لاتزال قضية اللغة العربية التي لعبت دورا مهما في استقلال الجزائر عن الاستعمار الاستيطاني الفرنسي لها، تلعب دورا أساسيا في بلورة هوية الجزائر العربية من ناحية، وتوسيع أفق المجتمع اللغوي، وذلك من خلال الصحافة وأجهزة الإعلام، وقد سخرت كل جهودها في تنمية لغة المجتمع الجزائري وإثرائها بكل ما هو جديد.

خدمة أجهزة الإعلام لغتنا العربية

علـوش كمال

تعتبر اللغة بمثابة الجين الوراثي للمجتمع (كروموسوم)، فهي تحمل سماته وسمات تفكيره، وتتجلى فيها صفاته وميزاته، و تعكس عاداته وثقافته وتقاليده وأعرافه، وبها يمكن أن نكشف ونعرف الكثير عنه، وعن نوعية ثقافته، وإلى أي عرق ينتمي، وبها نحكم على درجة رقيه أو انحطاطه(1)، وصدق مصطفى صادق الرافعي حين قال عنها: "وأما اللغة فهي صورة وجود الأمة بأفكارها، ومعانيها وحقائق نفوسها، وجودا متميزا قائما بخصائصه، فهي قومية الفكر تتحدد بها الأمة في صور التفكير، وأساليب أخذ المعنى من المادة، والدقة في تركيب اللغة دليل على دقة الملكات في أهلها"(2).

وإذا ما حاولنا معرفة حال لغتنا العربية في وسطنا الجزائري، لابد من معرفة حالها في المؤسسات التربوية والاجتماعية، والإعلامية والسياسية والاقتصادية، والقانونية والثقافية، ومعرفة ما تقدمه هذه المؤسسات في سبيل هذه اللغة، وليس من المبالغة في شيء إن قلنا أن حال اللغة العربية في مجتمعنا اليوم أفضل بكثير مما كان عليه في فترات الاستعمار وبعدها، يرجع هذا كله للتطورات التي يشهدها مجتمعنا على جميع الأصعدة، والمؤسسات التي بادرت في تطوير هذه اللغة، بجعلها لغة المعاملات اليومية في مؤسساتها، ونصوصها المتعامل بها، وهذا حتى تفرض مكانتها في سوق اللغات الأخرى، ولذلك فإن أي عجز منسوب للغة ما في حقيقة الأمر، لا يرجع لها بقدر ما يرجع لأهلها، الذين لم يطوروها بتطوير جميع مؤسساتهم، وتهيئة الظروف لها، حتى تحافظ على استمراريتها وتواكب كل ما هو مستحدث من مخترعات حديثة أو أفكار.(3) على هذا الأساس ارتأيت أن أبين عن دور وأهمية الصحافة في تنمية اللغة العربية في وسطنا الجزائري وترقيتها وإثراءها له، وما تقوم به أيضا بعض أجهزة الإعلام كالتلفزيون والراديو وما تملكه من وسائل ووسائط كأحد خلايا المؤسسة الإعلامية التابعة لمؤسسات الدولة الجزائرية، والتي تشهد اليوم تطورا كبيرا، كان لها أثر بارز فيما ما نحاول أن نروم الحديث عنه من خلال هذا المقال.

إن الحديث عن خدمة الصحافة وأجهزة الإعلام للغة العربية في الوسط الجزائري يقتضي الحديث بداية عن التعريف بها وبمهمتها كأجهزة هامة، وهذا نظرا للخدمات التي تقدمها لمجتمعنا بغض النظر عن خدمتها للغة العربية، فالصحافة في مفهومها العام فن صناعة الخبر بغرض الإعلام والتثقيف والتعليم والدعاية، ويتم كل ذلك بالكلمة المطبوعة أو الصورة(4)، وأما الصحيفة كأحد وسائلها الهامة، هي مجموع الصفحات التي يتم نشرها وفق مواعيد محددة وبشكل انتظامي، تتضمن لمجموعة من الأخبار في عدة مجلات السياسة والثقافة والرياضة، الاقتصاد ،الاجتماع ،الأدب، الصحة ،الدين، الواقع، والممارس لمهنتها يسمى صحفيا.(5) ومن أنواع الصحافة المطبوعة الصحف اليومية، وصحافة الحائط الثابتة، كصحافة المساجد والمدارس، وصحافة تجارية تختص بالتسويق والدعاية والإعلان، وصحافة إدارية خاصة بأعمال المؤسسات والإدارات.(6)

