جوي ساكو، رسام كاريكاتير أمريكي من أصل مالطي حكي القصة الفلسطينية في كتابه المصور ‘فلسطين’ (2001)، واتبعه بقصة المجزرة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في خان يونس في عام 1956 ‘هوامش من غزة’ (2009).
زار الخليل والتقى المستوطنين الذين يرعبون بدعم من ‘جيش الدفاع الإسرائيلي’ المدجج بالسلاح والطائرات وسوء الأدب أكثر من 40 ألف مواطن فلسطيني يعيشون في المدينة المحاصرة، وزار رفح أثناء العمليات الإسرائيلية في مكافحة الأنفاق، وكتب عن مذابح ودمار القوقاز والشيشان والتقى بالمعذبين وأرامل الحرب، وجلس في قاعة محكمة الجنايات الدولية مستمعا وبملل الى محاكمة مجرمي الحرب في أثناء الحرب البوسنية في تسعينات القرن الماضي، وذهب إلى مالطة والشواطئ الايطالية ليرصد مواقف الناس من المهاجرين غير الشرعيين من الأفارقة الذين يفرون عبر القوارب المطاطية والسفن إلى ايطاليا حيث ينتقلون إلى المعتقلات المفتوحة، والاهم من ذلك رافق القوات الأمريكية في دورياتها في العراق بعد الغزو ورصد تصرفات الجنود تجاه العراق وحضر تدريبات لقوات الحرس الوطني، ونقل سلطة القائد الأمريكي على المتطوعين العراقيين الذين دفعتهم الحاجة والمال للانضمام لهذه المجموعة.
وذهب ساكو إلى الهند ورصد مظاهر الفقر فيها. وقد ضمن هذه المجموعة من الرحلات الصحافية في كتاب جديد سماه ‘صحافة’، وكما قال فهذه الأعمال هي تقارير صحافية مصورة وقصيرة قام بها لصالح مجلات وصحف أمريكية بعضها كان محظوظا ونشرت كما كتبها بدون تحريف، وبعضها مر عليه مقص الرقيب في هذه المطبوعة أو تلك، وبعضها رسم كي ترفق مع مقال او رحلة صحافية لصحافي اخر ولم تنشر كلها.
الشخصي والغرض
ويتحدث في مقدمة كتابه (مانيفستو) عن العلاقة بين الشخصي والهدفي- الغرض في الصحافة، حيث يرى ان رسام ‘الكرتون/ كوميك’ يختار اللحظة التي يلتقط ويجمع فيها رسومه، وهو هنا يفترق عن المصور الذي يحمل كاميرته وينتظر حظه في الحصول او التقاط صورة في ‘اللحظة المناسبة’. ومع أن رسام الكوميك حر في اختيار الزمن لرسم وكتابة قصصه المصورة الا انه مجبر على اتباع الشروط الصحافية التي يتبعها اي صحافي وهي ان يقدم القصة او الحدث الذي يتحدث عنه بدقة، اي التأكد من مصادره ، والتأكد من صحة المزاعم. وعلى خلاف الصحافي العادي فمراسل الصحافة المصورة يتعرض لضغط ابعد من ناحية الاختيارات والطريقة التي يؤدي بها القصة الصحافية بدون ان يؤثر هذا على صدق ومشاعر من يكتب عنهم او يصور حالتهم، فالواجب هنا أعمق من واجبات الصحافي العادي. ونعني بهذا كما يقول ساكو ان مراسل الصحافة المصورة يحتاج الى تقديم القصة بصريا، فمثلا يمكن للصحافي العادي ان يقول ‘ قافلة من العربات التابعة للأمم المتحدة’، وهذه العبارة كافية للصحافي كي يواصل سرد ما رأه نيابة عنا من حدث، لكن مراسل الصحافة المصورة يجب ان يرسم ويشفع الرسم بالكلام المناسب، وهذا يضعه أمام تحديات أخرى، ما هو شكل العربات، وما هو الزي الذي يرتديه الرجال العاملون لدى الأمم المتحدة، وما هو شكل الطريق الذي تسير عليه عربات الامم المتحدة، وما هي طبيعة التلال، الجبال والسهول المحيطة بالقافلة. فالرسام هنا مطالب بالإمساك بالمشهد كله كي يقدم لنا ترجمة بصرية عن الطريق والبشر والعربات. ومن حسن حظ الفنان او مراسل الصحافة المصورة انه لا يوجد هناك كتاب تعليمات يجب عليه اتباعها، فهو مطالب بنقل ما