة الواقية، أو تحاول أن تنزع الحزن عن جوانبه، فالشجرة في هذه الحالة تعبر عن الشوق الذي يشغل بال الفلسطيني المشرد، والملاحق ومسلوب الوطن، وقد تعني تلك الشجرة معنى تقادم الزمن.
ولنضرب مثلا آخر: فعندما نرسم جملا في أية لوحة، نكون بذلك قد رمزنا إلى الصبر وقوة الاحتمال، وحياة الذل التي يعيشها إخوة لنا في مخيمات اللاجئين. وإذا ما أبرزنا فم الجمل مثلا، نكون كمن يروي قصة الشتات ومشوار العذاب، أما الزهور الشائكة والأسلاك فترمز الى العذاب وصعوبات العيش في مخيمات اللاجئين. يقول الفنان الكبير بيكاسو: أنا أعمل لوحاتي كي أبرز المدهش والخارق، فيكون لهما حضور أقوى أمام أعين المشاهدين، وهذا ما يبرز عظمة الفن التشكيلي. وتقول إحدى الفنانات: أنا أحب منظر البيوت المهدومة، لأنها ترمز الى دوام حضارتنا، رغم ما هدمته أيدي الاحتلال خلال نكبة 1948، كما أن بقايا الصبار والتين هي رمز لصراع البقاء الذي تعيشه جماهيرنا الفلسطينية.
أيّها الأحبة! لدينا في كفرياسيف والجليل جمعية اسمها "إخوتي أنتم"، تسعى هذه الجمعية إلى التواصل بين أبناء مختلف الطوائف للشعب الواحد، لذلك فإننا نسعى دائما إلى اللقاء والتواصل مع الآخرين في شتى الأطر، وما لقاؤنا هذا اليوم إلّا حلقة أخرى من حلقات التواصل التي نعتز بها. ونحن عرب الداخل قاسينا الكثير من ويلات الحروب والملاحقات والعدمية القومية ومصادرة الأراضي، ولكننا لم نخنع لظالم، فكان لنا يوم الأرض، ومظاهرات الأول من أيار، وإحياء ذكرى شهدائنا الأبرار، بدءًا بالشهيد عبد القادر الحسيني الذي استشهد في معركة القسطل أو باب الواد، وانتهاءً بآخر شهيد في سخنين وجنين وغيرها. لذلك جاء إبداع فنانينا مليئَا بالشموخ والثورة والتجدد، وجاء إبداعكم في الضفة والقطاع مليئًا بالصراخ والحجارة والانتفاضة، من أجل الحفاظ على الذات العربية الأصيلة! أيها الأحبة... لكم الحياة!