وتعتبر صحيفة بريد الجزائر أول صحيفة صدرت في مجتمعنا الجزائري، غرضها سياسي عسكري، أنشأها المستعمر لتشجيع و استقطاب المعمرين، ثم اصدر جريدة ثانية اسمها المرشد الجزائري، والتي كانت موجهة للشعب الجزائري بغرض التطبيع معه، وبعدها صدرت صحيفة المبشر سنة 1847، ثم توالت من بعدها عدة جرائد كالمنتخب في مصالح العرب ، والمبصر ظهرت في قسنطينة ،1883 والمنتقد للشيخ عبد الحميد بن باديس 1925، والشهاب وصدى الصحراء، ووادي ميزاب في جنوب الجزائر، والبلاغ والإصلاح، والتي كان لكل واحدة منها دور وغرض تم إنشاؤها لأجله، وهدف تسمو إليه. وما من شك أن كل صحيفة تصدر في مجتمعنا إلا ولها شروطها الخاصة بها ومنها الطبع الرسمي مع صدورها وفق مواعيد محددة، وتكون إما يومية أو شهرية أو أسبوعية أو فصلية أو سنوية، كما أنه لابد أن تحمل اسما تشتهر به يميزها عن باقي الصحف الأخرى.(7) ومن ميزاتها الأساسية السرعة في الصدور ومسايرة الأحداث والوقائع اليومية، والتنويع في الموضوعات، ويشترط أن تكون أكثر انتشارا وقراءة من حيث الرقعة الجغرافية، وأقل ثمنا وتكلفة عن باقي الوسائل الأخرى التي يتم اقتناؤها لتتبع ما يحدث كالمجلات مثلا، وهو ما يجعل قراؤها متنوعين كالحرفيين والتجار والمعلمين، ومن ميزاتها أنها تسمح بتكرار الخبر والإعلان يوميا(8)، أما عن أدورها الرئيسية فهي تثقيفية تعليمية، إخبارية ترفيهية، تعمل على مساعدة القارئ في طرح أفكاره وآراءه تجاه قضية ما عن طريق سردها للأحداث ومتابعتها باستمرار، وهي تتيح له أن يحلل ويناقش مقالاتها، وينقدها ما دامت بين يديه، بعكس الراديو أو التلفاز الذي لا يمكن التحكم في ما يقدمه من برامج تمر على السريع.(9)

إن الذي يميز لغة الصحافة اليوم توظيفها الألفاظ البسيطة السهلة، وإيثار التراكيب القصيرة، هذا النوع من الأسلوب المعتمد، كان نتيجة التأثر بالصحف الأجنبية المترجمة، والذي شاع فيه استخدام الجمل الاسمية كوحدات، فهي لغة تثير القارئ، وتحركه وتشوقه للاستمرار في القراءة، وهي بهذا الإيجاز تحرص على إيصال المادة الفكرية، وتجمع بين البساطة والجمال، وسرعة الأداء والتعبير،(10) فهي بهذا الأسلوب وبهذه اللغة تصبح قادرة على التأثير في القارئ والسامع المتلقي، الذي تستهويه جمالية الأسلوب، والعبارات والألفاظ وخفتها، وبساطتها وقصرها، مما يستدعي به محاكاتها والتعلم منها.

وفي حديث عبد العزيز شرف عن لغة الصحافة وأهميتها بالنسبة للقارئ وتمسكه بها، نجده يفسر لنا كيف تكون لغة الصحافة منفذا لكل قارئ، وسامع يفهم ما يدور من أحداث على جميع المستويات فيقول: "على أن المقال الصحفي من بين فنون التحرير يملك لغة خاصة، تنفذ إلى المغزى، أو الدلالة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية عن طريق ألفاظ تقوم على البساطة، والوضوح، وتيسر الفهم على القارئ العادي، وذلك لأن القارئ الصحفي العادي يعرض أفكارا وآراء، ويفسر اتجاهات، ويشرح بيانات، وهو الأمر الذي يدفعه إلى استخدام لغة غير منمقة خالية من الصور البيانية، لأنها ربما تعوق القارئ في فهمه لفكرة الكاتب في سرعة ووضوح، ويسر"(11)، إضافة إلى أنها تحفل بثروة لفظية ومصطلحية متنوعة، منها ما هو عصري، ومنها ما هو تراثي، ومنها ما هو حديث مما يجعل السامع والقارئ ينجذب إلى استعمالها وتداولها في حياته اليومية.