هو ضروري من الواقع وليس الواقع حرفيا، وهو ما يمنحه اي الفنان مساحة لتفسير المشهد بطرق مختلفة مستخدما أساليب فنية متعددة، فلن نجد تشابها في الطريقة التي سيقوم فيها رسامان نقل المشهد، فيما تتشابه لغة الصحافي العادي في التعبير عن حقيقة ما حدث. وضمن هذا التصور يعبر ساكو عن الحقيقة والهدف ويرسم الناس والأشخاص بطريقة دقيقة قدر الاستطاعة. وعليه يؤكد ان ما يمكن رسمه يجب رسمه بدقة، اي يجب نقل الشخصيات ومشاعرها بطريقة يتعرف عليها المشاهد وممثلة بطريقة حقيقية. في بعض الحالات يجد مراسل الصحافة المصورة نفسه أمام تحد، وهذا يتعلق بأحداث حدثت في السابق، ومن اجل تمثيلها بالصور فيجب ان يعمل خياله او يجمع بين خياله وما تعلمه عن الحقيقة. وفي هذا السياق يجب على مراسل الصحافة المصورة ان يقدم رسما له دلالاته وجذوره في الماضي الذي ينقله، ومتعلق بالمكان والأشخاص الذين يحاول إعادة خلق حياتهم بالرسم. ومن هنا فمراسل الصحافة المصورة عندما يحاول نقل قصة حدثت في الماضي فانه يقوم بنفس الدور الذي يقوم به مصمم الموقع في الأفلام وكذا مصمم الأزياء إضافة للمخرج الذي يحدد الادوار في الفيلم أو المسرحية. فهؤلاء مطالبون من اجل تقديم عمل يستلهم الماضي والمكان القراءة، قراءة النص والكتب التاريخية والبحث في الارشيف والانترنت عن صور الماضي. في بعض الحالات التي ينقل فيها قصة او حدثا عن الماضي فمراسل الصحافة المصورة يقدم اسئلة عن المشهد، عدد من كانوا فيه، هل كانت هناك اسلاك شائكة؟ هل كان الاشخاص واقفين ام قاعدين؟ والغرض من كل هذا هو تكييف عين القارىء لما يحدث وارضاء الشاهد الذي يرسم المراسل شهادته.
الرسام في المشهد والموضوعية
ومثل الصحافي الذي يكيف اللغة كي تخدم غرضه الصحافي فمراسل الصحافة المصورة ليس بعيدا عن شخصنة الحدث اي ان الصورة التي يقدمها في النهاية لا تعكس الا رؤيته. ويعترف ساكو ان الكاتب في هذا السياق مطالب باجتراح الحقيقة لتصوير الواقع، وهو ان لم يكن قادرا كرسام على اخراج نفسه من المشهد، فهو لا يحاول الابتعاد عن الصورة.
ويرى ساكو ان وجود الفنان في قلب الرسم يترك اثرا جيدا، حيث يحاول من خلال هذا الوضع عكس تفاعله مع الاشخاص الذين يلتقيهم حيث يتعلم الفنان الكثير من هذه اللقاءات. فمن خلال حضور المراسل والصحافي المشهد يعطي صورة ان مهنة الصحافة هي عمل لا يمارس عبر وسيط او بالروبوت. وفي هذا المجال يحلل ساكو في ‘بيانه’ مقدمته لمقالاته المصورة معنى ‘الموضوعية’ خاصة في السياق الاعلامي الامريكي. فهو يقول انه لا يعاني مشكلة مع الفكرة ان كانت التعامل مع الموضوع الصحافي بدون اية افكار مسبقة. وهو ما لا يحدث في الصحافة الامريكية، فالصحافية الامريكية التي تصل الى مطار كابول لا تتخلى عن افكارها المسبقة فجأة، ويصبح عقلها فارغا من كل افكار متحيزة عن الناس والمكان، فلا تتخلى مثلا عن فكرة ان الجنود الامريكيين الذين تتبعهم هم ناس عاديون، فعلى الاقل ستحاول ان تنقل تجربتهم بصدق ايا كان تعاطفها معهم. وكما ينقل عن الصحافي الامريكي المعروف ادوارد مارو ‘كل شخص سجين تجربته، ولا احد يستطيع محو التحيز بل يقوم بتنظيمه’. وينتقد بالاضافة لمفهوم الموضوعية وغيابها فكرة ‘التوازن’ في التغطية الاعلامية، متسائلا ان كان طرف يقول شيئا والطرف الاخر يحكي امرا اخر فهل هذا يعني ان الحقيقة تقع ما بين ما قالاه. ويرى ان التوازن يجب ان لا يكون غطاء