إن هذا النوع من التعبير بالألفاظ والأساليب المتميزة والمنمقة، جعل الكثير من الباحثين يسم اللغة العربية بالتطور، كون الداعي الذي جعل اللغة العربية متطورة هو الانفجار المعلوماتي الهائل في يومنا هذا، والذي أدى بها إلى ضغط الأساليب، واعتماد الاقتصاد اللغوي لتبليغ المعلومات بكفاءة جيدة، مع مراعاتها الزمن(12)، ومن هنا لابد من معرفة الدور الذي تلعبه الصحافة والصحيفة وأجهزة الإعلام السمعي البصري في تطوير لغة الوسط الجزائري وترقيتها وإثراءها بكثير من الألفاظ والمصطلحات والتعبيرات المستحدثة والجديدة، المواكبة لما تتطلبه مخترعات هذا العصر ومستجداته، وذلك في ربوع واسعة منه ، فيتعلم منها المثقف وغير المثقف، والذي هو على درجة من الثقافة .

لا شك أن الحديث عن مهمة الإعلام والصحافة لا يتوقف عند الحديث عن تقديم الخبر وإيصاله للمجتمع بأي طريقة ووسيلة كانت؛ بل لابد لمثل هذه الوسائل أن تجعل هذا المجتمع جزء من الحياة اليومية، غير معزول عنها مساهما فيها، مؤديا دوره كما ينبغي، ولذلك نجدها تتخذ من هذه اللغة أداة طيعة للتواصل معه، ومع الجماهير بأصنافها المثقفة وغير المثقفة؛ وهي من تساهم في توعيتها وتثقيفها وتوجيهها، وصنع الرأي العام فيها، إنها بهذه الطريقة والكيفية تكسب المجتمع لغة جديدة عصرية تتنوع بها معارفه الجديدة والمستحدثة، يتجلى ذلك من خلال رفع مستوى لغة العوام إلى اللغة الوسطى المستعملة من قبل صحافتنا وإعلامنا، والتي لا ينبغي لنا أن ننظر إليها بمنظار سلبي، فهي ربما تدنو من مستوى فصاحة العرب المعهودة، لكنه ليس دنوا يهبط بها إلى مستوى العامية عندنا؛ بل خصوصيات العمل الصحفي تتطلب الاختصار لكم كبير من الأخبار في زمن قصير.

والحقيقة أن الفضل يرجع إلى الصحافة في كونها قربت مستوى لغة العوام للمستوى الوسط، الذي هو أقرب للفصحى، فهي تساهم في القضاء على العامية بنسب متفاوتة عند بعض من جمهورنا الجزائري العامي، وقد أصبح العامي يفهم لغة الإعلام والصحافة المكتوبة نتيجة التداول، والاستعمال اليومي المتتابع، ومتابعته لكل ما يحدث يوميا، ويظهر ذلك فيما شاع في وسطنا الاجتماعي من تراكيب وألفاظ، نسمعها في مجالس السمر، والمقاهي وكثير من الأماكن العمومية، والتي يتضح للعيان أن مصدر تعلمها هو الصحافة الوطنية الجزائرية، وأجهزة الإعلام، ومحاكاة أساليبها، كالجزائر الخضراء والتحالفات، والضمانات وانسحاب القوات، فتجد الطفل وكبير السن والأمي، والحرفي وسائق سيارة الأجرة، وكل شرائح المجتمع، مهما كانت درجة ثقافتها ووعيها باللغة، إلا أنها قد حفلت بشيء من اللغة العربية الفصحى، واعتادت على تلفظ هذا النوع من الألفاظ والأساليب، والفضل كله يرجع لما تقوم به الصحافة وأجهزة الإعلام من مجهود.