للكسل، فعلى الصحافي القيام باستكشاف الحقيقة ان كان لدينا زعم او اكثر عن الحادث، فالصحافة كما هي عن ‘ما قالوا انهم شاهدوه’ هي بالضرورة ‘عما شاهدته بنفسي’، ومن هنا فعلى الصحافي كما يقول ساكو ان يجتهد بالبحث عما حدث فعلا وحكايته وليس ‘تحييد الحقيقة’ باسم منح وقت متساو للطرفين. ويختم مقدمته لكتابه بالقول انه اختار القصص التي اراد ان يحكيها وتعاطفه معها واضح. وتعاطفه او اهتمامه ينصب دائما على الناس الذين من النادر ان يجدوا اذنا تصغي اليهم. ومن هنا لا يرى نفسه مجبرا كي يوازن قصتهم بكلام اعتذاريين واقوياء الحجة. فهؤلاء يجدون الدعم من اعلام ما يسمى التيار الرئيس ومن ابواب الدعاية. وهو وان رأى اهمية نقل كلام الأقوياء، كما فعل مع الأمريكيين في العراق او الاسرائيليين والمستوطنين في الاراضي المحتلة الا انه يجب ان نقيس كلامهم بالحقيقة. وهو وان اعتقد ان السلطة دائما ما تنتج الاسوأ فانه يعتقد ان الذين يقفون على الجانب الاخر من العصا لا يعفون أنفسهم من الحقيقة ولهذا يحاول ان يقدم قصتهم، ومن هنا يستلهم ساكو كلام الصحافي البريطاني المعروف روبرت فيسك الذي يقول ‘اقول دائما ان على مراسلي الإعلام ان يكونوا حياديين وغير متحيزين الى جانب الذين يعانون’.
من الخليل الى رفح
تفصح اعمال ساكو عن فهم للأحداث التي يحاول تقديمها او محاولة للفهم، وهو هنا ناجح في نقل انفعالات اللحظة ورعب الحرب التي يعيشها الضحايا، فهو وان شعر في محكمة الجنايات الدولية بنوع من الملل لكثرة تكرار ومرافعات الادعاء والنيابة الا انه يستعيد لحظات الرعب في عيون الشهود الذين وصفوا فظائع الصرب الذين يصورهم كساديين يطلبون من الضحايا ممارسة الجنس الفموي، وسادية المتهم الذي يقول قبل اعتقاله انهم خططوا لوضع البوسنويين في معسكر يشبه اوشفويتزولكن ليس معسكر اعتقال. في الموضوع الفلسطيني زار ساكو الخليل حيث يرسم في البداية مشهد المعاناة التي يعاني منها الفلسطينيون الذين يضطرون للنزول من السيارات ومواصلة المشي الى المدينة على اقدامهم بسبب كتل التراب التي يضعها الجيش أمامهم. ويقابل احد ممثلي المستوطنين في مستوطنة تل الرميدة حيث يشرح الناطق باسمهم له ان الانتقال الى الخليل احتاج لقرار صعب ‘ حيث يوجد أكثر من 120 ألف مواطن يكرهونك’، ويبرر للصحافي وجوده بان النبي ابراهيم عاش هنا والنبي داوود بدأ مملكته قبل ان ينتقل للقدس. ويشير الى وقاحة المستوطنين الذين يقول سكان المدينة الفلسطينيين انهم مع الجنود يقومون بالتحرش بهم وضربهم ولكن الناطق باسم المستوطنين يقول ان العرب بارعون في الكذب. ويمضي المستوطن للتقليل من أهمية حظر التجول الذي تفرضه القوات الإسرائيلية على الخليل قائلا ان ‘حظر التجول لا يعرض حياة اي احد للخطر بل الرصاص الذي يطلقونه’. والى جانب صورة المستوطن يقدم لنا ساكو محمد ابو الحلاوة احد ضحايا مجزرة الحرم الابراهيمي عام 1994 عندما قام باروخ غولدشتاين من مستوطنة كريات اربع بقتل 29 مصليا في الحرم الابراهيمي، وقد اصيب ابو الحلاوة وأصبح يعيش على الكرسي المتحرك، ويشكو قائلا ان احدا لا يهتم باحتياجاتهم لان هناك ضحايا جددا للحرب يقعون. وكمقارنة بين وضعين يشير ساكو الى رصاصة أصابت شباك بيت مستوطن وكيف خرق الرصاص بيوت ومحلات اهل الخليل. ويحاول ساكو إظهار عبر التناقض في الزعم الاثر الذي يتركه الاحتلال على الفلسطينيين في الخليل، فعز الدين الشرباتي