وللعلم فإن الأسلوب الصحفي لم يؤثر على لغة العوام فقط في مجتمعنا الجزائري؛ بل حتى الطبقة المثقفة منه والتي أيضا هي على درجة من الثقافة ، فكم من الأدباء والكتاب الذين تأثروا بالأسلوب الصحفي، وأعجبوا به وحاكوه، وهذا لما يمتلكه من خصوصيات، وهو ما يفسره قول شوقي ضيف:" أن معالجة الصحافة لموضوعات سياسية واقتصادية، واجتماعية، وثقافية ضمن أدبنا، وجه بعض الأدباء إلى استعمال الأسلوب المرسل، رغم أن هناك من يهتم بأسلوبه، وجعلهم يوازنون بين ما تقتضيه متطلبات العمل الصحفي وما يتطلبه الأدب."(13) ولذلك نقول أن لغة الصحافة الوطنية لغة عربية معاصرة، أفادت كثيرا مجتمعنا في إثراءه بألفاظ معاصرة وحديثة، ذات مفاهيم مستحدثة وجديدة تتماشى مع هذا العصر ومتطلباته، وهي لغة تخدم الكتابة في الأدب والعلم بكل فروعه، وهي لغة الفن، ولغة الإذاعة، ولغة المحاضرات الثقافية تصلح لكل باب من أبواب العلوم كما يقول عنها الكثير(14)، فهي ثرية بالمصطلحات، والألفاظ العصرية وأسماء المخترعات، والشخصيات والأماكن، ويفهمها الجميع، ويستطيع الكل التواصل بها.

ومن الواجب الحديث في هذا المقام عن دور أجهزة الإعلام الأخرى في تنمية اللغة العربية وإثراءها في الوسط الجزائري، والتشييد بمجهودها كالتلفزيون والإذاعة مثلا، فقد أفادت المجتمع كثيرا بما تمتلكه من وسائط، وذلك بتقديمها للبرامج المتنوعة والمكثفة من نشرات الأخبار المستمع إليها باللغة العربية، المتضمنة لكثير من المجالات الثقافية والسياسية والدينية والرياضية، أضف إلى ذلك البرامج الدينية، وهذا كله خدمة للأمة الجزائرية، والحفاظ على هويتها ومقوماتها، وهو ما وسع من دائرة المتحدثين بها(15). ومن الأمثلة والنماذج على ما يقدم من برامج تمر في قنوات التلفزيون الجزائري ذات فائدة، فتاوى على الهوى، المفتوح لمشاركة العام والخاص، والذي مكن المجتمع الجزائري بجميع شرائحه تعلم عدة ألفاظ تتعلق بديننا، وهذا سببه التواصل مع البرنامج وفتح الحوار مع الجمهور والمتابعة المستمرة له، واستماع البرامج المتعلقة بالرياضة كحصة من الملاعب، والتي يتابعها غالبية المجتمع الجزائري من شباب وغير الشباب، ويتعلم منها الكثير من الألفاظ والأساليب التي تتعلق بالرياضة، إضافة إلى الحصص التي تخدم اللغة والأدب كحصة الفهرس لأمين الزاوي، وحصة قراءات المقدمة في الجزائرية الثالثة، ونشرات الأخبار التي تبث في ساعة الثامنة مساء، والواحدة زوالا، وخاصة أنه أصبح لنا قنوات تبث الأخبار على مدار الساعة كقناة النهار، والبرامج الدينية كقناة القرآن الكريم، كما أن هناك دور لأفلام الكرتون التي يشاهدها الصغار وتقدم باللغة العربية، وبعض المسلسلات الدينية .

وأما بالنسبة للإذاعة الجزائرية الوطنية (راديو الجزائر)، فقد أصبحت في يومنا هذا وبما تمتلكه من وسائل متطورة عصرية تصل بموجاتها الصوتية عبر الأثير إلى أنأى المناطق الريفية، والحضارية والصحراوية، وتقدم خدماتها إلى المستمع بالعربية، وتجعل كل من الطبقة المثقفة والطبقة العامية مشاركة لها في برامجها المتنوعة، فاتحة باب الحوار معها في أي مجال من مجالات الحياة، والذي من شأنه أن يرقي لغة العامي إلى اللغة المفهومة والمبسطة اللغة الوسطى، فقد تم تأسيس الإذاعة الوطنية الثقافية الجزائرية، والتي تتضمن برامج متنوعة ثقافية باللغة العربية، وإذاعات محلية كذلك تابعة للولايات، تتضمن مجموعة من الحصص المتنوعة حول البيئة والصحة والثقافة والأدب، والأمسيات الشعرية، والعروض المسرحية الشفهية، فحصة الألغاز المقدمة في الإذاعة الثقافية من شأنها أن تجعل المواطن الجزائري مطلعا على كل أنواع وخصوصيات الثقافة في كل ناحية من نواحي القطر الجزائري، والتواصل معها من شأنه أن يكسبه ألفاظ وأساليب متنوعة بتنوع الثقافة فهي تنمي قدرته اللغوية، وتحسن مستواه في التعبير مهما كانت درجة ثقافته، ومعرفته باللغة .

وإذا كنا فيما سبق حاولنا أن نخصص الحديث عن الصحافة التي قلنا عنها أنه كان لها أثر بارز في إثراء لغة مجتمعنا، فهذا يستلزم منا أن نفصل الحديث عن أي وسيلة بالضبط التي كان لها تأثير كبير من غيرها في إثراء لغة مجتمعنا؟ يجمع جل الباحثين على أن الجرائد أو الصحف خدمت اللغة العربية أكثر من غيرها من المجلات أو صحافة الحائط أو الإعلانات، فقد لعبت دورا كبيرا في تعميم اللغة العربية ونشرها، وجعلها مهيمنة في سوق اللغات داخل المجتمع الجزائري، وكان ذلك بالتقليص من درجة استعمال اللغات الأجنبية، وخاصة الفرنسية التي سادت الأسر الجزائرية في المدن الكبرى، بادعاء التمدن والتحضر، وهذا القول له ما يثبته، وهو أن الانتشار المكثف للصحافة المكتوبة بقوة في مجتمعنا، قد كسر تلك العقليات التي كانت سائدة في وسطنا، والتي هي من رواسب الاستعمار، والغزو الثقافي والاقتصادي، فقد أخذت الجرائد المكتوبة بالعربية حيزا كبيرا وأوسع من حيث المقروؤية اليومية للجزائريين، كجريدة الخبر، الحدث، الوطن، الشروق، المساء، النهار، البلاد، الرياضي، الوطن، الأيام، المجاهد، الشعب، المسار، النصر، الأحداث، صوت الغرب، الوصل، وأجواء الملاعب، والهداف، وجل الجرائد التي طغت على الجرائد المكتوبة باللغة الفرنسية، كجريدة الصباح والمساء والحرية .

أضف إلى ذلك فقد كانت هذه الصحف والجرائد بمثابة المدارس التي تعمل على تطوير لغة المثقف في مجتمعنا، أو الذي هو على درجة من الثقافة، أو ذاك الذي انقطع عن مراحل الدراسة، قد طور عربيته في غالب الأحوال من خلال قراءته اليومية للجريدة الوطنية، كجريدة الخبر والشروق مثلا، وتتبعه لقسم التسلية المتمثل في الكلمات المتقاطعة، وكلمات السر، والكلمات السهمية، فهي فعلا بمثابة المدرسة التي تواصل امتداداتها عند المراحل الدراسية التي توقف عندها القارئ، وهي تمكنهم من استمرار حياتهم اللغوية، أو جريدة الشعب التي خصصت صفحة لركن قطوف وحروف، وهل تعلم، وحكم وأمثال عالمية، والتي تساهم في تنمية اللغة عند المواطن الجزائري، وتثري معجمه اللغوي(16).

إن الصحيفة الوطنية اليوم تساهم بصفحاتها في تنمية لغة المجتمع الجزائري، بإكسابها ثروة لفظية ومفردات جديدة في كثير من المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والأدبية والرياضية، والتي أصبحت في مخزون الفرد والمواطن يتكلم بها ويتداولها، بل أكسبتها صفة الجماعة وقيمة حضارية وثقافية .(17)، وأصبحت تمثل موسوعة شعبية بالنسبة له، ومصدر المعرفة لكثير من الحقول المعرفية المتنوعة، ينهل منها ما شاء من أسماء الشخصيات الفكرية، والمعالم الأثرية والهيئات والمواعيد والمشاريع والإنجازات، كما كان لها الفضل في تعميم مدلولات كثير من الكلمات، وجعلها شائعة عند جمهورنا، ولم تحصر دلالتها قيد استعمال الجهاز الإعلامي والصحافي فقط، واعتنت بالعربية باعتبارها لغة المعرفة في المجتمع الجزائري، فوظفت كثير من الأسماء لمخترعات تكنولوجية، وطبية عصرية بالعربية، ولذلك يقولون أن الفضل يرجع لها في الترويج لسياسة التعريب(18) .