يقول ان الجنود احدثوا إضرارا في سقف بيته، لاتهم وضعوا الة ضخمة على سطحه، وعندما اشتكى إليهم شكروه وحركوا الالة بعيدا عن المكان الخطر. وينهي ساكو قطعته عن الخليل بحديث لابو الحلاوة الذي يقول انه بيته لا يبعد كثيرا عن قبر غولدشتاين الذي يجتمع حوله المستوطنون في المناسبات ويحتفلون ويصرخون ‘اين انت يا غولدشتاين’. وفي اللوحات التي رسمها لمخيم خان يونس يمسك ساكو بطبيعة الحياة التي تدور داخل بيوت مغطاة بالصفيح ونقاط تفتيش هذا قبل إخلاء المستوطنين من غزة عام 2005. في قطعته عن ‘حرب الأنفاق في غزة’ والتي ظهرت على صفحات مجلة ‘نيويورك تايمز′ عام 2003 يصور الكاتب الجرافات الاسرائيلية وهي تهدم مناطق سكنية وينقل عن احد القادة المشرفين على العملية قوله ‘لدينا مبرر قانوني لهدم اي بيت عندما يستخدم لعمليات ارهابية’، فيما يقول اخر من الجيش الاسرائيلي كلاما متناقضا ‘لا ندمر البيوت بشكل عشوائي’، ويناقض العقيد افي كلامه عندما يقول ان كل الاجراءات القانونية تتخذ قبل هدم البيت، ولكنه يشير الى ان هذه الاجراءات تطبق فقط على البيوت المسكونة. ويرد فلسطيني على كلام الجنرال ان بيوتهم اصبحت خالية لان رصاص الجيش الاسرائيلي شردهم منها. تسأله سيدة في المنطقة التي جرفها الإسرائيليون ماذا يفعل لو كان في مكانها، وعندما عاد يبحث عنها وجد كل البيوت بما فيها بيتها قد سويت بالتراب. وريشة ساكو بارعة في تصوير الخراب والقلق والحزن على وجوه الفلسطينيين.
الشيشان الى الهند
من أجمل الأجزاء في كتاب ساكو الجديد هو الجزء الذي خصصه للشيشان ‘حرب الشيشان ونساء الشيشان’ والذي رصد فيه كفاح المرأة الشيشانية في المخيمات وقدم عددا من الامثلة منهن وعاين اوضاعهن في الخيم وفي المصانع التي تحولت الى بيوت وحظائر المواشي التي تحولت الى مساكن. ويقدم ساكو تاريخ الشيشان من قرار جوهر دودايف إعلان الاستقلال عن الفدرالية الروسية وقرار موسكو مواجهته اولا بتسليح جماعات مؤيدة لها ثم دخول فلاديمير بوتين على الخط والذي قام بحرب ثانية ادت الى تدمير غروزني العاصمة الشيشانية، ويستعيد من خلال التاريخ الدموي للشيشان في الحاضر قصة تشريد أهلها في عهد ستالين حيث ظلوا ممنوعين من العودة اليها الا في عهد خروشوف. حزان وزارا وفاطمة وزماني نساء التقاهن ساكو وسجل قصص حياتهن ومعاناتهن. وبنفس السياق يذهب الى مالطة لمعاينة اللاجئين غير ‘الشرعيين’ من افريقيا حيث اختار المكان الذي ولد فيه لعلمه ان اهل جزيرته لن يخفوا عنه مشاعرهم تجاه هؤلاء الناس من أصحاب الحظ العاثر، ونعثر في تغطيته على مواقف عنصرية سجلها لاهل الجزيرة. ومن غير اللاجئين غير المرغوب به يرحل للهند الى ولاية اوتاربراديش حيث يلتقي مع المنبوذين من الذين لا يعرفون تواريخ ولادتهم ولا عدد اولادهم الذين ماتوا وكيف ماتوا. الكتب المصورة جنس أدبي جديد في الكتابة وهي لم تعد حكرا على كتب الأبطال الخارقين من سوبرمان وبات مان وسبايدر مان، ولا كتب الاطفال مثل تن تن، بل أصبحت تستخدم لتقديم افكار وسير ذاتية كما فعلت الإيرانية مرجان ساترابي ‘بيرسوبوليس′ والذي تحول الى فيلم نال احتفاء نقديا. في كتابات وأعمال ساكو محاولة لمناقشة القضايا الكبرى في المنطقة خاصة فلسطين بدون الوقوع في فخ الجدلية او الاعتذارية لهذا الطرف او ذاك، فهو قادر على نقل الصورة التي يراها او يستمع اليها بدون تهويل او تبسيط ولكن بطريقة مريحة وعفوية.