ويكفي القول أن من الشواهد والأدلة على خدمة الصحافة للغة هذا المجتمع خدمتها لأدبه، فقد عملت على التعريف برموزه وأعلامه، فهي: "لم تختف كأجهزة للثقافة ونشر المعرفة، وفي مجال الأدب لم تكتف الصحافة بإنشاء مجلات أسبوعية، أو شهرية متخصصة في نشر الإنتاج الأدبي والفني؛ بل نرى الصحف اليومية والأسبوعية تخصص أجزاء منها، أو ملحقات خاصة بشؤون الثقافة، والأدب والفن"(19) ولذلك فإن الصحيفة أكثر رواجا للأدب من الكتاب، يمكن لأي أن يقتنيها من المثقفين وغير المثقفين ، ويقرأ صفحاتها المتضمنة لمقالات وأسماء أدبية، وعناوين الروايات، وملتقيات فكرية، وأمسيات شعرية وفكاهية، وأعمال مسرحية وفنية ثقافية، مقدمة باللغة العربية .

وفي ختام هذا الكلام، نقول أن كل من الصحافة وأجهزة الإعلام، قد سخرت كل جهودها وبذلتها في تنمية وترقية لغة المجتمع الجزائري، وإثراءها بكل ما هو جديد، فكانت بمثابة المدرسة والموسوعة اليومية له، وقدمت بذلك خدمة جليلة للغتنا العربية، ولمجتمعنا الذي نلحظ في واقعه تغيرا ملموسا على ما كان عليه في مرحلة ما سبقت هذا الزمن، ويرجع هذا كله لامتلاكها آليات ووسائط عصرية سهلت مهمتها في كل ما وصلت إليه، وأصبحت العصب الحساس المسئول عن حركة لغتنا وتطورها وإثراءها ومسايرتها لكل ما هو جديد، ولذلك فإن خدمة اللغة العربية في الوسط الجزائري أصبحت هدفا من الأهداف الرئيسية للصحافة وأجهزة الإعلام.

 

جامعة قاصدي مرباح ورقلة – الجزائر

 الهوامش :

(1) اللغة العربية وتحديات العصر المؤتمر الدولي الأول، دار الصادق الثقافية للنشر، ط1، 2012، ص08 .

(2) وحي القلم مصطفى صادق الرافعي، نقلا عن العربية لغة العلم والحضارة، محمد صالح الصديق، ديوان المطبوعات الجامعية، بن عكنون، الجزائر 2009 ،ص 36.

(3) ينظر العربية لغة العلم والحضارة، محمد صالح الصديق، ص :99 .

(4) ينظر الإعلان الفعال منظور تطبيقي، علي فلاح الزعبي، دار اليازوري العلمية للنشر، الأردن، عمان، ط2009 ، ص 290.

(5) ينظر مؤسسات الإعلام والاتصال الوظائف الهياكل الأدوار، جمال العيفة، ديوان المطبوعات الجامعية 2010، الجزائر، ص 90.

(6) الإعلان الفعال منظور تطبيقي، علي فلاح الزعبي، ص 295".

(7) ينظر مؤسسات الإعلام والاتصال الوظائف الهياكل الأدوار، جمال العيفة، ص 91.

(8) ينظر الإعلان رؤية جديدة ناجي خشبة، المكتبة العصرية مصر، ط1 2010، ص 102.

(9) ينظر مؤسسات الإعلام والاتصال الوظائف الهياكل الأدوار، جمال العيفة، ص 93.

(10) ينظر اللغة العربية ووسائل الاتصال، وليد إبراهيم الحاج، دار البداية للنشر، الأردن، ط1 2007، ص118 119-120.

(11) علم الإعلام اللغوي عبد العزيز شرف، الشركة المصرية للنشر لونجمان مصر ط1، 2000 ، ص 262 .

(12) اللغة الإعلامية ومنظومة التطوير، ديانا إم لويس، ترجمة راغب أحمد مهران، دار الفجر الجديدة للنشر، القاهرة، ط1، 2009، ص 151.

(13) اللغة العربية بين الأصالة والمعاصرة، خصائصها ودورها الحضاري وانتصارها، حسن عبد الجليل يوسف، دار الوفاء للنشر، ط1 2007، ص323.

(14) ينظر المرجع نفسه، ص 324 .

(15) ينظر المرجع نفسه، ص328 .

(16) الخبرص17 (26-01-2013)/الشعب ص31 (05-12-2012)/الفجرص19-21 (03-12-2012) .

(17) ينظر اللغة العربية وتحديات العصر، المؤتمر العلمي الدولي الأول، ص 12.

(18) ينظر اللغة العربية وأسئلة العصر، وليد العناتي وعيسى برهومة، دار الشروق للنشر، الأردن، عمان ط1 2007 ، ص 211.

(19) علم الإعلام اللغوي، عبد العزيز شرف، ص 211.

 

hadaf85@yahoo.fr