الكاتب والرؤية
ولد ساكو في عام 1960 في مالطة، كان يعمل والده مهندسا وكانت تعمل امه مدرسة، انتقلت عائلته وهو صغير الى ملبورن في استراليا ومنها انتقل في سن الثانية عشرة الى الولايات المتحدة الامريكية، وعاشوا فترة في لوس انجليس ومنها الى بورتلاند حيث يعيش الان. وقد قضى ساكو فترة متنقلا ما بين برلين وسويسرا ونيويورك. بدأ حياته في الصحافة حيث عمل في صحيفة المدرس الثانوية ‘سانسيت’ وفي ‘بيرفتون اوريغان’ وقد خطط للمضي والعمل كمراسل صحافي حيث اكمل دراسته الجامعية في مجال الصحافة وحصل على بكالوريس من جامعة اوريغان عام 1981 .وقد تأثر في بداية حياته بتقارير مايكل هير الذي كتب رسائل صحافية من فيتنام، وكذا تأثر بهانتر تومبسون والكاتب والروائي جورج اورويل. وكانت اول وظيفة له كصحافي في مجلة جمعية المحامين الوطنية في لوس انجليس التي وصفها بالمملة بشكل كبير. عاد الى مالطة وعاش فيها فترة ثم الى بورتلاند حيث عمل في مجلة فيها التي لم ترض طموحه، ثم قام مع زميل اخر له بإدارة مجلة اسمها ‘بورتلاند بيرمينات برس′ وبعدها قرر ان يتفرغ للرسم الكرتوني حيث انشأ مجلته الخاصة ‘ياهو’. وكان هذا الاختيار قبل ان تقرر شركة ياهو اطلاقه على موقعها على الانترنت. مشيرا في مقابلة له انه كان يجب عليه ان يسجل هذا الاسم حيث اخذه من كتابات جوناثان سويف. وتعود علاقته بفلسطين والمسألة الفلسطينية أثناء إقامته في برلين في التسعينات من القرن الماضي حيث استمع كثيرا الى الطريقة التي تغطي فيها الصحافة الأمريكية الشرق الأوسط وقضاياه، مما دفعه للسفر الى هناك حيث بدأ يوثق ما شاهده ويكتب ما سمعه من حوارات ويسجل القصص التي سمعها من السجناء الفلسطينيين ويقول انه ‘لم يكن متأكدا ان كان سيجد من ينشر هذه القصص المصورة’، مشيرا الى ان ما فعله كان بمثابة ‘انتحار تجاري’ للمؤسسة التي ستنشرها. وقد ظهرت اول قصة من هذه القصص التسع التي ظهرت تحت اسم ‘فلسطين’ عام 1992 ثم جمعت في كتاب قدمه الراحل ادوارد سعيد والذي كتب قائلا انه ‘باستثناء روائيين وشاعرين فان أحدا لم يقدم هذا الوضع الرهيب أحسن مما قدمه جوي ساكو’، مضيفا ان ساكو ‘يتحرك ويتلكأ بانتباه وبدون شراسة، بحذر وبسخرية، سياسي وجمالي ويقدم عملا أصيلا’، كما قدم نفس الأصالة في عمله عن البوسنة ‘ غورديج منطقة آمنة’ والذي وصفه ديفيد ريف في ‘نيويورك تايمز′ بأنه ‘أجمل استعادة درامية للكارثة في البوسنة’. وما يجعل عمل ساكو مهما هو حرصه، وغياب النبرة الذاتية والبحث عن التفاصيل الإنسانية. ومع انه لا يمانع الرواية الكرتونية او المصورة إلا ان الاسم الآن هو ‘الرواية البيانية’. وعلى العموم فأعمال ساكو تدخل في إطار ما تحدث عنه في مقدمة كتابه الذي نقدمه هنا هو إعطاء صوت للذين يعانون وإعلاء شأن الحقيقة.